[movet=left]الهيئة وحديث الأخطاء [/movet]



يلحظ المتابع للحراك الثقافي في مجتمعنا في هذه الأيام عبر وسائل الإعلام وغيرها أن هناك جملة موضوعات محدودة ، تعد على أصابع اليد الواحدة ، يكثر الحديث عنها ، وترتفع الأصوات حولها ، وتفتعل الخصومات معها ، لتكون آحادها ليست قضية بذاتها فحسب بل قضية القضايا .

ومن هذه الموضوعات التي كثر الشغب حولها هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يقال عن أخطاء منسوبيها ، ونسمع في هذا الشأن قصصاً واتهامات مختلفة ومتنوعة لا تخلو كثيرٌ منها من غرابة ونكارة في متونها وأسانيدها ، تثير حولها عدة استفهامات ، ومع ذلك وللأسف فهناك من يتلقى هذه الأخبار دون تحري ولا روية ، ويتعاطف معها ، بل ويبني عليها أحكاماً جائرة عاريةً من العدالة والإنصاف .

والحديث عن الأخطاء بحاجة إلى عدة وقفات لتتجلى الحقيقة وتزول الغشاوة عن الأعين ، وتوضع الأمور في نصابها :



أولى هذه الوقفات : فبحكم تجربتي وممارستي للعمل بالهيئة ولعدة سنوات في أكثر من مدينة ، فإن ما يثار من قصص وروايات ، بل واتهامات حول منسوبي الهيئة لا يتعدى أربعة أحوال :

- روايات مختلقة ، وغير واقعية ، ونسمع من هذا شيئاً كثيراً في بعض المجالس العامة وعبر بعض وسائل الإعلام .

- روايات فيها أحداث واقعية في بعض جوانبها ، ولكن أضفي عليها جو من المبالغة والتهويل ، ضاعت معه الحقيقة وشوّه الواقع ، وفي العادة فإن مثل هذه الأحداث يحصل فيها اجتزاء للواقع ، ويضاف إليه بعض الإضافات غير الصحيحة ، والتي هي عبارة عن توقعات وظنون وتحليلات شخصية من الراوي ، فالمشاهد العادي في الغالب لا يطلع على خفايا الأمور وبعض ملابساتها، وينطلق في حديثه من منطلق عاطفي بحت ، وبعض الأشخاص يتعمد إخفاء جزءٍ من الواقع الذي وقع له وذلك لأغراض شخصية ، وهنا يحصل خلط كبير .

- اجتهادات صادره من بعض منسوبي الهيئة – فيما يسوغ فيه الاجتهاد – وبما تمليه عليه ظروف الواقعة ، وملابساتها ، وما لديه من معلومات مسبقة عن أشخاصها ، وهذه الاجتهادات لا مانع من أن نتحاور في مدى مناسبتها ، وهل هناك إجراءات أفضل منها أم لا ، والحوار فيها من باب الفاضل والمفضول ، لذا لا ينبغي بحال أن يتحول ذلك إلى تهمٍ وأخطاءٍ لمجرد عدم قناعة البعض بها .

- أخطاء حقيقية ، قد تقع أحياناً من بعض منسوبي الهيئة ، نظراً لطبيعتهم البشرية وضغوط العمل الميداني التي يتعرضون لها ،وغير ذلك ، لا يرضى بها المسئولون في الرئاسة العامة للهيئات ، ولا يقرونها ، ويسعون إلى الحد منها ، وتعتبر سلوكاً فردياً لا يمثل إلا صاحبه .



ثاني هذه الوقفات : ليس صحيحاً ما يقال أن المسئولين في الرئاسة ينكرون الخطأ ، ولا يحاسبون المخطئ – على تفصيل سيأتي – ويضفون على مرتكبه بشت العصمة كما يقول بعضهم ، وهذا هو معالي الرئيس العام –حفظه الله – أبدأ وأعاد في هذه النقطة مراراً وفي أكثر من مناسبة عبر وسائل الإعلام المحلية .

ثالث هذه الوقفات : الرئاسة العامة للهيئات تتعامل مع أخطاء منسوبيها وفق مبدأ شرعي ونظامي مهم ، يجدر بنا أن نؤكد عليه ، وهو مراعاة القصد في الفعل والضرر المتعدي المترتب عليه ، ومراعاة الفوارق في ذلك ، فالأخطاء بشكل عام على نوعين :



النوع الأول : أخطاء غير متعمدة ، وهذه قد رفع الله عن الإنسان المؤاخذة بها ، كما في قوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسيان أو أخطأنا } ، وفي حالة ترتب ضرر متعد عليها فإن النظام قد كلف الدولة بتعويض المتضرر متى تبت أن الخطأ وقع من رجل السلطة باجتهاد قاصداً تحقيق المصلحة العامة .



النوع الثاني : أخطاء متعمدة ، وهذه الواجب فيها الأخذ على يد المخطئ ومعاقبته وفق نظام تأديب الموظفين ، وإن ترتب عليها ضرر متعد فيلزم المتسبب بالتعويض عن الضرر الحاصل بسبب فعله .



يظهر من ذلك أن التعامل مع الأخطاء بآلية واحدة دون مراعاة هذا المبدأ ظلم وإجحاف ترفضه الشريعة الإسلامية ويأباه النظام .

رابع الوقفات : في غاية الأهمية أن لا نغفل منهجية الإسلام في تلقى الأخبار .. " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" ، فنخضع جميع ما نسمعه من قصص واتهامات سواء لشخص أو لجهة ما للتدقيق والتمحيص لمعرفة مدى مصداقيتها ومطابقتها للواقع الصحيح ، قبل أن نبني على ذلك أي حكم ، لكي لا نقع في الظلم والجور ، ولا يكن أحدنا كحاطب ليل يجمع ويروي كل ما يسمع دون أن يعمل عقله فيه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " .

همسة ليس غريباً أن يخطئ المرء ما دام أنه يعمل وينتج ، فقد قيل " الذي لا يعمل لا يخطئ " .



رئيس قسم العلاقات العامة والإعلام

بفرع الرئاسة بمنطقة المدينة

محمد بن عواد الأحمدي