مها العبدالرحمن
لن آتي بالجديد في طيات حديثي فهي إحدى المشاكل الأزلية التي وددت أن أنخرها وافتح جراحها لعلي أجد من يطببها أو يغوص في صميمها بعد أن استسلم أصحابها لها، وتركوها أثراً لا حول لهم ولا قوة في وجوده، والآن أود أن أفتح الجرح قبل أن نصاب بغرغرينة إحساس من أسبابه، أو أن أحسنه بعملية تجميلية.
@@ إنما الموضوع باختصار حول رئيس ومرؤوسه، وعلاقة إنسانية مقنعة تحكمت بها طباع بشرية هزيلة حتى غدا شأنها كذاك الغريب الذي راح يقلد مشية الحمامة فضيع مشيته ولم يستطع تقليد الحمامة، كذلك تلك العلاقة لم تحتفظ بنظاميتها ورسميتها ولم تقلد الديمقراطية غير العربية، ولا لين الجانب الإسلامي، ولم تحتفظ بصبغتها الدكتاتورية، هذه الرواية باختصارها المؤلم.
@@ ومن هذا الباب ولج الظلم وخرج قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فتناسى المدير الفاضل يوم العرض الأكبر والوقوف بين يدي الرحمن، وأمانة تحملها عجزت عن حملها السموات والأرض وكان لا بد أن يراعي الله فيها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي سيئاً، فرفق بهم فأرفق به"، تناسى وبات لا يعنيه في ذلك المنصب إلا نصب الشراك لكل مميز وحفر الأخاديد، وتصويب السهام، وشن الحروب للحفاظ على كرسي هو وغيره أدرى أنه لو دام لغيره لما وصل له، وأنه لن يبقى إلا السيرة العطرة وكلمة "ذكره الله بالخير" لتضاف لميزان الحسنات، وتوجب لصاحبها الدعاء بالتوفيق والخير أينما حل أو رحل.
@@ أين لهؤلاء المديرين المحترمين آذان لتسمع، وجنان لتحس وتشعر وصوت الأنا فيهم آخرست كل الأصوات، وأنى لهم بالإحساس بعد أن ران على قلوبهم حب الدنيا، واللهث لتحصيل مكانتها وما في جعبتها.
@@ ومنهم إلا من رحم الله يضع الجواسيس والعيون المترقبة لإفساد ذات البين طلباً للقربى، وليحظى بالرضا والقبول متناسياً أن الله على كل ما خلف الستور شهيد.
@@ ترى لن تنجح إدارة ولن يقوم منصب إلا بقهر موظفي الدرجات الأقل وكسر شوكتهم كما يدعي هؤلاء؟!، للامساك بزمام الأمور، أهو الإيمان بمبدأ فرق تسد، فلن يحتالوا للأمر إلا بإظهار مخالب القيادة، واتباع أسلوب السيد وعبيده، ترى حقاً أن قائد أي مكان لابد أن يكون أسداً يزأر والمكان غابة يقضي كبيرها على صغيرها، ويأكل قويها ضعيفها ويفترسه؟!.
@@ هل قانون الغاب يطبق على البشر ويحكم قوانينهم؟!، يا ترى العدل والحكم والديمقراطية ومسايسة الأمور نفاق لا يظهر على السيد المدير العام إلا كمعان تزخرف كلمات خطابية سيلقيها لتخوله للصعود لمنصب أكبر، أو لنيل كلمة مديح؟!
إلى متى تقوم قيامة من قال كلمة حق يريد بها صون كرامته وإعلان قوته ونيل حريته، ومن قد يترصد لسهام الغدر قبل أن تصيب قلب إنسانيته وحريته؟!.
أما آن لهؤلاء أن يقال لهم على رسلكم علينا، فأنتم يوم الحساب ستسألون، وعلى أعمالكم ستحاسبون!، أولا يقال لهم أنه يوم لا فرق فيه إلا بالتقوى وثقل الميزان!.
ثم لم لا نخبرهم ونذكرهم ومن ناصرهم لأن (الذكرى تنفع المؤمنين) أن الله يُمهل ولا يهمل، ونذكرهم أن "حسبي الله ونعم الوكيل" يقولها مظلوم ليس بين كلماته وبين الله حجاب كفيلة بتعاسة الدنيا، وخسران الآخرة.
@@@ ما سبق من كلمات يتمتم بها موظف ضعيف لديه أولاد صغار ومسؤوليات بكبر الجبال يحتاج معها ذل تلك الوظيفة لتسدد حاجاته، وهو محتاج لتحمل مزاجيات من يجلسون على الكراسي الفارهة الدوارة، ومنها ودون أن يشعروا بغيرهم يصبون مشاكلهم الحياتية على رؤوس هؤلاء الضعفاء، وجام غضبهم على أحوالهم الأسرية يحملها من البيت ويفرغوها فيهم، وتظهر ردود الأفعال عليها في المكان غير الصحيح لها، ناهيك عن عُقدهم ونقمتهم على آلامهم وأوجاعهم أحياناً يضيقون بها ذرعاً في العمل وهو الذي من المفترض ألا يحكمه إلا الإنصاف والعدل والعطاء وإعطاء كل ذي حق حقه، هي كلمة نناقشهم عليها في يوم فيه أخذ وعطاء، قبل اليوم الذي لا يقبل فيه عذر.
فوالله لو علم هؤلاء ما جزاء من لا يعدل في رعيته، لغدت كراسيهم فارغة!. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيته، يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
المفضلات