السعادةَ حلمٌ يعتقدُها البعضُ في المالِ فيفني عمرهُ في جمعهِ ولا يجدُها ، ويعتقدُها آخرون في المرأةِ الحسناءَ فيجدون الخطى في طلبِها حتى يجدوها ولكنهم لا يجدوا السعادةَ التي يطلبونها ويعتقدُها آخرون في تقصير ثيابهم وإعفاء لحاهم فيعتنون بذلك ويتحلقون في حلقات العلم حتى تمتلئ عقولهم وتنتفخ بطونهم ولكنهم أيضاً لا يجدونها
ويعتقدُها البعضُ في المناصبِ العاليةِ
فيتزلفون ويتملقون ويهدرون كرامتُهم حتى يصلوا إلى مبتغاهم فلا يجدوا ما يبحثون عنه وتضلُ التعاسةُ عنوانٌ لهم .
لذلك أرى أن نتحاور ونتناقش علنا نستطيع أن نجد السعادة الحقيقية ونتعرف على عنوانها ،
ولكن قبل ذلك دعوني أحكي لكم قصةٌ ، هذه أول فصولها :
لا أعلم لماذا استوقفني منظر ذلك الرجل الجالس أمام البوابة وهو يعبث ببعض أغراضه الشخصية ويستل منها موقدٌ صغير وإبريق متسخ تلون منتصفه باللون الأسود يضعه على الموقد ويبدو أنه قد وضع به ماء، لم أستطع أن أقاوم هذا المنظر وبقيت أنتظر حتى أرى غطاء الإبريق يرتجف معلناً استعداده لاستضافة زائرا عزيز وكأن الرجل استجاب له سريعاً واضعاً السكر وملحقاً به أعواد الشاهي منتظراً قليلاً قبل أن يبدأ بصبه والتلذذ بشربه ، يا الله كم كان منظر هذا الرجل جميلاً والهواء يلفح وجهه المليء بالتجاعيد مظهراً السعادة التي يفتقدها الكثيرون ممن قضى عليهم البرستيج والمكانة الاجتماعية والعادات والتقاليد .
لا أعتقد أن هذا الرجل يتوقع أن يحسد على مثل هذه اللحظات ويتمنى غيره مثل هذه الأدوات البالية التي استطاعت أن تحقق له السعادة ، حاولت أن أوقف السيارة وأترجل منها وأقدم عليه بكل فخر لأشاركه شيء من السعادة وأرتشف معه من إبريق البساطة ولكني جبنت ولم أستطع نسيان أن هذا الوضع لا يليق بالمكانة الاجتماعية
ولا يناسب الوجاهة ، هم يقولون ذلك وعليا الالتزام به فأنا جزء من هذا المجتمع متقيداً بقيوده الواهية .
لقد تحرر هو من هذه القيود حتى أنه لم يراني وأنا أرقبه كل هذه المدة فهو لا يحفل بمن وقف أو مضى ولا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور طالما لم تمسه ، لم أنقم على المجتمع قدر نقمتي عليه في هذه اللحظات لأني شعرت بأنه حرمني من سعادة لم يحققها لي رغم إعطائي المكانة البالية التي لم تصمد أمام أبسط المواقف ، هل يعقل أن نبقى محرومين من مثل هذه البساطة بسبب قيود وضعناها بأيدينا واحترمناها حتى طوقتنا وحرمتنا من معنى الحياة.
لم أستطع إلا إدارة محرك السيارة والانطلاق منظماً إلى قوافل التعساء وأنا أندب حضي الذي كشف لي أن السعادة ملكاً للفقراء لا ينافسهم عليها الأغنياء .
بالطبع السعادة الحقيقية لا تكون إلا لمن كان مع الله سبحانه وتعالى ، فهذا هو أصل السعادة ولكن هذا الأصل قد يضيع إذا كُبلنا بقيود المجتمع التي لا أصل لها في شريعتنا فالرسول صلى الله عليه وسلم رغم ماله من مكانه لا ينافسه عليه أحد من بني أدم أقول رغم ذلك لم يكن يبتعد عن مخالطة صغار القوم وأحقرهم بالمقاييس الدنيوية وأرفعهم عند الله في اليوم الآخر فكان يشاركهم فرحهم وحزنهم ويتبسط معهم حتى أنه يغفر لهم زلاتهم وانتقاصهم من مكانته صلى الله عليه وسلم وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى برغم من كونه يستطيع القصاص لنفسه .
إن هذا الرجل الذي استوقفني لا يحلم بأكثر من توفير لقمة العيش له ولأسرته ليوم واحد فقط وهذا ما يحقق له السعادة التي قد يحرم منها الكثيرون ممن يملكون ما يوفر لهم مؤنة مئة عام ، فلما هو سعيد ونحن تعساء أليس هو جائع وفي أحسن الأحوال شبه جائع بينما نحن اتخمنا من الشبع وأصبحنا نفكر بأكثر من طريقة للجوع ؟!!
أليس يسكن في كوخ خشبي وفي أحسن الأحوال بيت شعبي متواضع قد يسقط فوق رأسه لأقل الأسباب البيئية وغيره يسكن القصور ورغم ذلك هو أسعد ، ألسنا نشعر بأن كل تقدم نعايشه في مجتمعاتنا يسرق من رصيد سعادتنا ألم نكن أسعد في تلك المدن الصغيرة الم يكن أطفالنا يشعرون بالفرح في أعيادنا في تلك الحواري القديمة، الم تكن أزقة الحارة وتلك البيوت المهدمة والمساحات الشاسعة غير المبنية والظلام الدامس بعد الغروب والخبز الذي لن تجده إذا لم تمر على الخباز قبل الغروب الم تكن كل هذه الأمور هي سعادتنا ، الم نكن نربي أبناؤنا ولا نخشى أن يفسدهم أبن الجيران الم نستخدم أقدامنا في التنقل ولم نكن نعرف أي وسيلة للمواصلات ، إن كل هذه الظروف القاسية هي التي جلبت لنا السعادة فأجسامنا كانت قوية كوننا لم نكن نعطل عمل أي عضو فالقدمان نستخدمها كثيراً في التنقل وهي بالتالي تمارس رياضة يومية كفيلة ببقائها تعمل بطريقة جيدة واليدين نكسب بهما قوت يومنا وكل هذا يحقق لنا الرشاقة التي هي أعز مطلب في عصور التقدم وعقولنا متفرغة للاستزادة من العلم فالملهيات أقل بكثير مما نراه اليوم ، الم تكن عقولنا على سجيتها لا تتغير وفق أهواء الآخرين باستخدام الإعلام الكاذب أو المنافق في أحسن الأحوال الم يكن ديننا يسمو فوق أي تحزبات أو تكتلات سياسية ألم نثق بعلمائنا كون ما يقولونه اليوم هو ما يقال غداً أو بعد غد الم نكن نحلم على قدر استطاعتنا الم يكن سقف طموحنا لا يتعدى المسلمات والبديهيات .
أكد أجن هل نحن الذين خربنا بيوتنا بأيدينا ؟ ألم تكن السعادة ملكٌ لنا لا يشاطرنا عليها أحد لماذا تركناها واعتقدناها موجودة عند غيرنا من كفار ومشركي عصرنا فسابقناهم على أسبابها ( كما يرونها هم ) هل يعقل أن نرمي ما بأيدينا لنطلب ما بأيدي الآخرين ألم يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن زوال سعادتنا في الدنيا والآخرة يكون بإتباعهم .
ربما تكون هذه هي المشكلة أو هي مشكلة بالفعل ، كونها تخالف شرعنا ولكني أعتقد أننا من خلال هذا الطرح نلامس واقع أننا مسلوبي الإرادة فليس لدينا القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب أي أننا نفتقد للشجاعة حتى وإن تبين لنا الحق مقنعين أنفسنا بأننا ضحايا لمجتمع يفرض علينا وصاية يتحكم من خلالها في كل قراراتنا بينما الصحيح أننا أصحاب القرار فهل كان المجتمع سيقف حائلاً بيني وبين مشاركة هذا الرجل البسيط شيء من سعادته وهل المجتمع يملك صلاحية تجريدي من كل المكتسبات الوهمية التي حققتها في حياتي العملية ، إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد نقد والعاقل من يوطن نفسه على ذلك ففي كل الأحوال لن يختفي هذا النقد وتبقى القافلة تسير والنقاد يكتبون ولن يوقف نقدهم هذه المسيرة إلا إذا لامس واقع إذا يمكن لنا أن نكون أحرار في اتخاذ القرار وقتها قد يتحقق لنا حلم السعادة ... انتهى
وبعد فهل أدركتم أين تكمن السعادة بانتظار مشاركاتكم وحتى نصل ... أرجو أن تسامحونا
المفضلات