[align=center]يسرني أن أتقدم بخالص الشكر وفائق التقدير لأخي العزيز سابر الذي خصني بالدلالة على هذا الموضوع الطريف عن جبل قارة وقصصه العجيبة وحوادثه الغريبة بعد أن علم عن اهتمامي بهذا الجبل ورغبتي في زيارته وقد نشر الموضوع في صحيفة الشرق الأوسط وأنا أنقله لكم للفائدة بعد إذن أخي سابر[/align]

[align=center][/align]

[align=center]جبل قارة في الأحساء[/align]
[align=center][mark=#FFCC00]كهوف للصائمين وحكايات وأشكال صخرية غريبة[/mark][/align]
[align=justify]
الأحساء: جعفر عمران
ليست عادات الناس التي تمارس في شهر رمضان وحدها التي استجابت لتقلبات الوقت وتكاد أن تغيب، وبذلك دخل رمضان هو أيضا في فك (العولمة)، التي مسحت بطلائها على كل سحنة أو ملامح خاصة يمكن أن تميز شعبا أو مدينة أو حتى قرية أو شارعا، ولم يسلم شهر رمضان بإيقاعه وعاداته وكرمه من ذلك الفك، وفقدنا بذلك إحساسنا الخاص بشهر رمضان، ليست عادات الناس وحدها بل مغارات وكهوف جبل قارة في الأحساء دخلت في النسيان، المغارات التي ارتبطت في ذاكرة الناس بشهر رمضان بشكل خاص، دخلت في إجازة رمضانية من النوم داخل كهوفه ومن تردد أبناء القرى المحيطة به، وهي القارة والدالوة والتهيمية والتويثير، وقد لعبت مغارات الجبل دورا هاما عندما كانت أيام رمضان تصادف شهري يوليو وأغسطس، في أن يقضي أبناء هذه القرى رمضان في جو شديد البرودة، بمكوثهم داخل مغارات الجبل منذ الفجر وحتى قبل مغيب الشمس، وبذلك يقضون صومهم «باردا» في يسر وسهولة بعيدا عن حرارة الشمس التي تزيد من العطش والإحساس بالجهد، ففي هذه المغارات كان أهالي تلك القرى ينامون بها وكانت حافلة وعامرة إلى ما قبل عام 1987حين بدأت الدراسة في شهر رمضان وفي السنوات التالية بدأ الجو في رمضان يكون معتدلا، أما قبل ذلك فقد كان الناس يترددون إليه في شهر رمضان من بعد صلاة الفجر إلى ما قبل أذان صلاة المغرب، ومن أسباب ذلك هو ضعف الكهرباء حينما كانت الكهرباء أهلية أو عدم وجودها عند كافة أفراد المجتمع لعدم المقدرة المادية لتأمينها، فكان الجبل ملاذا من الهجير حيث تتجاوز درجة الحرارة الـ 50 درجة، وتتميز هذه الكهوف بأنها شديدة البرودة ومظلمة جدا حيث لا ترى راحة يدك حينما تطفئ (البوجلي)، كما أنها دافئة في فصل الشتاء، وتخلو تماما من الحيوانات والحشرات.
وتتعدد كهوف الجبل من حيث الاتساع وكثرة الأماكن التي تشبه الغرف، ففيه غار الناقة وبه كهوف كثيرة، وكان كل مجموعة من الأصدقاء أو الأخوان يتخذون مكانا معينا داخل الجبل يكون خاصا بهم ويعرف باسمهم ويترددون عليه كل عام، ويقضون وقتهم بين قراءة القرآن وقراءة الكتب ولعب الورق والكثير من الوقت تلتهمه الحكايات التي تروى على ضوء شمعة أو فانوس أو ولاعة، وهي بعض وسائل الإضاءة داخل الجبل، ويعد غار «الناقة» أشهر غيران الجبل، فهو الأبرد والأكثر اتساعا، فهو يضم ما لا يقل عن 400 شخص، وبه مكان يسمى الثلاجة لشدة برودته وبه فتحة صغيرة جدا تسمى (الفريزر) وفي هذا المكان لا يمكن النوم أو الجلوس به لبرودته العالية والشديدة، كما أن بعض الأماكن الأخرى في هذه المغارة تكون شديدة البرودة ويحتاج النائم أحيانا إلى بطانيتين كي يهنأ بنوم هادئ، ويحتاج الداخل إلى هذا الغار أن يحني ظهره أو يمشي على ركبتيه أو يزحف على بطنه في بعض المواقع، وراح عدد من الشباب يكتشفون كهوفا صغيرة ويسمونها بأسمائهم، وبعض هذه الأماكن الصغيرة لا يمكن الدخول إليها إلا زحفا فمدخل الغار لا يتجاوز 60 سنتيمترا، ومن كهوف الجبل غار يسمى غار «العيد» وهو خاص لكبار السن لأن فتحاته واسعة ولا يحتاج إلى الإضاءة الصناعية (البوجلي) وبه أماكن واسعة ومرتفعة على شكل صالات تشبه في تكويناتها المسارح الرومانية، وغار آخر هو غار الميهوب ويتميز بغيرانه الواسعة والمرتفعة والمظلمة جدا، ولا يخلو النوم في الجبل من طرافة ومواقف درامية، يذكر الحاج سلمان 70 عاما أنه انتبه من نومه يوما ووجد نفسه وحيدا في الجبل، فشعر بالخوف الشديد من الصمت المطبق في جوف الجبل، وعندما خرج مسرعا من داخله، كان الليل يمكث على القرية فأدرك أنه تُرك نائما، وأخذ يساوره همّ آخر، أن يبقي له أهله شيئا من مائدة الإفطار، ولكنه كان محظوظا فالأهل لم يتناولوا إفطارهم هنيئا قلقا عليه، وبذلك كان له نصيب الأسد من طعام الإفطار، أما عبد المحسن وبعض رفاقه فكان الجبل بالنسبة لهم مكانا أمنا لـ «شيطنتهم»، فقد كانوا يشترون بعض الطعام في نهار رمضان ويتناولونه في مغارة بعيدة عن عيون الصائمين، وتمتلئ ذاكرة أبناء القرى المحيطة بالجبل بالكثير من المواقف والحكايات الغريبة التي تأخذ شكل الأساطير، وتزيد من غرابتها وغموضها الأشكال العجيبة والنادرة التي تلمحها عندما تمعن النظر إلى تكوينات صخوره، فترى رسومات لرؤوس وأجساد بشرية، وأشكالا مختلفة لطيور وحيوانات، وربما ستكون لديك الرغبة في تصديق ما تسمع عن هذا الجبل.[/align]
[align=center]الاثنيـن 21 رمضـان 1426 هـ 24 اكتوبر 2005 العدد 9827 [/align]