أحسنت أخي الكريم / ينبع اليوم فقد تطرقت لموضوع اجتماعي ونفسي وإنساني مهم جدا في حياتنا وسلوكياتنا وتعاملنا ولـبّه وهدفه : كيف يتخلص الإنسان تدريجيا من سلبياته ..وكيف يتعامل كمحترف مع ما يواجهه ، وكيف يتحكم في أموره بضغطة زر هي السر الذي لا يعرفه إلا هو ...وأعجبتني جدا جدا حكاية شجرة ( العلقمية)
وهذا دليل على أن الشخص إذا أعمل تفكيره وتأمل فيما حوله سيجد حلولا لمشاكله وأمثلة حية يستفيد منها لمعالجة ما يراه صعبا ..
ومنهج التدرج الذي أشرت إليه في عملية قطع الشجرة له أصل في تشريعنا يحث على هذا المبدأ ويدعو إليه فلو تأملنا كيف جاء تحريم الخمر ـ وهي أم الكبائرـ
لوجدنا أن هذا النمط من التدرج تقتضيه طبيعة المناخ الجاهلي والبيئة العربية لارتباطهما بالخمرة أدبياً وإجتماعياً وتجارياً مما يقتضي التدرج من الصعب إلى الأصعب فقد كان شعر الخمر شائعاً في العصر الجاهلي يتغنى به وتحيا به الأندية والمحافل ، وكانت المقدمة الخمرية متعارفة في التناول والتدوال والايقاع الفني ، ولا أدل على ذلك من مطلع معلقة عمرو بن كلثوم :

[poem=font="Simplified Arabic,5,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا هـبـي بـصحـنـك فـأصبحينـا = ولا تـبـقـي خـمـور الأنـدريـنـا [/poem]

هذا التدرج التشريعي جاء على مراحل من كراهة الاستعمال في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا آلَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُم سُكَرَى حَتَّى تَعلَمُوا مَا تَقُولُونَ )
ثم بيان الضرر وتغليبه على المنفعة في قوله تعالى :
( قُلْ فِيهِمَا إِثمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) .
ثم جاء التحريم النهائي الجازم بقول الحق جل وعلا :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الخَمرَ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلاَمُ رِجسٌ مِّن عَمَلِ الشَّيطَنِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ...) وفي آخر آيات التحريم استفهام إنكاري وتأنيب وتوبيخ : فَهَلْ أَنتُمْ مُّنتَهُونَ )

ويدخل في عداد ذلك السلبيات المفروضة على الإنسان على الرغم من اقتناع صاحبها بضرورة التغيير ولكن الموانع والعوائق التي تقف أمامه مصطنعة من المجتمع أو من الأهل أو من الزملاء أو ( ماذا يقول الناس عني) لو عملت كذا وكذا وهي لا تحتاج إلا للجرأة والحزم ،،
أما تغير سلبيات الشخص نفسه وهي ما يكمن في دواخله وطبائعه فهي أصعب ولا شك والبداية تكون بالاقتناع بوجود السلبية فكما هو معلوم للجميع أن الاعتراف بوجود المشكلة هي بداية الشروع في حلها وهذه المرحلة تـعد من أصعب المراحل وقد لا يدركها الإنسان إلا متأخرا ..
وقد وقفت كثيرا أتامل عبارتك الذهبية :

" اعلم جيدا أننا لا نستطيع أن نتحكم في الآخرين أو الطريقة التي يتعاملون بها معنا ، ولكن نستطيع أن نتحكم في رد فعلنا تجاههم ،و لا يمكن لأحد أن يغضبك أو يضايقك ، كما لا يمكن لأحد أن يشعرك بعدم الأهمية أو الدونية ، إلا إذا سمحت له بذلك وساعدته عليه ، يستحيل ببساطة أن يؤثر أي إنسان على أي من آرائك أو مشاعرك أو عواطفك ما لم تسمح له بذلك ."
فعلا هذه العبارات الراقية تستحق الوقوف لما فيها من المعاني العميقة لنفسية الإنسان وإعطائه جرعة من المنشطات كالذي يدعم سوق الأسهم بسيولة كبيرة تؤثر في مساره وترفع من قيمته ..

شكرا أخي على طرح الموضوع وأترك الفرصة لغيري كي نزداد من التجارب المفيدة .