قَالَ الْمُؤَلِّفَ ابْنِ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ الْجُهَنِيُّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - :
جَاءَ فِي قَوْلِ الْجَزِيرِيُّ : الْفَحْلَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شِعْر الشُّعَرَاء بِالأَبرَقَيْن, قُلْت : الأَبْرَق، مَا زَالَ يُعْرَفُ بِاسْمِهِ, وَهُوَ أَرْضٌ وَوَادٍ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِوَادِي الْحَمْضَ, بِجِوَارِ السَّلِيلَةِ, يَسْكُنُهُ جُهَيْنَةَ وَبَلِيّ وَبَعْضٌ مِنْ عِنَزَةَ, وَلَيْسَ الأَبْرَقَ بِقُرْبِ الْفَحْلَتَيْنِ كَمَا رَوَى, بَلْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْها, بِحَوَالَيْ 70 كَيْلًا, وَأَنَا عَلَى مَعْرِفَةٍ بِتِلْكَ الدِّيَار وَأَهْلِهَا جَيِّدًا, فَقَدْ جَوَّلْتُ بِهَا وَنَزَلتُهَا لِسِنِينٍ عَدِيدَة, فَفِي الأَبرَقِ تَكْثُرُ أَشْجَارِ الدّوْمِ وَمِيَاهُ الْمَرَازِيْح بِهَا كَثِيرةٌ مَلْئَ بالْدَغَالِيْب وَالأَسْماكِ الصَّغِيرَةِ, وَلَكِنَّهَا لَا تُؤْكَل, وَالْمَرَازِيْح مُفْرَدُهَا مَرَزِيح: وَهُوَ مَاءً رَاكِدٌ زُعَاقٌ, يَنْبُعُ مِن بَاطِنِ الأَْرْضِ, أَهْمَلَهُ اللّغَوِيّونَ فِي مَعَاجِمهِمْ وَهُوَ فَصِيح .
وَنَجِدُ فِي كِتَابِ مُوسِيْل الْمَكْتُوبِ سَنَةَ 1298هـ وَالْمُسَمَّى « بِلَادِ الْعَرَبِ الْحَجَرِيَّةُ » قِسْمُ شَمَالِ الْحِجَازِ :
وَيَذْكُرُ بَطْلَيْمُوس فِي جُغْرَافِيتِه obraka , فَهِيَ فِي اللَّفْظَ الْعَامَّ اللُّغَوِيِّ الْمُعَرِّفُ بـ ( أَبْرَقُ, وَبَرْقَا ), وَيَعْنِي الصُّخُورُ الْقاتِمِة الَّتِي تُغَطِّى إِلَى حَدٍّ مَا بِرِمَالٍ يَشِعُ مِنْهَا الضَّوْءِ, فَإِذَا أَخَذْنَا بِالتَّفَاصِيل الَّتِي يَذْكُرُهَا بَطْلَيْمُوسُ عَنْ مَوْضِعِ ابركا هَذِهِ فَنَسْتَطِيعُ أَنَّ نَضَعْهَا عِنْدَ الأَبْرَقِ, حَيْثُ كَانَ الْبَدْوِ يَتَّخِذُونَ مِنْهَا مَرَبَّعًا [مَرَتَّعًا], لَهُمْ فِي وَقْتِ الرّبِيعِ .
قَالَ بْن غُنَيْم وَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرَ الْحِجَاز كُثَيِّرُ عَزَّة :
أَقْوَى وَأَقْفَرَ مِنْ مَاوِيَّةَ البُرَقُ .... فَذُو مراخٍ فقفرُ العلقِ فَالحَرقُ
فآكُمُ النَّعْفِ وَحْشٌ لَا أَنِيس بِهَا .... إلاّ الْقَطَا فتلاعُ النَّبعةِ العمُقُ
وَالبُرَق الْمَقْصُودَ بِهِ مَوْضِعُ الأَبْرَقِ, وَمراخٌ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْعَقِيق, وَقَالَ يَاقُوت: ذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار فِي « كِتَاب الْعَقِيق » وَأَنْشَدَ لِأَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ :
بِأَجْمَادٍ الْعَقِيق إِلَى مراخٍ ... فَنَعْفُ سُوَيْقَةٍ فرِيَاضُ نَسْرٍ
وَالأَبْرَقانِ مَاءٌ لِبَنِي جَعفرٍ, قَالَ أَعْرَابِيٌّ :
أَلِمُّوا بأَهْل الأَبرَقَيْنِ فَسَلَّمُوا .... وَذَاكَ لأَهْلَ الأَبرَقَيْنِ قَلِيلُ
وَقالَ آخَرُ :
سقْياً لأَيْامٍ مَضَيْنَ مِنْ الصِّبا .... وَعَيْشٍ لَنَا بِالأَبْرَقَيْنِ قَصِيرٍ
وَحَكَاهُ الحُسَيْنِيّ في التَّاج عَلَى الْقَامُوسِ, وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيِّ :
فَيَا حَبَّذا الحَصّاءُ فَالبُرْقُ فالْعُلَا .... وَرِيحٍ أَتَانَا مِنْ هُناكَ نَسِيمُها
وَبُرْقَة الجُنَينَةِ: هَكَذَا ضَبَطَهُ الصَّاغَانِيُّ, أَنَّهَا الْجُنَيْنَةُ بِالْجِيمِ تَصْغِيرُ الجَنَّة, وَأَنْشَدَ لجَبَلَةَ بْنِ الحَارِثِ وَقَدْ جَعَلَها بُرَقاً :
كَأَنَّهُ فَرِدٌ أَقْوَتْ مَراتِعُه .... بُرْقُ الجُنَينَةِ فالأَخْراتُ فالدُّورُ
وَقَال الشَّيْخُ صَالِحُ ابْنُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بْن الإِْمَامِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الإِْمَامِ صَالِحٍ الإِْمَامَ فِي كِتَابِهِ « تَارِيخ وَادِي الْقُرَى » :
وَقَالَ جَعْفَر بْن سُرَاقَةَ أَحَدَ بَنِي قُرَّة, يَرُدّ عَلَى جَمِيلٍ الْعُذْرِيّ الْقُضَاعِيَّ :
نَحْنُ مَنَعْنَا ذَا الْقُرَى مِنْ عَدُوَّنَا .... وَعُذْرَةَ إِذْ نَلْقَى يَهُودًا وَيعشرا
مَنَعْنَاهُ مِنْ عُلْيا مَعَدَّ وَأَنْتُمْ ......... سَفَاسِيفِ روح بَيْنَ قَرْحٍٍ وَخَيْبَرا
وَمِمَّا أَلْفَيْتهُ فِي كِتَابِ « دَلِيلَِ الْمُجْتَازِ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ », الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ
أُرْجُوزَةٍ فِي وَصْفِ طَرِيقِ الْحَجّ الشَّامِيِّ, مِنْ نَظْم الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْن الشَّيْخُ الإِْمَامُ الْمُحْدِثِ أَبِي الْقَاسِمِ عُمَرَ بْن الْحَسَنِ بْن حَبِيبٍ الشَّافِعِيِّ, وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا :
كَمْ مِنْ جِبَالٍ قَطَعُوا عِظَامٌ .... حَتَّى أَتَوْا لَيْلًا إِلَى الْعَظَامِي
وَالأَبرَقَيْنِ مَنْزِلٍ أَنِيقٌ ......... فِيهِ يَبِينُ الصَّاحِبِ الشَّقِيقُ
مِنْ بَعْدِهِ يَأْتُونَ وَادِي تَيْد ........ وَقَاهُمُ الرَّحْمَنِ كُلٍّ كَيَد
تَقَدَّمُوا فَنَزَلُوا وَادِي الْقُرَى .. لَمَّا حَدَا الْحَادِيَّ وَجَدوا فِي السُّرَى
قُلْنَا قَوْلَهُ تَيْد, يَقْصِدُ بِهِ وَادِي تَيْدَد, وَحَذَفَ إحْدَى الدَّالَيْنِ لِضَرُورَةِ وَزْن البَيْتِ مِنَ الْكَسْر, وَالْعَظَامِي مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ وَادِي الْحَمْضِ, تَرَدَّدَ ذِكْرُهُ فِي كُتُبِ الرِّحالةِ, وَمَسْجِدُ عَظَامٌ فِي صَعِيدِ قَرْحٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي طَرِيقَهُ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ, فَفِي حَدِيثِ أَبِي الشُّمُوس الْبَلَوِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَنَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي صَعِيدِ قَرْحٍ, فَعَلَمْنَا مُصَلاَّهُ بِعَظْمٍ وَأَحْجَارٍ, فَهُوَ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ أَهْلِ وَادِي الْقُرَى, وَفِي قَرْحٍ أَنْشَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي وَقْعَةِ مُؤْتَةَ :
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قَرْحٍ .... تُغَرُّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ
حَذَوْنَاهَا مِنْ الصَّوَّانِ سَبْتًا ..... أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ أَدِيَمُ
أَقَامَت لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ..... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُوْمُ
وَقَال أَبُو عَمْرْو الشَّيْبَانِيِّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 188هِجْرِيَّة فِي « كِتَابِ الْجِيمِ », وَالْبَكْرِيُّ فِي « مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ » :
كَنَخْلٍ بِأَعْلَى قُرْحَ حِيْطَ فَلَمْ يَزَل .... لَهُ خَائِلٌ حَتَّى أَنَى وَتَمَنَّعَا
قَالَ الْمَرْوَنِيُّ : وَعَزَاهُ الشَّيْبَانِيُّ لِجَرِيرٍ, وَأَمّا الْبَكْرِيّ فَعَزَا الْبَيْتُ لَابْنِ مُقْبِلٍ, وَزَادَ الشَّيْبَانِيّ : وَالْخَائِلُ الْقَائِمُ عَلَى النَّخْلِ وَالْمَال, يُقَال : خَالَ يَخُولُ خِيَالةً حَسَنَة, وَهُوَ خائِلُ مَالٍ, أَيَّ : حْسَنَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ, إِنْتَهَى كَلَامِه, وَالرَّاجِحُ الْمُخْتَار عِنْدنَا أَنَّ الْبَيْتَ لَابْنِ مُقْبِلٍ, لِأَنَّهُ أَكْثَرَ فِي أَشْعَارِهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَنَازِلَ وَالدِّيَار, وَالْخَائِلُ لَمْ أَرَهَا عِنْدَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّخْلَةِ .
وَيَقُولُ الْمُؤَرِّخُ عَلِيِّ جَوَاد فِي الْمُفَصَّل فِي تَأْرِيخِ الْعَرَبُ قَبْل الإِْسْلاَمِ :
وَهُنَاكَ مَوْضِعٌ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ اسْمَهُ : قُرْح, عَلَى مَسَافَةِ 43 كِيلُو مِتْرًا مِنْ الحِجْرِ, فِي مَكَانٍ يَمُرُّ بِهِ خَطِّ الْحَدِيدِ الْحِجَازِيِّ فِي مِنْطَقَةٍ صَحْرَاويَة، وَكَانَ فِي الأَْزْمِنَةِ السَّابِقَةَ مِنْ الْمَحَلاَّتِ الْمَزْرُوعَةِ، وَبِهِ بَسَاتِينً عِدَّة, تُعْرَفْ بِبَسَاتِينَ قُرْحٍٍ، وَعَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا سُقْيَا يَزِيدُ أَوْ قَصْرُ عَنْتَرَ: إِسْطَبْل عَنْتَرَ، كَمَا تُعَرَّفُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْحَاضِر, عَلَى بُعْدِ 98 كِيلُو مِتْراً مِنْ الْمَدِينَةِ, وَإِلَى شَمَالَهُ وَادِي الْحَمْضِ الَّذِي يَرَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ « أَنَّهُ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَهُ هيرودوتس », وَوَجَدَ دُوتِي : فِي قُرى وَادِي الْقُرَى وَخَرَائِبَهُ عَدَدًا كَبِيراً مِنَ الْحِجَارَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِحُرُوفِ الْمُسْنَدِ، وَقَدْ اتَّخَذَهَا السُّكَّانِ أَحْجَارًا مِنْ أَحْجَارٍ الْبِنَاءِ, وَعُثِرَ فِي الْخُرَيْبَةِ عَلَى كِتَابَاتِ بِهَذَا الْقَلَمِ، وَعَلَى آثَارُ أَبْنِيَةٍ وَمَوَاطِنِ حَضَارَةٍ, وَعَلَى أَلْوَاحٍ مِنَ الْحَجَرِ كَانَ يَسْتَعْمِلَهَا الصَّيَارِفَةِ لِصَفِ نُقُودِهِمْ عَلَيْهَا، أَوْ لِذَبْحِ الْقَرَابِينِ, كَمَا شَاهَدَ مَوْضِعًا يُقَالُ لَهُ : (إِسْطَبْل عَنْتَر) : عَلَى قِمَّةُ جَبَلٍ شَاهِقٍ يَرْنُو إِلَى الْوَادِي, وَلَعَلَّهُ مَعْبَدِ أَحَدُ الأَْصْنَامَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ هُنَاكَ .
قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنِ غُنَيْم الْمَرْوَنِيّ الجُهَنِيَّ :
هيرودوتس هُوَ الأَغرَّيِقيّ الْمُؤَرِّخُ الْجُغْرَافِي اليُونَانِيِّ, الْهَالِكِ قَبْلَ الْمِيلاَد, بَيْنَ 484 ـ 455 ق. م, صَاحِبُ كِتَابِ تَارِيخِ هيرودتس, بِعُنْوَانِ :Heredot, 2, 15, Der Araber, I, s. 166 . تَحْدثَ فِيهِ عَنْ مَوَاضِعٍ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ, قَالَ عَلِيِّ جَوَاد بِالْمُفَصِلِ : وَقَدْ أَُطْلقَ لَفْظَةِ arabae عَلَى بِلاَدِ الْعَرَبِ الْبَادِيَةُ وَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ, وَالأَْرَضِينَ الْوَاقِعَةَ إلَى الشَّرْقِ مِنْ نَهْرِ النِّيل؛ فَأَدْخَل طُورِ سَيْنَاءَ وَمَا بَعْدهَا إِلَى ضِفَاف النِّيل فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ. انْتَهَى كَلاَمُ جَوَادِ, قُلْت وَمِمَّا قَالَهُ الأَغرَّيِقيُّ فِي جُغْرَافِيَّتِهِ : وَالْعَرَبُ كَانَتْ مَلاَبِسَهُمْ وَاسِعَةً مَرْفُوعَةً بِمَنَاطِ, وَكَانُوا يَحْمِلُونَ فِي الْجِهَةِ الْيَمِينِ قسيّاً تُؤَثِّر طَرْدًا وَعَكْسًا, والأثيوبيون كَانُوا يَلْبَسُونَ ثِيَابًا مِنْ جِلْد النَّمِرِ وَالأَْسَدِ, وَلَهُمْ قسيّاً مِنْ جَرِيدُ النَّخْل طُول الْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ عَلَى الأَْقَل إِلَى أَنْ قََالَ : وَكَانَ قََائِدَهُمْ وَقَائِدُ الْعَرَبِ ارساماس بن دارا ؟؟, فَكَانَ ارساماس قَائِدُ الأثيوبيين الَّذِينَ هُمْ فَوْقَ مِصْرَ وَقَائِدُ الْعَرَبِ, ثُمّ قَالَ: فهذه الأُْمَمَ هِيَ الَّتِي جَمَعْتْ فُرْسَانًا وَكَانَ عَدَدُهُمْ يَبْلُغُ ثَمَانِينَ أَلْفَ فَارِسٍ, فَضْلاً عَنْ الْجِمَالِ وَالْعَجَلاَتِ, وَكُل هَذِهِ الأُْمَمِ كَانَتْ مُرَتَّبَةً طَوَائِفَ كُلٌّ مِنْهَا تَمْشِي فِي صَفِهَا, وَلَكِنَ الْعَرَبِ كَانُوا فِي المُؤَخَّرَةُ حَتَّى لاَ يُخَوفُوا الْخَيْل, لأَِنَّ الفَرَسَ لاَ يُطِيقُ الْجَمَل ! .
وَحَكَى عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيَّ فِي كِتَابِهِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الرِّحْلَة إِلَى بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَاز :
وَصَلْنَا إِلَى الْمَنْزِلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفَحْلَتَيْن, وَتُسَمَّى حِصْنَ عَنْتَر أَيْضًا, وَفِيهِ الْمَاءَ الْقَلِيل, وَالتَّعَبُ الْجَلِيل, فَلاَ يَكَادُ يَسْأَل عَنْ خَلِيلِهِ الْخَلِيل, وَأَمَّا نَحْنُ فَقَد وَجَدْنَا هُنَاكَ أَنْوَاع السُّرُور, وَالأَْمْنُ مِنْ الشُّرُور, وَفِي ذَلِكَ نَقُول, وَلاَ نَبَاتَ هُنَاكَ وَلاَ بَقوْل :
أَتَيْتُ الْفَحْلَتَيْنِ وَكُنْتُ فِيمَا .... اُحَاوَلَهُ هُنَاكَ قَرِيرُ عَيْنِ
وَمَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ بِهِ نِتَاجٌ ........ لِشَارِبِهِ كَمَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ
وَقَدْ خَصَصْنَا النِّتَاجِ بِالشَّارِبِ, حَيْثُ وَجْه تِلْكَ الأَْرْضَ لَا نَبَاتٌ وَلاَ شَارِب, وَقَال الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمَ الخِيَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْزِلٍ كُلَّهُ رَمَل, قَابَلْنَا بِوَجْهٍ مَرَد مِنَ النَّبَات, قَلَّ مَاؤُهُ, وَتَعَطَّل حَيَاؤُهُ, وَقَدْ قَاسْى النَّاسُ مِنْه إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ شِدَّةً عَظِيمَة, مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ وَالسَّمُوم, بِحَيْث يَطْلُبْهُ الأَْمِيرُ مِنَ الْمَأْمُورِ, وَتَهَادَاهُ النَّاس فِيمَا بَيْنَهُمْ لِعَزَّة الْوُرُودِ, فَمَا بَالُكَ بِالصُّدُورِ, وَلَمْ نَزَل هُنَاكَ إِلَى أَنْ صَلَّيْنَا صَلاَةِ الْعَصْرِ .
وَيَرْوَي دُوتِي فِي تَارِيخِهِ الْكَبِير « تَرْحَال فِي صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ » :
وَفِي اتِّجَاهِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ تُوجَدُ مَوَاقِعٍ أَثَرِيَّةٌ لَيْسَتْ بالْقَلِيلَة, وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ آثَارٍ لِقُرَى جَيِّدَةً, وَرُبَّمَا تَكُونَ هُنَاكَ نُقُوشٌ كَثِيرَةٌ مَنْحُوتَةٍ فَوْقَ أَحْجَارِ هَذَا الْبَلَدِ الرَّمْلِيَّةُ, تَسْتَقْبِل الحدية [هَدِيَّة] Hedieh , إِحْدَى قِلَاعُ الْحَجِّ فِي وَادِي حَمْضَ Humth مِيَاهَ السُّيُولِ تَجِيءُ مِنْ خَيْبَرَ, وَفِي أَقْصَى الْجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ هُنَاكَ وَادِي جَانِبِيٌ, يَنْزِل هَابِطًا إِلَى وَادِي قُرَّةَ, أَوْ إِنْ شِئْتَ فَقُلْ مَجْرَى الحمث [الْحَمْض] الَّذِي تُوجَدْ فِيهِ آثَارٌ بَارِزَةٍ وَمَلْحُوظَةٍ, يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا كوره [الْكُوْرَةَ] korh , وَهَذَا الْمَكَانَ فِي رَأْي الْبَدْوِ أَعْظَمُ مِنَ قَرْيَةِ الْعُلَا, وَالْأَرْضُ هُنَا وَعْرَةٌ فِيمَا بَيْنَ التِّلَالِ, كَمَا أَنَّ الْوَادِي هُنَا أَوْسَعَ قَلِيلًا عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي قَرْيَةِ الْعُلَا, مَنْ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ يُشَاهَدُ مَوَاقِعُ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَبَانِي الْقَدِيمَةُ, الَّتِي مِنْ بَيْنِهَا قَلْعَةٌ مُدمَرةٍ, وَبَنِيَّ وَهَّاب wahab لاَ تَشِيعَ بَيْنَهُمْ تَقَالِيدَ قورة, بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ هِيَ مَنْطِقَتَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الأَْزَل, لَوْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ هُوَ قورة Ghorh (khorh) لنَطْقَ أَهْلُ هَذَا الْمَكَانَ الِاسْمُ حَوْرَةُ, أَوْ لَفَظُوهُ عَلَى أَنَّهُ حَوْرَةَ, وَفِي هَذَا الْمَكَانُ يَقَعُ مَسْقَطِ رَأْسِ الشَّاعِرُ البَطَلُ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ, ذَلِكَ الرَّجُل الَّذِي لَمْ يَتفوَّقُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْبَدْوِ الرُحْل القُدَامَى, سَوَاءٍ فِي شَجَاعَةِ الْحَرْبِ أَوْ أَغانِيُّ الصَّحْرَاءِ, و وَعَنْتَرَةَ هُوَ أَحَدُ مُؤَلِفِي الْقَصَائِدَ الذَّهَبِيَّةُ السَّبْعِ, وَبِالْقُرْبِ مِنْ الْقَلْعَةِ التَّالِيَةِ أَلاَ وَهِيَ: قَلْعَةَ سجوة sujwa [شَجْوَةَ, بِالْمَنْقُوطَةِ] هُنَاكَ جَبَلٌ يُطْلَقُ النَّاسُ عَلَيْهِ اسْمَ اسْطَبْل عَنْتَر Antar istabI , عَلَى قِمَّةُ ذَلِكَ جَبَلَ تَرَى أَعْيُنِ النّاسِ الخُرَافِيَةُ هُنَا مَرْبِطًا كَبِيراً, وَكَذَلِكَ الْحَلَقَاتُ الْصَخْرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُرْبَطُ فِيهَا خُيُول ذَلِكَ البَطَل, وَالنَّاسُ هُنَا يَرَوْنَ أَنَّ قَامَةِ عَنْتَرَةَ كَانَتْ تَصِل إِلَى مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ خَمْسِ وَسِتّ قَامَاتٌ, أَبْلَغَنِي الْحَاجَّ نَجْمُ الْمَغْرِبِيِّ أَنَّهُ شَاهَدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ خَطَاً حَدِيدياً .
وَتَحَدَّثَ دُوتِي عَنْ الْقَبَائِلُ الْمُجَاوَرَة لِلْجَبَلِ فِي وَادِي الْحَمْضِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: « صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ »,
وَذَلِكَ سَنَةِ 1287 أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وسَبْعٍ وثَمَانِينَ لِلْهِجْرَةِ :
فِيمَا يَلِي أَسْمَاء الْقَبَائِلِ الْبَدَوِيَّةَ الْمُجَاوِرَةُ لِهَذَا الْمَكَانِ : البلي [بَلِيٍّ] وَوَاحِدُهُ الْبَلْوِيُّ beIuwy , وَمَنْطِقتَهُم أَوْ إِنْ شِئْتَ فَقُل مَضَارِبَهُم فَوْقَ الْحَرَّةِ, وَإِلَى الشَّمَالِ مِنْهُمْ يُوجَدُ الْحُوَيْطَات وَاحِدَهُ حُوَيْطِيَّ, وَإِلَى الْجَنُوبِ مِنْ الْحُوَيْطَاتِ تُوجَدُ جُهَيْنَةَ : وَهِيَ قَبِيلَةٌ قَدِيمَةٍ, وَهِيَ بِلُغَةِ غَيْرُ الْيَهُودِ, جَيْهَن Jehin , وَلَمَّا كَانَ الجَهَايِنَةِ [الجِهنَانِ] مِثْلِ الكليبات [الْكِلِبْات] eI-kIeybat عَلَى الطَّرِيقِ فِيمَا بَيْنَ سورة sawra وَشَجْوَةَ sujwa وَهُنَاكَ الْعُرْوَةَ Aroa والجاعضة [الْجَعْادِنَةَ] Gadah وَالْمَرَاوِين Merowin , والزبيان [الْذِبْيَانِ, بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة] zubbian , وَكَذَلِكَ الجرون [الْقُرُونِ, بِالْقَافِ], وَمَنْ حَوْلِ يَنْبُعَ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْ بَنِي إبْرَاهِيم, وسيدة [صََّعَايِدةِ, أَوْ , صَّيَّادلْةِ], sieyda , والسراسرة [الصَّرَاصِرَةِ, بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ] seraserra .
وَقَرَأَتُ فِي كِتَابِ الْفَيْرُوزَ الْمَغَانِمُ المُطَابَّةِ فِي مَعَالِمِ طَابَةِ :
الْفَحْلَتَانِ : قُنتَانِ مُرْتَفِعَتَانِ, عَلَى يَوْمٍ مِنْ الْمَدِينَةِ, تَحْتَهَا صَحْرَاءِ, وَلَهَا ذِكْرٌ فِي غَزَاةِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ, وَكَانَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ أَسْلَمَ وَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ, فَأَنْفَذَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَيْدٍ لْيَنْزِعَ مَا فِي يَدِهِ, وَيَدِ أَصْحَابِهِ وَيَرُدُّهُ إِلَى أَرْبَابِهِ, فَسَارَ إِلَى الْقَوْمِ, فَلَقِيَ الْجَيْش بِفَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ, فَأَخَذَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ, حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيْدَ الرّجْل مِنْ تَحْتِ الْمَرْأَةِ .
وَوَقَعَ فِي رِحْلَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الدُرَعِي الْمَغْرِبِيّ :
وَنْزلْنَا الْفَحْلَتَيْنِ : وَقَدْ مَضَى مِنَ اللَّيْل خَمْسُ سَاعَاتٍ, وَبِهَا قَلْعَةٍ صَغِيرَةً حَصِينَةٌ, يَسْكُنُهَا الْحَرْسِ, وَآبَارٍ عَذْبَةً, يُخَزَّنُ بِهَا الشَّامِيُّ عَلَى عَادَةِ بَنَادِرَ دَرْب الْمِصْرِي, وَقَدْ حَدَثَتْ الْبْنَادِرَ بِالدَّرْب الشَّامِيِّ فِي هَذِهِ الأَْزْمَانِ, وَقَبْل ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ, إِلاَّ أَنَّ عَادَة مَنْ يَحْرسُ هَذِهِ الْبْنَادِرَ الشَّامِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَ مِنَ مَرَّ بِهِمْ من حُجَّاجُ الْمِصْرِيِّينَ وَلاَ غَيْرِهِمْ أَنْ يَدْخُلَهَا, وَإِنَّمَا يُسَوّقونَ خَارِجِهَا .
المفضلات