عمد الأحياء: ومَن يُعلِّق الجرس؟! مقال للأستاذ/ محمد السناني
http://www.alhejaz.net/aw1/snani.jpg
محمد حامد السناني
عمد الأحياء: ومَن يُعلِّق الجرس؟!
العام الماضي كنت في رحلة إلى أرض الكنانة، وقد تعودت من سنوات سابقة على أن أقتطع جزءاً من إجازتي الاعتيادية لأقضيه في مصر. وهناك بلا شك تتأكد أمام عينيك مقولة (مصر أم الدنيا)، فترى الحياة الاجتماعية بكل أنماطها.
وتعتريك الدهشة إذا قمت بزيارة المتحف القومي، ورحت تجوب أدواره المكتظة بالقطع الأثرية ذات القيمة التاريخية العالية والمبهر أنك تقف مذهولاً أمام (المومياء) بعض الجثث المحنطة والتي توالت عليها العصور الطويلة ولم تتغير ملامحها الإنسانية. ويعد ذلك من معجزات الطب الذي يقف حتى اليوم حائراً أمام هذا العلم.
كل ذلك مما تم العثور عليه أثناء الحفريات الاستكشافية لعلماء الآثار من بقايا ورموز الحضارة الفرعونية. وفي جانب آخر لما تراه في (أم الدنيا) أن حبك للمعرفة يقودك إلى العديد من المكتبات العامة والخاصة التي تحوي جنباتها أمهات الكتب والمخطوطات الفريدة النادرة ومن أحياء القاهرة التي عُرفت بهذا النوع من المكتبات هي (الفجالة) ولا تملك في نهاية رحلتك إلاَّ أن تقول (عظيمة يا مصر). وفي أحد أيام هذه الرحلة - وكان يوم جمعة - سافرت لصديق تربطني به علاقة قديمة في المنصورة، وبعد أن وصلت وأخذت قسطاً من الراحة ذهبت معه لمسجد القرية التي يعيش فيها لأداء الصلاة، ووفقنا في مكان مناسب لم يتأخر الخطيب كثيراً وعندما صعد المنبر وقد كان رجلاً في منتصف العمر وكفيفاً شد الانتباه إليه بطريقة عجيبة فأخذ يحضر لموضوع خطبته بتلاوة بعض الآيات الكريمة وشيء من الأحاديث الصحاح، وحرص على قراءة متن الحديث بشكل جيد ويوفيه كل قواعد (مصطلح الحديث) حيث كان يعرفك بالراوي ودرجة صحة الحديث - ثم جاء على زبدة القول وبدأ يتكلم عن (الكعبة المشرفة) معرّجاً على تاريخ هذا البناء العظيم والأحداث التي مرت حوله ثم شكله وأبعاده ومساحاته من الداخل والخارج وأورد - وفقه الله - الكثير من المعلومات التي تعييك بحثاً لو أردت الحصول عليها.. وأشعر أنه نقل المستمع من المسجد إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وكأنه يقف في باحة الحرم.
ومازلت أتذكر هذه الخطبة حتى اليوم. وكلما قادتني مشيئة الله إلى هناك ووقفت عند بيته العتيق - قُضيت الصلاة وانتشر المصلون في أرض الله الواسعة يبتغون من فضله، عندها طلب مني صديقي مرافقته في زيارة اعتاد عليها في مثل هذا اليوم لدوار العمدة.. دلفنا إلى مجلس العمدة الخاص الذي سبقنا إليه عدد من أعيان القرية وبعد برهة وصل العمدة.. رجل طويل ممتلئ، يطوق رأسه بعمة وثوب واسع وشنب كثيف (يوقع عليه الصقر). وبعد أن تعرف بي أخذ يتحدث لمن حضر مجلسه - كيفكم يا رجالة ؟ كله تمام - ثم عاد يسألهم بالاسم عن كل الخصوصيات وأخبرهم بأنه ينوي مراجعة مديرية التعليم لتقديم طلب بافتتاح مدرسة بنات جديدة. ومع أن ما يدور في هذا المجلس كان بطريقة تقليدية لا تنسجم مع التطور الحالي إلا أن مردوده سيكون فعالاً وعلى الفور تداعى إلى ذهني الدور المفقود والمطلوب الذي يجب أن يكون عليه عمدة الحي عندنا ولا أعرف لماذا نراه مهمشاً ولا يرتقي للوظيفة ومسمّاها وصلاحياتها.. أين هو من قضايانا واحتياجاتنا؟ مع العلم أن هناك جهوداً حثيثة لوزارة الداخلية لإشراك عمد الأحياء في كل الأمور الاجتماعية بشكل حضاري مطور. ومن المتطلبات الوظيفية أن يكون جامعياً على الأقل.. بقي أن نقول لماذا لا يكون للعمدة مكتب خاص به ويعين معه موظف آخر ويكون له أرشيف للمعاملات ومكتب للحاسب الآلي يسجل فيه سكان الحي وكل من يغادر أو يحل جديداً؟ وأعتقد أن فيه مساندة للجهات الأمنية.. وبه أيضاً هواتف لأعيان الحي للاتصال بهم عند الحاجة وعليه أن يقوم بتوطيد علاقاته بمن يرى فيهم الخير لحل النزاعات وإصلاح ذات البين.. هذا بعض ما نتمناه من العمد وهم إن شاء الله مؤهلون للعب دور اجتماعي إيجابي أما من سبقهم في هذا المكان فكان لهم أثر كبير يدركه كل أبناء المجتمع ولا يسعنا إلاَّ أن نشكرهم على ما قدموه.. ولعل قادم الأيام يحمل لنا دوراً جديداً للعمدة يوازي ما نعيشه من تطور في كل مناحي الحياة.
