ماذا بقي للدين ؟

المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الحياة الأوروبية المعاصرة ( العلمانية ) هو عبادة الهوى وتحكيمه من دون الله فالإنسان المعاصر الذي شب عن الطوق واستغنى عن الإله لم يعد بحاجة إلى الرجوع إليه!!

ومن هنا جاءت كلمة ( جورج سانتياتا ) ( إن حياتنا بكاملها وعقلنا قد تشبعا بالتسرب البطيء الصاعد لروح جديدة هي روح ديموقراطية دولية متحررة وغير مؤمنة بالله )

وهكذا نجد الباحثين العلمانيين – حتى من كان منهم يذهب إلى الكنيسة يوم الأحد – يكتبون في كل التخصصات من منطلق العداوة العمياء للدين :

فالذي يتحدث في علم النفس ... يقول أن الدين كبت ينبغي أن يحطم لكي لا يؤذي الكيان النفسي للفرد!

والذي يتحدث في الاقتصاد ... يقول أن الاقتصاد الصناعي يحتاج إلى مجتمع متحرر من القيود الموروثة ، ومن بينها كذلك احتجاز المرأة لمهمة إلا أمومة إذ ينبغي في المجتمع الصناعي أن تخرج المرأة لتعمل!

والذي يتحدث في الاجتماع ... ينظر بعين السخرية إلى تلك السذاجة التي كانت تخيل للناس أن الدين فطري وأنه شيء منزل من السماء!

والذي يتحدث عن العلوم ... العلوم البحته ، لا ينسى الدين كذلك أنه يذكر الناس يوم كان الناس متدينين فكانوا لجهلهم الشديد ينسبون ما يحدث في الكون كله إلى الله!

والذي يتحدث في الفن ... يزري بتلك الأيام التي كان التحدث عن الجنس فيها يعتبر عيباً تأباه الأخلاق ، تباً لكم أيها المتأخرون كم كنتم تحجبون من ألوان الجمال الممتع البهيج الأخاذ انظروا إلينا نحن المتحررين! اليوم نجعل الجنس فناً قائماً بذاته ... تعالوا نعر الناس ذكوراً وإناثاً ونطلقهم ينشطون نشاط الجنس ... ونمسك الكاميرا للتسجيل!

والذي يتحدث عن السياسة ... يرثى لحال الإنسان أيام القرن الأول حين كان يتحكم ويخضع لقوانين غيبية لا يد له في وضعها وكان محرما باسم الطاعة الإلهية !

هذا على صعيد الفكر والبحث فماذا على صعيد الحياة العملية !

إن الشرق الشيوعي يعترف صراحة بأنه قد قضى أو في سبيل القضاء على كل شكل من أشكال العبادة والمظاهر الدينية حتى الشخصي منها.

إن دعاة اللادينية ( العلمانية ) من المخادعين والمخدوعين يقولون أنه لا ضرر على الدين من قيام الحياة اللادين !! فالكنائس ستظل مفتوحة بل إن عددها ليزداد وهناك يوم الأحد حيث تقفل الدوائر الرسمية وغير الرسمية أبوابها في حين يكون وعاظ الكنائس ومنشدوها في ذروة نشاطهم ، وهناك الحرية الشخصية التي لا تضع على حرية العقيدة أي قيد وتتيح لأي متحمس للدين أن ينضم إلى سلك الرهبانية بلا اعتراض من الدولة بل إن رجال الحكومة احياناً كما أن من حق الكنيسة أن تقيم طقوسها ومراسيمها وحفلاتها يتشرفون بحضورها.

أما الزواج فلا تزال غالبية الجماهير ترى ولو نظرياً إن إقامة طقوسه في الكنيسة افضل من العقود المدنية أو الزواج بلا عقد. وكل هذه الأمور – في نظرهم – تجعل الدين يحتفظ بمكانته ونفوذه !!!– ضمن دائرته الخاصة بطبيعة الحال – وتتيح له أن يوجه أتباعه – في نطاق هذه الدائرة – كما يشاء !!!.