وهذا هو الإنسان المخلوق أيضاً من ذرات والذي تجري في جسمه الملايين من العمليات الكهربية، عمليات في طبيعة الذرة وتكريسها وأخرى مصدرها العقل الذي يستخدم الشحنات الكهربية بين خلايا المخ في التفكير وتخبىء الذاكرة والربط بين المحسوسات التي تصل إليه عن طريق الحواس وإشارات يصدرها إلى الأعضاء لتتحرك أو تسكن، والعديد والعديد من العمليات التي تؤدي إلى مجالات كهربية أو كهرومغناطيسية تتشابك وتتنافر وتنطلق بعيداً عن جسم الإنسان وترصد بالأجهزة الحديثة على شكل هالة ضوئية غير مرئية لأعين البشر لقصر موجاتها الشديد. هذه الموجات تنطلق معبرة عن مجالات عديدة تعبر بعضها عن نشاط الذاكرة وثالثة عن الأفكار وأخرى عن أوامر العقل وهكذا كل مجال يعبر عن مصدره بقدر معين من الطاقة وبشكل يخرج ما في داخل الإنسان إلى الوجود الخارجي. فكل عملية عقلية تخرج قدراً من الطاقة يعاد خروجه بنفس الطريقة والكيفية التي يخرج بها عند إعادة نفس العملية.
ولنا أن نتساءل .. ماذا لو أن هناك من يستطيع التقاط هذه المجالات وفهمها أو ترجمتها ليحل شفرتها ويترجمها؟ إنه بلا شك سؤال مهم تؤدي إجابته إلى نتائج مهمة. وننتقل مؤقتاً إلى سؤال آخر وهو: كيف تتفاهم الحيوانات والطيور وكائنات عديدة من حولنا؟. الشئ القاطع أن هذه الكائنات تتفاهم وتتعامل مع بعضها البعض بصورة كاملة وتعبر عن رغباتها واحتياجاتها, ولكن ما الطريقة؟. تناول العلماء أسلوب الإشارة في محاولة لإيجاد أساس لهذا الاتصال، ولكن إن سلمنا بنجاح هذه الطريقة مع الحيوانات العليا كالقرد والذي تتيح له إمكانياته العقلية وتركيبه الجسماني أن يستخدم الإشارة فماذا عن غيره من الكائنات التي لا تتمتع بهذا التكوين الجسماني كالطيور أو الأسماك?. توصل العلم حديثاً أن الأسماك تصدر موجات صوتية مختلفة تقوم بالاتصال بها فيما بينها، وكذلك بعض الحشرات والتي تستخدم قرون الاستشعار الخاصة بها بأسلوب يتشابه مع هوائي التليفون المحمول أو التليفزيون. ومن هنا ندرك أمراً مهماً يصل بنا إلى أن نتبنى نظرية أن هذه الكائنات تتصل بعضها البعض عن طريق موجات كهربية مصدرها الدماغ وهو ما يعود بنا إلى سؤالنا الأول..!
فهذه الكائنات تستخدم مراكز في أجسامها تتلقى بها الإشارات الصادرة من رؤوس أشباهها وتحللها إلى كلمات ومعانٍ، وهذا هو بيت القصيد، فالإنسان هذا الكائن الموهوب لما أودعه الله سبحانه فيه من قدرات هو وحده القادر, ولو بصورة جزئية, على تلقي تلك الإشارات الصادرة من مثيله. وذلك عن طريق مراكز مخية كانت تستخدم سابقاً بكفاءة إلا أن الإنسان تكاسل في استخدامها حتى أنه أصبح لا يعلم بوجودها ضمن قدراته. واليوم وعندما تعمل هذه المراكز بصورة تلقائية في ظروف خاصة يندهش الإنسان لغرابة ما يرى ويحاول تبريرها بكافة الصور. والحقيقة أن الكثير من الناس توجد لديهم هذه المراكز نشطة ولكن لجهلهم بطريقة استعمالها بل لجهلهم بوجودها أصلاً يتركونها تعمل بصورة تلقائية عندما تسمح الظروف بذلك. وهذا ليس بالغريب .. فكثير من الأفكار ترد إلى ذهن الإنسان وبصورة فجائية دون أن يفصح عنها أو أن يسأل عن مصدرها مما يجعلها تمر عليه مرور الكرام ثم يتناساها وهكذا حتى يتعرض لموقف يفصح له مصدر هذه الأفكار عما يدور في ذهنه فيظهر العجب والدهشة لأنها نفس الأفكار التي تشغل عقله وتدور في ذهنه. وكثيراً ما تعمل مراكز استقبال الموجات البشرية تلقائياً في مخ الإنسان عندما يصادف أن يصدر الغير هذه الموجات على نفس التذبذب المستعدة هذه المراكز لتلقيه. وتزيد النظرية اقتراباً من الواقع عندما يكون الاتصال بين فردين في عائلة واحدة كالأم وابنتها أو بين توأمين متماثلين في الخلق والخلقة. ومما لا شك فيه أن هناك من البشر من يتمتع بهذه الموهبة بالفطرة ألا وهي موهبة الاتصال، وهناك أيضاً من أدركها في نفسه وقام بمحاولة تنميتها بالصقل والتدريب.

التخاطر وتوارد الأفكار .. ظاهرتان مختلفتان
قبل أن نسترسل في شرح هذه الظاهرة ألفت أنظار القراء إلى أن ظاهرة "توارد الأفكار" تختلف عن ظاهرة "التخاطر" وإن كان لها نفس الأساس إلا أن الأولى تحتاج دائماً إلى طرفين متجاوبين بينما الثانية تعتمد كل الاعتماد على قدرات طرف واحد. فبينما يكون التوارد بين عقلين نشطين مترابطين باهتمامات مشتركة أو وحدة الدم كصلة القرابة أو يسعيان إلى هدف مشترك يكون التخاطر عقل واحد موهوب يتمتع بالقدرة الفذة والروح الشفافة فيغذي العقول ويرسل إليها برسالاته ويستقبل رسائل الآخرين دون أن يعرب عما يدور في ذهنه لهم إلا إذا أراد ذلك. وعليه فإن العقل المتخاطر يمكنه إرسال الرسائل بصورة ما أو الاطلاع على رسالة ما من فكر أي إنسان. بينما التوارد هو حالة تشابه فكرية ومادية تتعلق بمثلين تنتج أثراً ألا وهو الاتصال الفكري بينهما، في ظروف مواتية. وسوف نعرض في السطور القادمة آراء العلماء في هذه الظاهرة بمذاهبهم المختلفة في محاولة للإحاطة بكل جوانبها.
أوضحت سابقاً أن مرجع القدرات الخارقة للبشر قد يكون ذاتياً مستنداً إلى مواهب خاصة روحية المصدر، أو تكون مستندة إلى علم من العلوم التي من شأنها الاتصال بمخلوقات غيبية والاستعانة بها أو التأثير على البشر بصور مختلفة بعضها نافع والآخر ضار. والتخاطر هو أحد هذه القدرات الذاتية المصدر.. وتعد ظاهرة التخاطر أقدم القدرات الإنسانية الخارقة التي عرفها الإنسان والتي يعزى إليها طريقة الاتصال بين بني البشر في العصور القديمة الغابرة كما يرى المهتمون بهذا العلم. ونتيجة للتطورات العلمية الحديثة والابتكارات البشرية ضعفت قدرات الإنسان بصورة أفقدته قدرته على الاتصال العقلي والروحي بالكيفية التي كان عليها عن ذي قبل وأصبح التخاطر ظاهرة نراها بصورة عارضة لبعض البشر ونعدها من الخوارق. وفي البداية أعرض لهذه القدرة الخاصة لبعض الناس في محاولة لمعرفة مصدرها وطبيعتها وأسبابها ، مع علمنا التام بأن هناك من يريح نفسه بإنكار مثل هذه الظواهر جملة، فالإنسان عدو ما يجهل، ولكننا نأخذ الطريق الصعب في سبيل المعرفة، ولعلنا نصل إلى التبرير العلمي الصحيح الذي يوضح لنا هذه الظاهرة التي نراها عند بعض الناس في مختلف دول العالم مقتنعين تمام الاقتناع بأن تواتر هذه الظاهرة عند أكثر من شخص وفي أكثر من زمان واحد ومكان واحد لا يمكن أن تنسب إلى فراغ وأن يوصم كل من ادعاها عبر العصور بالدجل والشعوذة. خاصة وأن هناك من الأدلة العلمية والنقلية التي تؤيد هذه الظاهرة وإمكانية حدوثها بقدرات الإنسان التي أودعها الله فيه.

وصف ظاهرة التخاطر
التخاطر عبارة عن نوع من الاتصال العقلي عند البشر بصورة غير مادية ملموسة بين شخصين بحيث يستقبل كل منهما رسالة الآخر العقلية في نفس الوقت الذي يرسلها إليه الآخر مهما بعدت أماكن تواجدهما. وبعبارة أبسط ، فالتخاطر يعني معرفة أى شخص منهما بما يدور في رأس الآخر.

أسس التخاطر العلمية
أثبت العلم الحديث نشاطات عديدة لجسم الإنسان لم تكن معلومة لدينا في الماضي القريب، ومن هذه النشاطات الأثر الكهرومغناطيسي للنشاط الكهربي لعقل الإنسان. نعم فإن خلايا المخ عند الإنسان والتي تعد بالملايين تقوم بعدة مهام عن طريق إرسال الإشارات الكهربية فيما بينها، وهذه الإشارات الكهربية بدورها تكون بمثابة الأمر المرسل من مراكز المخ المختلفة المسئولة عن تحريك الأعضاء والإحساس والقيام بتوصيل المعلومات من الحواس إلى مراكز المخ والعكس، فتقوم بتوصيل الأوامر من المخ إلى الأعضاء من خلال الأعصاب. وهذا النشاط الكهربي مهما كانت درجة ضعفه فإنه يولد نوعاً من الطاقة الكهرومغناطيسية يمكن رصدها بالعديد من الأجهزة المعدة لذلك بل وتصويرها بالموجات شديدة الصغر في شكل هالة ضوئية حول الإنسان لها مدى معين ولون طيفي يميز هذه الهالة من شخص إلى آخر ومن حالة إلى حالة لنفس الإنسان. ومما لا شك فيه أيضاً أن هذه الهالة الضوئية غير المرئية هي وليدة نشاط المراكز العديدة في المخ من مراكز الحواس إلى الذاكرة إلى الاتزان. ومما لا شك فيه أيضاً أن كل العمليات العقلية التي تمارسها هذه المراكز المخية يكون لها قدر معين من الطاقة كأثر للنشاط الكهربي المبذول فيها، وهذه الطاقة يمكن قياسها بصورة أو بأخرى لتسجل نفس القدر من الطاقة عند إعادة هذه العمليات بعينها. والمراد الوصول إليه أنه يمكن أن يثبت معملياً أن النشاط الذهني الذي يستغرقه المخ في إجراء عملية حسابية معينة يصدر عنه قدر من الطاقة الكهرومغناطيسية يساوي نفس القدر الصادر عند إجراء نفس هذه العملية الحسابية مرة أخرى. ومن هنا يمكننا القول: إن جميع العمليات التي يقوم بها مخ أو عقل الإنسان يصدر عنها كمية معينة من الطاقة يمكن تمييزها عن غيرها بالقدر التي تسمح به إمكانيات الأجهزة المستعملة حالياً. والأمر كذلـك يمكن تمثيـله بجهاز يـقوم بـإرسال إشارات كهرومغناطيسية لها مدلول معين يقوم جهاز آخر باستقبال هذه الإشارات وحل شفرتها ومعرفة مدلولها. وجهاز الاستقبال هذا هو عقل الإنسان الآخر الذي وهبه الله القدرة على الشعور بهذه الموجات واستقبالها وترجمتها عقلياً إلى الأفكار التي ترد في عقل الأول. وهذا الأمر ليس بغريب بالنسبة لعالمنا الحديث الذي وصلت فيه مخترعات الاتصال إلى العديد من الأجهزة اللاسلكية والتي تعتمد على نقل الصوت والصورة بموجات قصيرة وطويلة يتم استقبالها عن بعد. ولكن هذه المعلومات عن الطاقة المنبعثة من جسم الإنسان دلالاتها على الأفكار الدائرة في عقل الإنسان وذاكرته وما يشغله قد تتوافق توافقاً تاماً مع غيرها عند شخص آخر وهو أمر غير مستبعد تماماً وخاصة أن البشر يعدون بالملايين مما يجعل فرصة توافق البعض منهم أمراً لاشك فيه. وفي هذه الحالة يمكن لشخصين أو أكثر أن تدور في عقولهم نفس الأفكار ولكن هذه ظاهرة أخرى تسمى توارد الخواطر. أما التخاطر فهو أمر يختلف فهو يعني استقبال الطاقة الصادرة من عقل أي شخص وتحليلها في عقل المستقبل، بحيث يدرك أفكار الآخرين أي أنه يعمل على توفيق حواسه على تلقي المجال الكهرومغناطيسي الصادر من الآخرين ومعرفة ما يدور في عقولهم عن طريقها. وهذا جانب من الظاهرة. أما الجانب الآخر فهو إرسال خواطره وإدخالها في عقول الآخرين.