الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد
سورة الفجر
و الفجر(1) و ليال عشر(2) و الشفع و الوتر(3) و الليل إذا يسر(4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5) ألم ترى كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) و فرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد (12) فصب عليهم ربك سوط عذاب (13)إن ربك لبالمرصاد (14) فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن (15) و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن (16) كلا بل لا تكرمون اليتيم (17) و لا تحاضون على طعام المسكين (18) و تأكلون التراث أكلا لما (19) و تحبون المال حبا جما (20) كلا إذا دكت الأرض دكا دكا (21) و جاء ربك و الملك صفا صفا (22) و جيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23) يقول ياليتني قدمت لحياتي (24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد (25) و لا يوثق وثاقه أحد (26) ياأيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) و ادخلي جنتي (30)
تفسير بعض الكلمات الصعبة:
يسر: يذهب
حجر: عقل
إرم: هو اسم جدهم و به سميت القبيلة
العماد: الأبنية المرتفعة الطويلة
الأوتاد: الجيوش الكثيرة
قدر: ضيق
لا تحاضون: لا يحث بعضكم بعضا
تفسير بعض الآيات من صفوة التفاسير:
(و الفجر) قيل الفجر هنا هو وقت الفجر لما فيه من الفضل، و الثواب على العمل فيه. و قيل المقصود بالفجر هنا هو فجر يوم النحر، أي العشر من ذي الحجة.
(و ليال عشر) قيل في الغالب أنها الليالي العشر المباركات من أول ذي الحجة و هذا هو الرأي الراجح. و هناك رأي أضعف أن الليالي العشر هي العشر ليالي الأخيرة من رمضان . و الله أعلم
(و الشفع و الوتر) قيل أنه قسم بالزوج و الفرد في أي شيء، و قيل الشفع هو يوم النحر، و الوتر هو التاسع من ذي الحجة، يوم عرفة. و قيل هو الصلوات شفعا و وترا. و اله أعلم
(و الليل إذا يسر) أي الليل اذا ذهب ايذانا لدخول الفجر
(هل في ذلك قسم لذي حجر) أي لذي عقل و لب و دين . و إنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي مالا يليق به من الأفعال و الأقوال.
(ألم تر كيف فعل ربك بعاد) و هؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعته مكذبين لرسله جاحدين لكتبه فذكر تعالى كيف أهلكهم و دمرهم و جعلهم أحاديث و عبرا فقال "ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد" وهؤلاء عاد الأولى و هم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. قاله ابن إسحاق و هم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا فكذبوه وخالفوه فأنجاه الله من بين أظهرهم و من آمن معه منهم و أهلكهم"بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعي كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية".
(إرم ذات العماد) قوله تعالى"ذات العماد" لأنهم كانوا يسكنون البيوت العالية التي ترفع بالأعمدة الشداد و قد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة و أقواهم بطشا.
(التي لم يخلق مثلها في البلاد) أي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم و شدتهم و ضخامة أجسامهم. و المقصود تخويف أهل مكة بأن الله أهلك من هم أشد منهم قوة و بأسا.
(و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد) أي كانوا من قوتهم ينحتون بيوتهم في الصخور في وادي القرى، و قيل أن بيوتهم كانت بين الحجاز و تبوك.
(و فرعون ذي الأوتاد) قيل الأوتاد هم الجنود و الجيوش العظيمة التي تشد ملكه. و قيل أن الأوتاد هي الأوتاد التي كان فرعون يشد عليها الناس لتعذيبهم. و قيل أن فرعون شد امرأته باربعة أوتاد و وضع على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت.
(الذين طغوا في البلاد) أي عادا و ثمود و قوم فرعون الذين طغوا و تمردوا و عتوا عن أمر الله و جاوزوا الحد في الظلم.
(فأكثروا فيها الفساد) عاثوا في الأرض بالإفساد و الأذية للناس.
(فصب عليهم ربك سوط عذاب) أي أنزل عليهم رجزا من السماء و أحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين. و استعمل كلمة صب لبيان سرعة انزال العذاب و شدته
(إن ربك لبالمرصاد) قال ابن عباس يسمع و يرى يعني يرصد خلقه فيما يعملون و يجازى كلا بسعيه في الدنيا و الأخرة و سيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله و يقابل كلا بما يستحقه و هو المنزه عن الظلم و الجور.
(فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن) يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له. و ليس كذلك بل هو ابتلاء و امتحان كما قال تعالى "أيحسبون إنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون".
(و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) و كذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه و امتحنه و ضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له.
(كلا بل لا تكرمون اليتيم) "كلا" أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب و من لا يحب و يضيق على من يحب و من لا يحب و إنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك و إذا كان فقيرا بأن يصبر.
و قوله تعالى "بل لا تكرمون اليتيم" فيه أمر بالإكرام له كما جاء فى الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه و شر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه - ثم قال بأصبعه -أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا".
(و لا تحاضون على طعام المسكين) يعني لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء و المساكين و يحث بعضهم على بعض في ذلك.
(و تأكلون التراث أكلا لما) "تأكلون التراث" يعني الميراث "أكلا لما" أي من أي جهة حصل لهم من حلال أو حرام.
(و تحبون المال حبا جما) أي تحبون المال حبا شديا فاحشا، و تبخلون بانفاقه.
(كلا إذا دكت الأرض دكا دكا)يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فقال تعالى "كلا" أي حقا "إذا دكت الأرض دكا دكا" أي وطئت و مهدت و سويت الجبال و قام الخلائق من قبورهم لربهم.
(و جاء ربك و الملك صفا صفا) "وجاء ربك" يعني لفصل القضاء بين خلقه وقيل ذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه و سلم فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله تعالى في ذلك و هي أول الشفاعات و هي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان فيجيء الرب تبارك و تعالى لفصل القضاء كما يشاء والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا.
(و جيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) أي جيء بجهنم ليراها المجرمون.
قال الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها"
و قوله تعالى "يومئذ يتذكر الإنسان" أي يتذكر عمله و ما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه "وأنى له الذكرى" أى وكيف تنفعه الذكرى و قد فات أوانها؟.
(يقول ياليتني قدمت لحياتي) يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا و يود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا، كما قال الإمام أحمد بن حنبل عن محمد بن عمرة و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة و لود أنه رد إلى لدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.
(فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) أي ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه.
(و لا يوثق وثاقه أحد) أي و ليس أحد أشد قبضا و وثقا ( بالسلاسل و الأغلال ) من الزبانية لمن كفر بربهم عز و جل و هذا في حق المجرمين من الخلائق و الظالمين.
(يا أيتها النفس المطمئنة) أي يا أيتها النفس الطاهرة الزكية المطمئنة بوعد الله، المطمئنة من حفظ الله لها من عذابه و من كل خوف و فزع يوم الحساب
(ارجعي إلى ربك راضية مرضية) أي إلى جواره و ثوابه و ما أعد لعباده في جنته راضية أي في نفسها مرضية أي قد رضيت عن الله و رضي عنها و أرضاها. و قيل أن هذا النداء يكون عند الموت فيقال للمؤمن عند احتضاره هذه المقالة
(فادخلي في عبادي * و ادخلي جنتي) أي ادخلي في زمرة عبادي الصالحين و ادخلي جنتي دار الأبرار.
المفضلات