منزلة الصحابة لا يعادلها شيء
تعظيم الصحابة ومعرفة قدرهم أمر مقرر عند كبارهم ، ولو كان اجتماع الرجل به - صلى الله عليه وسلم - قليلا ، وضي الله عنهم .

قال الحافظ بن حجر ذاكرا ما يدل على ذلك : (( فمن ذلك ما قرأت في كتاب " أخبار الخوارج " تأليف محمد بن قدامة المروزي - ثم ذكر سنده - إلى أن قال : عن نبيج العنزي عن ابي سعيد الخدري ، قال : كنا عنده وهو متكئ ، فذكرنا عليا ومعاوية ، فتناول رجل معاوية ، فاستوى أبو سعيد الخدري جالسا ، فذكر قصته حينما كان في رفقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ابو بكر ورجل من الاعراب - إلى ان قال أبو سعيد - : ثم رأيت ذلك البدوي اتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الانصار . فقال لهم عمر : لولا ان له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما ادري ما نال فيها لكفيتكموه ( رواه أحمد 3 / 51 دون كلام عمر ، ورواه بلفظه علي بن الجعد 2 / 956 ، قال الهيثمي 4 / 92 : رجاله ثقات ، وعزاه ابن حجر ليعقوب بن شيبة كما في إسناده عنه ، وعزاه شيخ الإسلام لابي ذر الهروي الصارم المسلول 590 ) قال الحافظ : ورجاله ثقات .
فقد توقف عمر رضي الله عنه عن معاتبته ، فضلا عن معاقبته، لكونه علم أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك ابين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدلها شيء.
حدثنا وكيع ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله تعالى : { قل الحمد لله وسلم على عباده الذين اصطفى } قال : هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ( الآية في النحل 59 ، والاثر عند الطبري 20 / 3 ط دار المعرفة ، وانظر ابن كثير 3 / 369 ط المعرفة ) . )) .
انتهى من الإصابة . ( 1 / 20 - 22 )

فهذا الاصطفاء والاختيار أمر لا يتصور ولا يدرك ولا يقاس بعقل ، ومن ثم لا مجال لمفاضلتهم مع غيرهم مهما بلغت اعمالهم .

قال ابن عمر : (( لا تسبوا اصحاب محمد ، فلمقام احدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة )) . ( رواه أحمد في فضائل الصحابة 1 / 57 ، ابن ماجة 1 / 31 ، وابن أبي عاصم 2 / 484 ، والخبر صححه البويصيري في زوائد ابن ماجة 1 / 24 ، والمطالب العلية 4 / 146 ، وحسنه الالباني في صحيح ابن ماجة 1 / 32 ) .
وفي رواية وكيع : (( خير من عبادة احدكم عمره )) .

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل ، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما من اتفق له الذب عنه ، والسبق إليه بالهجرة ، أو النصرة ، أو ضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده ، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده ، لأنه ما من خصلة إلا وللذي سبق بها مثل اجر من عمل بها من بعده ، فظهر فضلهم .( فتح الباري 7 / 7 ) .

قال النووي : (( وفضيلة الصحبة - ولو لحظة - لا يوازيها عمل ، ولا تنال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بالقياس ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )) . ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة للاكائي 1 / 160 ) .

ايضا التزكية الداخلية لهم من الله عز وجل ، العليم بذات الصدور ، مثل قوله تعالى : { فعلم ما في قلوبهم } ، وقبول توبتهم { لقد تاب الله عن النبي والمهاجرين والأنصار} ، ورضاه عنهم { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } . . . ألخ ، كل ذلك اختصوا به ، فانى لمن بعدهم مثل هذه التزكيات ؟

لكن قد يقول قائل : لقد وردت بعض الروايات الدالة على خلاف ما ذكرت ( من أشهر من قال ذلك الإمام ابن عبد البر ، والاستدلال المذكور هو من أقوى استدلالاته ، والجمهور على خلافه كما ذكرنا ) ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابي ثعلبة : (( تاتي ايام للعامل فيهن أجر خمسين )) . قيل منهم أو منا يا رسول الله؟. قال : (( بل منكم )) . ( رواه أبو داوود 4341 ، والترمذي 2 / 177 ، وابن ماجة 4014 ، وابن حبان 1850 ، قال الترمذي : حديث حسن غريب ، صححه الالباني بشواهده -الصحيحة 494 ) .

وكذلك ما روى ابو جمعة رضي الله عنه ، قال : قال أبو عبيدة : يا رسول الله أحد خير منا ؟ اسلمنا معك وجاهدنا معك ؟ . قال : (( قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني )) . ( رواه أحمد والدارمي 4 / 106 ، والطبراني 4 / 22-23 ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 4 / 85 ، قال ابن حجر : إسناده حسن - الفتح 7 / 6 . انظر الفتح الرباني 1 / 103 -104 ).

وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث والأحاديث السابقة من عدة وجوه ، أهمها :

الوجه الأول : حديث (( للعامل فيهن أجر خمسين )) لا يدل على الأفضلية ، لأن مجرد زيادة الأجر على بعض الاعمال لا يستلزم ثبوت الأفضلية مطلقا .

الوجه الثاني : أن المفضول قد توجد فيه مزايا وفضائل ليست عند الفاضل ، ولكن من حيث مجموع الخصال لا يساوي الفاضل .

الوجه الثالث : يقال كذلك : إن الأفضلية بينهما إنما هي باعتبار ما يمكن أن يجتمعا فيه ، وهو عموم الطاعات المشتركة بين سائر المؤمنين، فلا يبعد حينئذ تفضيل بعض من يأتي على بعض الصحابة في ذلك ، اما ما اختص به الصحابة رضوان الله عليهم وفازوا به ، من مشاهدة طلعته صلى الله عليه وسلم ورؤية ذاته المشرفة المكرمة ، فامر من وراء العقل ، غذ لا يسع احد أن ياتي من الأعمال وإن جلت بما يقارب ذلك فضلا عن أن يمائله . ( الصواعق المحرقة للهيثمي ) .

الوجه الرابع : إن الرواة لم يتفقوا على لفظ حديث ابي جمعة ، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ، ورواه بعضهم بلفظ (( قلنا يا رسول الله هل من قوم اعظم منا أجرا ؟ )) اخرجه الطبراني .
قال الحافظ في الفتح : (( وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة )) ، وهي توافق حديث ابي ثعلبة ، وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم .

وأخيرا : ينبغي التنبيه في ىخر هذه الفقرة إلى أن الخلاف بين الجمهور وغيرهم في ذلك لا يشمل كبار الصحابة من الخلفاء ، وبقية العشرة ، ومن ورد فيهم فضل مخصوص ، كاهل العقبة وبدر وتبوك . . ألخ .
وإنما يحصل النزاع فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة . ولذلك استثنى الإمام ابن عبد البر أهل بدر والحديبية .( فتح الباري 7 / 7 ).

الـفـهـرس



--------------------------------------------------------------------------------

سب الصحابة وحكمه
ينقسم سب الصحابة ألى انواع ، ولكل نوع من السب حكم خاص به .

والسبب : هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف ، وهو ما يفهم من السب بعقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم ، كاللعن والتقبيح ونحوهما . ( الصارم المسلول 561) .

وسب الصحابة رضوان الله عليهم دركات بعضها شر من بعض ، فمن سب بالكفر أو الفسق ، ومن سب بامور دنيوية كالبخل ، وضعف الرأي .
وهذا السب أما أن يكون لجميعهم أو أكثرهم ، أو يكون لبعضهم أو لفرد منهم ، وهذا الفرد إما ان يكون ممن تواترت النصوص بفضله أو دون ذلك .

وإليك تفاصيل وبيان أحكام كل قسم :

الـفـهـرس



--------------------------------------------------------------------------------

من سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق ، جميعهم أو بعضهم
فلا شك في كفر من قال بذلك لأمور من أهمها :

إن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق ، وبذلك يقع الشك في القرآن والأحاديث ، لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول .

إن في هذا تكذيبا لما نص عليه القرآن من الرضا عنهم والثناء عليهم ( فالعلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي ) . ( الرد على الرافضة ص19 ) . ومن أنكر ما هو قطعي فقد كفر .

إن في ذلك إيذاء له صلى الله عليه وسلم ، لأنهم أصحابه وخاصته ، فسب المرء خاصته والطعن فيهم ، يؤذيه ولا شك . وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم كفر كما هو مقرر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينا حكم هذا القسم : (( وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا ، أو أنهم فسقوا عامتهم ، فهذا لا ريب أيضا في كفره ، لأنه مكذب لما نص القرآن في غير موضع ، من الرضا عنهم والثناء عليهم ، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين . . - إلى ان قال - وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام )) . ( الصارم المسلول 586- 587 ) .

وقال الهيثمي رحمه الله : (( ثم الكلام - أي الخلاف - إنما هو في سب بعضهم ، أما سب جميعهم فلا شك في أنه كفر )) . ( الصواعق المحرقة 379 ) .

ومع وضوح الأدلة الكلية السابقة ، ذكر بعضالعلماء أدلة اخرى تفصيلية ، منها :

أولا : ما مر معنا من تفسير العلماء للآية الأخيرة من سورة الفتح ، من قوله { محمد رسول الله والذين معه } إلى قوله { ليغيظ بهم الكفار } استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية كفر من يبغضون الصحابة ، لان الصحابة يغيظونهم ، ومن غاظه الصحابة فهو كافر ، ووافقه الشافعي وغيره . ( الصواعق المحرقة ص317 ، وتفسير ابن كثير 4 / 204 ) .

ثانيا : ما سبق ذكره من حديث أنس عند الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الانصار )) ، وفي رواية : (( لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق )) .
ولمسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : )) لا يبغض الأنصار رجل آمن بالله واليوم الآخر )) ، فمن سبهم فقد زاد على بغضهم ، فيجب أن يكون منافقا لا يؤمن بالله ولا اليوم الآخر . ( الصارم المسلولص581 ) .

ثالثا : ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، انه ضرب بالدرة من فضله على أبي بكر ، ثم قال عمر : (( أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا )) ، ثم قال عمر : (( من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري )) . ( فضائل الصحابة للإمام أحمد 1 / 300 ، وصححه ابن تيمية في الصارم ص585 ).
وكذلك قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب : (( لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري )) . ( فضائل الصحابة 1 / 83 ، والسنة لابن ابي عاصم 2 / 575 عن طريق الحكم بن جحل وسنده ضعيف لضعف أبي عبيدة بن الحكم ، انظر فضائل الصحابة 1 / 83 ، لكن له شواهد أحدهما من طريق علقمة عن علي عند ابن ابي عاصم في السنة 2 / 48 ، حسن الالباني إسناده ، والأخر عن سويد بن غفلة عن علي عند الالكائي 7 / 1295 ) .

فإذا كان الخليفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما يجلدان حد المفتري من يفضل عليا على أبي بكر وعمر ، أو يفضل عمرا على أبي بكر ، مع ان مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب ، علم عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير . ( الصارم المسلول ص 586 ) .
--------------------------------------------------------------------------------
من سب بعضهم سبا يطعن في دينهم
كأن يتهمهم بالكفر أو الفسق ، وكان ممن تواترت النصوص بفضله . ( بعض العلماء يقيد ذلك بالخلفاء ، والبعض يقتصر على الشيخين ، ومن العلماء من يفرق باعتبار تواتر النصوص بفضله او عدم تواترها ، ولعله الأقرب والله اعلم ، وكذلك بعض من يكفر ساب الخلفاء يقصر ذلك على رميهم بالكفر ، والآخرون يعممون بكل سب فيه طعن في الدين ) :

فذلك كفر على الصحيح ، لأن في هذا تكذيبا لامر متواتر .
روى ابو محمد بن ابي زيد عن سحنون ، قال : (( من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، أنهم كانوا على ضلال وكفر ، قتل ، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد )) . ( الشفا للقاضي عياض 2/ 1109 ) .

وقال هشام بن عمار : (( سمعت مالكا يقول : من سب ابا بكر وعمر ، قتل ، ومن سب عائشة رضي الله عنها ، قتل ، لأن الله تعالى يقول فيها : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله ابدا إن كنتم مؤمنين } فمن رماها فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قتل )) . ( الصواعق المحرقة ص384 ) .

أما قول مالك رحمه الله في الرواية الأخرى : (( ومن سب أبا بكر ، جلد ، ومن سب عائشة ، قتل . قيل له : لم ؟ . قال : من رماها فقد خالف القرآن )) .
فالظاهر - والله اعلم - أن مقصود مالك رحمه الله هنا في سب أبي بكر رضي الله عنه فيما هو دون الكفر ، ويوضحه بقية كلامه عن عائشة رضي اللع عنها ، حيث قال : (( من رماها فقد خالف القرآن )) فهذا سب مخصوص يكفر صاحبه - ولا يشمل كل سب - وذلك لأنه ورد عن مالك القول بالقتل فيمن كفر من هو دون أبي بكر . ( الشفا 2 / 1109 ) .

قال الهيثمي مشيرا إلى ما يقارب ذلك عند كلامه عن حكم سب أبي بكر : (( فيتلخص ان سب أبي بكر كفر عند الحنفية ، وعلى أحد الوجهين عند الشافعية ، ومشهور مذهب مالك أنه يجب به الجلد ، فليس بكفر . نعم قد يخرج عنه ما مر عنه في الخوارج أنه كفر ، فتكون المسألة عنده على حالين : إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفره وإلا كفره )) .( الصواعق 386 ) .

وقال أيضا : (( وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلىالله عليه وسلم بالجنة ، فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي ، والذي أراه الكفر فيها قطعا )) . ( الصواعق 385 ) .

وقال الخرشي : (( من رمى عائشة بما برأها الله منه . . . أو أنكر صحبة أبي بكر ، أو إسلام العشرة ، أو إسلام جميع الصحابة ، أو كفر الأربعة ، أو واحدا منهم ، كفر )) . (الخرشي على مختصر خليل 8 / 74 ) .

وقال البغدادي : (( وقالوا بتكفير كل من أكفر واحدا من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكفروا من أكفرهن ، أو أكفر بعضهن )) . ( الفرق بين الفرق ص 360 ) .

والمسألة فيها خلاف مشهور ، ولعل الراجح ما تقدم ، وأما القائلون بعدم تكفير من هذه حاله ، فقد اجمعوا على أنه فاسق ، لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب ، يستحق عليه التعزير والتأديب ، على حسب منزلة الصحابي ، ونوعية السب .

وإليك بيان ذلك :

قال الهيثمي : (( أجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على أنهم فساق )) . ( الصواعق المحرقة ص383 ) .

وقال ابن تيمية : (( قال ابراهيم النخعي : كان يقال : شتم أبي بكر وعمر من الكبائر ، وكذلك قال أبو اسحاق السبيعي : شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى فيها : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } . وإذا كان شتمهم بهذه المثابة ، فأقل مافيه التعزير ، لأنه مشروع في كل معصية ليس فيها حد أو كفارة . وهذا مما لا نعلم فيه خلافا بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بأحسان ، وسائر أهل السنة والجماعة ، فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم والاستغفار لهم والترحم عليهم . . . وعقوبة من اساء فيهم القول )) . ( اللالكائي 8 / 1262 -1266 ) .

وقال القاضي عياض : ((وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل )) . ( مسلم بشرح النووي 16 / 93 ) .

وقال عبد الملك بن حبيب : (( من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراء منه أدب أدبا شديدا ، وإن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر ، فالعقوبة عليه اشد ، ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت )) . ( الشفا 2 / 1108 ) .

فلا يقتصر في السب أبي بكر رضي الله عنه على الجلد الذي يقتصر عليه في غيره ، لأن ذلك الجلد لمجرد حق الصحبة ، فإذا انضاف إلى الصحبة غيرها مما يقضي الاخترام ، لنصرة الدين وجماعة المسلمين وما حصل على يده من الفتوح وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ، كان كل واحدة من هذه الأمور تقتضي مزيد حق موجب لزيادة العقوبة عند الاجتراء عليه . ( الصواعق المحرقة 387 ) .

وعقوبة التعزير المشار إليها لا خيار للإمام فيها ، بل يجب عليه فعل ذلك .
قال الإمام أحمد رحمه الله : (( لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص ، فمن فعل ذلك وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة ، وخلده الحبس ختى يموت أو يرجع )) . ( طبقات الحنابلة 1 /24 ، والصارم المسلول 568 ) .

فانظر أخي المسلم إلى قول إمام اهل السنة فيمن يعيب أو يطعن بواحد منهم ، ووجوب عقوبته وتأديبه .
ولما كان سبهم المذكور من كبائر الذنوب عند بعض العلماء فحكم فاعله حكم أهل الكبائر من جهة كفر مستحلها .

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، مبينا حكم استحلال سب الصحابة : (( ومن خص بعضهم بالسب ، فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء ، فإن اعتقد حقية سبه أو اباحته فقد كفر ، لتكذيبه ما ثبت قطعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومكذبه كافر ، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق، لأن سباب المسلم فسوق ، وقد حكم البعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقا ، والله أعلم )) . ( الرد على الرافضة ص19 ) .

وقال القاضي أبو يعلي - تعليقا على قول الإمام أحمد رحمه الله حين سئل عن شتم الصحابة، فقال : "ما أراه على الإسلام " ، قال أبو يعلي : (( فيحتمل أن يحمل قوله : ما أراه على الإسلام ،إذا استحل سبهم ، فإنه يكفر بلا خلاف ، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك مع اعتقاده تحريمه ، كمن يأتي بالمعاصي . . . )) ثم ذكر بقية الاحتمالات . ( الصارم المسلول ص 571 وما قبلها ).

يتلخص مما سبق فيمن سب بعضهم سبا يطعن في دينه وعدالته ، وكان ممن تواترت النصوص بفضله ، انه يكفر - على الراجح - لتكذيبه امرا متواترا .
أما من لم يكفره من العلماء ، فاجمعوا على أنه من أهل الكبائر ، ويستحق التعزير والتأديب ، ولا يجوز للإمام أن يعفو عنه ، ويزاد في العقوبة على حسب منزلة الصحابي . ولا يكفر عندهم إلا إذا استحل السب .
أما من زاد على الاستحلال ، كأن يتعبد الله عز وجل بالسب والشتم ، فكفر مثل هذا مما لا خلاف فيه ، ونصوص العلماء السابقة واضحة في مثل ذلك .

وباتضاح هذا النوع بإذن الله ، يتضح ما بعده بكل يسر وسهولة ، ولذلك اطلنا القول فيه .