[align=center]ولنا سلفٌ في حسانَ رضي الله عنه وأرضاهُ يوم انتفضَ في وجهِ هجاءِ أبي سفيانَ فقال أبياتَه الروائع :

ألا أبلغْ أبا سفيــان عني

فأنت مجوّف نخبٌ هواءُ

هجوت محمداً فأجبتُ عنه

وعند الله في ذاك الجزاءُ

أتهجوهُ ولست لـه بكفءٍ

فشرّكما لخيركما الفداءُ

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سـواءُ

فإن أبي ووالـده وعرضي

لعرض محمد منكم فداءُ

قلت : إنّ تلك القرون الإعلامية النطّاحةَ لا تضرّ إلا نفسها يقيناً .. وحربها تلك ليست مع بشرٍ .. بل مع ربّ البشر سبحانه وتعالى .

ذلك أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم محميٌّ بحمايةِ اللهِ ، معصومٌ بعصمتِهِ ، مكفولٌ برعايتِهِ ، مردود عنه أذى من آذاه ، وسخريةُ من سخر به ، واستهزاء من استهزأ به ، وها أنا ذا أضعُ بين أيديكم هذه الوثائق الربانية :

( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (94) إنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ) [ الحجر : 94 ، 95 ] .

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ) [ المائدة : 67 ]

( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) [ البقرة : 137 ]

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) [ الزمر : 36 ]

( إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) [ الكوثر : 3 ]

( إنَّ الَذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) [ الأحزاب : 57 ]

( والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ التوبة : 61 ]

هذه هي الوثائق الربانية التي تشهدُ بأنّ الله حافظٌ رسوله ، ناصرٌ له ، منتقمٌ له ممن ظلمه ، آخذ له بحقه ممن سخر منه ، كافٍ إياه ممن استهزأ به .

قال ابن تيمية رحمه الله : ومن سنة الله أن من لم يتمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه ... وكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ، ويمحق عينه وأثره [ الصارم المسلول : 144 ] . وقال رحمه الله : وقد ذكرنا ما جرّبه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرّضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة ، وهذا باب واسعٌ لا يُحاطُ بِهِ . [ نفسه ] .

وقال السعديُّ : ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة .

فتعالوا أيها الأحبةُ نستشهد التاريخَ كيف كفى الله رسوله المستهزئين به صلى الله عليه وسلم ، وكيف آذى من آذاهُ .

تعالوا نعش في ظلالِ الآيةِ الكريمةِ ( إنّا كفيناك المستهزئين ) ..

وأول ما أذكرُهُ في هذا الاستقراء التاريخيّ ما ذكره أهل التفسيرِ في سبب نزولِ هذه الآية .. أعني قوله تعالى : ( إنّا كفيناك المستهزئين ) ..

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : المستهزئون هم الوليد بن المغيرة ، والأسودُ بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن غَيْطَل السّهميّ ، والعاص بن وائل ، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراه الوليد ابن المغيرة ، فأومأ جبريل إلى أكَحلِهِ – وهو عرقٌ في اليدِ - ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئاً ! ، فقال جبريلُ : كَفَيْتُكَهُ ، ثم أراه الحارث بن غيطل السهميّ ، فأومأ إلى بطنه ، فقال : ما صنعت شيئاً ! قال : كفيتكه ، ثم أراه العاص بن وائل السهمي ، فأومأ إلى أخمَصِهِ- أي : باطن رجله – فقال : ما صنعت شيئاً ! فقال : كفيتُكه .

فأما الوليد بن المغيرة فمرَّ برجلٍ من خزاعة وهو يريش نبلاً له فأصاب أكحَله فقطعها !

وأما الأسود بن المطلب فعمي ، وذلك أنه نزل تحت شجرة فقال : يابنيّ ألا تدفعون ؟ إني قد قتلت ! فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً ، فجعل يقول : يا بنيّ ألا تدفعون عني ؟ هلكت بالشوك في عيني ! فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه .

وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها .

وأما الحارث بن غيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج روثُهُ من فيه فمات منه .

وأما العاص بن وائل فبينما هو يمشي إذ دخلت في رجله شِبْرِقة – نبتةٌ ذات شوك - حتى امتلأت منها فمات [/align]
.