واختتم كوردسمان مداخلته بقوله "إن كون 15 ممن قاموا بعملية 11 سبتمبر من السعوديين ليس هو القضية هنا. فقد كان يمكن أن يكونوا مصريين أو مغاربة أو من أي دولة أخرى تتواجد بها هذه المنظمات. ثم إنهم لم يكونوا وهابيين، وليس هذا هو سبب عملهم".
بعد ذلك جاءت مداخلة "خبير" الإرهاب ستيفن إيمرسون. وقبل عرض ما قاله إيمرسون قد يكون من المفيد الإشارة إلى واقعة حدثت في منتصف التسعينات وما يزال يذكرها من يتابعون الشد والجذب الذي يحدث في واشنطن. ففي عام 1994 قام أمريكيون متطرفون بنسف بناية حكومية في أوكلاهوما سيتي مما أسفر عن مقتل نحو 240 شخصا. وكان إيمرسون يعمل آنذاك "محللاً" لشؤون الإرهاب في عدد من المراكز، بما في ذلك شبكة "سي إن إن" الإخبارية المعروفة، ويروج من خلال عمله لسيل من القاذورات العنصرية الموجهة ضد العرب والمسلمين وكأنهم "المصدر الوحيد" للإرهاب في العالم، كما كان يروج لمنطق يقول إن "الأسلوب الإسرائيلي" هو الأفضل. وكان إيمرسون يشرح ذلك الأسلوب بقوله إنه "أسلوب ضرب العرب على رؤوسهم"، وحتى إن هذا "الخبير" كان يثير نفور أي باحث موضوعي في الأمر بدفاعه عن إسرائيل التي قيل إنه يحمل جنسيتها، إلا أن ذلك لم يتأكد.
وحين كانت شبكات التلفزيون الأمريكية التي قطعت بثها لنقل انفجار أوكلاهوما سيتي تتساءل عمن يقف وراء الهجوم ظهر إيمرسون بصورة عاجلة ليقدم "خبراً عاجلاً" في "سي إن إن". وكان ذلك الخبر العاجل هو أنه علم من مصادر موثوقة في مكتب التحقيقات الفدرالي أن خلية من "العرب" يعتقد أنهم فلسطينيون حسب قوله، هي التي نفذت العملية.
وتناقلت كل المخارج الإخبارية خبر إيمرسون العاجل، وبعد قرابة الساعتين صدر بيان أولي من مكتب التحقيقات الفدرالي يشير إلى أن التحقيق يتجه إلى منظمة محلية متطرفة. وظهر إيمرسون مرة أخرى ليدافع عن "خبره العاجل" حتى بعد البيان الأولي للمكتب. وحين أعلن المكتب أن الاتهام وجه إلى تلك المنظمة المحلية المتطرفة قررت "سي إن إن" فصل إيمرسون، فخرج بعاره الذي جلبه له كذبه.
ويبدو أن أعضاء اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ نسوا حقيقة أن إيمرسون كاذب، وأن إحدى أبرز الأجهزة الإعلامية الأمريكية - أي ليس العربية أو الأوروبية - فصلته بسبب انعدام مصداقيته. ولا يدري أحد لماذا ترى اللجنة أن هذا الرجل الصغير له - بعد ذلك - أي قدر من المصداقية تؤهله للإدلاء بشهادته في أمر ما أمام ممثلي الشعب الأمريكي، لا سيما إذا كان هذا الأمر يتعلق - مرة أخرى - باتهام العرب بالإرهاب. فضلا على أنه لا يليق من الأصل دعوة إيمرسون الذي يعمل الآن مديرا لشركة صغيرة غامضة تدعى "مشروع تقصي الإرهاب" إلى جوار أكاديمي ذي وزن مثل أنتوني كوردسمان.
وبدأ إيمرسون كلامه بأنه حذر قبل 20 عاما في كتاب نشره ضد السعودية من تمويل المملكة لمراكز ومساجد إسلامية في الولايات المتحدة، وأضاف بنبرة مدعية "وها أنا ذا أجد نفسي بعد 20 عاما مطالبا بالعودة إلى نفس المشكلة التي حذرت منها".
وقال إيمرسون إن دولا إسلامية أخرى تصدر التطرف وليس السعودية وحدها، ولكنه أضاف "ولكن بسبب عوائد النفط وموقع السعودية كبلد الحرمين فالمملكة أعطيت بذلك القدرة على تصدير رؤيتها للإسلام وعلى التأثير في تعليم أسسه خارجها". وأضاف "الخبير" أنه أجرى بحثا مفصلا تناول مواقع سعودية على الإنترنت ومطبوعات ونصوص برامج إذاعية وتلفزيونية ودعوات أشخاص ومؤسسات على صلة بالسعودية داخل الولايات المتحدة، وأنه توصل إلى استنتاجات محددة.
واستطرد "المنظمات السعودية والدعاة والأشخاص الذين يتحركون في الولايات المتحدة بمباركة من السعودية أو بتصريح منها يواصلون نشر دعاية شديدة العداء للغرب ويطرحون بذلك سؤالاً عما إذا كانت المملكة جادة حقاً في حربها ضد التطرف. وعلى الرغم من أن هناك بعض الجهد لتعديل صياغات بعض مواقع الإنترنت والمطبوعات فإن الحقيقة هي أن هناك مادة هائلة - بما في ذلك مواد تنشرها مواقع ومطبوعات حكومية - تتضمن أفكاراً دينية معادية لليهود والمسيحيين".
وأضاف أيمرسون - ولعل ذلك كان "بيت القصيد" الذي يؤلمه أكثر من أي شيء آخر بالنظر إلى تشدده في الدفاع عن إسرائيل - إن المملكة العربية السعودية "تواصل تمويل منظمة حماس. وفي سبتمبر الماضي اعتقلت إسرائيل حامل حقيبة كان ينقل أموالاً من السعودية إلى الأراضي الفلسطينية سراً".
ثم وصل أيمرسون إلى تحديد ما يريده من اللجنة فقال بصدق لم يُعرف عنه منذ عام 1994 "في النهاية فإن السؤال هو كيف يمكن التحقق من أن السعودية تحقق تقدماً في هذا المجال؟ إنني أعتقد أن السجل يوضح أن أي جهود دبلوماسية هادئة وأي محاولة لإقناعهم دون انتقادهم بصورة علنية لم تثمر أي نجاح لنا، ولذا فإنني أعتقد أن مشروع القانون الذي دعمتموه (أي مشروع قانون محاسبة السعودية) هو خطوة بالغة الأهمية لحملهم على الالتزام بالمعايير التي ينبغي عليهم الالتزام بها".
وبعد شهادة "الخبير" أيمرسون جاءت شهادة "الخبيرة" شيا التي لا تنكر ولم تنكر ميلها إلى أحد التيارات الدينية المتعصبة في الولايات المتحدة. وبدأت شيا شهادتها بقدر من الصدق يفوق ما جاء في شهادة أيمرسون. ولنسمع كيف بدأت "صدقها".
فقد قالت مديرة مركز الحرية الدينية "قبل عامين أعطاني صديق مسلم أمريكي كتيباً صغيراً وطلب مني أن أقرأه.. كان الكتيب بالعربية، ولذا فقد ترجمناه، وكان يقول أشياء كثيراً منها إعطاء تعليمات مفصلة حول كيفية بناء جدار من الكراهية بين المسلمين والكفار، كأن يقول: لا تبدأ أي مسيحي أو يهودي بالسلام، لا تهنئ أياً منهم في أعيادهم، لا تصادق أياً منهم إلا إذا كنت تنوي إقناعه باعتناق الإسلام، لا تقلد الكفار ولا تعمل في مؤسساتهم، لا ترتدي ملابس التخرج من الجامعة لأن في ذلك تقليداً لهم.. وهكذا".
أي إن علينا أن نصدق أن صديق السيدة نينا شيا المسلم أعطاها ورقة تقول ألا يعمل المسلمون في الولايات المتحدة في مؤسسات غير إسلامية وألا يبدؤوا الآخرين بالسلام!. ثم أضافت "الخبيرة" - وكأن كل هذا "الصدق" لا يكفي - أن الكتيب كان يحمل تحيات الملحقية الثقافية بالسفارة السعودية.
والطريف أن قادة إحدى المنظمات الإسلامية في تكساس، وهي الجمعية الإسلامية لشمال تكساس ويدعى غلام بقالي قال بعد ذلك في شهادته رداً على السيدة شيا إن المطبوعات التي تقول "الخبيرة" إنها جمعتها من مسجد الجمعية كانت - كما وردت في تقرير مركز حرية الأديان الذي ترأسه شيا - باللغة العربية.
وأضاف بقالي قائلاً "ولكن كل من يأتون إلى المسجد لا يتحدثون العربية. ولا أفهم كيف يمكن توزيع كتيبات بلغة لا يقرؤها المصلون".
المهم. واصلت السيدة عرضها لأسس التقرير، وقالت إنه يتضمن مواد إعلامية تمتد إلى 40 عاماً. أي إن المركز نقب عن مطبوعات سعودية صدرت قبل أن يولد بعض أعضاء لجنة الكونجرس التي استمعت إلى هذه الشهادة. ويتعين إذا أردنا الإنصاف أن نحيل ملف الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون إلى السيدة شيا إذ تبين من أحاديثه المسجلة أنه وجه أقذع السباب لليهود. وكان ذلك منذ وقت أقل من 40 عاماً.
وواصلت السيدة بث مزاعمها على نحو يكشف عن "ذكاء عميق". والأدلة على ذلك كثيرة. فقد قالت مثلاً "إن المطبوعات السعودية التي جمعناها من أجل التقرير تقول إنه واجب ديني على المسلم أن يكره المسيحيين واليهود".
دليل آخر.. فقد قالت السيدة "إن المطبوعات السعودية تزرع بذور الكراهية للولايات المتحدة لأن الولايات المتحدة يحكمها قانون مدني تشريعي وليس قانوناً إسلامياً شمولياً على الطراز الوهابي". أي إن السيدة كانت تقول إن السعوديين يكرهون الولايات المتحدة لأن رئيسها ليس وهابياً وقانونها ليس إسلامياً. وإنها وزعت هذه المطبوعات على الطلبة السعوديين الذين أرسلتهم للدراسة إلى هذه الدولة التي ينبغي أن يكرهها الجميع لأنها لم تضع وهابياً في البيت الأبيض!
ويحتاج الأمر إلى "صبر أيوب" لتحمل الإنصات إلى هذا العبث تحت قبة برلمان الدولة الأقوى في العالم. ولكن باستثناء أنتوني كوردسمان الذي بدا ممتعضاً من هذا العبث فإن أغلب أعضاء اللجنة كانوا يتابعون المحاضرة "القيمة" التي قدمتها الخبيرة الأمريكية بشغف بالغ.
وتخطو شيا خطوة إضافية ولكن في نفس الاتجاه بقولها إن المؤسسة الدينية السعودية أفتت ذات مرة في رد على داعية مسلم في أوروبا على نحو يجعله عرضة للقتل. أما كيف فسرت السيدة هذه "التخريجة" فإنه أمر مثير للسخرية، إذ قالت إن الداعية قال إنه لا ينبغي توجيه الكراهية نحو المسيحيين واليهود فردت عليه فتوى سعودية منشورة في مجلة صادرة بختم الحكومة السعودية تدين رأيه هذا. ثم أضافت شيا "ويعد ذلك تهديداً بالقتل لأن الارتداد جريمة تستحق الإعدام هناك". أي إن الداعية سأل، فأفتاه أحد العلماء السعوديين لتفهم "الخبيرة" من هذا الحوار أن الفتوى تعد "تهديداً بالقتل" حسب قولها حرفياً!
وواصلت الخبيرة محاضرتها "المعمقة" بأن المطبوعات الرسمية السعودية تمنع ـ نصاً ـ الحوار بين أتباع الديانات المختلفة وتتهم من يحاورون من المسلمين بالكفر، وبأنها تقول إن على المسلمين في الولايات المتحدة أن يقتلوا الزاني ويسلبوا أمواله!.
وحين جاء دور شهادة غلام بقالي قدم إلى اللجنة السجلات الكاملة لمكتبة مسجد ريتشارد سون بشمال تكساس قائلاً:" بحثنا فيها عن أي كتاب مما قال تقرير مركز حرية الأديان إنها موجودة لدينا فلم نجد أيا منها. وتاريخ السجلات كما هو مثبت أمامكم ومسجل إليكترونياً يعود إلى لحظة إنشاء المسجد".
.