(الرمية الأولى )

تحرير مدينة تستر درة التاج الكسروي , و لؤلؤة بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب

شجاعة مجزأة بن ثور السدوسي الفارس الباسل

عسكرت جيوش المسلمين حول خندق " تستر" و ظلت ثمانية عشر
شهراً لا تستطيع إجتيازه. وخاضت مع جيوس الفرس خلال تلك المدة الطويلة ثمانين معركة. وكانت كل معركة من هذه المعارك تبدأ بالمبارزة بين فرسان الفريقين , ثم تتحول إلى حرب ضارية ضروس. وقد أبلى مجزأة بن ثور في هذه المبارزات بلاء أذهل العقول , و أدهش الأعداء و الأصدقاء في وقت معا. فقد تمكن من قتل مائة من شجعان العدو مبارزة , فأصبح اسمه يثير الرعب في صفوف الفرس , و يبعث النخوة والعزة في صدور المسلمين. وعند ذلك عرف الذين لم يكونوا قد عرفوه من قبل لم حرص أمير المؤمنين رضي الله عنه على أن يكون هذا البطل الباسل في عداد الجيش الغازي.

الفرج بعد الشدة

انتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلي أخرى أشد سوءاً , فبعد أن لاذ الفرس بالمدينة , و أغلقوا عليهم أبواب حصنها ، أخذوا يمطرون المسلمين من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة ، وجعلوا يدلون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد , في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميت بالنار. فإذا رام أحد جنود المسلمين تسلق السور أو الإقتراب منه , أنشبوها فيه و جذبوه إليهم , فيحترق جسده , و يتساقط لحمه , و يقضى عليه. فاشتد الكرب على المسلمين , و أخذوا يسألون الله بقلوب ضارعة خاشعة أن يفرج عنهم , و ينصرهم على عدوه و عدوهم . و بينما كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يتأمل سور " تستر " العظيم , يائساً من اقتحامه , سقط أمامه سهم قذِف نحوه من فوق السور , فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول : لقد وثقت بكم معشر المسلمين , و إني أستأمنكم على نفسي ومالي و أهلي و من تبعني , ولكم علي أن أدلكم على منفذ تنفذون منه إلى المدينة. فكتب أبو موسى رضي الله عنه أماناً لصاحب السهم , وقذفه إليه بالسهم. فاستوثق الرجل من أمان المسلمين لما عرف عنها من الصدق بالوعد والوفاء بالعهد , وتسلل إليهم تحت جناح الظلام , و أفضى لأبي موسى رضي الله عنه بحقيقة أمره فقال : نحن من سادات القوم , و قد قتل الهرمزان أخي الأكبر , و تعدى على ماله و أهله , و أضمر لي الشر في صدره حتى ما عدت آمنه على نفسي و أولادي فآثرت عدلكم على ظلمه , ووفاءكم على غدره , وعزمت على أن أدلكم على منفذ خفي تنفذون منه إلى تستر فأعطني إنسانا يتحلى بالجرأة والعقل , ويكون ممن يتقنون السباحة حتى أرشده إلى الطريق.