جميل جدا هذا الذي أورده لنا الشاعر أبو طلال ليثبت أن التآلف بين الشعراء
هو ديـدن الكبار ولا سيما أنهما محط الأنظار ..
وهذا يذكرنا بالشاعرين الأمويين ( جرير والفرزدق) والكل يعلم ما بينهما من أخذ ورد
وتنافس شديد في ساحة الشعر حتى اعتقد الناس أنهم أعداء لا يمكن الجمع والتوفيق بينهما
ولكن بعض الرواة يقولون عكس ذلك الاعتقاد بل ويذهبون إلى أن جرير والفرزدق بينهما صحبة
ومعزة حتى وإن أوّل بعض النقاد هذه الصحبة لمصالح شخصية حيث يهجو جرير إحدى القبائل
مما يضطر أفراد القبيلة للبحث عن الفرزدق ليرد على جرير بكل أنواع الهجاء وهكذا دواليك
وهما يسترزقان من هذا الوضع .. غير أني أنـزه الشاعرين ( الدميخي والهريويل)
عن هذا المسلك إن ثبت مع جرير والفرزدق ..ولكن أردت الاستشهاد بما يعتقده الناس بأن
الشعراء على هذا النمط أعداء لا يلتقيان ولا يأتلفان ..
أما الذي فضح أمر جرير والفرزدق فيقال بأن رثاء جرير لخصمه الفرزدق أظهر عكس ما كان
سائدا بينهما أمام الناس فكانت قصيدته التي رثى بها الفرزدق تنبئ عن مودة لا مثيل لها
بين الشاعرين
ولعل إيراد بعض أبيات القصيدة هنا يزيد الأمر إيضاحا وشكرا للشاعرين الكبيرين
عايش الدميخي ومحمد الهريويل على ما يقدمانه من أمثلة حية بعيدا عما يدور في
ساحة اللعب من تنافس شريف لمصلحة الرديح ومحبيه وعشاقه .
[poet font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
رثــاء جرير للفرزدق
لَعَمرِي لَقَدْ أشْجَي تَمِيماً وَهَـدَّهَا=عَلَى نَكَبَاتِ الدَّهْرِ مَوْتُ الفَـرَزْدَقِ
عَشِـيَّةَ رَاحُـوا لِلفِـرَاقِ بِنَعْشِـهِ=إلَى جَدَثٍ فِي هُوَّةِ الأَرْضِ مَعْمَـقِ
لَقَدْ غَادَرُوا فِي اللَّحْدِ مَنْ كَانَ يَنْتَمِي=إِلَى كُلِّ نَجْـمٍ فِي السَّمَاءِ مُحَـلَّقِ
ثَوَى حَامِلُ الأثْقَالِ عَنْ كُلِّ مُغْـرَمٍ=وَدَامِغُ شَيْطَانِ الغَشُـوْمِ السَّمَـلَّقِ
عِمَـادُ تَمِـيْمٍ كُـلُّهَا وَلِسَانُـهَا=وَنَاطِقُهَا البَذَّاخُ فِي كُـلِّ مَنْطِـقِ
فَمَنْ لِذَوِي الأَرْحَامِ بَعْدَ ابْنِ غَالِبٍ=لِجَارِ وَعَانٍ فِي السَّلاَسِـلِ مُـوَّثِقِ
وَمَنْ لِيَتِـيْمٍ بِعْدَ مَـوْتِ ابْنِ غَالِبِ=وَاُمّ عِـيَـالٍ سَـاغِبِيـنَ وَدَرْدَقِ
وَمَنْ يُطْلِقُ الأَسْرَىَ وَمَنْ يَحْقِنُ الدِّمَا=يَدَاهُ وَيَشْفِي صَدْرَ حَـرَّانَ مُحْـنَقِ
وَكَـمْ مِنْ دَمٍ غَالٍ تَحَـمَّلَ ثِقْـلَهُ=وَكَانَ حَمُوْلاً فِي وَفَـاءٍ وَمَصْـدَقِ
وَكَمْ حِصْنِ جَبَّارِ هُمَـامٍ وَسُوقَـةٍ=إِذَا مَـا أَتَـى أَبْـوَابَهُ لَمْ تُغَـلَّقِ
تَفَـتَّحُ أَبْـوَابُ المُـلُوكِ لِوَجْـهِهِ=بِغَيـرِ حِجَـابٍ دُونَـهُ أَوْ تَمَـلُّقِ
لِتَـبْكِ عَلَيْهِ الإنْسُ وَالجِـنُّ إِذْ ثَوَى=فَتَى مُضّرٍ فِي كُلِّ غَرْبٍ وَمَشْـرِقِ
[/poet]
المفضلات