[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

).) . سابعاً: العناية بالطالب الموهوب : لقد خلق الله الناس معادن وطاقات متفاوتة كما قال صلى الله عليه و سلم :"الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "(رواه البخاري (3383) ومسلم ( 2638 ) . ). وقال:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به؛ فَعَلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"(رواه البخاري ( 79 ) ومسلم ( 2282 ) . ) . ولقد كان سلف الأمة - رحمهم الله - يعنون بذلك أيما عناية، روى ابن عبد البر في الجامع عن عبد الملك بن عبد العزيز بن سلمة بن أبي الماجشون قال:أتيت المنذر بن عبدالله الحزامي وأنا حديث السن، فما رآني اهتز إلي على غيري لما رأى في بعض الفصاحة، فقال لي:من أنت؟ فقلت له: عبد الملك بن عبدالعزيز بن أبي سلمة. فقال:"اطلب العلم فإن معك حذاءك وسقاءك"(جامع بيان العلم وفضله (1/86)). ومصطلح الموهوب أوسع وأشمل من أن يقتصر على من يتمتع بقدر أكبر من الذكاء، فهو يشمل كل من يملك قدرات خاصة تؤهله للتفوق في أي مجال من المجالات، فالشعر والخطابة والكتابة مواهب، والقدرات العملية والقيادية كذلك. ونأسف حين نرى الغرب الكافر يعتني بالموهوبين، ويسن لرعايتهم أنظمة خاصة، ويقيم فصولاً ومدارس خاصة بهم، في حين يلقون غاية الإهمال لدى المسلمين، فتقام في أمريكا سنوياً مسابقة لاختيار الاختراعات التي يتقدم بها الأطفال(5-13) سنة، وأقيمت مسابقة عام 1992م في واشنطن وشارك فيها 51 طفلا ممن فازوا في التصفيات التي جرت على مستوى الولايات المتحدة، وابتداءً من شهر أغسطس الماضي عرضت الاختراعات الفائزة في متحف التاريخ الأمريكي جنباً إلى جنب مع الاختراعات الأمريكية الأخرى، كبادرة لتشجيع المخترعين الصغار (جريدة الرياض ( 8 838 ) 7 / 3/ 1413هـ ) . فحين ترى طالباً يفوق غيره في قدراته، فماذا أنت صانع نحوه؟ وهل فكرت أن عليك أن تنظر له نظرة غير أقرانه؟ وأن توليه رعايةً واهتماماً يليقان به؟ أليست هذه الطاقات هي المؤهلة لتتبوأ المكانة الاجتماعية أو العلمية والفكرية في المجتمع؟ وصلاحها ينتج عنه خير كثير. ونستطيع أن نرسم لأنفسنا هدفين رئيسين في التعامل مع الموهوب: الهدف الأول: أن نسلك به طريق الاستقامة والصلاح، ويسير في ركب جيل الصحوة، وهذا هو المطلب الأولى والأساس، والضمانة لاستثمار هذه الطاقة وتوجيهها. الهدف الثاني: قد يعجز المدرس عن التأثير التام على الموهوب وجلبه لتيار الخير والاستقامة والتغيير الجذري لديه، فلا أقل من أن يزرع لديه حب الخير وأهله، والولاء للدين، واستغلال طاقته وموهبته في خدمة دين الله، فهذا من تمام شكر نعمة الله عليه. المبحث الثاني: صفات سلبية لئن كانت هناك صفات إيجابية ينبغي للمعلم أن يتحلى بها، فهناك صفات سلبية ينبغي له أن يتأى عنها ويتجنبها، ومن أبرز تلك الصفات : 1- الاستكبار عن قبول الحق: قد يكون لدى أحد طلبتك علم في مسألة معينة ليس عندك، أو سمع فيها ما لم تسمع، أو يتضح لك بعد النقاش أن الحق بخلاف ما قلته، فهلا فكرت في كسر حاجز الهوى، وقبول الحق والانتصار على الوهم الذي يوحي إليك أن هذا يغض من شأنك؟ بل فيه الرفعة والثقة، فالناس كل الناس يدركون أنه لا كمال لبشر، وأنه ما من أحد من كبار أهل العلم إلا وتعزب عنه شاردة أو واردة، فكيف بي وبك؟ بل إن الاعتراف بالحق يزيد تلامذتك ثقة أنك لا تقول إلا ما تعلم، ولا تنطق إلا بما توقن. لذا فيعد الإمام النووي من صفات المعلم أن:"لايستنكف عن التعلم ممن هو دونه، في سن، أو نسب، أو شهرة، أو دين، أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه في جميع هذا"(لمجموع شرح المهذب (1/29) . ). 2 - حسد الطالب: الحسد سلوك شاذ يصدر عن أصحاب النفوس المريضة حين ترى من فاقها في أمر من أمور الدنيا الفانية، وهو يحمل علاوة على خبث الطوية سخطاً على قضاء الله وعدم رضا بعطائه؛ لذا فالمدرس أعظم قدراً، وأعلى شأناً من أن يحمل في قلبه حسداً أو غلاً تجاه أحد أبنائه؛ خاصة حين يفوقه، وهو مسلك حذر منه السلف الصالح. قال الإمام النووي:"ولا يحسد أحداً منهم لكثرة تحصيله، فالحسد حرامٌ للأجانب وهنا أشد؛ لأنه بمنزلة الوالد، وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصيبٌ وافرٌ؛ فإنه مربيه، وله في تعليمه وتخريجه في الآخرة الثواب الجزيل، وفي الدنيا الدعاء المستمر والثناء الجميل"(المجموع شرح المهذب (1/33) .). 3 - الفتيا بغير علم: ما أكثر ما يأتيك أخي المدرس السؤال والاستفتاء من طلبتك فهلا روَّضت نفسك على أن تقول لما لاتعلم لا أعلم؟ فمن حرم لا أدري أصيبت مقاتله، وهل وضعت نصب عينيك قوله تعالى : [ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون] (الأعراف : 33). وقوله سبحانه : [لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] (الإسراء : 36) . وأجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً كما قال سحنون . عقد الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله باباً بعنوان: (ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم) وروى بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهر حمَّلني أهلُ بلدي مسألةً أسألك عنها. قال: فسل. قال:فسأله الرجل عن المسألة. فقال: لا أحسنها. قال: فبهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء. قال:أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك : لا أحسن"(امع بيان العلم وفضله (2/53) . ) . وقال مالك رحمه الله:"ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول لا أدري، فإنه عسى أن يهيأ له خير". قال ابن وهب: وكنت أسمعه كثيراً ما يقول: لا أدري. وقال في موضع آخر:"لو كتبنا عن مالك لا أدري لملأنا الألواح"(جامع بيان العلم وفضله ( 2/53-54) .). ولذا يوصي ابن جماعة المعلم بذلك فيقول:"واعلم أن قول المسئول لا أدري لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه؛ لأنه دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته وحسن تثبته، وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته، وقلت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فرَّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر حين لم يرد موسى عليه السلام العلم إلى الله تعالى لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك" (تذكرة السامع والمتكلم (42-43) . ). [/align]