الأخت الكريمة ملكة ينبع لا أعرف ما أقول لك ولكن سأطرح بين يديك مما قرأت لعله أن تجدي فيه ضالتك او مايريح قلبك اعاننا الله وأياك0


تنمية الذات بمخالطة الصالحين


--------------------------------------------------------------------------------

نبارك ونحسٌن حديثنا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [سورة الكهف: 28]

أمر من الخالق - سبحانه وتعالى - لمعية ومعايشة الذين يعبدونه ويحبونه في جميع الأحوال. وفي آية أًخرى يذكرنا القرآن المجيد ويأمرنا أن نكون في دائرة الصادقين وذلك بعد الإيمان والتقوى. لهذه الضرورة بين الله - سبحانه وتعالى - النتائج الحقيقية لهذه المخالطة والصداقة والمعايشة. {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ولا شك في إظهار وإعلان النتائج {يوم لا ينفع مال ولا بنون إِلاّ من أتى الله بقلب سليم}, {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً}.

من هنا نعلم:

- أن الإنسان لا يستغني من غيره ولا يستغني من صديق صادق صالح. إذاً يأتي دور المجالسة الدائمة والهادفة,

و يجب علينا الاختيار الصائب؛ لأن مجالسة الصالحين من عباد الله سبيل إلى الالتزام ومن ثم سبيل إلى المكث تحت عرشه ثم إلى الجنة.

إن ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق الجليس يعتبر أوضح دليل على مسائل النفع والضرر المتعلقة بنوع الجليس؛ حيث يقول - عليه الصلاة والسلام -: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)

قسّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نوعية الجليس إلى قسمين:

القسم الأول: الجليس الصالح:

- وهو كحامل المسك يحذيك و يمنحك لما عنده من علم ومعرفة وخلق حسن.

- ويدلك على مواطن الخير والصلاح.

- ولا يؤذيك بشيء.

- ويذكرك بالله.

القسم الثاني: الجليس السوء:

- وهو كنافخ الكير.

- يعرضك للمخاطر والمخاوف.

- يدفعك نحو الفساد والزلات.

- فإنه يريد أن يحرقك كما يحرق نفسه.

- و يشوّه سمعتك.

- وبالاستمرارية يؤثر في السلوك حتى يطبع انحرافاته طبائع عندك.

واعلم أن « الطبع يسرق » كما قال ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: " ما رأيت أكثر أذى المؤمن من مخالطة من لا يصلح ، فإن الطبع يسرق ، فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله "

إذاً من قال لا أتأثر بمخالطة الطالحين ولا أتطبع بمجالسة السيئين فقد أخطأ ؛ لأن الصحبة السيئة باستمرارية تترك على أغوار النفس وبنفخ من المثير أو من الشيطان يقع فيما وقع فيه الطالح نفسه، وبمقدار تأثره السلبي السيء يبتعد عن مجالسة الصالحين ونور الحقيقية.

لا شك أن الجليس يستأنس بجليسه، ويرتاح برؤيته، ويتطبع بطبعه، ويبدأ بمسيرة الخلة والصداقة معه؛ لذا لا بد من الحذر الجدي في هذه المسألة بين الخطين الإيجابي والسلبي , أو بين جليس السوء والجليس الصالح؛ لأن هذه المسألة كلها تصب في مصب الصحبة وكيفية الاستفادة منها.

لذا حذرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كيفية اختيار الصديق؛ لأن له الحظ الأوفر في صحبة المرء حين يقول (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)

في هذا الحديث الشريف عدة فوائد وأحكام حول مسألة الخلة وصحبة الصالحين:

1- لا بد للمرء المؤمن أن يبحث عن صاحب صالح.

2- بيان مدى التأثير المتبادل بين الأصحاب.

3- إمكانية تحول الصديق نحو صديقه.

4- ويعتبر الخلة من الأسباب الرئيسية لرضى الله - سبحانه -.

5- لا بد من التقييم الشرعي للصديق حسب فهم الحديث (فلينظر أحدكم من يخالل).

ثمرات صحبة الصالحين:

* كلما كان الصاحب أكثر استقامة ازدادت الثمرات والفوائد، لذا فالثمرات على قدر الصحبة ووفق موازين الصلاح منها:

1- تأليف القلوب .

وذلك وفق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

وفي الحديث القدسي: (وجببت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ).

2- التصحيح والتقويم المستمر .

وذلك عن طريق التواصي والنصيحة وإرادة الخير، ولذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عنه ضيعته ويحوطه من ورائه).

3- الاقتداء .

وهو أمر ضروري لكل إنسان يتخذ قدوة من الصالحين، وعلى رأسهم رسول الله- صلى عليه وسلم-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}، وأيضاً أن يصبح قدوة للغير في الصلاح والالتزام والإيجابية، ولا تتحقق هذه المسألة إلاّ بمخالطة الصالحين ومجالستهم.

آداب مع الصالحين:

1- الالتزام بآداب الشرع وما أكد عليه الشرع بين الأخوة وفي مجالس الصالحين.

2- الالتزام بالأخلاق الفاضلة مثل:

- خفض الجناح.

- الابتسامة الصادقة.

- سعة صدر.

- السيطرة على النفس.

- الخطاب الصادق.

- الالتزام بالوعود.

3- التماس الأعذار، والتعامل مع أخطائهم بلطف.

4- عدم الإصابة بالحساسية النفسية وتجنب سوء الظن.

5- تجنب الغل والحذر من الحسد.

6- تجنب القطيعة معهم.

7- الزم الصفح وكن من العافين عن الناس.

8- تجنب كشف أسرارهم.

9- مشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم.

اللهم اجعلنا منهم...