فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله : ( عن يحيى بن سعيد ) ‏
‏هو الأنصاري وشيخه أبو الحباب بضم المهملة وبالموحدتين الأولى خفيفة , والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري , قال ابن عبد البر : اتفق الرواة عن مالك على إسناده إلا إسحق بن عيسى الطباع فقال " عن مالك عن يحيى عن سعيد بن المسيب " بدل سعيد بن يسار , وهو خطأ . قلت : وتابعه أحمد بن عمر عن خالد السلمي عن مالك , وأخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " وقال هذا وهم والصواب عن يحيى عن سعيد بن يسار . ‏




‏قوله : ( يقولون يثرب وهي المدينة ) ‏
‏أي أن بعض المنافقين يسميها يثرب , واسمها الذي يليق بها المدينة . وفهم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب وقالوا : ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين . وروى أحمد من حديث البراء بن عازب رفعه " من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله , هي طابة هي طابة " وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال للمدينة يثرب " ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية : من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة . قال : وسبب هذه الكراهة لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة , أو من الثرب وهو الفساد , وكلاهما مستقبح , وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح . وذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في " معجم ما استعجم " أنها سميت يثرب باسم يثرب بن قانية بن مهلايل بن عيل بن عيص بن إرم بن سام بن نوح لأنه أول من سكنها بعد العرب , ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به , وسقط بعض الأسماء من كلام البكري . ‏

‏قوله : ( تنفي الناس ) ‏
‏قال عياض : وكأن هذا مختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه . وقال النووي : ليس هذا بظاهر , لأن عند مسلم " لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد " وهذا والله أعلم زمن الدجال . انتهى . ويحتمل أن يكون المراد كلا من الزمنين , وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور , ويؤيده قصة الأعرابي الآتية بعد أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة , ثم يكون ذلك أيضا في آخر الزمان عندما ينزل بها الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه كما سيأتي بعد أبواب أيضا , وأما ما بين ذلك فلا . ‏