[align=center]
الخميس, 29 يناير 2009
رؤية / ماجد الغامدي
قد تُرغم الشاعرة عيدة الجهني القائمين على برنامج شاعر المليون على تغيير عنوانه وإن مؤقتاً إلى (شاعرة المليون)!
عيدة الجهني التي جاءت على سجيتها المحافظة وطبيعتها المتأصلة لتؤكد أن المرأة السعودية شريكة المعرفة والإبداع وقرينة الكبرياء والتميّز وأن الشاعرة الحقيقية تستطيع أن تسجّر بحور الشعر بجذوة التمكّن وأن تروي بمنهل الصدق والتفرد بيداء الذائقة ، جاءت لتقول إن البساطة والتلقائية هي أقصر الطرق إلى عيون الإنصاف وتؤكد أن الشعر النسائي الذي كثر الجدل حوله يبقى مستعذباً ويلامس شغاف الإحساس بدون تسويق تبرّج أو دعاية غنج كما يفعل الكثير من الشاعرات لتعيد ما قالته ميسون بنت بحدل الكلبية:
ولبسُ عباءةٍ وتقرُّ عيني
أحبُ إليَّ من لبسِ الشفوفِ
جاءت بالخبر اليقين الذي لا ينكره منصف لتقول أن الشعر يكون أكثر تأثيراً عندما تلمس الصدق في أبياته وترى التزامهُ بمبادئ قائله وأن الحياء إن لم يكن جلباب فخرٍ فلن يكون أقل من رداء كرامة وسندس كبرياء ومحارة لؤلؤ.
لم تغفل الشاعرة ما قد يقول ضعاف النفوس من استهجان أو استغراب فأكدت بأبياتها الافتتاحية أصالتها وتمسكها بتقاليدها بما يثبت علو كعب شاعريتها وفوق ذلك لامست بجمال قصيدتها جوزاء الإبداع فاستهلّت القصيدة بما يشير إلى توجهها الديني بقولها (يا سحابٍ من القِبلة) ، ثم في اختيار موضوع القصيدة الذي ابتعد عن ما يُشاع عن طبيعة المرأة الرقيقة وبوحها الشفيف فصوّرت الكثير من تجاذبات النفس و تضاريس الحياة التي لم تغير مسيرة جواد الأصالة ومهرة النقاء (حالفه ياجوادي للــردى ما تغـــبر) في صورة رمزية عالية تؤكد أن مواضيع الشعر ليست قصراً على فئة معيّنة وأن الشاعر المطبوع يستطيع الكتابة خارج سرب المألوف وقد أجادت شعراً وفكراً وثقافةً مازجت بين البداوة والأصالة (هملول ، ضعن ، حادي) وبين الحداثة (كل حرفٍ تعسجد ، مهجة الشمس ، كتبني شعاع، لهاة القيض) مستمدةً من ذاكرة ثقافية وتاريخية (لو بذي مرخ من زغب الحواصل جياع) في إشارة لقول الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زغب الحواصلِ لا ماءٌ ولاشجرُ
ثم في رسالة الشاعرة التي أوصلتها بكل وضوح عبر مسيرتها الأدبية الحافلة بالنجاح وقالتها في قصيدتها مجدداً :
حالفه ياجوادي للــردى ما تغـــبر
لو بذي مرخ من زغب الحواصل جياع
وهو جواد معقودٌ بناصيته الخير نتمنى أن يصل بك إلى بيرق الشعر .
ساحة الشعر السعودية تبقى الأخصبُ والأنضر شعراً وفكراً وتنوّعاً فعلى مر السنوات الطويلة الماضية كان للشعراء السعوديين حضوراً قويّاً وطاغيا إبداعاً وانتشارا من خلال الإعلام المقروء أو المرئي وكان آخر ساحات الحضور الأشهر مسابقة شاعر المليون التي أشعل وهجها وسما بها شعراء سعوديون كان لهم الفضل في اكتساب البرنامج لشهرته حتى أصبح موسماً منتظراً لكل محبي الشعر رغم ما نرى فيه من شوائب إجحاف أحياناً و بُعد عن الموضوعية أحياناً أُخرى من قِبل الجنة ، وما نلمس فيه من آلية غير منصفة ولا منطقية في نيل اللقب باعتماد التصويت حَكَماً رئيسياً مُقدماً على سِمة التميّز وسامياً عن تفرّد الموهبة ، ولكن جاذبية الشعر تبقى متربعةً على قلوب الناس الذين يسعدون بما يجدون من ترجمة لأحاسيسهم وتجسيد لأوجاعهم وتعبير عن آمالهم على ألسنة الشعراء فيُرغمون على متابعته.
رأينا في النسخةِ الأولى من حَمَلة الإبداع السعوديين العازمي والشمري والميزاني وغيرهم ثم دُهشنا بمنجم الإبداع ومرجل الشعر ناصر الفراعنة ومعه لسان الإنصاف وفكر الوعي ومنهل الشاعرية عيضة السفياني ، ولكننا نرى في النسخة الحالية دهشة مختلفة وموهبة نادرة تمثلها الشاعرة المتميّزة عيده الجهني مع احترامنا واعتزازنا لكل الشعراء السعوديين المشاركين.
عيده الجهني الشاعرة التي امتطت صهوة الإبداع وأناخت الذائقة وتربّعت عروش الإعجاب بما ترتكز عليه من ثقافة عالية وتوغل في الموروث وما تحمل من موهبة صادقة ومتفردة وما تتسم به من محافظة والتزام بالدين والتقاليد وما تمتلك من فكر سَكَب الدهشة في قوالب الشعر ونقش بصمة الإعجاب على لوحة التميز.
عيده الجهني التي قالت في مقدمتها على شاطئ الراحة (ليبقى الشعرُ حيّاً ما بقينا) أكّدت على حق الظهور المحتشم لصاحبة الموهبة الحقيقية رغم ما قد يُقال عن شاعرية المرأة أو حقها في الظهور التلفزيوني فضلاً عن تجلي ثقافتها واطّلاعها المتمثل في الاقتباس والإسقاط من معلقة ابن كلثوم ثم في اسقاط الوزن الفصيح (الوافر) على طريقتها الشعبية، جاءت لتوصل صوت الشاعرة السعودية بدون مكياج تبرّج أو ترخيم صوت لتقول (يا بو ظبي جيت لا وجله ولا خجله) لتؤكد ثقتها بنفسها أولاً ثم اعتزازها بموهبتها المتدفقة وأصالتها المتجذرة وفق الدين والتقاليد والأعراف .
العجب العجاب أن أعضاء اللجنة (المحسوبين عليها) الذين لم يجدوا ما يقولون إزاء موهبتها وشعرها لجأوا لأن يهرفوا بما لم يعرفوا كحمد السعيد وتركي المريخي اللذين قادتهما معرفتهما المحدودة لأن يقولا أن التشديد على حرف الباء هو من ضرورات الشعر، والضرورة كما هو معلوم وإن أبيحت للشاعر فإنها منقصة شعرية مع أن التشديد هو من لزوم مالا يلزم الذي إن لم يُحسب للشاعر فلا يُعد عليه فالأبيات تستقيم وزناً بالتشديد وبدونه ولم يكن ذلك إطلاقاً من ضرورات الشعر حتى يقولوا يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره.!!!
* يا سحابٍ من القِبله بعيني تزبّر (مشدد)
ياسحابن منل قب له بعيـ ني تزبـ بر
فاعلاتن فعولن فا علاتن فعولن
* آتوكى على شيحٍ وقافٍ معنبر (غير مشدد)
ءا توك كــا على شي حن وقافن معن بر
فاعلاتن فعولن فا علاتن فعولن
* بعض سرحان عاشبها الخلا ما تعسبر ( غير مشدد )
بع ضسر حا نعا شب هل خلا ما تعس بر
فاعلاتن فعولن فا علاتن فعولن
وهذا يوضح أن القصيدة سارت على وزن واحد هو الهجيني (فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن) وأن لا وجود لضرورة فضلاً عن خلل أو ما يدل على أنهما يفهمان ما يقولان وأن الضرورة الحقيقة التي تمسهما هي أن يتعلّما ما يجب أن يقولاه ورُب كلمةٍ قالت لصاحبها دعني.
المصدر / جريدة المدينة
رابط الموضوع / http://al-madina.com/node/99079
كل الود
عاشق حزن[/align]
المفضلات