رابعاً : تشميت العاطس



1-متي يشمت العاطس وكيفية التشميت؟!



قال عليه الصلاة والسلام في الحديث : (( وإذا عطس فحمد الله فشمته)).

ويقول صلي الله عليه وسلم : (( عن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب)).

فالعطاس رحمة من الله، والتثاؤب من الشيطان ؛ لأن العطاس فيه تفتيح لشرايين القلب ، وانشراح للصدر، وهو رحمة من الله، والله أعلم بالسر في ذلك . فكان الواجب أن تقول: الحمد لله.

أما التثاؤب: فإنك تكظم ما استطعت، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند البخاري وأحمد : (( إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، وليقل له أخوه: يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)).

وعند البخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وأحمد عن أنس : (( أنه عطس عنده رجلان فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: هذا حمد الله، وأنت لم تحمد الله)).

وعند مسلم وأحمد من حديث أبى موسى الشعري أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه)).

ففهم من الحديث انه من قال: الحمد لله ، فعلينا وجوباً أن نقول له: يرحمك الله، وإذا سكت ولم يحمد الله، فليس عليك أن تقول له : يرحمك الله ، بل تسكت.



2- هل التشميت فرض عين أم فرض كفاية؟‍‍!



ذهب المالكية ومنهم ابن أبي زيد وابن العربي إلي أن التشميت فرض عين، وهو الصحيح ،فإن علي أهل المجلس ـ مثلاً ـ إذا سمعوا (( الحمد لله)) أن يقولوا : (( يرحمك الله)) لا يكفي منهم واحد، فهو فرض عين وليس فرض كفاية.

وكان من هديه صلي الله عليه وسلم في العطاس ما ذكره أبو داود والترمزي واحمد وابن السني ـ وسنده حسن ـ كما أن الحاكم صححه، أنه كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه علي فيه، وخفض أو غض به صوته. فالسنة ألا يرفع المسلم صوته بالعطاس.

وهناك حديثان ضعيفان أشير إليهما:

الحديث الأول: (( التثاؤب الشديد والعطسة الشديدة من الشيطان)). رواه ابن السني، وهو ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .

الحديث الثاني: (( إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس)). حديث ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .

وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود بسند حسن. (( شمت أخاك ثلاثاً ، فما زاد فهو زكام)).

يعني أنه يعطس في المرة الأولي فيحمد الله، فقل له: يرحمك الله. وفي الثانية قل له: يرحمك الله. وفي الثالثة قل له : يرحمك الله، وفي الرابعة قل له: عافاك الله.

وقد عطس رجل عنده عليه الصلاة والسلام النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: (( يرحمك الله)). ثم عطس أخري فقال له صلي الله عليه وسلم : (( الرجل مزكوم)).

قال ابن القيم: وقوله في الحديث : (( الرجل مزكوم)) تنبيه علي الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيه له علي هذه العلة ليتداركها ولا يهملهما، فيصعب أمرها، فكلامه صلي الله عليه وسلم كله حكمة، ورحمة وعلم، وهدى.

وقد قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند حسن: (( إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد علي الثلاثة فهو مزكوم، ولا تشمته بعد الثلاث.

وذكر أهل العلم أنه إذا زاد علي الثلاث فيدعو لصحابه بالعافية.

هنا مسألة: إذا لم تسمع أنت حمد العاطس، لكن سمع من بجانبه أنه حمد الله ـ فماذا تفعل إذا تبين لك أنه حمد الله؟ ولو لم تسمعه، فقل : يرحمك الله، أما إذا لم يتبن لك، فلا تشمته.

مسألة ثانية: هل تذكر العاطس إذا نسي الحمد؟

ذهب إلي ذلك نفر من أهل العلم كالننوي وغيره من العلماء، واستحسنوا ذلك، وقد فعله إبراهيم التيمي، كما فعله أيضاً ابن المبارك، فقد عطس رجل عند ابن المبارك ولم يحمد الله، فقال ابن المبارك: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟قال يقول الحمد لله، قال: يرحمك الله، (( هذا قول)).

والقول الصحيح : أنه لا يلزمك أن تذكره؛ لأنه لو كان يلزمك أن تذكره لكان النبي صلي الله عليه وسلم أولي بتذكير من عطس ولم يشمته، ولم يذكره، وهذا تعزيز له وحرمان لبركة الدعاء، لما حرم نفسه بركة الحمد.

وقد تعاطس الناس في مجلسه، ولم يذكرهم عليه الصلاة والسلام، بل لم يشمتهم، وهذا هو القول الراجح.

وكان اليهود يتعاطسون عنده عليه الصلاة والسلام فيقولونك الحمد لله، فيقول ك (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).

رواه أبو داود والترمذي واحمد والبخاري في الدب المفرد ، وصححه الترمذي والنووي والحاكم.

فانظر إلي الحكمة: اليهود بحاجة إلي الهداية، وليسوا أهلاً للرحمة ، فهل يترحم عليهم وهم مخالفون؟!

لا . هم بحاجة إلي أن يهديهم الله أولاً، قبل أن يرجمهم، فعدل عليه الصلاة والسلام عن لفظ: (( يرحمكم الله)). إلي لفظ (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).



***

خامساً: عيادة المريض



فضل عيادة المريض والدعاء له:



قال عليه الصلاة والسلام : (( وإذا مرض فعده)).

وهذا جسر آخر من جسور المحبة بين المسلمين، فمن حق المسلم علي أخيه المسلم إذا مرض أن يعوده، والعيادة لها آداب ، ولها فضل من الله ـ عز وجل ـ فقد روي مسلم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع)). وفي لفظ : قيل : يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال : ((جناها)). يعني كأنه يمشي في بساتين الجنة. وقد عاد عليه الصلاة والسلام أصحابه، فقد عاد سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه و؟أرضاه ـ ودعا له، وقال له: (( ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام. ويضربك آخرون))

وعاد عليه الصلاة والسلام جابراً ـ رضي الله عنه ـ فوجده مغمي عليه فتوضأ عليه الصلاة والسلام وصب عليه الماء فاستفاق.

وكان صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً دعا له، وجلس قليلاً عند رأسه، ووضع يده الكريمة علي صدره ، وهذا من الإنس والملاطفة.

2-آداب العيادة:

العيادة عند أهل السنة كل ثلاثة أيام، إلا أن يكون قريباً كالأب والابن والأخ ومن في حكمهم، أما إذا كان غير ذلك، فإنك تزوره كل يوم ثلاثة أيام، أما أن تأتيه كل يوم، أو تأتيه مرة في الصباح ومرة في المساء وهذا مزعج!

وقد ذكر الذهبي في ترجمة سليمان بن مهران الملقب (( بالأعمش)) أنه مرض مرضاً زمناً، فدخل عليه الناس، وترددوا عليه كثيراً فأزعجوه، فكتب وصف مرضه في ورقة، ووضعها تحت مخدته التي ينام عليها، فكان كلما سأله أحد عن مرضه، أخرج هذه الورقة، وقال له أقرأ!

فلما كثر الناس عليهن قفز فأخذ المخدة، وجعلها تحت إبطه ، ووقف وقال : شافي الله مريضكم!

وعلي المسلم أن يتحرى وقت العبادة ، بحيث يكون مناسباً للمريض، فلا يكون عند نومه، ولا عند طعامه، ولا عند صلاته، ولا في وقت يري انه يرتاح فيه المريض، بل يتوخي وقت العيادة المناسب.

ومن آداب العيادة أنك لا تطيل الجلوس عند المريض، فإن بعض الناس إذا زار المريض زاده مرضاً علي مرضه، فيبقي الساعة والساعتين!وهذا ليس من أدب العيادة.

فإذا عدت المريض وكان مرضه خفيفاً، حسنت له صحته، وهونت عليه مرضه، وقلت : ما شاء الله، ما كنت أظن أنك هكذا.. صحتك طيبة.. وحالك طيبة، شافاك الله وعافاك، قريباً تخرج من هذا المرض ـ إن شاء الله ـ ونحو ذلك من الكلام، لا أن تأتي العائد بوجه آخر، فيزيد المريض مرضاً علي مرضه ، فبعض الناس ، هداهم الله ـ يشعر المريض انه أسوأ حال، وأن مرضه ليس له علاج البتة، وأنه يجب عليه أن يوصي بماله، ويوزع تركته، وهكذا حتى يجعل المريض في عداد الموتى!

وهذا خطأ، فالحالة النفسية لها دورها، فأنت إذا أشعرته أنه سليم معافى، يمكن أن يكون ذلك سبباً في شفائه ـ بإذن الله ـ ولذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً قال له : (( لا بأس طهور إن شاء الله)). ونحو ذلك كما تقدم في عيادته للأعرابي.

ولكن يقول أهل العلم: إذا وصلت غلي رجل أصبح قريباً من الآخرة، ومرض مرضاً لا يرجي برؤه، فحسن ظنه بالله، وحسن قدومه علي الله، وحسن رجاءه في الله، هذه هي السنة في العيادة.

قال أحدهم:

مرض الحبيب فعـــدته

فمرضت من خوفـــــي عليه

وأتي الحبيب يعودنــي

فشفيت مـــن نظـــري إليه



وقال آخر وهو القاضي الحنفي الشهرزوي:



والله مــــا جئتكم زائراً إلا

وجدت الأرض تطوي لــــي

لا انثنى وجهي عن بابكم

إلا تعــثرت بأذيالــــــي



ويقول أبو تمام:



إذا مرضنـــا أتيناكـــم نعودكـــم

وتذنبون فنأتيكم ونعتــذر



وقال آخر في ذكره سبحانه:



إذا مرضنا تداوينا بذكـــركم

ونترك الذكر أحياناً فننتكس

ولا يكثر العائد عند المريض من ذكر الدنيا، وكثرة المزاح، ولا من الكلام الذي لا يليق، ولكن يخفف الزيارة ويذهب.

سادساً: اتباع الجنازة



1-فضل اتباع الجنازة:



يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث: (( وإذا مات فاتبعه))، ضريبة المسلم علي المسلم!! حتى بعد أن اصبح جثماناً ، وأصبحت روحه في عليين، تتبعه وتقوم بحقوقه، وتشفع له وأنت تصلي علي جنازته، وتترحم عليه وهو في الثري،وتواصله بالدعاء، وتدعو له بظهر الغيب.

هذه أخوة الإسلام، وهذا ميثاق الإيمان ، وتلك حقوق المسلم علي المسلم التي تقتصر علي الحياة فقط، بل تشمل المسلم بعد موته أيضاً. قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمزي بسند ضعيف: (( من تبع جنازة وحملها ثلاث مرات، فقد قضي ما عليه من حقها))

ولكن في الصحيحين أنه قال ك (( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل : وما القيراطان؟ قال: (( مثل الجبلين العظيمين)) .

فانظر ما اسهل العمل، وأعظم الجر.



2- آداب الجنازة والعزاء:



من السنة أن يمشي أما الجنازة، وفي هذا تفصيل، قال ابن عمر عند الخمسة، وصححه، ابن حبان، وأعله النسائي بالإرسال: (( رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أما الجنازة)). فالسنة المشي أمام الجنازة، لكن الراكب يمشي خلفها، والماشي أمامها، وإن مشي خلفها فلا بأس.

وقالت أم عطية ـ كما في الصحيحين : (( نهينا عن اتباع الجنائز ؛ لن المرأة ضعيفة ، وتصاب بالجزع، وربما تفتن، وربما تتسخط علي قضاء الله وقدره، فليس للمرأة ـ ولو كانت عجوزاً ـ اتباع الجنازة، ولا زيارة القبور.

وهنالك عادات تخالف الشرع، نبه عليها أهل العلم، وكتبوا فيها، وبينوا الخطأ ، ونبهوا عليه، وأشاروا إلي الصواب فجزاهم الله خيراً، ومن هذه العادات:

الاجتماع علي العزاء ، ونصب الخيام والولائم، والقيام بالصياح والنياحة، وضرب الوجه، وشق الجيب، وكذلك الجزع من القضاء والقدر.

ومن المخالفات الشرعية أيضاً: أن يمزح بعض الناس في العزاء، أو أن يضحكوا مما يثير نتباه الحضور، أو يتحدثوا بإسهاب في أمور الدنيا، إلي غير ذلك من الصور المخالفة للشرع التي بينها ونبه عليها العلماء.

هذه بعض جسور المحبة التي أتي بها محمد صلي الله عليه وسلم والتي اتصف بها أصحابه رضوان الله تعالي عليهم فحققوا هذه الصفات في عالم الواقع. وكانت استجابتهم استجابة فذة من كل جوانبها ، وهم الذين امتلأت قلوبهم بهذه الأخلاقيات حتى أعماقها ، فآتت ثمارها بإذن الله ، فوصلوا بذلك إلي القمة الني لا يحسن صعودها إلا من أحسن العبودية لله، وتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، واتصف وتخلق بأخلاق الإسلام.

والحمد لله ... ما زال الباب مفتوحاً النبي صلي الله عليه وسلم وما زالت البضاعة مطروحة أما الجميع، وليس علينا إلا أن نتاجر مع الله ـ عز وجل ـ ولا يكون ذلك إلا بالتخلق بأخلاقيات هذا الجيل العظيم، وإذا فعلنا ذلك فسوف نصل غلي أرقي صورة بشرية يمكن أن يصل إليها الإنسان علي وجه الأرض النبي صلي الله عليه وسلم صورة الإنسان الذي توشك أن تصافحه الملائكة!!