شكراً لك أخي الكريم
إن مثل هذا الطرح يحتاج منا جميعاً المساهمة فيه وإبداء الرأي مع الارتكاز على النواحي العلمية للفائدة. سأبدأ بمفهوم التدريب إن شاء الله، وأترك المجال للبقية من الإخوان للتعريفات التربوية.

التدريب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
يتدرب الطفل على المشي حتى يكتسب القدرة على ذلك، ويتعلم الطيار كيف يقود الطائرة نظرياً ثم ينتقل إلى التدريب العملي حتى يتقن المهارة، ثم يتدرب أكثر فيحسن هذه المهارة ويؤديها بشكل أفضل. وكذلك يفعل المعلم والطبيب والممثل وغيرهم. إن مفهوم التدريب يختلف باختلاف المنظرين، والأماكن والحاجات التدريبية للمتدربين. فهناك من يري أن التدريب نشاط أكاديمي بحيث تكون ممارسته على هيئة مقررات دراسية، وهنالك من يري أن التدريب يهدف إلى تنمية معارف ومهارات واتجاهات المتدربين في جو يسوده العمل التعاوني، وروح الجماعة واحترام الذات. وأرى أن التدريب هو العملية المستمرة التي من خلالها يتم تزويد المتدرب بالمعلومات والمهارات اللازمة، لكي يكون قادراً على أداء مهمة محدودة بشكل أفضل. وتتكون عملية التدريب من عدة عناصر تنتظم في حلقة واحدة، وإذا كنا عرضنا تعريف التدريب فإننا نستطيع من خلاله تحديد عناصر عملية التدريب. فالتدريب عملية منظمة مستمرة تصمم لمساعدة الأفراد على اكتساب المعرفة والمهارات و الاتجاهات الضرورية لتطوير أدائهم لواجبات الوظائف التي يشغلونها. فنحن هنا أمام عدة عناصر هي المتدرب ، والمدرب ، والمادة العلمية وأساليب التدريب وبيئة التدريب وعملية إدارة التدريب وما تتطلبه من متابعة وتقويم.
التدريب يختلف عن التعليم، فالأول اصطلاح محدد ويرتبط بإكساب المهارات السلوكية المحدودة، بينما يرتبط التعليم بتحصيل المعلومات العامة والمهارات الأساسية. ويمكن على العموم التفريق بين التدريب والتعليم بالنقاط التالية :

1- التدريب لا يحدث إلا بالتعليم، أو أن التعليم هو عملية سابقة للتدريب، بمعنى أنه يجب أن يتم تعليم الفرد شيئاً حتى يمكنه التدرب عليه بعدئذ.
2- التدريب لا يكتمل أبداً إلا بالتطبيق، بينما التعليم يمكن أن يتم نظرياً أو عملياً ، حسب الموقف التربوي الذي هو بصدده.
3- التدريب هو أكثر أنواع السلوك مباشرة في التربية، والتعليم أقل في العموم من سابقه.

يري المهتمون بنظم التدريب أنه ينقسم إلى :

1- التدريب قبل الالتحاق بالخدمة Pre – Service training
يرتبط هذا النوع من التدريب بمفهوم الإعداد الذي يركز عادة على تكوين الشخصية الوظيفية المتخصصة بما يتطلبه من مواصفات سلوكية معينة. وأصبح هذا النوع من التدريب واسع الانتشار في مختلف النظم الإدارية.
2- التدريب أثناء الخدمة : In Service training
يهتم هذا النوع من التدريب بتعديل أو تحديث أو ترميم وصيانة هذه السلوكية. كما يبادر إلى تطوير ما يستجد منها سعياً لرفع كفاية الموظفين ومؤسساتهم في أداء الوظائف المقررة عليهم.
3-التدريب قبل وأثناء الخدمة : Pre – And Service Training
يشمل هذا النوع من التدريب النوعين السابقين وهو أفضلهما لأنه يعتبر المتدرب فرداً لديه مواهب وقدرات تحتاج إلى النمو والإعداد المستمر ويتزود بكل جديد ومتطور في المجالات التربوية والإدارية المختلفة.

إن تدريب المعلم أثناء الخدمة سمة أساسية من السمات التي تُميز عصرنا الحاضر، لما يتميز به من تطور سريع في شتى مناحي الحياة. كما أن التدريب يُعتبر ضرورة لازمة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. والهدف المتّفق عليه في أوساط التربويين من التدريب التربوي هو التنمية في المهارات وتطوير الأداء وتحسينه، وهو عملية استثمارية تحقق عائداً جيّداً بما تحققه من زيادة في كفاءة المنظمات التعليمية ليتمكن المتدربون من تطبيق ما دربوا عليه.
ترجع أهمية التدريب أثناء الخدمة لكل المنتمين للتعليم إلى أنه يمثل جناحي المعلم التربوي، ويتمثّل في الإعداد والتدريب لرفع كفاءته المهنية، وتمكينه من إتقان عمله باستخدام تقنيات وأساليب التدريب الحديثة في مجال عمله؛ الأمر الذي يزيد من ثقة المتدرب بنفسه ويمكننا ملاحظة إقباله على العمل بروح معنوية مرتفعة.
من هذا المنطلق تتأكد الأهمية التي يمثلها التدريب أثناء الخدمة في حقل التربية والتعليم التي تجعل من التدريب المحور الذي تدور حوله عملية التنمية في المجتمع. فهو كما يصفه (جعفر العبد ، 1977 ، ص 14) أداة التنمية ووسيلتها. وإذا كان التعليم والتدريب هما أساس التنمية فقد أكد على أهميتهما صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية في ثنايا خطابه الذي ألقاه في الندوة الجامعية الكبرى بجامعة الملك سعود بالرياض بمناسبة مئوية التأسيس في مساء يوم السبت الموافق 7 رجب 1420هـ حيث قال ((إذا كان التعليم في الماضي يراه البعض ظاهرة حضارية، فإنه اليوم أصبح أمناً قومياً وضرورة من ضرورات البقاء، وليس أدل على ذلك من أن الصراع بين الأمم تحول إلى سباق في تطوير التعليم ووسائله وأدواته ، ولا يفقد مكانه من ذلك السباق إلا من وهنت عزيمته، وهو أمر مرفوض لا نسمح أن تتعرض له بلادنا)).
نصت المادة 196 من سياسة التعليم في الملكة العربية السعودية على (أن تعطي الجهات المختصة عناية كافية للدورات التدريبية والتجديدية ودورات التوعية لترسيخ الخبرات وكسب المعلومات والمهارات الجديدة ). ونصت المادة 197 على (أن يتناول التدريب كافة الجوانب العلمية التعليمية والأجهزة العاملة فيها وتوضع برامج للدورات يحدد فيها غرض الدورة ومنهاجها وطرق تنفيذها وتقويمها والشروط التي تتوفر في القائمين عليها)، كما نصت المادة 198 على (أن تجري بعد إقرار أي منهج، دورة توعية توضح معالمه وأسسه، وتبرز أهدافه وتبين طرق تنفيذه، ويشترك فيها واضعوه مع المفتشين والمدرسين الأوائل ومن يشارك في تأليف الكتاب المدرسي وكتاب المعلم)؛ كما يعتبر التدريب من واجبات الوظيفة وتنص على ذلك المادة رقم 34 من نظام الخدمة المدنية. والصادر بالمرسوم الملكي رقم 49 في 10/7/1397هـ [يعتبر تدريب الموظفين جزءاً من واجبات العمل النظامية سواء كان داخل أو خارج أوقات الدوام الرسمي وعلى جميع الوزارات والمصالح الحكومية تمكين موظفيها من تلقي التدريب….].
مما لا شك فيه أن التدريب التربوي هو من أهم وسائل وأدوات تطوير التعليم ، لذلك أخذ التدريب التربوي موقعاً متقدماً في سلم أولويات المسئولين والمهتمين بالتربية والتعليم في وزارة المعارف، في ظل الدعم والتشجيع غير المحدود من حكومتنا الرشيدة، وقد كان التدريب ملازماً للتعليم منذ إنشاء وزارة المعارف إذ حظي طيلة العقود الثلاثة الماضية وخصوصاً بعد أن آلت تبعية الإشراف عليه للإدارة العامة للتوجيه التربوي والتدريب ، بعناية كل المؤسسات التربوية، فتهيأت فرص التدريب واستكمال التأهيل للكثير من العاملين بقطاعات التعليم من خلال إنشاء مراكز التدريب في بعض الجامعات، ناهيك عن إقامة الدورات التدريبية قصيرة المدى وطويلة المدى داخل إدارات التعليم في المناطق والمحافظات وأسهمت الحوافز المادية والمعنوية التي تمنح للمتدربين ـ على الرغم مما طرأ عليها من حجب أو تخفيض نسبتها ـ في تشجيع الإقبال على تلك البرامج التدريبية.