والثانية في سورة سبأ: { ولقد آتينا داود منا فضلاً، ياجبال أوبي معه والطير، وألنّا له الحديد} 10 {ولسليمان الريح غدوها شهرٌ ورواحها شهر وأسلنا له عين القِطر}12.
الآية الأولى تروي لنا مشهداً في بلاط سليمان النبي عليه السلام، حيث وقف يطلب من تابعيه أن يأتي له أحدهم بعرش بلقيس ملكة سبأ، والمعلوم عن سليمان أنه كان ملكاً للكائنات جميعاً من إنسان وجن وطير وحيوان وحشرات وجمادات. فما كان من عفريت من الجن كما هو وارد في الآية أن قال : "أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك" والأمر بهذه الصورة ليس بغريب، كذلك فإنه لا يتعلق بموضوعنا مجال البحث، فالغالب أن هذا العفريت كان سيقوم بحمله بنفسه، وهذا الأمر لا يتعلق بنقل الأشياء عن بعد من جانب الجن وإن كان متعلقاً بعموم الظاهرة بالنسبة لبعض الناس الذين يلجأون إلى الجن لتحريك الأشياء وهو ما سوف نقوم بتفسيره في حينه إنما ما يهمنا الآن هذا الرجل من جلساء سليمان، والذي قال "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" والوارد في كتب التفسير أنه رجل أي إنسان وقد أتى بعرش بلقيس في حينه، والوضع كذلك هو قمة استخدام القدرات والصورة الكاملة للظاهرة نظراً لبعد المسافة التي قام هذا الرجل بنقل العرش منها (بين فلسطين واليمن) والزمن القياسي الذي قطعه للقيام بذلك "قبل أن يرتد إليك طرفك" فقد قطع المسافة في اللازمن. والظاهرة الآن ونعني بها تحريك الأشياء عن بعد تأخذ في معظم حالاتها أبعاداً أقل من ذلك بكثير، فلا تعدو أن ينقل أحدهم شيئاً من مكان إلى آخر عدة سنتيمترات أو جزءاً من المتر أو أن يثني بعض الملاعق والشوك وهو ما يعد مجرد بداية للقيام بذلك الحادث الذي قام به رجل سليمان.
ومن الآية الأخرى نجد أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنه قد منح داود عدة مواهب كمعجزات للناس منها ثني المعادن ولكن في عبارة توضح قوة رهيبة منحت لداود (وألنا له الحديد) وهو ما يوحي بأن الحديد وهو أصلب المعادن قد أصبح ليناً سلساً في يدى داود إلى القدر الذي يصل فيه إلى المعجزة. والجدير بالبحث أن هذه المعجزات إنما تمنح للأنبياء ليتحدوا قومهم فيما أحسنوا ومهروا فيه. وهو ما نراه في معجزة القرآن الكريم عند العرب الفصحاء ومعجزة السحر لموسى عليه السلام لمهارة المصريين فيه والطب لعيسى عليه السلام لمهارة قومه كذلك.. فلم كانت معجزة داود؟. هل كانت كذلك لتوافر قدرة قومه في ثني المعادن؟ هذا الأمر وارد ولاشك وإن كان داود بطبيعة الحال قد تجاوز كل قدراتهم في هذا الشأن حتى تكتمل المعجزة. وبعرض هذه الآيات يتضح لنا وجود هذه الظواهر في حقيقة الأمر، وإنها ليست مجرد أساطير أو تخيلات ولا يبقى سوى التحقق من مدعيها إن كانوا يملكون هذه القدرات من عدمه. وإن كنا قد توصلنا إلى القطع بوجود مثل هذه الظواهر في الحقيقة فإننا نرى ضرورة معرفة مصدرها وكيفية تمتع بعض الأفراد بها دون سائر الناس، والأمر عندنا لا يخرج عن إسناد ظاهرة تحريك الأشياء إلى عدة مصادر وهي:
1- تحريك الأشياء عن طريق تسخير الجن.
2- تحريك الأشياء عن طريق قدرات عقلية للتحكم في الطاقة الإنسانية.
3- تحريك الأشياء عن طريق علم رباني يتلقاه العبد.