[align=center]فهؤلاء خمسةُ نفرٍ من أعيانِ قومهم استهزؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكفاه الله إيّاهم بقدرتِهِ وعزّتِهِ سبحانَهُ .

وقد أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن أنسٍ قال : مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبيّ ؟! ومعه جبريل ، فغمز جبريل بأصبعه ، فوقع مثلُ الظفر في أجسادهم ، فصارت قروحاً نتنةً فلم يستطع أحد أن يدنوا منهم [ الدر المنثور 5/100 ] . وفي الصحيحين خبرٌ آخرُ عجيبٌ عن رجلٍ من بني النجار كان نصرانياً فأسلمَ ، وكان يكتبُ الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إنّه نكص على عقبيه فتنصّرَ ، ولحق بأهل الكتابِ ، فكان يهزأ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويدّعي أنه أدخل في الوحي ما ليس منه ، ويقولُ : والله ما يدري محمدُ إلا ما كتبتُ له !! فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ ، فدفنوه ، فأصبح وقد لفظتْه الأرضُ !! فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ الثالثةَ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ ، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً . [ البخاري (3617) ، ومسلمٌ (2781) ] .

فسبحان الذي كفى نبيّه من استهزأ به وسخر به !

ومن هذا البابِ قصةُ كسرى وقيصر المشهورةِ ، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد كتب إليهما ، فامتنع كلاهما من الإسلام ، لكن قيصر أكرم كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأكرم رسوله ، فثبّت الله ملكه ، وكسرى مزّق كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتله الله بعد قليل ، ومزّق ملكه كل ممزّق ، ولم يبق للأكاسرة ملكٌ . [ الصارم المسلول : 144 ]

وكان من أثر ذلك ما ذكره السهيليُ أنّه بلغه أنّ هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له ، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ، ثم كان عند سِبطه ، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب ، فلما رآه استعبر ، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع . ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب ، فأخرج منه مقلمة ذهب ، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه ، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير ، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ، ما زلنا نتوارثه إلى الآن ، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا .

وإليكم هذا الخبر العجيبَ !

كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام ، فقال ابنه عتبة : والله لأنطلقنّ إلى محمد ولأوذينّه في ربه سبحانه وتعالى ، فانطلق حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد هو يكفر بالذي دنى فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ) . ثم انصرف عنه ، فرجع إلى أبيه فقال : يا بني ما قلت له ؟ فذكر له ما قاله ، فقال : فما قال لك ؟ قال : قال : ( اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ) . قال : يا بني والله ما آمن عليك دعاءه !

فساروا حتى نزلوا بالشراةِ وهي أرضٌ كثيرةُ الأسدِ ، فقال : أبو لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ، وإنّ هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها ، ففعلنا ، فجاء الأسد فشمَّ وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة ، فإذا هو فوق المتاع فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه !! فقال أبو لهب : قد عرفت أنه لا يتفلت عن دعوة محمد !! [ تفسير ابن كثير ] .

وذكر الكتانيّ في ذيل مولد العلماء [1/139] أنّه ظهر في زمن الحاكم رجلٌ سمّى نفسه هادي المستجيبين ، وكانوا يدعو إلى عبادة الحاكمِ ، وحُكيَ عنه أنّه سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وبصق على المصحفِ ، فلما ورد مكةَ شكاهُ أهلها إلى أميرها ، فدافع عنه ، واعتذر بتوبتِهِ ، فقالوا : مثل هذا لا توبة له ! فأبى ، فاجتمع الناس عند الكعبةِ وضجّوا إلى الله ، فأرسل الله ريحاً سوداء حتى أظلمت الدنيا ، ثم تجلت الظلمةُ وصار على الكعبة فوق أستارها كهيئة الترس الأبيض له نور كنور الشمسِ ، فلم يزل كذلك ترى ليلاً ونهاراً ، فلما رأى أميرُ مكةَ ذلك أمر بهادي المستجيبينَ فضربَ عنقَهُ وصلبَهُ . [/align]