يقول المستشرق اليهودي/ الروسي يفغيني ساتانوفسكي رئيس معهد دراسة الشرق الاوسط واسرائيل في موسكو، ورئيس المؤتمر اليهودي الروسي سابقا ان العرب سيتحسرون على شارون. ويصفه بانه اكثر الساسة في اسرائيل قدرة على تحقيق السلام والتسوية . ولكن على طريقته. وان اسرائيل لاتستطيع ان تقدم اكثر مما اراد ان يقدمه للعرب من تنازلات. ويقترح ساتانوفسكي على الفلسطينيين ان ياخذوا ما يُعطى لهم الان، والا ان الوقت، حسب رايه، سيفوت عليهم مرة اخرى.وربما يشير الى ان الجيل الذي سيخلف شارون سوف لن يقدم شيئا اخر.
ويلوح ان ساتانوفسكي العارف بشئون المنطقة يشير الى قرار التقسيم الذي رفضه العرب عام 1948 ويتحسرون عليه اليوم، بل ويطالبون بادخاله لحيز الوجود، والى دعوة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في الستينات من القرن الماضي بالاعتراف باسرائيل واقامة دولة الفلسطينية التي اثارت عليه سخط العرب، والتي يتحسر العرب لعدم دعمها حينها. ولكن هل سيتحسر العرب وبالاخص الفلسطينيين بعد عدة عقود ما طرحه عليهم شارون؟.
وشارون شخصية مثيرة للجدل. ولاجدل في ان يديه ملطخة بدماء العرب. ولاخلاف ان على ذمته مذبحة صبرا وشتيلا، ولانعرف ماذا ارتكب وهو عضو في منظمة الهاجانا الارهابية وحين تراس الوحدة الخاصة 101 ومشاركة وحدته بنذبحة قبية. وشارون هو الذي دفع بزيارته للحرم الشريف باندلاع الانتفاضة الثانية. وتبنى شارون الذي يطلق عليه " البلدوزر" الخطاب المتشدد تجاه الفلسطينيين وعموما من التسوية ووصل السلطة فقط بتلك الشعارات. ولم يعرف شارون خلال رئاسته الحكومة غير القوة والعنف وسيلة للتسوية مع الفلسطينيين والعرب ومضى بتهويد مدينة القدس. وشارون من الجيل الذي تربي على افكار ان فلسطين تاريخيا ارض عبرية( يهودية)وهو الذي قال ذات يوم حينما كان وزيرا للخارجية (1998)" جميعا يجب ان يتحرك، ان يركض على مزيد من التلال، يجب ان نوسع بقعة الارض التي نعيش عليها فكل ما بين ايدينا لنا وماليس بايدينا يصبح لهم". وبامره جرى اغتيال القيادات الفلسطينبة السياسية الناشطة.
ولكن شارون السياسي، نأى بنفسه ايضا في السنوات الاخيرة عن اليمين المتطرف الذي ينكر على الشعب الفلسطيني حقه باقامة دولته المستقلة، وعلى سوريا و لبنان حقوقهما بالاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967.وشارون ايضا تبنى مشروع فك الارتباط مع الجانب الفلسطيني من جانب واحد وطبقه بالخروج من غزة وحزء من الضفة الغربية. وليس ثمة شك ان شارون يرسم خارطة فلسطين وفق تصور المصالح الاسرائيلية. وفك الارتباط في الحدود التي تخططها اسرائيل. وشارون بذلك يعترف بوجود حقوق تاريخية لشعب فلسطين، بخلاف اخرين من جناحه ينفون تلك الحقوق تماما ولايرون الا حلا واحدا يقوم على تسفير العرب ـ الفلسطينيين ودمجهم بالشعوب العربية. وتنهض هذه المشاكل اليوم بقوة اعظم مع اقتراب الانتخابات في اذار ( مارس) المقبل واحتمال رحيل شارون سياسيا او جسديا. فكيف سيكون الموقف العربي، وعلى من يضع العرب الرهان في اسرائيل؟. وهل سيتحسر العرب على شارون ومشروعه بفك الارتباط على عواهنه وغمطه الكثير من الحقوق العربية. وهل من الافضل للفلسطينيين ان يقبلوا ما يُعطى لهم؟. اسئلة حساسة ومثيرة تستدعي التفكير مليا قبل الاجابة بنعم او لا.
وعلى الصعيد الرسمي العربي فان هناك من جس النبض وبحث عن طرق ولو سرية للاتصال باسرائيل.وقد قال وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة بانه "تشرف في نيويورك بلقاء اكثر من عشره من نظراءه من العالم العربي والاسلامي الامر الذي كان لايمكن تصوره قبل عامين فقط"وتسائل مراقبون ان كان ذلك البلاغ مؤشر على ان البلدان العربية ستصرح بفتح العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل.
لقد تركت التطورات خاصة خلال اشغاله منصب رئيس الوزراء ظلالها على ذهنية شارون، وجعلته يبتعد اكثر عن عقلية الجنرالات ذي الاتجاه الواحد لقد اصبح سياسيا مناورا وخبيثا.وبات يتحدث عن تمسكه بخريطة الطريق ويلتزم علنيا باقامة الدول الفلسطينية، ووضع خطة فك الارتباط من جانب واحد حتى جرى الحديث بين الدوائر الاسرائيلية عن انه يوافق على تقسيم القدس.والواضح ان لدى شارون برنامجا واضح المعالم سعى الى تحقيقه وكلفه هذا استخدام القوة ضد المعارضين" اليهود" للخروج من قطاع غزه وكلفه ايضا الانشقاق على حزب الليكود وتاسيس حزب "كاديما"( الى الامام"). لقد طرح شارون نفسه بهذه الشاكلة كسياسي وسطي ويسير في حملته الانتخابية خلف شعار تعزيز امن الدولة العبرية. وحتى انه وفي سبيل ذلك اعتمد على سياسية " التوتر" الموجه في العلاقة مع البنى الفلسطينية التي وجد له الذرائع للقيام بعمليات عسكرية محدودة لكي يبرهن على قبضتة" البلدوزر" الحديدية وفي الوقت نفسه يقنع المجتمع الاسرائيلي بان " الجدار العازل" وخاصة" الخروج من غزة من طرف واحد، عززت قدرات اسرائيل السياسية والتكنولوجية في قضية توفير الامن.ورغم ان العمليات الانتحارية وصواريخ القسام ونقل الاسلحة للقطاع برهنت على عقم تلك السياسية.
وتلوح البدائل من الدوائر السياسية الاسرائيلية اعن شارون الاوفر حظا للوصول الى راس السلطة وصنع القرار، الوح اكثر تطرفا وعنفا وتشددا في موقفها من اقامة الدولة الفلسطينية ومدينة القدس وعودة اللاجئين. ومن المعروف ان الشخصية الاوفر حظا لاشغال منصب رئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو كان قد وضع اللاءات الثلاثة شعارا سياسيا لحملته الانتخابية. لاللدولة الفلسطينية لالتقسيم القدس واعادة الجولان ولالعودة اللاجئين. ان نتنياهو هو الذي انسحب من مرجعية مدريد واوسلو بذريعة انها تهدد امن اسرائيل وهو اقل الزعماء الاسرائيين امتثالا للادارة الامريكية. نتياهو لايرى غير القوة وترحيل الفلسطينيين ودمجهم بالمجتمعات العربية طريقا للتسوية.
فهل كان شارون اهون الشرين؟

مــنــقـول
للكاتب فلاح الحمراني