[align=center]الرسالةُ السابعة

الحوار

الحوارُ طريقُنا إلى أن نُفهمَ الناسَ رسالتَنا، والحوارُ الحقُّ الراشدُ البناءُ بدأَ بجوارِ الكعبةِ المشرفةِ في مكة المكرمةِ حين أطلقَه رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم منهجاً واختطَهُ سنةً، حتى مع أعدائِه فقدْ جاءهُ الوليدُ بنُ المغيرةِ فأخذَ يعرضُ ما عندَه في سبيلِ إقناعِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالعدولِ عن دعوتِه، والرسولُ صلى الله عليه وسلم مطرقٌ منصتٌ مستمعٌ، فلما انتهى الرجلُ من كلامِه، قالَ له الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "انتهيتَ يا أبا المغيرة" يعني: هل بقي عندكَ كلامٌ ؟ هل يدورُ في خَلَدِكَ شيءٌ؟

وفي القرآن وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله إن علينا أن نسمعَ غيرنَا حُجّتَنا، ونَسْمعَ من غيرِنَا عن طريقِ التفاهمِ والحوارِ، وقبلَ أن نحاورَ الآخرَ علينا أنْ نُحييَ الحوارَ فيما بينَنا في بيوتِنا بين الأبِ وأبنائِه، والأمّ وأولادِها، في مدارسِنا وجامعاتِنا، في منتدياتِنا ولقاءتِنا بغير تشنجٍ ولا إرهابٍ فكريٍّ، ولا إكراهٍ في الدينِ، ولا تهديدٍ ووعيدٍ، إن الفاشلَ يهربُ من البرهانِ إلى السبِّ والهذيان، ويفرُّ من المنطقِ إلى الجدلِ العقيمِ، لقد علَّمنَا القرآنُ كيف نحاورَ ونجادلَ ونتفاهَم، يقول سبحانه: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال تعالى: قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا وقال سبحانه: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إن لدينا ثوابتَ قد أجمعنا عليها في دينِنا، وهي جوامعُ الملةِ وأصولُ المعتقدِ كأركانِ الإسلامِ والإيمانِ ونحوها، ولكن عندنَا فروع وجزيئاتٍ يسوغُ لنا أن نجتهدَ فيها، ونعذرَ المخالفَ، ولا نشنِّع عليه ونسفِّه رأيَه ونلغي اجتهاده، بل نقبلُ الحقَ ممن قالَه كائناً من كان، ونسامحُ من خالفَنا فيما يُقبلُ الخلافُ فيه، ونحترمُ وجهةَ نظرِه، إن من قلَّ علمُه وفهمُه ضاقَ أفقُه، وساءَ خلقُه، فحاربَ من خالفَه، وناصبَ العِداءَ لمن عارضَه وهذا منهجٌ فرعونيٌ قديم؛ وقد قال الله تعالى على لسان ذاك الطاغية: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ومعناه: إلغاءُ العقولِ الأخرى، والتشطيبُ على آراءِ الناس، كيف نريدُ أن نقدِّمَ رسالتَنا للعالمِ ونحن نتصارعُ في الخلافياتِ، والأمورِ الاجتهاديةِ، وننشرُ غسيلَنا في صُحُفِنَا، وفي مواقعِ الانترنتِ بعنترياتٍ وغضباتٍ مضريَّة، وليس عليها أثارةٌ من علمٍ ولا نورٌ من وحي، لقد اختلفَ الصحابةُ في مسائلَ اجتهاديةٍ فعذرَ بعضهم بعضاً ولم يعنِّفْ أحدهُم على الآخرِ، ولم يهجرْهُ ولم يسبّهُ ولم يشتمْه؛ لعلمهم أن في الإسلامِ مساحةً واسعةً من خلافِ التنوعِ لسماحةِ الدينِ وُيسرِه وعالميته.

لقد أمرنا الإسلامُ أن نحاورَ أهلَ الكتابِ بالحسنى، ونأخذَ ونعطي معهم، لكن هذا لا يتم إلا إذا فهمْنا دينَنا فهماً صحيحاً، وكان عندنا أفقٌ رحبٌ واسعٌ وعقولٌ كبيرةٌ واعيةٌ تستحق حملَ هذه الرسالةِ العظيمة، أما إذا شاهدنا العالمُ ونحن نتنابزُ بالألقابِ، ويجرحُ بعضُنَا بعضاً، ويَدَّعي أحدُنا صوابَه وخطأَ من خالفَهُ في أمرٍ اجتهادي، حينها لن ينصتَ لنا، وليس عندهُ وقتٌ في السماعِ منا، دعونا نترفعُ عن الحروبِ الوهميةِ في ما بيننا، ومصارعةِ الظلِّ والتطاحنِ الكلامي في وقتٍ سافر العالمُ فيه إلى عُطارِد والمريخِ يكتشف وتركنا في الأرضِ، فلا أحسنا حملَ رسالةَ السماءِ، ولا عبرنا الفضاءَ.

الرسالةُ الثامنة

للشبابِ

يا شبابَ الأمةِ، أنتم عدتُها وعِمَادُها بعد اللهِ ومستقبلُها وزادُكم في مسيرةِ الحياة هو الإيمانُ باللهِ ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، يا شبابَ الإسلامِ إنَّ اللهَ تعالى مدحَ أهلَ الكهفِ فقال: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى فالإيمانُ هو سرُّ عظمتِكُم وخلودِ ذكرِكُم ونجاحِكُم وعلوِ شأنِكُم، وإني أخشى عليكُم من مسلكَين خَطِرين مذمومين باطلين وهما: الإفراطُ والتفريط، أما الإفراطُ فهو غلو في الدينِ وخروجٌ عن جماعةِ المسلمين وتنطعٌ بغيضٌ يؤدي بكم إلى بدعةِ الخوارجِ القبيحةِ التي استحلوا بها الدماءَ، وأزهقوا بها الأرواحَ، لسوء التأويلِ والإعراضِ عن فَهْم التنـزيلِ، فضلّوا وأضلّوا وصاروا حربةً في ظهرِ أمتهِم؛ لأنهم تجاوزوا الحدَّ وأعرضوا عن الوسطية، وخالفوا السنةَ وزادوا على المشروع، وجانبوا الجادة.

وأما التفريطُ فهو الخطر الآخرُ المقابلُ للغلو، وهو التحللُ من الدينِ ورفضُ التدينِ والوقوعُ في الشهواتِ المزريةِ والشبهاتِ المضلة، فيصبحُ الشابُ رهينَ مخدرات، وعبدَ نزواتٍ، لا يعرفُ الطريقَ إلى المسجدِ ولا يتعاهدُ المصحفَ، قد نبذَ الحياءَ، وجانَب الفضيلةَ، وهجرَ القيمَ وعادى الصالحين، حملته نفسُه الأمارةُ بالسوءِ على كلِّ محرمٍ حتى عادَ بجنايتِه إلى غياهبِ السجونِ وراء القضبان، أو في المصحاتِ النفسيّةِ والعياداتِ العقلية، قد ماتَ ضميرُه، وانتكستْ روحُه، وأظلمَ قلبُه فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً فيا شبابَ الإسلام: الوسطَ الوسطَ، لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء، اتبعُوا ولا تبتعدُوا، اسلكوا طريقَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ديناً قيماً سهلاً ميسراً فما كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلا هادياً مهديَّاً وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ويقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "بُعثت بالحنيفية السمحة" ويقول لأصحابه : "بشروا ولا تنفروا ويسِّروا ولا تعسروا".

فيا شبابَ الإسلام: ألزموا جماعةَ المسلمين، وخذوا العلمَ من علماءِ الأمةِ، وإياكم الأفكارَ الغريبةَ على الدينِ المخالفةَ لإجماعِ المؤمنين، واحفظوا معتقدَكَم من الأهواءِ والبدعِ، وعقولَكَم من الانحرافِ، وأوقاتَكَم من الضياع، وأقبلُوا على العلمِ والمعرفةِ وتزكيةِ النفوسِ بالفضائلِ وتطهيرِها من الرذائلِ مع التحلي بالخلقِ الحسنِ من التواضعِ ولينِ الجانبِ والرحمةِ بالناسِ والرفقِ بهم وتحبيبهم في الدينِ وتجميلِ صورةِ الإسلام، فالجامعاتُ تنتظرُكم، وميدانُ العملِ يرحبُ بكم، شاركوا في صناعةِ الحياةِ فإن الرسولَ صلى الله عليه وسلم صنعَ بشبابِ أصحابِه حياةً سعيدةً رضيةً ناجحةً، وفتح بهم العالم، ونشر الدين في أرجاء المعمورة، ووظَّفَ طاقاتهم وفق استعدادِهم ومواهبِهم، فأبو بكرٍ للإمامة، وعمرُ للعدل، وعثمانُ للإنفاق، وعليٌّ للقضاء، ومعاذُ للفتيا، وابنُ عباسٍ للتفسير، وخالدٌ للجهاد، وحسانُ للشعر، وزيدٌ للفرائض قد علم كل أناس مشربهم الإسلامُ بحاجةٍ إلى عالمٍ رباني، وخطيبٍ مجُيدٍ، وكاتبٍ بارعٍ، وصحفيٍ ناجحٍ، وشاعرٍ قدير، وطبيبٍ متميزٍ، ومهندسٍ متفوقٍ، وجنديٍ أمين، ومزارع دؤوبٍ، نحن في الإسلام جمعيةُ كبرى، ومؤسسةُ عظمى، طرفُها الأيمنُ تبدأُ بأبي بكر الصديقِ في صلاحِه وتقواه، وطرفُها الأيسرُ ينتهي بأبي محجنِ الثقفي، فمنا المقبولُ والجيدُ والمتميز والـمُبَرِّزُ على منهجِ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات.

الرسالةُ التاسعة

للآباء

فقد أوجبَ اللهَ على الآباءِ حسنَ رعايةِ الأبناء، وجميلَ تربيتِهم، يقولُ سبحانه: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقال عليه الصلاةُ والسلام: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن عن رعيته"، فحقٌّ على كلِّ أبٍ أن يتقيَ اللهَ في بيته وأبنائه بحيثُ يتعاهدُ رعيتَه بحسنِ التربيةِ والتوجيهِ والإرشادِ والتقويمِ، فلا يكونَ فظّاً غليظاً، ولا يكونُ مهملاً مفرطاً، وقد وُجِدَ في المجتمعِ آباءٌ ركِبُوا مركبَ الشدةِ والعنفِ مع أبنائهمِ فاستعملوا معهم الجفاءَ والقسوةَ والضربَ، فكان النفورُ من الأبناءِ، بل كانت النتائجُ عكسيةٌ من التفلُّتِ والانحرافِ والانتكاس؛ لأنَّ من حُرمَ الرفقَ حُرمَ الخيرَ كلَّه، والرفقُ لا يأتي إلا بخيرٍ واللهُ رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفقِ ما لا يعطي على العنفِ، ولقد أخذَ صلى الله عليه وسلم الحسنَ ابنَ عليٍّ وابنَ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنهم أجمعين وقبَّلهُ أمامَ الناسِ ولاعبه، فقالَ الأقرعُ ابنُ حابسٍ: يا رسولَ الله، أتقبِّلون الأطفالَ عندكُم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقالَ الرجلُ والله إنَّ عندي عشرةً من الأبناءِ ما قبَّلتُ واحداً منهم! فقال صلى الله عليه وسلم: "وهلْ أملكُ أن نزعَ اللهُ الرحمةَ من قلبك"، إن الأطفالَ بحاجة إلى رحمةِ الأبِ، وحنانِ الأمِّ، ومسكين من نزعَ اللهُ الرحمةَ من قلبهِ، ومن لا يَرحمُ لا يُرحمُ، والراحمون يرحمهُم الرحمن، وقابلَ هذا الصنفَ صنفٌ آخر أهملوا أبناءَهم، وتركوا التأديبَ والتربيةَ، وأطلقوا لهم العَنانَ وتركوهم بلا رعاية، فنشأ الطفلُ كسولاً خاملاً تبعاً لهواه، يحبُ اللعبَ واللهو، ويكرهُ الجدَّ والعملَ، فتنكَّرَ للواجبِ، وعطَّلَ حقَّ اللهِ وحقَّ عباده، وما ذاك إلا أن أباه أهمله فلم يربِّه على معاليَ الأمورِ، وجميلِ الأخلاقِ، ومحامدَ الصفاتِ، والراشدون من الآباءِ هم من جمعَ بين الرحمةِ وحسنِ التربية، بين الرفقِ والمسؤولية، فعلَّمَ وربّى وأرشد، فكان ثمرةُ هذا الجهدِ المباركِ أبناءً بررةً راشدين ناجحين في الحياة، يقول أحد الحكماء:" لاعبْ ابنكَ سبعاً، وأدِّبْهُ سبعاً، وصاحبْهُ سبعاً، ثم اتركُه للتجارِب".

هل عندَ الإنسانِ أغلى من ابنه؟ هل لديهِ بعدَ اللهِ ورسولهِ أحبُّ من فلذةِ كبده؟ فلماذا لا يمنحُ ابنَهُ حبَّه ورعايتَه وتربيتَه والعنايةَ بروحهِ وفكرهِ وجسمهِ؟ ليردَّ له هذا الابنُ أو البنتُ الجميلَ مضاعفاً من البرِ وحسنِ الذكرِ والدعاءِ والسيرةِ الحميدةِ والنجاحِ الباهرِ في الحياة، ثم الاجتماعِ بهم في جناتِ النعيمِ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم.

.[/align]