إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرحيم بأمته، قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلى ديار آمنة، فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر منهم فى رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً، وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية، فى سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، حيث النجاشى الملك العادل، الذى لا يظلم عنده أحد. وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش، فقفلوا راجعين إلى مكة فى شوال من نفس العام، وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار فى مكة. واشتد تعذيب المشركين لهم، فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين، وشدة حذرهم. وبلغ عددهم فى هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة، لكن أنى لنار قريش أن يهدأ أوارها، لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم، فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلى الحبشة لاستردادهم من النجاشى، وقد خاب سعيهم، وبطل مكرهم، ورد النجاشى رسولى مكة دون أن يقضى لهما حاجة، بل أعلن إيمانه بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما هؤلاء المهاجرون، فقد مكثوا بالحبشة، حتى مكن الله لنبيه بالمدينة، فعادوا إليها، وكان آخرهم عودة جعفر بن أبى طالب بعد فتح خيبر.