5- آداب السلام علي الأهل:



كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل علي أهله بالليل يسلم تسليماً لا يوقظ النائم، ويسمع اليقظان. رواه مسلم. فلا يدخل الإنسان علي أهله فيسلم بإزعاج فيوقظ أهله! فانظر إلي لطافته ورقته وصفوة صلي الله عليه وسلم.

أما حديث : (( السلام قبل الكلام)). فهو باطل لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم ، فقد ورد عند الترمزي من حديث جابر ، لكن في سنده عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك، ورماه أبو حاتم بالوضع. فقال : وضاع: يعني كذاب، كما أن شيخ عنبسة وهو محمد ابن زاذان متروك أيضاً ، فالحديث باطل.



6- حكم السلام علي أهل الكتاب:



كان صلي الله عليه وسلم لا يبدأ أهل الكتاب بالسلام ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم وأبي داود والترمزي ، أنه قال: (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)). فالسنة لمن يعمل مع اليهود والنصارى ألا يبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا قال: وعليكم.

ومر صلي الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم وأحمد علي مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، فسلم عليهم. فإذا مررت بمجلس فيه مسلمون ( وهذا شرط) وفيه يهود ونصارى، فسلم عليهم السلام الشرعي.

وكتب عليه الصلاة والسلام كما في البخاري ومسلم لهرقل وغيره: (( السلام علي من أتبع الهدي)).

وقد ورد ذلك في كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ في قول موسي لفرعون: ) وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)(طـه: الآية47) فإذا سلمت أو كتبت رسالة لأهل الكتاب فإنك تقول : (( السلام علي من أتبع الهدى)). لكن لا تبدأهم بالسلام.



7- ترك السلام علي العاصي حتى يتوب:



كان من هديه صلي الله عليه وسلم ترك السلام ابتداء وردا علي من أحدث حدثاً حتى يتوب منه ، كما فعل صلي الله عليه وسلم بكعب بن مالك مع صاحبيه كما عند البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وأحمد ، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يبدؤهم بالسلام ، بل قال كعب بن مالك: فكنت اسلم علي الرسول صلي الله عليه وسلم فلا أدري هل يرد علي أن لا ؟! وهل حرك شفتيه بالسلام أم لا ؟!

ومثل ذلك المبتدع الذي عرف بابتداعه ، أو أحدث حدثاً في الدين، فلك أن تهجره، لا تسلم عليه، ولا ترد عليه السلام حتى يتوب، وذلك بعد نصحه وتخويفه وحثه علي ترك الابتداع في الدين.

وكذلك مثل من ترك صلاة الجماعة بلا عذر وهو جار للمسجد، معافي، وفي صحة ، فلك أن تهجره من السلام، ومن الرد حتى يصلي مع الجماعة.

وورد من حديث أبى أيوب الأنصاري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان ، فيعرض هذا، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

وهذا في أمور الدنيا، فإن الغضب والغيظ في الدنيا ينتهي بثلاث، ويحرم الهجر بعد ذلك ،أما في الدين فلا ينتهي حتى يتوب من ابتداعه.

*السلام عند الشعراء:

قال كثير عزة في السلام:

حيتك عزة بالتسليم وانصرفت

فحيها مثلما حيتك يا جمل

ليت التحية كانت لي فأشكرها

ما كان يا جملاً حييت يا رجل

وذكر أهل الأدب أن رجلاً طلق امرأته، فتزوجها رجل آخر؛ فأراد الأول أن تعود إليه، فقال مهدداً الثاني:

سلام الله يا مطــــر عليها

وليس عليك يا مطر السلام

فطلقها فلست لها بكـــفء

وإلا يعل مفرقتك الحســـام!!

ويقول جرير الخطفي في ديوانه:

يا أم ناجية الســـــلام عليكم

قبل الرواح وقبل لــوم العذل

لو كنت أعلم أن آخر عهدكـــم

يوم الرحيل فعلت ما لم أفعــل

***

ثانياً : إجابة الدعوة
1-حكم إجابة دعوة المسلم:



ومن جسور المحبة قوله صلي الله عليه وسلم : (( وإذا دعاك فأجبه))

ومن الدعوات ما تكون واجبة، ومنها ما تكون سنة، ومنها ما يحرم إجابتها.

فأما ما هي واجبة: فدعوة الزواج ـ إذا لم يكن هناك منكر ـ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : إذا دعي أحدكم إلي الوليمة فليأتها)). والوليمة هي وليمة العرس؛ لأنها تسمي هكذا في كتب اللغة. وفي لفظ مسلم: (( إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرساً كان أو نحوه)).

قال أهل العلم: هذا الأمر للوجوب، أي يجب عليك شرعاً أن تجيب الداعي ما لم يكن هناك منكر مخالف للشرع.



2-آداب الدعوة:



ورد عند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ، ويدعي إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)).

فشر الولائم التي للرياء والسمعة ، يدعي إليها عليه الناس، ويمنع منها الفقراء، وعند مسلم ـ أيضاً ـ (( إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)).

فأنت تحضر وليس المقصود أن تأكل، فإن البعض الآن إذا دعي إلي وليمة قال: ما أستطيع لأني أكلت، أو يقول : لا أريد الأكل، فهذا خطأ ، ليس المقصود أن تأكل، احضر وادع لهم، وتحدث معهم وآنسهم، فإن كثيراً من السلف كانوا يحضرون وهم صيام، فكانوا يدعون لأهل المنزل من حسن خلقهم.

وعن ابن مسعود مرفوعاً: (( طعام الوليمة أول يوم حق ، وطعام الوليمة في اليوم الثاني سنة، وطعام الوليمة في اليوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به)). رواه أبو داود، وأحمد وفي سنده مجهول، وهذا الحديث ضعيف. والبخاري يري ضعف الحديث.

وقد قال البخاري في الصحيح : (( لم يوقت النبي صلي الله عليه وسلم يوماً ولا يومين )).

فللإنسان أن يزيد علي يوم أو يومين أو ثلاث، لكن الأقرب للسنة يوم واحد، ووليمة واحدة.

والمقصود إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر.

والدعوة لمن سبق: فإذا دعاك داعيان في يوم واحد، أو في أيام مختلفة، فقدم الذي سبق إلي دعوتك، واعتذر للثاني ، وقل له: سبقك فلان بالدعوة ، فإذا تساوي أهل الدعوة ، فالأقرب منهم الأولي بالإجابة، وذوي الأرحام أولي بك بإجابة دعوتهم من الجيران إذا دعوك سوياً.

وإذا كان هناك منكر فليس عليه أن يحضر ـ كما سبق ـ إلا إذا علم أن في حضوره منعاً للمنكر ، أو حداً منه ، فله أن يحضر.

***

ثالثا: الدين النصيحة



1-وجوب النصيحة:



أما قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث : (( وإذا استنصحك فانصح له)). فهذا أدب ثالث يبينه عليه الصلاة والسلام لنا، وهو شعار المحبة، وهو الواجب الشرعي علينا بعضنا لبعض.

فالنصيحة واجبة عند أهل العلم، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند مسلم. : (( الدين النصيحة ، فقلنا: لمن؟ قال : لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

وقد قال صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ، وهذا من باب النصيحة : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلنا: يا رسول الله، ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال : ترده عن الباطل فإن ذلك نصره)).

فالواجب علينا أن نتناصح فيما بيننا ، والإنسان لا يسلم من الخطأ والنسيان، ونحن جميعاً يعترينا النقص والخطأ في كثير من تصرفاتنا، لأن العصمة لرسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فالواجب علي الأخ إذا رأي أخاه قد أخطأ في مسألة، أو في اجتهاد أو في تصرف، أو في أسلوب، أن يذهب إليه وينصحه، ولن يجد الناصح إلا الحب والدعاء والبشر والاستقبال الحسن. يقول علي ـ رضي الله عنه ـ : (( المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة)).

فإذا رأيت الإنسان ينتقد إخوانه وينالهم في المجالس، ويتعرض لأعراضهم، ثم لا ينصحهم في وجوههم، فأعلم أنه غاش لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم وللمؤمنين.

ومن علامة المؤمن إذا أراد أن يقوم أخاه أن يذهب إليه، ويأخذه علي حدة، وينصحه ويوجهه، ويحن عليه، ويتعاطف معه، ويتلطف به حتى يقومه إن كان يريد النصح حقاً، وإن كان يريد التشهير بأخيه المسلم فالله يتولاه، والله حسيبه، والله من رواء قصده.

وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ في كتابه طريقة الأنبياء في الدعوة، وأنها قامت علي النصيحة، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية62) ويقول لهم ـ أيضاً ـ )وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ)(هود: الآية34) وهذا نبي الله صالح عليه السلام يقول لقومهك )َ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية79). وقال شعيب: ) يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُم)(لأعراف: الآية93) فهؤلاء هم أنبياء الله ـ عز وجل ـ وصفوة خلقهن ومن تشبه بقوم فهو منهم.



3-آداب النصيحة:



للنصيحة آداب ثلاثة: الأول: الإخلاص، الثاني اللين ، والثالث: الإسرار بها.

وكثيرا ما يخطي العبد، فنحن لسنا معصومين من الخطأ ، وغني اكرر ذلك ليعلم الناصح أن الخطأ والنسيان شيء عادي مركوز في أصل الجبلة، فلا يتعصب في نصيحته. يقول الشاعر:

من ذا الــــذي ما ساء قط

ومـــن لــه الحسنى فقط



ويقول الآخر:



تــريد مهذباً لا عيب فيه

وهل عودة يفوح بلا دخـــــان!!

ويقول ثالث:

ولســـت بمستبق أخاً لا تلمه

علي شعث أي الرجال المهذب؟!

ويقول رابع:

من ذا الذي ترضي سجاياه كلها

كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه

وإن الإسرار بالنصيحة من هديه صلي الله عليه وسلم فإن النصيحة علي رءوس الأشهاد فضيحة.

قال الشاعر:

تغمدني بنصحك في انفراد

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضي استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري

فلا تجزع إذا لم تلق طاعــه

وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: (( رحم الله امرأً أهدي إلي عيوبي، وكان يستمع للصحابة وهم ينصحونه)).