قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيُّ الجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
وَفِي دِيوَانُ الشّيْخ الْإِمَامُ الْمُحْدَثَ الْحَافِظُ الشّاعِر الْفَحْلُ اللُّغَوِيِّ أَبِي طَالِبٍ رَحِمَهُ اللّهُ؛ الْمُلَقَّب بِشَاعِر الْبَادِيَةَ؛ مُحَمّدٍ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ابْنُ وَاصِل ابْنُ بَكْرٍ ابْنُ بَخِيْت ابْنُ حَارِس ابْنُ قََرْعٌ ابْنُ عَلَي ابْنُ خَيْرٍ الْجُهَنِيَّ الْقُضَاعِيّ الْحِمْيَرِيُّ؛ أَحَد دُهَاة الشّعْرِ فِي الْقَرْنِ الثّانِي عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ؛ كَانَ شَاعِرِنَا الْجُهَنِيّ أَعْرَابِيّ النَّشْأَةِ؛ وُلِدَ بِمِصْر فَتَخْرَجَ مِنْ بَيْتُ عِلْمٍ وَصَلاَحٍ وَرِيَاسَةٌ؛ مُعْتَزًّا بِدِينِهِ وَنَسَبِهِ وَحَسْبِهِ كُلّ الاعتزاز؛ يَعْرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَب فَضّلَهُمْ عَلَى الدّنْيَا؛ وَكَرَمِ طِبَاعُهُمْ وَشَرِيف خِصَالِهِمْ؛ وَأَنّهُمْ أَهْلِ الشّجَاعَةَ وَالسّمَاحَةِ وَالنّجْدَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالنّخْوَةِ وَالْإِبَاء وَالْكَرَمِ؛ وَلَقَدْ زَادَهُمْ الْإِسْلَام فَضْلًاً وأَرْيَحِيَّة؛ فَكَانُوا النّور الّذِي هَدَى الْعاَلمُ مِنْ حِنْدِسُ الْجَهَالَةِ وَالْبَغْي؛ حَتّى أَسَّسُوا حَضَّارَةً اِقْتَبَسَ مِنْهَا الْغَرْب الأَْعَاجِمِ أُسُسُهَا؛ وَهُمْ بَعْدُ يَرْسُفوا فِي مَجَاهِلُ الظّلَامِ وَقُيُودِ الْقَسَاوِسَةُ؛ وَمِنْ أَبْيَاتٍ طَوِيلَةٍ لَهُ يَذْكُر بَعْضٍ مِنْ فَضَائِل وَمَنَاقِب قَوْمِهِ بَنِي جُهَيْنَةَ؛ وَأَنّ لَهُمْ تَارِيخًا عَظِيمًا مُشْرِفا؛ مُنْذُ أَيّامِ الْجَاهِلِيّةِ عِنْدَمَا سَادُوا مَعَ كَلْبًا جَمَرَةُ الْعَرَبِ قُضَاعَةَ وَقَدْ أَناخَ الشَّرَف بِبَابِهِمْ؛ إلَيّ أَنْ جَاءَ الْإِسْلَام فَازْدَادُوا عُلاً وَسَبْقٍ حَتّى الْيَوْمِ؛ فََمِنْ ذَلِكَ مَا أَنْشَدَهُ :
مِنْ الْبَحْرِ الطّوِيل - :
بَنِيَّ إِفْزِعُوا إِنَّ الْعُلا جَدّ جِدُّهَا ....... وَبَانَتْ لَكُمُ آيَاتُهَا مِنْ أَياتِهَا
أَقِيمُوا مَطَايَاكُمُ إلَى الْمَجْدِ وَارْفَعُوا ..... عَلَى نَغَمَاتِ الْعِلْمِ صَوْتَ حُداتِهَا
بَنِيَّ إِفْزِعُوا إِنَّ الْمَمَالِكَ حَوْلَكُمْ ..... عَلَى الْعِلْمِ تُجْرِي بِالْهُدَى مُذْ كِيَاتِهَا
شَمَائِلُ قَوْمُكُمُ إذَا الْعِلْم فِيهُمُ ....... غِرَاسًا جَنَيْنَا الْمَجْدَ مِنْ ثَمَرَاتُهَا
طَلَعْنَا بِهَا فِي الْمَشْرِقَيْنِ كَوَاكِباً ....... يَعُمُّ بَنِي الدُّنْيَا سَناَ نِيَّرَانِهَا
فَنَحْنُ هُدَاةُ الْمَغْرِبَيْنِ وَإِنْ أَبَتْ ....... عَلَيْنَا اللّيَالِي أَنّنَا مِنْ هُدَاتِهَا
كَذَلِكَ كُنَّا وَالْوَرَى فِي دُجُنَّةٍ ....... تَضِيقُ بِطَاحُ الأَْرْضِ عَنْ ظُلُماتِهَا
فإِن تَبْغِنَا فِي مَشْرِق الأَْرْضِ تَلْقَنَا ....... بِآثَارِنَا مَعْرُوفَةً فِي سِمَاتِهَا
وَإِنْ تَلْتَمِسْنَا فِي بَنِي الْغَرْب تَلْقَهُمْ ....... عَلَى ضَوْئِنَا يَعْشَوْنَ فِي فَلوَتِهَا
فَلاَ يَحْسَبَنّ النّاسُ أَنَا تَزَلْزَلَتْ ....... بِنَا قَدَمٌ أَوْ قَصُرَتْ خُطوْاتِهَا
فَحَسْبُ اللّيَالِي أَنّنَا فِي قِرَاعِهَا ....... قَطعْنَا إلَى مَعْرُوفِها مُنْكَراتِهَا
وَأَنَّا إذَا جَدّ الْفَخَارِ بِمَعْشَرٍ ....... لَنَا قََصَباتُ الْسَّبقِ فِي حَلَبَاتهَا
فَلِلّهِ مِنّا وَالْعُلَا فِي قَدِيمِنَا ....... أَحَادِيثُ حَارَ الدّهْرُ فِي مُعْجِزَاتِهَا
وَاَللّهِ مَا يَزْهَا الْوَرَى مِنْ حَدِيثُنَا ....... إذَا حَدَّثَتْ عَنّا ثِقَاةٌ رُوَاتُهَا
وَلِلَّهِ مِنّا مَعْشَرٌ طَأْطَأْتْ لَهُمْ ...... ذُرَى الْعِزَّ فَاسْتَعْلَوا عَلَى صَهَوَاتِهَا


ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ فِي بَيَانِ بَعْضٍ مِنْ أَمْجَادُ قَوْمِهِ وَفَضَائِلَهُمْ؛ وَأَنّ آبَائِهِ وَأَجْدَادُهُ هُمْ أُولَئِكَ الْقَادَةِ الْفَاتِحِينَ الْأَبْطَالِ الْفَوَارِسَ الْصَنَادِيد؛ الّذِينَ زَلْزَلُوا عُرُوشُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَفَارِسَ وَالرّوم؛ فَجَاسُوا الدِّْيارِ وَرَكِبُوا الْأَخْطَار حَتّى قَوْطَرَ الْإِسْلَام فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا؛ فَرُفِعَتْ الرّايَةُ عَالِيًا فِي أَقَاصِي الْمَعْمُورةَ؛ وَذَاكَ حِينَ قَال :
مِنْ الْبَحْرِ البَسِيطِ - :
مَا الْبِيْضُ إلّا لِقَوْمٍ بِالْفَخَارِ لَهُمُ ....... عَلَى الزّمَانِ خَلاعَاتٌ وَإِدْلَالِ
فِي الْمُطْعِمِينَ عَلَى الْحَالَيْنِ عَافِيْهُم ....... إذَا أَصَابَ كِرَامُ النّاسِ إِمْحَالِ
وَالْمُرَحِبْينَ إذَا ضَاقَ الزّمَانُ بِهِمُ ....... وَالْمُكْثِرِينَ وَفِي الْأَيّامِ إِقْلاَلِ
وَالنَّاقِضِينَ عَلَى الأَْيَّامِ مَا عَقَدتْ ....... وَمَا لِمَّا عَقَدُوهُ الدّهْرَ حَلاْلِ
مِنَ الَّذِينَ إذَا قَالُوا مَقَالَتُهُمْ ....... فَالدّهْرُ مَاضٍ بِمَا قَالُوهُ فَعَالِ
مِنْ كُلَّ أَرْوَعَ فِي أَعْرَاقُهُ كَرْمٍ ....... وَفِي شَمَائِلِهِ لُطْفٌ وَإِجْمَالِ
إلَى جُهَيْنَةَ يُنَمَّى فَرْعَهُ نَسَبٌ ....... لَهُ عَلَى الْمَجْدِ إِشْرَافٌ وَإِطْلاَلِ
إذَا تَفَرّقَتْ الْأَنْسَابُ فَهُوَ إِلَى ....... صَمِيمِ يَعْرِبُ صَعَّادٍ وَنَزَالِ
وَإِنْ تَقَطّعَتْ الْأَرْحَامَ كَانَ لَهُ ....... فِي أَهْلِ يَثْرِبَ أَعْمَامٌ وَأَخْوَالِ
مِنْ مَعْشَرٍ فِي صُرُوح الْعِزَّ قَدْ نَزَلُوا ....... وَالْمَاجِدُونَ عَلَى الأَْيَّامِ أَنْذالِ
وَلِيّ هَمَامَةُ نَفسٍ بِالعُلا كُلِفْت ....... قُدُمًا وَقَلْبٌ بِأَهْلِ الْفَضْل مِحْلاَلِ
يَهْوَى الْكِرَامُ وَمَا غَيْر الْكِرَامَ لَهُ ....... مِنَ الْبَرِيَّةِ أَخْدَانٌ وَأَمْثَالِ
أَأُشْمَتَّ حُسّادِي فَأَشْكُو وَإِنّنِي ....... أَرَاهُ عَلَى الْأَحْرَار غَيْرَ حَلَالِ



وَهَا هُوَ الْصِّنْدِيدُ السّيّدُ الْفَارِس الْجُهَنِيّ الْعَرِيب يُنْشِدُ مُجَلْجِلاًَ :
مِنْ الْبَحْرِ الْرَمَل :
وَأَنَا ابْنُ الصّيْدَ مَنْ أَنْكَرَنِي ....... يُنْكِرُ اللّيْثَ إذَا مَا انْتَسَبَا
مِنْ أَبِيْنَ كِرامِاً ضَرَبُوا ....... فَوْقَ هَامَاتِ الْمَعَالِيَ قِبَبَا
وَكَفَانِي مِنْ فَخَارِي نِسْبةٌ ....... جَمَعَتْ فِي طَرَفَيْهَا الْعَرَبَا
سَادَ آبَائِي بِهَا قِدَماً وَمَا ....... ألْيَقَ الْمَجْدَ بِمَنْ سَادَ أَبَا
فَزَمَانِي إنْ يَكُنْ نَكّب بِي ....... جَانِبَ الْحَظُّ سِفَاهاً وَكََبَا
فَنَحْنُ رَأْسُ النَّاسَ فِي النَّاسِ وَمَنْ ..... ذَا يُسَوِّي بِالرُّؤُوسِ الْذَّنَبَا
نَرْكَبُ الجُلَّي وَلاَ نَرْهَبُهَا ....... يَوْمَ يُلْوِي النّاسُ عَنْهَا هَرَبَا
فَسَلِي يَا سَلْمُ عَنّي مَعْشَراً ....... لَمْ يَرَوْا غَيْرَ الْمَعَالِي نَسَبَا
تَعْلَمِي أََنِّي فَتَى خَيْلٍ بِهِ ....... تُعْجَبَ الْخَيْلُ إذَا مَا رَكِبَا
وَيَرَاعٍ تَسْجُدَ السُّمْرُ لَهُ ....... يَنثُرُ الدُّرَّ إذَا مَا كَتَبَا
لَيْسَ مِنْ شِيْمَةِ مِثْلِي أَنّهُ ....... يَشْتَكِي الْبُؤْسَ وَيَخْشَى النُّوَبا


قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي « الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ » وفِي « الْآحَاد وَالْمَثَانِي » وَالْحَافِظِ الْعِرَاقِيُّ فِي « القُرَب فِي فَضْلِ الْعَرَب » وَالْإِمَامُ ابْنُ حَجَرٍ الْأَنْصَارِيّ فِي « مَبْلغُ الأَرَبِ فِي فَخْرِ الْعَرَب » وَالآْمِدِيُّ فِي « الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ » وَالْحَافِظِ الْعَسْقَلَانِيّ فِي « الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَةِ » وَابْنُ مَاكُولَا فِي « الإِْكْمَال فِي رَفْعُ الاِرْتِيَابِ عَنْ الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَنْسَاب » وَغَيْرِهِمْ
وَالسَّنَد لِلطَّبَرَانِيّ؛ قَال :

حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْن أَحْمَدَ بْن نَصْرٍ التِّرْمِذِيُّ؛ ثِنَا الْحَارِثُ بْن مَعْبَدِ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن الْرَّبِيعِ بْن سَبْرَةَ بْن عَمْرِو بْن صُحَارِ بْن زَيْدِ بْنُ جُهَيْنَةَ بْنُ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ؛ حَدّثَنِي عَمِّي حَرْمَلَةُ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ جَدّهِ؛ عَنْ سَبْرَةَ بْن مَعْبَدٍ صَاحِبِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : اجْتَمَعَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاسِ فَقَالَ : لَيُحَدِّثُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَكْرُمَةِ قَوْمِهِ؛ وَمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ فَضْلٍ؛ فَحَدَّثَ الْقَوْمُ حَتّى انْتَهَى الْحَدِيثُ إلَى فَتىً مِنْ جُهَيْنَةََ؛ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجْز عَنْ تَمَامِهِ؛ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ عِمْرَانُ بْن الْحُصَيْنِ فَقَال : حَدِّثْ يَا أَخَا جُهَيْنَةَ بِفِيكَ كُلِّهِ؛ فَأَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُول :
« جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ؛ غَضِبُوا لِغَضَبِي وَرَضُوا لِرِضَائِي؛ أَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ وَأَرْضَى لِرِضَاهُمْ؛ مَنْ أَغْضَبَهُمْ فَقَدْ أَغْضَبَنِي؛
وَمَنْ أَغْضَبَنِي فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ »


فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْن أَبِي سُفْيَانَ كَذَبْتَ؛ إنّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فِي قُرَيْشٍ؛ فَقَال :
يُكَذِّبُنِي بَنِي مُعَاوِيَةَ بْن حَرْبٍ ....... وَيَشْتُمُنِي لِقَوْلِي فِي جُهَيْنَةْ
وَلَوْ أَنِّي كَذَبْتُ لَظَنِّ قَولِي ....... وَلَمْ أَكْذَبْ لِقَوْمِي مِنْ مُزَيْنَةْ
وَلَكِنِّي سَمِعْت وَأَنْتَ مَيْتٌ ....... رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ لَوْى شُنَيْنَةْ
يَقُولَ الْقَوْمُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ........ جُهَيْنَةُ يَوْم خَاصَمَهُ عُيَيْنَةْ
إذَا غَضِبُوا غَضِبْتُ فِي رِضَاي ......... مِنَّةٌ لَيْسَتْ مُنَيْنَةْ
وَمَا كَانُوا كَذَكْوَانَ وَرِعْلِ ...... وَلاَ الْحَيَّيْنِ مِنْ سَلَفِي جُهَيْنَةْ


قَالَ الْمُؤَلّفُ ابِنِ غُنَيْم الْمَرْوَنٍيّ :
وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مُجَمّع الزّوَائِدِ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ؛ وَفِيهِ الْحَرْثِ بْن مَعْبَدِ وَلَمْ أَعْرِفُهُ؛ وَبَقِيّة رِجَالُهُ ثِقَات؛ وَقَال اِبْنُ حَجَر فِي مَبْلغُ الأَرَبِ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ رُوَاتهُ ثِقَات؛ إِلاَّ وَاحِد لَمْ يُعْدَل وَلَا جُرِح؛ وَفِي الْخَبَرِ الصّحِيح أَنّهُمْ: « مَوَالِي لَيْسَ لَهُمْ مَوْلَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَرَسُولِه »؛ قَالَ الْجُهَنِيّ : الْحَدِيثُ عِنْدِي حَسَنٌ لِغَيْرِهِ؛ يَرْتَقِي إِلَى هَذِهِ الْدَرَجَةِ بِمَجْمُوعِ شَوَاهِدِهِ وَطُرُقه؛ وَكُنْت قَدْ خَرَّجْته فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي الصّحَابَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَغَابَ عَنِّي الْآنَ .

وَرَوَى الآْمِدِيُّ فِي « الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ فِي أَسْمَاءِ الشّعَرَاء وَكُنَاهُمْ وَأَلْقَابَهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ » نُسْخَةِ كرنكو :
وَأَمّا بُسْرٍ : بِضَمّ الْبَاءِ وَالسّينِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ؛ فَهُوَ بُسْر بْنُ عِصْمَة الْمُزَنِيّ؛ أَحَدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ هُذْمة بْنِ لَاطِمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرُو بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ؛ أَحَدُ سَادَاتِ مُزَيْنَةَ؛ فَارِسٍ شَاعِرٌ؛ وَكَانَ فِي سُمَّار مُعَاوِيَةَ؛ فَتَحَدّثَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فحَصِرَ وَقَطَعَ الْحَدِيثَ؛ فَتَضَاحَكَ الْقَوْمُ؛ فَقَالَ لَهُ بُسْرٌ : تَحَدّث يَا أَخِي؛ فَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : « جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ؛ مِنْ أَذَى جُهَيْنَةَ فَقَدْ آذَانِي؛ وَمَنْ أَذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ » فَغَضِبَ مُعَاوِيَةَ وَقَال : كَذَبْت؛ إنّمَا قَالَ هَذَا لِقُرَيْش؛ فَانْصَرَفَ بُسْرٍ وَقَالَ :
أَيَتَمَنَّى مُعَاوِيَةَ بْن حَرْبٍ …...... وَيُكَذّبَنِي فِي قَوْلِي لِجُهَيْنَةَ
وَلَوْ أَنّي كَذَبْتُ لَكَانَ قَوْلِي …… وَلَمْ أَكْذَبْ لِغَيْرِي فِي مُزَيْنَةَ



وَلَعَمْرُ اللّهِ إِنَّ تِلْكَ الْأَشْعَارِ الّتِي قَالَهَا وَأَنْشَدَهَا هَذَا الْجُهَنِيّ الْمُحَدّثُ الشُّجَاعُ المُقَدّام؛ إِنَّمَا صَدَرَتْ عَنْ فَارِسٌ لاَ يُشَقُّ لَهُ غُبَار؛ قَدْ أَقْحَمَ فَرَسِهِ فِي جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ وَمُقَارَعَةُ الْخُطُوب؛ فَاسْتَمِعْ إلَيْهِ وَهُوَ يَصِفُ إحْدَى الْمَعَارِكَ الَّتِي نَزَل بِسَاحِهَا هُوَ وَنَّفِيرٌ مِنْ قَوْمِهِ الْجُهَنِيَّون؛ وَلَعَمْرِي فَكَيْفَ لاَ؛ وََهُمْ مِنْ وَلَدِ الصَّحَابَةِ الْفَاتِحِين؛ فَلَقَدْ حَمُّسَ الأَْحْفَاد كَسَالِفِ الْأَجْدَاد فِي الدِّفَاعِ عَنِ أَرْضِ مِصْرَ؛ وَالذَّوْدُ عَنْ الدّينِ وَالْعِرْض؛ فَيَقُولُ وَقَدْ إِمْتَطَى صَهْوَةَ الْفَخَارِ وَرَبَطَ عِصَابَةُ الإِْصْرَارِ؛ يَوْمَ أَقْبَلَتْ جَحَافِلُ العُلُوجِ تَتَّمَهْجَروا بِقُوَّتِهَا؛ قَبْلَ أَنْ تَهَكَعَ وَتَجُرُّ ذَيْلِ الْهَزِيمَةَ الْمُجَأْجَاءَةُ .
مِنْ الْبَحْرِ الطّوِيل - :
فَأَبْلِغْ بَنِي الْتَامِيْز عَنّا وَحِلْفَهُمْ ........ بِبَارِيسَ أَنْبَاءِ النّذِير الْمُصَدِّقُ
عَشِيّةَ يَحِدُونَ الأَسَاطِيْلَ شُرْعَاً ........ عَلَى أَلِيَمَّ تَحْبُو فِي الْحَدِيدَ الْمُطْبَقُ
تَشُنَّ عَلَى دَارِ الْخِلاَفَةِ غَارَةً ........ مِنْ الْبَحْرِ إنّ تَقْرَعُ بِهَا الْدَّهرَ يُفَرِّقُ
فَأَقْبَلْنَ فِي شَمْلٍ مِنْ الْبَغْيَ جَامِعُ ........ وَعُدْنَ بِشَمْلٍ بِالْهَوَانِ مُفَرّقُ
فَمَا لَبِثُوا أَنْ أرْزَمَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمْ ........ بِدَاهِيَةٍ مِنْ حَوْلِ غِرّةَ بَهْلَقُ
نَصَبْنَا لَهُمْ فِي كُلّ جَوّ خَبِيئَةً ........ تَصُبّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَعْوَاءٍ خَيْفَقُ
وَقُمْنَا لَهُمْ فِي مُرْتَقى كُلّ تَلْعَةٍ ........ بِكُلّ مَلِئٍ بِالرَّدَى مُتَفَيْهِقُ
كُؤُوسً أَدَرْنَاهَا سِجَالَاً عَلَيْهِمْ ........ تَنَاسَوا بِهَا طَعْمَ الشَّرَابِ المُرَوَّقُ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا وَالْمَنَايَا جَوَاثِمُ ........ تُطَالِعُهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ وَخَنْدَقِ
دَلَفْنَا إلَيْهِمْ كَوْكَبًا خَلْفَ كَوْكَب ........ وَجَاشُوا إلَيْنَا فَيْلَقاً بَعْدَ فَيْلَقِ
فَمَا خَيَّمُوا حَتّى كَسَوْنَا سَمَاءَهُمْ ........ بِأَسْوَدٍ مِنْ نَسْجِ الْقَنَابِلَ عوْهَقُ
فَهَذَا فَرِيقٍ فِي التِّلالِ مُصَرّعٌ ........ وَذَلِكَ فَوْقَ الأَمْعَز الْمِتَوْهِقُ
يَجْرَعُ هَذَا حَتْفِهِ كُلَّ مُصبِحٍ ........ وَيَكرَعُ ذَاكَ الْمَوْتُ فِي كُلّ مَغْبَقِ
طَغَتْ نَارنَا فِيهِم فَمَا لِمَغْرِبٍ ........ مِنْ النّارِ مَنْجَاةً وَلَا لِمَشْرِقِ
يَوَدّونَ لَوْ أَنّ السّمَاءَ تَشَقَّقَتْ ........ لَهُمْ طُرُقاً هَيْهَاتَ لَمْ تَتَشَقَقِ
تَرَكْنَا عِتاقُ الطَّيْرِ فِي حُجُرَاتِهَا ........ تَخْطَفُ مِنْهُمْ كُلّ شِلْوٍ مُمَزّقُ
عَشِيّةَ رَاحُوا أَلْفَ أَلْفٍ يَقُودَهَا ........ إلَى حَتْفِهَا جَهْلَ الزّنِيمُ الْحَفَلَّقُ
تَرَكْنَا لَهُمْ سَيْفِ الْعِرَاقَ لِيَشْهَدُوا ........ بِبَغْدَادَ كَيْدَ الْحَارِش الْمُتَنْفِقُ
فَمَا وَطِئُوا بَغْدَادَ حَتّى تَبَيّنُوا ........ وُجُوهِ الرَّدَى أَوْ ذِي إِسارٍ مُحَلِّقُ
هُنَاكَ لَقُوا مِنْ خَيْلَنَا كُلّ مُقْرَمٍ ........ مَشُوقٍ إلَى لَحِم الْأَعَادِي مُتَوَّقِ
تَقْذِفُهُمْ بَيْنَ الْمَتَالِعِ وَالرُّبَّى ........ وَنلقى بِهِمْ مِنْ كل حِصْنٍ وَجَوْسَقِ
سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا دِهَاقاً مِنْ الرّدَى ........ وَإِنّا مَتَى مَا نَسْقِ بِالكَأْسِ نَدْهَقُ
جُنُودٌ تَرُوْعُ اللّيْلَ أَنَزَلَهَا الرّدَى ........ مُؤَجِّجَةٌ تَزْهُو بِنَكْبَاءَ سَوْهَقِ
هَلْ الْحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقتُمْ ........ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُزَوِّقُ
فَسَائِلْ بِنَا أَعْلاجُ لَنْدَنَ هَلْ وَفَوْا ........ بِعَهْدٍ لَنَا بَيْنَ الْأَنَامِ وَمُوثَقُ ؟


[/QUOTE]