[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين وبعد:

من الأسباب التي فرقت جمع المسلمين التعصب المذهبي، ونقصد بهذا الاصطلاح اتخاذ الناس مذهباً عقائدياً أو فكرياً أو فقهياً، وإتباعه والتعصب له، واعتبار ما عداه باطلاً.

وعلى هذا الأساس صارت المذاهب العقائدية والفقهية وسيلة للتفرقة بعد أن كانت - ولا تزال - مدارس فكرية عظيمة رفدت الفكر الإسلامي بموارد لا تنضب على مدى الأيام.

وصار المذهب ديناً، وأصبحت مخالفته كفراً وفسوقاً، وانقسمت جموع المسلمين ما بين سنة وشيعة، والسنة إلى مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية... والشيعة إلى إمامية وزيدية وإسماعيلية... وبين هؤلاء وهؤلاء فرق كثيرة كثيرة لا يعلم تعدادها ومآلها إلا الله.

وصدق رسول الله القائل: ((افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقه، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي))(أحمد وأصحاب السنن والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة.).

والمشكلة أن كل فرقة من الفرق تدعي أنها على ما كان عليه رسول الله وأصحابه
.

[poet font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/4.gif" border="groove,5,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
وكل يدعي وصلاً بليلى=وليلى لا تقر لهم بذاك
[/poet]

ومن مظاهر هذه المذهبية البغيضة ما كنا نراه قبل خمسين عاماً من تحريق البعض مساجد البعض الآخر، والاعتداء على أموالهم، ونعتهم بالضلال والكفر.... حتى لقد رأيت في بعض الكتب الفقهية سؤالاً: هل يجوز لأتباع مذهبنا الزواج من أتباع المذهب الفلاني، ثم يأتي الجواب: نعم قياساً على الكتابية ؟! ومن ذلك ما كنا نراه في مساجدنا من أن الحنفي لا يقتدي بالشافعي، والمالكي لا يأتم بالحنبلي، حتى لقد وصل بهم الأمر إلى إقامة أربع جماعات في مسجد واحد، ومن أراد أن يتأكد فليزر مسجد بني أمية في دمشق فسيرى فيه أربعة محاريب، لكل مذهب محراب.

هذه بعض مظاهر المذهبية المقيتة التي فرقت المسلمين، وجعلتهم شعوباً وقبائل ليتقاتلوا ويتباغضوا بدل أن يتعاونوا ويتكاملوا.

ومرد كل ذلك إلى الجهل بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}(سورة آل عمران: [الآية: 105].).

وقال أيضاً: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}(سورة النساء: [الآية: 59].).

ورحم الله الشافعي الذي قال: ((لا يتعصب إلا جاهل، وما رأيت عالماً متعصباً)). فالذين اتخذوا المذاهب أدياناً هم أبعد الناس عن فكر أصحاب هذه المذاهب، فهذا الشافعي يقول: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)).

وأبو حنيفة يقول: ((إذا خالف كلامي كلام رسول الله فاضربوا بكلامي عرض الحائط)).

وكان رأيهم رضي الله عنهم بأن لكل مجتهد نصيب.

لقد تعلموا أدب الاختلاف، فبقي اختلافهم فكرياً ثقافياً، هو للتكامل أقرب منه إلى التناحر والتباغض.

هذه بعض أسباب الاختلاف الفكرية الرئيسة، وهناك غيرها الكثير من الأسباب الفكرية والأخلاقية، التي يمكن القضاء عليها بالحب والتعاون والتآلف، وبتعلمنا لأدب الاختلاف.

أدب الاختلاف:

من كلام الشافعي رحمه الله: تعلمت العلم في سنتين والأدب في ثمان عشرة سنة، ويــا ليتها كانت العشرين في الأدب.

والمتصدر للعلم والدعوة لا بد له من تعلم قواعد أدب الاختلاف:

1- أول هذه القواعد أن يحمل المسلم في قلبه الحب لكل البشر، وخاصة لإخوانه في الدين مهما اختلفت المذاهب والآراء.

2- أن تبقى الاختلافات ضمن حدودها العلمية والثقافية ولا تتخذ شكل العصبية والتحزب.

3- ترك الاختلافات ذات الطابع التاريخي ضمن إطارها في الماضي والبحث عما يقرب ولا يبعد، ويجمع ولا يشتت، قال تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت}(سورة البقرة: [الآية: 134].)، وما أحكم الشافعي الذي قال: لما سأله سائل عن موقعة صفين: ((واقعة كفاني الله شهودها، فلماذا لا أبرئ لساني من الخوض فيها)).

4- ينبغي أن نجتمع دائماً على ما اتفقنا عليه - وما أكثر ذلك - ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

5- يجب على المخلصين الغيورين على مصلحة الأمة القضاء على كل بذور الشقاق والتمزق مهما كانت كتاباً أو مقالة أو رأياً.... وسقاية بذور التآلف والتعاطف متناسين آلام الماضي، باحثين عن آمال المستقبل.

وأجمل مثال لهذا الأدب أئمة المذاهب الكرام، فأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وأخذ الشافعي عن مالك ومحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وأحبه، وقال في حقه: أخذت عن محمد بن الحسن وقر(الوِقْرُ: الحمل. انظر: مختار الصحاح: مادة:/وقر/.) بعير، وعاصر أحمد بن حنبل الشافعي وتحابا في الله.

ومما يذكر عن الشافعي أنه صلى يوماً الفجر عند قبر أبي حنيفة رحمه الله فترك القنوت - وهو سنة مؤكدة في مذهبه - فسئل عن ذلك فقال: تأدباً مع صاحب هذا القبر.

فلندعوا دائماً إلى ترك الألقاب والأسماء، فهذا صوفي وذاك سلفي والآخر وهابي، وهذا سني والآخر شيعي، إلى آخر ما هناك، ولنؤكد على ضرورة العودة والالتزام بما ألزمنا به الله تعالى في قرآنه {هو سماكم المسلمين من قبل}(سورة الحج: [الآية: 78].).

لكل واحد منا أخطاء إلى جانب ما يحمله من صواب، ولكن ما أعظم خطأ من يترك 95% من صواب أخيه ليسلط الأضواء على الخمسة الباقية، والله يقول: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات}(سورة آل عمران: [الآية: 105].).

ختاماً:

إن الوحدة الإسلامية ضرورة ملحّة تمليها الظروف الدولية والسياسية الراهنة، وتستدعي عملاً جاداً مخلصاً من كل قادر ؛ للقضاء على بذور الفرقة، والعودة إلى نهج المصطفى القائل: ((إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي))(الحاكم عن أبي هريرة.).

حتى نعود أمة واحدة كما كنا، وكما أراد الله لنا أن نكون - كل في مجاله وبالإمكانية والقدرة المتوفرة.

بذلك نلتزم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم))(متفق عليه.).

[align=center]والحمد لله رب العالمين[/align]