أخي الشاهين
لاشك ـ والله العظيم ـ أنها فاجعة كبرى تذيب القلب وتخرس اللسان ويتوقف العقل عن التفكير في الأسباب والمسببات واستخلاص النتائج والمقدمات فاجعة يتعطل فيها البيان ويضطرم في الجوانح صالي الأحاسيس .ولا يفكر المرء إلا في حجم المصيبة التي صبت فوق رأس هذا المواطن نسأل الله أن يربط على قلبه وأن يؤجره على مصيبته و أن يلهمه الصبر والسلوان. وأن يعوضه خيرا

فلك الله يا هذا المواطن المفجوع .. كيف أصبحت يوم الخميس تمني نفسك بنزهة حول السد ترفه فيها عن أسرتك وتسعد فيها أولادك وتبعث فيهم النشاط لاستقبال فجر مشرق جديد يمضي به زورق الحياة ليحط في مرافئ الأمل ، وإذا بك تعود وحيدا كئيبا بك من الهم ما لا يتصوره بشر .. سبحانك .. يالطيف لاراد لقضائك ولا معقب لحكمك ..نسأل الله أن يكون في هذه المصيبة خير لهذا المواطن يعوضه ما حل به وينسيه همومه وأحزانه

ولا بد لنا من بعد هذه الحادثة أن نستخلص العبر ، وأن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى غرق هذه الأسرة واحدا واحدا وعلى الجهات المسؤولة أن تحقق أولا في كيفية الغرق .. هل هم حاولوا السباحة في مجرى السيل ؟ وهل كانوا جميعا في البداية أم أن أحدهم سقط أولا ثم تبعه الباقون واحدا بعد الآخر لمحاولة إنقاذه ؟ وكيف تمت محاولة الإنقاذ إن كان ثمة محاولة فهذه الأسباب كلها مجهولة الآن ومعرفتها ضرورية لضمان عدم تكرارها

ثم أن السباحة في بحيرات السدود محفوفة بالمخاطر ، وحتى أمهر السباحين يخشى عليه من الغرق في مثل هذه البيئة لوجود الطمي الذي يسحب الغريق ولا يترك له مجالا للفكاك ، وتنسحب الخطورة على كل من يحاول إنقاذه دون علم بهذه الطبيعة .. التي لا ينفع فيها بعد إرادة الله إلا استخدام الحبال .

ولا شك أن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق الدولة ممثلة في دوائرها المختصة لحماية الناس من تكرار مثل هذه الحوادث ، ومسؤولية أخرى تقع على عاتق المواطن تفرض عليه توخي الحيطة وأخذ الحذر والعمل بالأسباب والاتكال على الله للبعد عن مواطن الخطر ، وأنا لا أريد أن أنكأ جراح هذا المواطن فما فيه يكفيه ولكني أقصد المواطنين بصفة عامة

إذ تقع على أي منا مسؤولية تجاه أفراد أسرته في كل ما يخطط له أو ينوي فعله وعليه أن يشركهم في استشعار الخطر ويحذرهم من مسبباته فإذا خرج إلى نزهة برية مثلا عليه أن يعلم أولاده مخاطر البر وما فيه من هوام ودواب وحيوانات مفترسة وجبال شاهقة ومنحدرات خطرة حتى يكونوا على بينة من أمرهم .. وإذا خرج إلى البحر بين لهم أخطاره وشرح لهم ما فيه من حيتان مفترسة وكائنات سامة ورياح عاتية وزودهم بوسائل السلامة اللازمة ... وإذا خرج إلى أنهار أو سدود بين لهم أخطار المنزلقات ووضح لهم طبيعة الطمي وكيف أنه يغوص بمن تقع عليه رجله إلى القاع
وليجعل كل متنزه أفراد أسرته تحت نظره ويحيطها برعايته ولا يغفل عنها حتى يبلغها مأمنها .. ولا يظنن أن هذه الأمور معروفة بداهة فهي معروفة له ولكنها غائبة عن أولاده وأفراد أسرته الذين يتصرفون في هذه الظروف وكأنهم في منازلهم .. بل حتى في المنازل على الأب أن يحذر أولاده من مواقع الأخطار

وعلى الرغم من أنه لا ينفع حذر من قدر إلا أن المسلم مأمور بالأخذ بالأسباب وبتوخي الحيطة والحذر .. وإذا حدث بعد ذلك شئ فليستقبله بالرضا والقبول لأن إرادة الله غالبة في كل الأحوال

نعود إلى السد وهناك احتياطات ضرورية لا بد من توفرها منها على سبيل المثال لا الحصر

1ـ العمل على إزالة الطمي أولا بأول من أرضية السد لأنه يمنع امتصاص التربة للماء فيصبح الماء المحجوز لا قيمة له على الاطلاق ، ومن جهة ثانية فهو خطير جدا في حالة إنزلاق شخص إليه

2ـ حجز بحيرة السد وحدوده القريبة بشبك من الحديد يمنع المتنزهين من محاولة الوصول إليه

3ـ إنشاء أماكن آمنه حول السد صالحة لاستراحة العوائل يستطيع من خلالها المواطن أن يستمتع بمنظر المياه وهو في مأمن من الخطر

4ـ العمل على وجود حبال تثبت أطرافها على حواف السد وتترك الأطراف الأخرى سائبة في الماء للاستعانة بها حين الحاجة للإنقاذ

5ـ إنشاء مركز دائم مزود بفرقة إنقاذ مدربة حول السد يبين للناس أخطاره ويحذرهم من الدنو من الأماكن الخطرة ويمنع المتنزهين من الوصول إلى السد في الأوقات التي يزيد فيها الخطر ويقوم بمهمة الإنقاذ

وهناك العديد من الوسائل التي إن قمنا بها فإننا إن شاء الله سنقلل من حوادث الغرق ونمنع كثيرا من الكوارث التي تحدث بسبب إهمالنا وتقصيرنا

وفي الختام أشكر أخي الشاهين وأحيي فيه هذه الوطنية الصادقة ، وأسأل الله أن يثيبه وأن يكتب على يديه الخير
وعزائي الخالص للمواطن الصابر ودعائي له بالخلف والعوض إن شاء الله