المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاضطراب السلوكي



أبوماجد
08-09-2003, 12:58 PM
الاضطراب السلوكي عند الطفل

تعد الاضطرابات السلوكية عند الأطفال أمراً يصعب تشخصيه من قبل المختصين، وقد يحتاج الطبيب النفسي إلى جلسات متكررة لدراسة حالة معينة ويمكننا القول بأن للطفل شخصية لا يمكن التعرف عليها من الوهلة الأولى فقد نجد أن بعض الأطفال يبكون باستمرار وان بعضهم هادئون وآخرون مبتسمون وضاحكون وكلنا يعرف أن هذه المظاهر تندرج تحت عامل الوراثة أو بتأثير من البيئة المحيطة به. فحينما يولد الطفل يكون كالعجينة يمكننا تشكيلها بالطريقة التي نريدها. والطفل كائن رقيق مهما كان عدوانياً أو شرساً ويتأثر بكل ما يحيط به وقد يصاب بوعكات نفسية تسمى (العقد). وتعرف العقد بأنها إصابات نفسية تطرأ على البناء العام للشخصية، وتكون نتيجة لظروف خاصة اقترنت بها المرحلة الأولى من مراحل الطفولة. وتؤدي العقد بالطفل إلى أن يسلك سلوكاً معيناً يتصف بالاضطراب ويجعل له نمطاً خاصاً مميزاً له عن غيره من الأطفال العاديين.


التعريف والمفهوم
يفسر العلماء العقدة بأنها مجموعة من الأفكار والدوافع والذكريات المكبوتة والتي تعتبر بمثابة مأزق نفسي يطرأ على البناء العام للشخصية. وترجع العقد في إحدى أهم أسبابها وخصوصاً في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل إلى الآباء الذين قد يكونون قليلي الخبرة أو ضعيفي الشخصية أو لعدم وجود ثقافة تربوية كافية وهم بهذا يسببون في زرع عقد نفسية من حيث يدرون أو لا يدرون في أطفالهم بسبب الأساليب التربوية الخاطئة هذه ومن حيث يحسبون أنفسهم أنهم يحسنون صنعاً إلى نشوء انحرافات نفسية وفكرية عند الطفل.
دور التربية الخاطئة في نشوء الانحرافات
إن من المهم جداً أن لا يصيب الطفل خلل حتى لا يتمكن من تقييم الأشياء حسب موازينها الطبيعية، وإنما ينشأ منحرف الفكر كثير التردد، أو كثير الجزم فإن الطفل إذا عاش في جو الشك والريبة، أو في الاعتباط في الحكم على الأمور خرج كذلك مما يفسد مستقبله. ويحدث هذا الأمر عندما يكون الآباء عصبيين أو أصحاب عقد نفسية تؤدي إلى إشاعة الاضطراب في حياة أطفالهم. بسبب جهل الأباء بنفسية الأبناء ونقص خبراتهم التربوية اللازمة، أو خطأ الأسلوب التربوي المتبع في تربية الطفل، وقد يكون بعض الآباء والأمهات أصحاب عقد نفسية أو يعانون اضطراباً نفسياً مما يساعد على نقلها مباشرة إلى الطفل، أو تكون سبباً في اضطراب حياته وتهديد نموه النفسي أي تكون حالة شبه وراثية. وقد تنشأ العقد النفسية نتيجة صدمة انفعالية قاسية يكون الطفل قد تعرض لها في حياته، وبعد فترة يطرأ أمراً أو محفزاً يؤدي إلى خروجها على شكل عقدة نفسية. وقد يرجع السبب إلى الدعة والراحة الكاملة التي تعطى للطفل أو القسوة الزائدة، والكل يعرف أن كلا الأسلوبين خطأ فادح يعاني منه الطفل بقسوة، فلا يصح أبداً أن نجعل من الطفل شخصية مستبدة طاغية تأمر فتطاع، فتلبي جميع أوامره ونُنتهى عن نواهيه، ويتمادى الطفل في ذلك بعد أن يرى ضعف الأبوين أمامه وفي ذات الوقت يجب أن لا تستعمل القسوة المبالغ فيها في المعاملة مع الطفل حتى لا نزرع فيه عقدة الخوف فينشأ متردداً خضوعاً، وربما تسبب ذلك في كراهية الطفل لأبويه أو لأحدهما نتيجة قسوته وصرامته وما يترتب على هذا من وبال محقق على نمو الطفل النفسي. إن كلاً من التشديد والتساهل في أمور الطفل الجسدية يسبب له أمراضاً مستقبلية.
وقد يصادف المربون عدة عقد وفي مقدمتها عقدة الذنب التي يمكن اعتبارها في مقدمة العقد التي يزرعها الأباء والأمهات في نفوس أبنائهم وتؤدي هذه العقدة إلى رغبة الطفل في (العقاب الذاتي)، والحرص والنزوع على تنظيم الفشل، بشكل قد لا يخلو من تناقض ظاهري. وحينما يتبع الأباء والأمهات في تربية أبنائهم طريقة التأنيب المستمر، فإنها سوف تولد لدى الطفل نوعاً من الشعور المرضي بالذنب أو الاثم. وهنا قد يلجأ الوالدان أو أحدهما إلى استخدام عامل (الإخجال) أو التعبير والتهديد الوجداني. كأن يقول الوالدان لطفلهما: (إذا كنت تحبنا حقاً، فأنك لن ترضى بلا شك أن تفعل هذا) أو قد تقول الأم لطفلها (انك بتصرفك هذا سوف تقتلني).
فهذه العبارات وغيرها كثيراً ما تنمي في نفس الطفل عقدة الشعور بالذنب، فنجد أن الطفل ينمو وينمو معه ضمير مثقل بالأفكار غير السوية فإذا بهذا الضمير يكون كالرقيب عليه، فيحاسبه على كل حركة وكل صغيرة وكبيرة ويهول له أبسط الأخطاء فيشعر الطفل دائماً بوخز الضمير في جميع تصرفاته وسلوكه سواء كان مخطئاً أو غير ذلك، حيث يومأ إليه وتعلم أن المخطئ سيعاقب على أي خطأ ولذلك اقترن عند الأبوين الذنب بالعقاب، وهذا العقاب يخفف من وخز الضمير طالما ارتكب ذنبا، والمصاب بعقدة الذنب يندفع من تلقاء نفسه في عقاب نفسه ويدفعه في ذلك حاجة لا شعورية فيرتكب تصرفات معينة ويضع نفسه في مأزق لا ينال منها إلا العقاب والألم والحرج ويكون العقاب هذا إما نفسياً أو جسمانياً. وإذا ما صادف الآباء والأمهات هذه العقدة فيجب عليهم التوسط في العقاب فلا يتورط الآباء بعقاب الطفل بطريقة رادعة عنيفة أو حبسه أو ضربه وعدم الإسراف في لوم الطفل وتأنيبه على كل كبيرة وصغيرة وعدم تضخيم الأخطاء الصغيرة وتهويلها بل ينبغي أن يكون النضج والإرشاد أولاً ثم العقاب الخفيف أخيراً. ويجب عدم إظهار مواطن الضعف والقوة في الطفل. ومن الواجب أيضاً تربية الطفل على احترام ذاته وتقدير نفسه التقدير المطلوب فتبعد عن قول الألفاظ التي تجرح أحاسيس الطفل كالقول (أنت عار علينا) أو (أنت مشكلة في حد ذاتك) وهكذا. لذا يجب أن يربى ضمير الطفل كما يربى جسده ويكبر، وان لا نجعل ضمير الطفل عدوه ونداً له بل هو من يرشده إلى الصواب.
أما العقدة الثانية فهي عقدة النقص ويشعر فيها الطفل بالحياء والخوف من مواجهة الآخرين، واعتبار نظرة الغير بمثابة حكم أو إدانة وهي تنشأ من الشعور المبكر بالخيبة والفشل في مواقف متكررة ومن كثرة نقد الطفل ولومه وتصحيح أخطائه على الملأ وينتج عنها سلوك تعويضي غالباً ما يكون في صورة عدوان موجه ضد الآخرين. وترى بأن الطفل يكون مغروراً ويتملكه الشعور بالسيطرة والطموح الزائد، والإسراف في تقدير الذات والتظاهر بالشجاعة والعدوان على الآخرين في أشكال مختلفة سواء بالقوة أو بالفعل الذي يصل إلى حد السرقة أحياناً. كل هذه مظاهر تعني تحدي الفرد للمجتمع لكي يثبت الفرد لنفسه وللآخرين أنه ليس عاجزاً وأن لديه من القوة ما يستطيع أن يتحدى به كل شيء وكل عائق يقف في طريق تحقيق ما يريد. وتنشأ هذه العقدة في ظروف تخلق في نفس الطفل صراعاً عنيفاً، وهذه الظروف منها التربية الخاطئة التي تقوم على الموازنة غير السليمة بين الأطفال واللوم الشديد المستمر وتكليف الطفل بأعمال تفوق قدرته، فيفشل فيها باستمرار ويؤدي ذلك إلى إحباط دوافعه والتصغير من شأنه باستمرار وهذا ما يجعله في موقف صراع عنيف بين رغبته في تأكيد ذاته والحصول على التقدير الاجتماعي، وبين خوفه من الإخفاق والفشل. ويمكن علاج هذه العقدة من خلال النقاط التالية:
في هذه الحالة يجب عدم إظهار نقاط الضعف لدى الطفل باستمرار وعدم مقارنة الطفل بغيره من الأطفال بصورة خاطئة مما يولد تأثيراً عكسياً على الأطفال لأن هذا يؤدي إلى عناد الطفل. لذا فعلى الوالدين أن ينهجا سبيل التشجيع المستمر للطفل في توازن وقصد واعتدال.
وقد تنشأ العقد النفسية عن طريق تفضيل ابن على ابن آخر أو قد يلجأ الآباء والأمهات إلى طريقة التنافس بين الإخوان بدعوى تشجيع أبنائهم على التفوق في الدراسة أو الامتياز في السلوك، ولكن التجربة قد أثبتت أن هذه الطريقة كثيراً ما تشيع روح البغضاء بين الأخوة والأخوات، خصوصاً إذا اقترنت بتفضيل واضح من جانب الأبوين أو من جانب أحدهما لابن واحد بعينه، على غيره من الأبناء، ولا شك أن أي تفضيل محسوس لأي طفل بعينه على غيره من الأطفال، لا بد من أن يكون بمثابة علة مباشرة لنمو روح الغيرة في نفوس باقي أخواته، ولكن هذا الشعور الطبيعي بالغيرة قد يتحول إلى عقدة، حينما يعمد الأبوان إلى معاقبة طفلهما على غيرته، أو حينما يقفان منه موقفاً متحيزاً، بأن يعمدا مثلاً إلى هجره، أو نبذه، أو إهماله. وليس أمعن في الخطأ هنا من أن يعطي الوالدان للطفل الصغير كل لعب أخيه الكبير، أو يعاقبا الابن الكبير، لعدم اهتمامه بأخيه الصغير أو لكراهيته له، أو لحقده عليه، والواقع أن العناية الزائدة التي يلقاها المولود الجديد قد تكون كافية، في حد ذاتها لإثارة الغيرة في نفس الأخ الأكبر، فلا موجب لتوليد عقدة التنافس الأخوية في الأخ الأكبر وذلك باعطاء كافة لعبه إلى أخيه الأصغر، لعل هذا هو السبب في أن عقدة الغيرة كثيراً ما تسير جنباً إلى جنب مع (عقدة الهجر)!.
وقد يتعرض الطفل إلى عقدة البتر والتي تعني حسب اصطلاح علماء النفس: (صعوبة تأكيد الذات بطريقة شخصية مستقلة تحمل طابع المسؤولية، مما هو في العادة نتيجة لتأثير سيء من قبل الوالدين، بحيث يصبح الشاب أو الشابة عاجزاً عن شق طريقه في الحياة). والأسلوب البتري في التربية يتمثل بالوقوف في طريق نمو الطفل والحيلولة دون إعطاء الفرصة له لإثبات شخصيته وتأكيدها... ويدخل في هذا المجال كل ما يقوم به الآباء والأمهات من تصرفات قد يكون من شأنها استبقاء أبنائهم في مرحلة الطفولة، لا سيما حين يكون الآباء في سن متقدمة، أو حينما تنبع أفعالهم من خلفية الاستغراق في حب الطفل دون مراعاة الأسس العلمية في التربية. وفي كل هذه الحالات، نجد الآباء ينمون في نفوس أبنائهم روح الاعتماد على الوالدين خوفاً عليهم من المستقبل، فلا تلبث مخاوفهم أن تنتقل إلى نفوس الأبناء، وعندئذ قد يشعر الطفل بالقلق والخوف من النمو لدرجة انه قد لا يجد في نفسه أي استعداد لترك الملاذ العائلي الذي يحميه والذي كان يوفر له الحماية والرعاية.
ونأتي أخيراً إلى عقدة القلق والتي تنشأ نتيجة لمشاعر القلق والخوف وعدم الطمأنينة التي يشعر بها الطفل من خلال ما يراه من مشاعر الخوف والقلق لدى والديه فهذه المشاعر سوف تنتقل له، ومن المعروف أن شخصية الطفل لا يتأتى لها النمو الكامل إلا إذا تيسر له الشعور بالأمن وتكوين مفهوم الذات وهذه الأخيرة يحصل عليها من خلال وعيه بقدراته وبذاته ومدى رضاه عن نفسه. وكذلك يتأتى هذا النمو من خلال الاستقلال الذاتي حيث يبدأ يشعر بكيانه في مرحلة الطفولة المتأخرة فيبدأ يعتمد على نفسه ويتخلى عن السلوك الاعتمادي الذي تعوده.
وعقدة القلق والخوف تنتقل إلى الطفل من والديه بفعل العملية التي يطلق عليها علماء النفس (المشاركة الوجدانية) ونرى أن بعض الآباء لا يقدرون على إخفاء مظاهر القلق والخوف حول حياة الطفل ومستقبله وألوان سلوكه المختلفة, وهذا كله ينعكس على شخصية الطفل فينتقل إليه في صورة قلق وشكوك مستمرة وظاهرة.
كذلك يخطأ بعض الآباء في طرح مشاكل الأسرة الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية وخاصة ما يتعلق بالطفل ذاته بالشكل الصحيح مما يفقد الطفل إحساسه بالأمن، وربما يتكلم بعض الآباء والأمهات عن المستقبل بصورة متشائمة مما يجعل الطفل يائساً متشائماً، وتنشأ عقدة القلق لدى الطفل في الأعوام الخمس الأولى من عمره وتقوم الأم بدور كبير في إرساء دعائمها في نفس الطفل.
وقد أكدت الدراسات الاجتماعية الحديثة أن سوء معاملة الآباء لأبنائهم تعد الآن من أهم المشاكل التي يعاني منها الأطفال، وأوضحت أن سوء معاملة الآباء لأبنائهم يتمثل في الإهمال بنسبة 53% والضرب بنسبة 26% و5% يعانون من سوء المعاملة النفسية كما يقع 22% من الأطفال في العالم تحت وطأة سوء المعاملة، من جهة أخرى، أرجعت الدراسة أسباب سوء معاملة الأبناء من قبل آبائهم إلى تعرض الآباء أنفسهم في طفولتهم لأنواع من سوء المعاملة. إن الطفل هذا المخلوق الجميل قد يكون ضحية لجهل أبوين يحكمان عليه بأن يحيا طوال حياته، فريسة لمشاعر القلق أو الذنب أو النقص أو غير ذلك، بدلاً من أن يجعلاه يعيش أجواء الحياة المستقرة الآمنة البعيدة عن كل منغصات الحياة.


تم نشر المقال في مجلة [دورية علم النفس - أمريكا - بواسطة محمد ي خليل]
مع تحياتي / أبوماجد