[align=center]ومن تمامِ كفايةِ الله لنبيّهِ ، وحفظِهِ له ، أن كلأه وحفظَهُ في صحابتِهِ رضي الله عنهم ، فكفاهم من استهزأ بهم ، وانتقم ممن سخر بهم ، إكراماً لرسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى ابن عساكرَ في تاريخِ دمشق [ 30/402 ] عن أبي المحياةِ عن رجلٍ قال : خرجنا في سفر ومعنا رجل يشتم أبا بكر وعمر ، فنهيناه فلم ينته ، فخرج لبعض حاجته ، فاجتمع عليه الدّبر يعني الزنابير ، فاستغاث فأغثناه ، فحمَلتْ علينا حتى تركناه ، فما أقلعت عنه حتى قطعته !

وروى كذلك عن محمد بن إسحاق بن عثمان السمسار قال : كان أخوان بنيسابور من أهل مرو ، وكانا يبغضان أبا بكر وعمر أشدَّ البغض ، وقد صورا في بيتهما صورتيهما فكان يضربانهما كل يوم ضربات ، وكان أمرهما وكلامهما وطعامهما واحداً ، فما مضى أيام حتى احترقا كلاهما في النار في المنزل ! وأعجبُ من هذا ما رواه الإمامُ أحمدُ في فضائل الصحابةِ [1/299 ] عن رضوان السمان قال : كان لي جار في منزلي وسوقي ، وكان يشتم أبا بكر وعمر حتى كثر الكلام بيني وبينه ، حتى إذا كان ذات يوم شتمهما وأنا حاضرٌ ، فوقع بيني وبينه كلامٌ كثير حتى تناولني وتناولته ، قال : فانصرفت إلى منزلي وأنا مغمومٌ حزين ألوم نفسي ، قال : فنمت وتركت العشاء من الغمّ ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي من ليلتي فقلت له : يا رسول الله فلان جاري في منزلي وفي سوقي ، وهو يسبُّ أصحابكَ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ هذه المدية فاذبحه بها ، قال : فأخذته ، فأضجعته ، فذبحته . قال : فرأيت كأن يدي قد أصابها من دمه ، فألقيت المدية وضربت بيدي إلى الأرض فمسحتها بالأرض ، فانتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو الدار ، فقلت للخادم : انظر ما هذا الصراخ ؟ فقال : فلان مات فجأة ! فلما أصبحنا نظرنا إلى حلقه فإذا فيه خطُّ موضع الذبح !

وعن سعيد بن المسيّب أنَّ رجلاً كان يقع في عليٍّ وطلحةَ والزبيرِ رضي الله عنهم ، فجعل سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه ينهاه ويقول : لا تقع في إخواني ، فأبى . فقام سعد فصلى ركعتين ثم قال : اللهم إنْ كان مسخطاً لك فيما يقول فأرنى به آفةً ، واجعله آية للناس . فخرج الرجلُ فإذا هو ببخْتِيٍّ – جملٍ ضخمٍ - يشق الناس فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط فسحقه حتى قتله !ّ فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون هنيئاً لك أبا إسحاق أجيبت دعوتك [ تاريخ بغداد 9/96 ] .

فهؤلاء قوم أشرافٌ كرامٌ أجلةٌ قد نصرهم الله بشرف صحبتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم .

فكيف لا يكفي الله نبيّه عليه الصلاة والسلام ؟

كيف لا يكفيه وقد جرت سنتُهُ سبحانَهُ بإهلاك الأمم السابقةِ حين تؤذي أنبياءها وتقابلهم بقبيح القول أو العمل ؟

كيف لا يكفيه وهو سيد الأولياءِ وقد قال تعالى : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحربِ ) ؟

كيف لا يكفيه ولحوم العلماء مسمومةٌ فكيف بلحوم الأنبياء ؟

إنّ الله كافٍ رسوله أيها المؤمنون .. وإنّ لنا الشرف والمنزلة والرفعة بأن نكون من الأسباب التي يُكفى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم . وأن نبحث عن كيفية تحقيق ذلك .

ولا يتسع المجالُ هنا للتوسعِ في تفصيل هذه الكيفيةِ .. ولعل لها حديثاً مستقلاً إن شاء الله .. ولكنْ حسبُكَ أخي الآن هذه الكلمة : كما غِرتَ على شخصِ نبيّك الكريم .. فغرْ أيضاً على شرعِهِ ومنهجِهِ .. فإنّك إن فعلتَ هُديتَ إلى خيرٍ كثيرٍ ..

والله يتولاني وإياك ..[/align]