هنا الاكمال اخوي احمد
( 3 )
الوقت لايكفي للتفكير العميق ..
ولم أجد بدا من الخروج ..
لقد أصبحت مكبلا .. ومهددا في أي لحظة بضغطة زر واحدة ..
إنما مثلي ومثله كمثل المجرمين الذين يضعون المسدس على رؤوس رهانئهم ويهددون بإطلاق الرصاصة الأخيرة عند أي تحرك للشرطة..
لقد كنت صغيرا .. وأخاف على نفسي .. ولم أخبر بذلك أحدا كما توعدني .. وشيطاني أيضا كان يمهد لي خيارات غريبة على أنها الحل .. لقد كنت بين شيطانين في الحقيقة ..
وطويت صدري على زمرة أشواك ..
كنت وإياه مثل القطة والفأر كما في (توم آند جيري)
لا ..
إن الفأرة في (توم آند جيري) تتحرك بحرية ..
إنني مثلها عندما كنت أذهب إلى البقالة قبل أن أصاحب حمود ..
في حوش منزلنا رأيت مرة قطا مضطجعا بكل هدوء ويتلفت بأعصاب باردة وأمامه فأرة منهكة كلما حاولت الهرب سحبها بيده بكل برود ..
إنني أشبه نفسي بها الآن ..
بكيت لوحدي كثيرا ..
كرهت نفسي ..
وكرهت أناسا آخرين من دون سبب !!
رأيت أبي يتحاور مع المرشد الطلابي في غرفته ..
ثم استدعاني المرشد بعدها وجلس معي على انفراد :
- أنت طالب مؤدب .. وذكي .. ومجتهد .. ومحترم .. لكنك في الفصل الثاني تغيرت كثيرا .. درجاتك هبطت كثيرا .. بعض المعلمين ذكر لي أنك كثير النوم وكثير التفكير خارج الدرس .. كان أبوك يناقشني قبل قليل عن وضعك في المدرسة .. وأنه مستعد لنقلك إلى المتوسطة الأخرى في الحي المتاخم إذا كانت المشكلة في طلاب هذه المدرسة !! .. هاه ؟ .. هل هناك شيء يؤذيك في المدرسة ؟
- ..............................
- الموضوع عادي جدا .. أنا أخوك الكبير .. اطرح مشاكلك هنا بكل راحة ..
صورة وجه حمود القذر تتحرك فوق رأس المرشد .. رسائل الوسائط ترن في أذني .. سكت ولم أستطع الكلام ..
- تحدث بكل مشاكلك .. قل أي شيء يزعجك .. لاتتردد ..
في هذه اللحظة .. لم أستطع أن أملك زمام نفسي فانفجرت ببكاء مرير ..
كنت أنشج بقوة ..
تركني المرشد قليلا .. وهدأ من روعي .. وقال :
- سيكون سرا بيني وبينك .. صدري قبر لسرك .. عهد بيني وبينك ..
تراخيت قليلا .. البكاء أزال عن ظهري شيئا من الحمل الثقيل .. قلت في نفسي : سأقول له وليكن مايكون .. اشترطت عليه أن لايخبر أحدا من البشر بما أقول .. حتى أبي .. ثم قصيت عليه الخبر حتى آخره ..
كان متفاعلا معي .. وتأثر كثيرا بقصتي ..
لاطفني ووعدني بأنه سيتابع الموضوع معي ..
ولكني لمست تورطه بمعرفة السر !
لمست ذلك بإعراضه عني بعد تلك الجلسة !!
لم يجلس معي بعدها أبدا !
أصبح الوضع عاديا بالتدريج فيما بيني وبينه كما لوأنني لم أقل له سرا خطيرا ..
يبدو أنه سيكتفي بحفظ السر فقط !
بعد جلستي معه بأسبوع قام باستضافة شيخ جليل وكان عنوان المحاضرة ( الفاحشة )
وقام أيضا بتوزيع مطويات عن الفاحشة وخطرها ..
ولكن ذلك لايعني لي شيئا !
أنا لست جاهلا بالخطر ..
أنا وقعت في الخطر الآن وأعترف بخطئي .. فهل إلى سبيل من خروج ؟
ولكن من خلال تجربتي معه ظهرت لي نتيجتان :
أن البعض يعمد لاستثارة الأسرار من صدور الناس وهو غير مستعد لمتابعة الحل !
والأخرى أنه يوجد من المرشدين الطلابيين من هو مرشد على مكتبه وأوراقه فقط !!
بل إنني أحسست بشيء من اليأس حيث عجز عن حل مشكلتي رجل كبير من مثل المرشد الطلابي ..
كما قلت لكم ..
لم يتغير شيء ..
واستمرت عبثية القط بالفأر ..
وفي أحد الحصص الدراسية ..
أخرج الوكيل طالبين من الفصل .. صالح وفهد ..
همهم الطلاب بخبرهما وأنهما تشاجرا في اليوم الذي غبت فيه ..
صالح ؟
صالح طالب مؤدب ومحترم .. أنيق جدا وجميل تقاسيم الوجه .. ولبق الحديث إلى حد كبير .. وهو أحد طلاب حلق تحفيظ جامع الحي .. بل إنني سمعت من غير واحد في الفصل بأنه يحفظ كثيرا من القرآن .. مع هذا كله كيف يكون قد تشاجر مع فهد ؟
وفي الفسحة الثانية دنوت من صالح وسألته :
- عسى المشكلة هينة إن شاء الله ؟
- هلا والله .. أي مشكلة ؟
- المشكلة التي بينك وبين فهد ..
- أها .. فهد طالب وقح .. ويستاهل ..
- يستاهل ؟ .. يستاهل ماذا ؟
- أنت غير موجود يوم السبت ؟
- لا .. كنت غائبا .. هل تخبرني بالقصة ؟
- سم .. لاتخفى عليك شخصية فهد وخلقه السيء .. جاءني يوم السبت ورمى علي كلاما فاحشا .. نظرت إليه بعيني تهديد .. ولكنه في زحمة الطلاب جاء مختلسا من ورائي ولمسني بيده في موضع حساس .. التفت إليه ولكزته في بطنه .. ثم نزعت حذائي وصفعته على خده .. ولولا اجتماع الطلاب حولنا .. وحيلولتهم بيني وبينه لكنت قد تركته خرقة بالية ..
- صفعته بالحذاء على وجهه ؟
- نعم .. وهو أحقر من أن أحترمه .. وحذائي أكرم من فعلته التي فعلها ..
نظرت إليه نظرة إعجاب وإكبار ..
هل هذا هو صالح الهاديء الصامت ؟ .. كنت أظنه لايستطيع الدفاع عن نفسه !..
إن داخل هذا المخلوق الأليف حميَة عظيمة .. وخلقا كبيرا ..
سألت نفسي وأنا أتأمل في وجه صالح :
ترى .. هل يكون أول خيوط الحل عن طريق صالح ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
سأكون معكم قريبا إن شاء الله ..
المفضلات