ونوالي معكم متابعة الموضوع أعــلاه ؛؛؛ فهذا تعقيب رئيس تحرير الوطن الأستاذ/ عثمان الصيني

الخط الفاصل بين الوفاء والعصبية
عثمان محمود الصيني

وضعتني الرسالة التي وجهها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض إلى الصحيفة في الرد على ما كتبه الزميل صالح الشيحي في مأزق ، فالرسالة تضمنت رأيا مهما وفاصلاً بين وفاء الإنسان لمسقط رأسه والدعوة إلى المناطقية والإقليمية وهي المسألة التي قد يدفع فرط الحماس لها والاعتزاز بها ووفاء الشخص لمنطقته إلى الدخول في منطقة ضبابية قد تدفع إلى ما يشم منه رائحة العصبية الإقليمية أو الطائفية أو العرقية.
ونشرها في إطار الردود بالصحيفة قد لا يوصل الرسالة كاملة وبشكل جلي، فهي تؤسس لمجموعة من المبادئ الأساسية في الفرق بين الوفاء والعصبية وفي مفاهيم العمل الخيري والتطوعي وفي وفاء الإنسان لمسقط رأسه ، وهي في الوقت نفسه ليست مقالة ولكني آثرت نشرها في صفحة الرأي على رأس مقالات الكتاب لأهمية المبادئ التي تؤسسها.
فالإنسان في أي مكان يعيش في مجموعة دوائر تتسع كلما أخذ بأسباب الحضارة وكلما انغمس في مؤسسات المجتمع المدني, والدائرة كلما اتسعت لا تلغي الدائرة التي قبلها وإنما تحتويها داخلها، فينشأ الإنسان في دائرة البيت والأسرة يفتخر بانتمائه إليها ويسعى إلى إعلائها وحمايتها ثم تأتي دائرة أخرى أكبر هي دائرة القرية أو الحي ثم المدينة أو القبيلة ثم دائرة الدولة والعقيدة.
وتمدن الأمم يتضح في وجود هذه الحلقات متناغمة ومتجانسة لا تلغي إحداها البقية ولا تتعارض فيما بينها وتحتفظ في الوقت نفسه بالتراتبية من الحلقة الصغرى إلى الحلقة الكبرى، فالشعور بالمواطنة لا يلغي اعتزاز الإنسان بمسقط رأسه وبمدينته وبإقليمه كما لا تعني المواطنة التنكر للإقليم والبلدة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يكون الاعتزاز بالإقليم أو القبيلة على حساب الوطن الأم.
النقطة الأخرى هي أن العمل التطوعي والإنساني غير محدد الوجهة وإنما يخضع لتقدير المتطوع وما على المحسنين من سبيل، ومن الطبيعي أن يتجه الإنسان إلى بلدته أو عشيرته لأمرين أحدهما عاطفي يتعلق بالانتماء والآخر موضوعي يتعلق بمعرفته لاحتياجات بلدته والتفاصيل الحياتية فيها أكثر من المناطق الأخرى، ومثل هذا الشعور هو السائد في كل البلاد وعند كل الشعوب، ولذا تحتفي الدول بمواطنيها الذين هاجروا إلى الدول الأخرى أو برزوا في مجالات عديدة أو تسنموا مناصب رفيعة، ولهذا أيضاً يقوم أبناء منطقة معينة بتنظيم منتدى أو ملتقى يجمع الطير المهاجر لطلب العيش أو لظروف العمل، وهذا ما حصل في جميع أنحاء بلادنا، وامتدت أعمالهم التطوعية والخيرية إلى مختلف المناطق ولم تقتصر على منطقة معينة.