[align=center]

مناهج جيل الآباء


عوداً للمدرسة الابتدائية.. هلاّ قيّمت لنا مناهج تلك المرحلة الزمانية، وأنت المهموم الدائم بهذه المناهج؟
- سؤالك ممتاز، فالكثيرون الآن لا يستوعبون أن الزمن تغير، والمعارف الموجودة والمتاحة كانت في المدرسة عبر مناهجها فقط، وأن المعلومات التي كانت تقدم في تلك الأيام - وخصوصاً في مواد اللغة والدين - كانت مناسبة جداً، حتى بعض التفاصيل في مسائل العبادات وغيرها كانت مناسبة، لكن في هذا الزمن تغير ذلك كله. وهنا دعني أحدثك بقصة سردتها على زملاء لي. كنت في المعهد العلمي متفوقاً في دراستي، وأحرزت الدرجة الكاملة في مادة الفقه التي فيها تفاصيل العبادات، وصليت في أحد الأيام المغرب، وفاتتني ركعة، وكان على يميني أستاذي في الفقه، وبعد قضائي للركعة التي فاتتني قال لي: أعد صلاة المغرب لأنك أخللت بركن منها. قلت: ما هو؟ قال: فقط أعدها. فأعدتها كاملة. فلما انتهيت قال لي: أنت مخلّ بأحد أركان الصلاة، أذكر لي أركان الصلاة.. فذكرتها له جميعاً، وقد حفظتها عن ظهر قلب، وتعجب هو من كوني حاصلاً على الدرجة الكاملة، ثم أُخِلُّ بأركانها لأنني لا أعرف تطبيقاتها.. إذ لم أسجد على الأعضاء السبعة. لذا فأنا ضد التركيز على الحفظ والتلقين الببغائي بدون فهم، بل يجب أن تفهم وتطبق، ومعلوم لدينا أن العلم والعمل مقترنان.


عفوًا معالي الوزير، أنت ترمي في إجابتك هنا بالقول بأن تلك الفترة التي تحدثنا عنها ربما كانت تتحمل تلك المناهج والتي بها تفصيلات وشروحات، وأنها مناسبة لتلك الفترة الزمانية. لكن سؤالي: ما الذي تودّ الذهاب إليه وتودّ طرحه مقابل ذلك، وبصريح العبارة معالي الوزير؟
- قلت مراراً وكتبت: من الضروري أن نعيد صياغة المناهج، وأن نركز على فهمها من قِبل الطلاب، وأن لا نقدم لهم التفاصيل والجزئيات الدقيقة في التعليم العام، لأننا لا نرمي إلى إعداد متخصصين في اللغة والدين والكيمياء والفيزياء وغيرها. يجب أن نعلمهم ما يجب أن يعلموه من أمور دينهم، وكيف يكون أحدهم مسلماً صالحاً، ومواطنـــاً صالحاً يعبد اللّه على علـــم وبصيرة، ويؤدي واجبه، ويعي حق وطنه عليه، وحق أولى الأمر، وحق الناس عليه.. هذه هي مهمة التعليم العام، أن يجعلك تحب دينك، ووطنك، وتسهم في بنائه، وتتعلم مهنة تحبها، وباختصار أن تتعلم ما لا يسعك جهلـــه. أمـــا التخصص فهو من مهمة مؤسسات التعليم العالي.


سأكون صريحًا.. لعلك أوحيت لنا من خلال حديثك الآنف بأنه من الضروري أن نخفّف من بعض التفاصيل الموجودة في كتب الدين. ولكن معالي الوزير ربما كان للمخالفين لك رأيٌ يقول بأن ما احتججت به هو ردٌ عليك، وأنه ينبغي أن نزيد من حصص الدين. فطالب اليوم بحاجة إلى زيادة هذه الجرعة التي تحصنه من أفكار منحرفة عبر مصادر المعرفة التي ذكرت، وعليه ربما كان القوم لا يعارضون التطوير أو أساليب العرض المشوقة، ولكن يعارضون تخفيف الجرعة الدينية للطالب؟
- أنا قبل أن أكون في الوزارة، وبعد أن تركتها، وأثناء عملــي فـي الوزارة، لم أطلب أبداً تقليل حصص علوم الدين، ولكني أردت اختيار المواضيع الأنسب، والتي تلامس واقع اليوم، وأنا أتحدى أيَّ أحد يقول إنني طلبت تقليل المواد الدينية، بل أنا أريد المزيد من العلم والعمل بتعاليم الدين الحنيف؛ لأنني أعلم أنها الحصن الحصين، والمناعة الحقيقية لأمتنا، ولكن باختيار المواضيع الصحيحة المناسبة لهذا العصر.

فالتركيز - مثلاً - على تفاصيل في فروع فقهية لبعض العبادات والمعاملات غير مناسب، لأنها لا تمس حياة الطالب، وقد لا يصادفها في حياته ولا مرة واحدة، فهو يحفظها من أجل الاختبار ثم ينساها بعده. هذا ما أردته بالتلقين الببغائي الذي أساء فهمي فيه بعض الناس. الرسول عليه الصلاة والسلام غ يا أخ عبد العزيز غ قال لأصحابه : (صلّوا كما رأيتموني أصلّي) . وقال : (خذوا عني مناسككم) . ولم يقل لهم شروط كذا عشرة ، وأركان كذا عشرة ، كان حريصاً على التفهيم مع التلقين ، ومرة أخرى أرجو أن لا يُساء فهمي ، فالحفظ لازم لكن مع الفهم، ويبقى القرآن الكريم حالةً خاصةً، يحفظه الصغار، وإن لم يفهموا معناه، ليفهموه ويتدبروه، ويطبقوه وهم كبار[/align]