[align=center][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

. 10 -حسن المعاملة للطالب: إن الطالب هو المقصود الأول والأساس من العملية التعليمية والتربوية، ولذا فهو المتغير الرئيس الذي يتعامل معه الأستاذ، أما المنهج، وأنظمة التعليم، وغير ذلك فهي إنما وضعت أساساً لتحقيق الهدف التربوي التعليمي للطالب، ولهذا الموقع الذي يتبوأه الطالب في العملية التربوية كان لابد من وضع بعض المعالم والقواعد في التعامل مع الطالب، حتى يتحقق الهدف المقصود من التربية والتعليم. ومدار ذلك كله على حسن الخلق، وقد أعلى الشرع منزلة حسن الخلق ورفع من شأنها، قال صلى الله عليه وسلم :"ليس شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن"(رواه الترمذي (2002) وأبو داود (4799) وأحمد (26971)وانظر : السلسلة الصحيحة ( 876 ) .) . وترتقي منزلة أهل الخلق الحسن ليدركوا درجة أهل العبادة والزهد:"إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (رواه أبو داود (4798) وأحمد (23834) وابن حبان (1927) .) . وإذا كان حسن الخلق يتأكد على كل مسلم، فهو في حق معلم الأجيال، وأستاذ النشء آكد وأوجب، وحسن خلق المدرس مع طلابه كلمة واسعة تجمع أبواباً شتى منها: أولاً: توقير الطالب وتقديره: بعيداً عن نظرة التعالي التي سادت بين كثير من المسلمين وللأسف، وفوق احتقار الآخرين وازدرائهم - كما هو حال بعض المعلمين - فوق ذلك كله وأسمى منه يجب أن تكون أخلاقنا معشر المعلمين الدعاة. وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: باب إكرامه الغرباء من الطلبة وتقريبهم، استقباله لهم بالترحيب، تواضعه لهم، تحسين خلقه معهم، الرفق بمن جفا طبعه منهم، ويروي في الباب الأخير عن أبي عثمان الوراق قال: اجتمع أصحاب الحديث عند وكيع، قال : وعليه ثوب أبيض، فانقلبت المحبرة على ثوبه، فسكت مليًّا ثم قال: ما أحسن السواد في البياض. وعن سفيان بن وكيع قال: قال أبي: من أراد أن يحدث فليصبر وإلا فليسكت(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/355) .). وفي الأدب الرابع للمعلم عند ابن جماعة:"أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت أن لايقع الذباب عليه لفعلت، وفي رواية : إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني" (تذكرة السامع والمتكلم ( 49 ) .) . ويؤكد ابن جماعة على المعلم حسن المعاملة في موضع آخر فيقول:"وكذلك ينبغي أن يترحب بالطلبة إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤالهم عن أحوالهم،وأحوال من يتعلق بهم بعد درسهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه، وظهور البشر، وحسن المودة، وإعلام المحبة، وإضمار الشفقة"(تذكرة السامع والمتكلم ( 65 ) . ) . وقال النووي:"وينبغي له أن يحنو عليه، ويعتني بمصالح نفسه وولده، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه" (المجوع شرح المهذب ( 1/ 31 ) .) . إن توقير الطالب وتقديره - مع أنه خلق المسلم ابتداء - يعلِّمه أن يوقر الناس، ويدعوه لمحبة مدرسه، والتلقي فرع عن المحبة وصفاء القلوب، وهو كذلك يخرج لنا جيلاً يتصف بحسن الخلق، وصفاء السريرة؛ إذ هو يتعلمها ويدرسها من خلال الواقع الملموس والصورة الحية، مما يفعل ما لا تفعله الكلمات المجردة. ثانياً: الثناء عليه حين يحسن: إننا نجيد النقد لمن أساء، ونرى أن إيقافه عند حده من بدهيات واجبات المدرس؟ فما بالك بمن يحسن؟ أليس في المقابل يستحق الثناء، ولو بدعوة صالحة: جزاك الله خيراً، أثابك الله، زادك الله علماً وحين يتجاوب الثغر مع اللسان فيفتر عن ابتسامة صادقة، يدرك الطالب صدق مودة مدرسه. وحين نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلن تخطئنا تلك المواقف التي كان يثني فيها على من أحسن من صحابته كما سبق الحديث عن ذلك في هديه صلى الله عليه وسلم . ومرة أخرى مع ابن جماعة يعلمنا هذا الأدب فيقول:"فمن رآه مصيباً في الجواب، ولم يخف عليه شدة الإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه؛ ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد"(تذكرة السامع والمتكلم ( 54 ) . ) . ثالثاً: العدل بين الطلاب: على العدل قامت السموات والأرض، وبه أوصى الله عباده : [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون] (النحل :90) ولذا فعلينا معشر المعلمين أن نتحرى العدل ونقصده، ونسعى إليه بين طلبتنا، وألا تظهر الميول والتقديرات الشخصية قدر الإمكان. فالمحاباة والتفريق في المعاملة مما يمقته الطلاب وينفرون منه ومن صاحبه. وهي قضية لم تكن تغيب عن علمائنا الأوائل، فتوارثوا إيصاء المعلم بالعدل، وتحذيره من خلافه. قال الإمام النووي:"وينبغي أن يقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق، ولايقدمه في أكثر من درس إلا برضا الباقين" (المجموع شرح المهذب (1/33) .). وقال ابن قيم الجوزية:"إن الطالب المتعلم إذا سبق غيره إلى الشيخ ليقرأ عليه لم يقدم بدرسين إلا أن يكون كل منهم يقرأ درس" (الفروسية (114) . وانظر الفكر التربوي عند ابن القيم لحسن الحجاجي (450) .). وعقد ابن سحنون باباً في ذلك (ماجاء في العدل بين الصبيان) وأورد فيه بإسناده عن الحسن قال:"إذا قوطع المعلم على الأجرة فلم يعدل بينهم - أي الصبيان - كتب من الظلمة" (آداب المعلمين لابن سحنون . المطبوع في نهاية كتاب المذهب التربوي عند ابن سحنون (115) .) . وقال في موضع آخر:"وليجعلهم بالسواء في التعليم، الشريف والوضيع، وإلا كان خائناً". وغني عن البيان أن تلك التوجيهات والوصايا قد ذكرها أصحابها على سبيل المثال، فالعدل صفة محمودة مطلوبة كل وقت، وإن اختلفت صوره وتطبيقاته من عصر لآخر. رابعاً:الاعتدال في معالجة الأخطاء: إن الصبر على الجفاء، وتحمل سيئ الطباع من محاسن الأخلاق، ونحن نسعى لبناء كل خلق فاضل في نفوس أبنائنا، أوليست التربية بالفعل أبلغ من القول ؟ فما رأيك أخي المدرس حين يعتاد تلميذك منك الصبر على جفائه، وتحمل هفوته، بما لا يزيل الهيبة، و يجرئ على المعاودة؟ وإن كان ولابد من التنبيه فبحسن الإشارة، وجميل التلطف، لذا يوصي ابن جماعة المعلم بهذا الخلق فيقول:"وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسيئ أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة، فلا حاجة لصريح العبارة، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف"(ذكرة السامع والمتكلم ( 50 ) . ). ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم:"أن يزجر المتعلم عن سيئ الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لابطريق التبويخ" (إحياء علوم الدين ( 1/57 ) . ). ويؤكد الإمام النووي هذا المعنى فيقول:"ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرضٌ للنقائص"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). والمنطق السليم يقتضي من المعلم أن يعالج الخطأ داخل الفصل بما يراه يحقق المصلحة، وأن لايتدخل طرف ثالث قدر الإمكان، والكي إنما هو آخر الدواء لا أوله. وحين نتصور أن القصور والخطأ صفة ملازمة للطالب قلما ينفك عنها، وبخاصة في هذا الوقت، فسوف نتجاوز كثيراً من الأخطاء، أو نضعها في حجمها الطبيعي على الأقل ، وما أعظم أن يحتوي المعلم خطأ الطالب بنظرة، أو همسة، أو لفتة غير مباشرة، أو حديث خاص خارج الفصل. وانظر إلى هذا النموذج الرائع من الصبر على جفاء الجاهل. قال أبو يوسف رحمه الله: "أتيت مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فجلست فيه، فجاء رجل فقام في ناحية المجلس فجعل يسبُّ أبا حنيفة ويشتمه، فما يقطع أبو حنيفة حديثه ولا التفت إلى كلامه، ولا أجابه أحد من أهل المجلس حتى فرغ أبو حنيفة من كلامه، وقام ليدخل داره، فلما بلغ أبو حنيفة إلى باب داره قام عند بابه واستقبل الرجل، وقال : هذه داري أريد الدخول، فإن كنت مستتم باقي كلامك فأتمه حتى لا يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت، فاستحيا الرجل، وقال : اجعلني في حل، فقال : أنت في حل" (من أعلام التربية الإسلامية ( 1/ 137- 138 ) .نقلاً عن مناقب أبي حنيفة للموفق المكي ( 249 ) . ). خامساً: الاهتمام بالطالب: "إن وجود المتعلم داخل المدرسة لا يعني انفصاله بأي حال من الأحوال عن المؤثرات الخارجية التي يحتك بها، بل إن تأثير بعض المشكلات الخارجية على التعليم يجعل الوصول إلى الأهداف التربوية والتعليمية المنشودة في غاية الصعوبة والتعقيد، لذا فإن واجب المعلم أن يتعرف على جانب من المشكلات الاجتماعية التي يعيشها المتعلم؛ لما لها من أثر في نموه العلمي والاجتماعي" (إعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية.د عبدالله عبدالحميد محمود (71).) .[/align]
[/align]