[align=center]هل يمكن إنقاذ أرواح المعلمات باستخدام تقنية الاتصالات؟
د. فهد أحمد عرب
17/11/2005
منذ نحو 15 عاما بدأت مشكلة هدر أرواح أخواتنا وبناتنا المعلمات بحجة عدم توافر الوظائف إلا في أطراف المدن, القرى, والهجر. وأفادت الرئاسة العامة لتعليم البنات (آنذاك) أن القضية مشكلة الراغبة في التعيين بأن تؤمن لنفسها وسيلة المواصلات. وعلى الرغم من وجود وسائل النقل آنذاك, إلا أنها أُوقفت ولم ينظر فيما طرح من حلول تساهم بشكل كبير في نقل المعلمات المعينات في المناطق البعيدة (وليست النائية كما يشاع). لقد رصدت الصحف أعدادا لا أعتقد أنها تمثل الرقم الحقيقي بعد للمتوفيات من المعلمات بسبب حوادث الطرق الوعرة أو السريعة. وتحتفظ الإدارة العامة للمرور بالإحصائيات الدقيقة عن الحوادث مواقعها، وأسبابها، وحجم خسائرها البشرية والمادية، وما ترتب عليها من مشاكل، ولكن لا نعلم سوى إحصائيات عامة عن الحوادث بدون تفاصيل دقيقة بدأنا نقرؤها في جداول هذا العام فقط! وفي هذا الصدد, فقد كتب العديد من عامة الناس وأصحاب الأقلام لتسليط الضوء بل وطرح حلول للموضوع في أوساط إعلامية مختلفة. الغريب إن ساكنا لم يتحرك بعد, إلا من اجتهادات فردية هنا وهناك في الواقع هي تضخيم للمشكلة وليست حلا لها. وما زالت الصحافة توقظنا في الصباح على أخبار بناتنا وأخواتنا المتوفيات جراء حادث مروري وهن في الطريق لتلك القرية أو تلك الهجرة أو في طريق العودة.
من وجهة نظري أن هناك خمس جهات لو اجتمعت منذ نشوء المشكلة لإنهاء الموضوع (المفترض قبل إصدار القرار بتعيينهن خارج المدن), لكنا الآن في مراحله الأخيرة من التنفيذ, بل في مرحلة التقييم والتطوير ولأصبحت دول تحذو حذونا فيه. هذه الوزارات هي: وزارة التربية والتعليم (محور القضية)، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة النقل، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات, وأخيرا الإدارة العامة للمرور. قد يكون من الصعب الآن إعادة عقارب الساعة للخلف لحل المشكلة بأسلوب عصري. وفي الوقت نفسه, تكرار إعادة الحسابات كل أربع سنوات أمر أصبح يكلفنا مالا وجهدا وزمنا لا يميل أحد للخوض فيه من جديد. إذاً ما الحل؟
أعتقد أن لدينا السبيل الأمثل الذي أصبح العالم كله يسعى لوضع الخطط الملائمة لتنفيذه في سبيل تنمية المجتمعات وتطويرها لنشر العلم والمعرفة. لقد كرس العلماء المختصون في التعليم والتربية، وعلوم الحاسب الآلي، وعلوم متخصصة أخرى وبدعم من الحكومات, وبالذات في قارتي آسيا وإفريقيا خلال الـ 20 عاما الماضية في البحث في مجال "التعليم عن بعد". ولقد تحقق الشيء الكثير, وبدأت دول فعلا في تبني هذه الخطوة الجريئة حيث يشتركون في مشاكل اجتماعية مثل: تأخر التوجه نحو تعليم المرأة، والتضاريس الجغرافية لبعض المناطق فيها, ووجود أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. الجدير ذكره أن بعض هذه الدول أصبحت قادرة على تغيير المعايير والعوامل المؤثرة, وعمل الاختبارات اللازمة لتقييم التجربة والخروج بفهم وإلمام كبيرين بمدى الفوائد التي يمكن أن تجني أكثر من تطبيق "التعليم عن بعد". وفي هذا الصدد, نشرت أبحاث لا حصر لها سهلت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لمن أراد الاستزادة الوصول لها عبر مواقع عديدة جداً.
تاريخياً سجل لإندونيسيا بداية الخوض في هذه التجربة عام 1930. تلتها دول آسيوية عديدة بعدها مثل باكستان, سريلانكا, الهند, وإيران, ثم انتقلت لتجرب في إفريقيا مثل ملاوي, ويوغندا, ومن ثم إلى أمريكا اللاتينية في البرازيل تحديدا. خلال تلك المحاولات تمكنت إندونيسيا أيضا من تشغيل أول محاولة بالربط الشبكي وبالصورة النموذجية في 1993. وما ذلك إلا لأن الطبيعة الجغرافية كما هو معروف عن جزر إندونيسيا في صعوبة توفير التعليم للجميع بالأسلوب التقليدي بوجود المعلم والطالب وجها لوجه في المكان نفسه. لقد أصبح التعليم عن بعد أحد أهم مجالات الأبحاث الأكاديمية والتعليمية بل والإنمائية في المجتمعات الدولية. فهذه إيران في أيلول (سبتمبر) العام الماضي استقبلت 120 ألف طلب من داخل إيران وثلاثة آلاف طلب من خارج إيران كانت نسبة الإناث من إجمالي العدد 54 في المائة, راغبين في التعليم عن بعد وقد بدأ البرنامج فعلا وتحقق ما كانوا يعانون منه من صعوبة إكمال تعليم البنات أو حصول المتعلمين على الشهادات العليا. وقد بدأ تقييمه خلال أيلول (سبتمبر) الماضي وخرجوا بمعلومات ومعرفة غزيرة قد تفيدنا إجرائيا. والأمثلة لا حصر لها من حولنا حيث تسعى وزارات التعليم العام والعالي في معظم الدول بالإفادة من تجارب الآخرين وبدء التنفيذ لشرائح معينة حتى إذا ما تمكنوا من السيطرة على العوامل المؤثرة سلبا شرعوا في نشر وتطبيق التجربة على نطاق أوسع, وهكذا آملين في تخطي مشكلة أرقتهم عقودا من الزمن كانوا يسعون فيها لنشر التعليم إلزاميا.
لا أشك أبدا أن هناك دراسات وأبحاثا تجرى في هذا الخصوص في أروقة ومعامل بعض الجامعات لدينا أو مركز الأبحاث في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، سواء بجهود فردية ذاتية أو جماعية أو عن طريق مشروع وزاري. وقد يكون في وزارة التربية والتعليم من يعول على هذا الموضوع أو موضوع آخر كحل للقضية. ولكن كعادتنا "كل يغني على ليلاه" وينوء بحمله وأعبائه الوظيفية التي تجعلنا نلجأ إلى الاجتماعات المتواصلة، والشخوص إلى المواقع، ونملأ صفحات الجرائد بعناوين إخبارية وسرد صحافي, ولكننا فعلا في مكاننا نراوح ولا حلول ناجعة وإيجابية تقف على أرض صلبة. التطبيق لن يكون في غاية السهولة ولكنه ليس مستحيلا إذا ما أحيط باهتمام بالغ، وخطط له بهدف وطني تنموي، وحدد له زمن لتنفيذه بأسلوب علمي. كما تتم متابعته من قبل خبراء إحصائيين وأكاديميين متمرسين في سبيل إعداد آلية لتقييمه والسعي لتطويره ورسم مستقبله الواعد لأجيال الغد.
قد لا يكون "التعليم عن بعد" هو الحل الفوري لقضية التعليم في المناطق البعيدة، ولكن على أقل تقدير فهو مثله مثل مستحضر فاتح للشهية..! لحل مشكلة التعليم للبنات والأبناء البعيدين عن الخدمات، والقاطنين في مناطق وعرة التضاريس، ولذوي الاحتياجات الخاصة أيضا. كما يمكن اعتباره حلاًً للراغبين والراغبات في استكمال دراساتهم العليا سواء كانوا في مناطق بعيدة أو في مناطق لا تتوافر فيها كليات جامعية أو جامعات. أما من ناحية إعادة التأهيل والتدريب فبعض الأكاديميات والمعاهد بدأ في تدريب القوى العاملة في القطاعين العام والخاص بهذا الأسلوب لدينا وفي بعض الدول الخليجية. فهل يمكن أن يكون وسيلتنا للحد من هذه الوفيات والعمل على تضميد الجراح وإنقاذ أرواح أخواتنا وبناتنا اللائي فقدناهم؟ نسأل الله لهن الرحمة وندعوه سبحانه أن يحفظنا جميعا من كل مكروه، وأن يكلل سبحانه جهود الجميع لما فيه خير الوطن وأبنائه. [/align]