الدكة
15-07-2009, 11:49 PM
سالم بن عبد الله القرشي / كاتب سعودي
والغالب على هذه الجماعات الوظيفية المسيطرة، أنها غربية الهوى ودخيلة على البيئة العربية (ديناً ومزاجاً وسلوكاً)، فهي "لوبي" ضخم يهيمن على معظم مفاصل حركة الدعاية والإعلان، ويزين لنشر (الفكر القبيح)، منهم موارنة ودروز لبنانيين (وهم الغالب)، أو متغربون انسلخوا من القيم وقدسوا المال والوظيفة. فلا يقدم عن طريقهم (وهم المحتكرون لحركة المديا)، إلا ما يحقق أغراض الشركات متعددة الجنسيات، مما يسحق الثقافات المتعارضة مع المد العولمي الاستهلاكي الامبريالي التطبيعي بالمفهوم العلماني الشامل
(أعلن الحب واحتل القلوب)، هكذا بدا إعلانها الأخير في قصة إعلانية كوميدية فلكلورية، تستخدم التراث لرجل يلتقي فتاة جميلة بعد ضرب باب منزلها بطريقة اقتحامية جافة، ثم تخرج له في جاذبية خائفة يعطيها فوراً وردة جميلة ويبتسم لها وتبتسم هي له، ليتحول الضرب الفج الهجومي إلى ود وأمل جديد، ويلتفت البطل للمحتشدين الخائفين خلفه من اللاحقين به عند قدومه لمنزل الفتاة وهم يحملون معاول وهراوات خوفاً من هذا الطارق (المزيون) الهائم على وجهه في هيبة يشق بها الممرات وأزقة الأحياء دون اعتبار أو التفات لأحد، متجهاً في النهاية لمنزل الفتاة (المزيونة)، يلتفت عن يمينه بنظرة فجائية حادة للمتجمهرين خلفه فتغير الجموع مزاجها سريعاً، وتتحول للرقص والغناء، وتنتهي الحفلة بتأكيد الحب الطائر خارج عش الزوجية.
إنه التلاعب بعقول تخطفها لذة اللقاء و الصورة في حبكة إعلانية مدروسة وصياغة لغوية لعوبة، تقدمها شركة (زين) على قناة mbc في إخراج عالي التشويق والإثارة، المبطنة بمضامين إغوائية شديدة الالتباس على العقول البسيطة من المشاهدين، الذين عمدت القنوات الفضائية إلى تسطيحها وإشغالها بالبسيط والتافه من الأمور، حتى يتسنى لها البيع السهل الرابط ( للحداثة الفلكلورية بالاستهلاك، والاستهلاك بالحداثة الفلكلورية)، بيع للذاكرة التاريخية الزمانية والمكانية وبيع آخر للجمهور المغرم بالبطل (ابو شهاب) والمسلسل الذائع (باب الحارة)، ساعدها تعليم رديء وثقافة هشة يراد لها أن تسود وطننا العربي باسم اقتصاد السوق.
ولعلي هنا ـ وفي هذه السطور ـ أقرأ أهم المضامين الفكرية والمعرفية التي يحملها الاعلان ويروج لها لتسكن العقول والقلوب بهدف جمع ما في الجيوب.
1- (زين عالم جميل) ... مقدمة:
إنه عالم جميل تصوره زين بكل اللذائذ المادية الحسية (حتى الإشباع)، مقدمةً العالم في صورة ألوان متداخلة وجاذبة، وقناديل أنيقة (نعشق معها الحاضر بلذة الماضي)، تلاها شماسات بحرية تغطي خلفها مخلوقات تتدلى أقدامها، لنخمن أن خلفها ذكوراً وإناثا، لتعلن أن الزين ما يكمل إلا بالحب واللقاء اللذيذ، وتكتمل القصة (بإعلان الحب واحتلال القلوب)، ولا أدري ماذا ستقول زين في تسليع النجوم وبيع الجمهور في دوري المحترفين السعودي.
2- دق باب الناس جائز .... زين تفتي:
دعوة مغلفة تروج لمجتمع علماني شامل، معقم من الأخلاق والقيم. فالفتى يباح له طرق باب الفتاة والاتصال بها، وهو لا يعرفها، ليكون الحب من أول اتصال (في الواقع ) وأول نظرة (في الإعلان)، وللتجسيد، يتم تمثيل الدور عن طريقة تجسيم الخيال في الواقع في الطَرق المباشر للباب والمقابلة (ولو كانت عشوائية) والرؤية المباشرة للفتاة والانسجام والحب المباشر صوتاً وصورة، بينما هي في الحقيقة التي يراد استبطانها، اتصال مباشر طائر بالصوت فقط، ليتم الود بالطرق التي يختارها العميل، والمحصلة صب المال في أرصدة شركة الاتصالات مع كل دقيقة اتصال (ومع زيادة الود يستقر حب المساهمين لإدارة الشركة)، ويتم الرضا عن فريق التسويق والمبيعات، ويتم تثبيت الإدارة العليا والوسطى في مناصبها، ويحصل الجميع على النسب المئوية (البونص) المقرة لكل فرد. وتستطيع الشركة مجاراة الشركات الأخرى للحصول على حصة من سوق الاتصال.
3- اخلع جلدك:
بنظرة واحدة حادة وغاضبة من العشيق الولهان تجاه الجموع المحتشدة، يغير الشعب قيمه (بكل بساطة) وحميمية. ويتخلى عن غيرته وحريته إثر زيادة سطوة الشركات وأرباب الأعمال وهيمنتها في تنميط الأفراد بسبب قوة التكنولوجيا ووسائل الاتصال والوفرة المادية، وحصولها على دور المؤسسات الأمنية في ترشيد حركة المجتمع الجوانية والبرانية.
فالتغيير بعد إشعار قصير للقناعات هو ما يتناسب اليوم مع فلسفة السوق، حتى لا تقف العادات والقيم والأخلاق عائقا أمام حركة التجارة والسلع لتتلون الحياة بالاستهلاك والعبث والوثنية المادية وتسقط كل المعاني. وتتفكك البنى القديمة، ويتم إعادة تركيب بنى جديدة تنسجم مع طبيعة المرحلة.
4- تطبيع الرذيلة:
جماعات وظيفية (بتسمية المسيري رحمه الله)، تدير حركة الإعلان عن طريق وكالات الدعاية والإعلان (الانترناشونال)، التي تلجأ إليها الشركات الكبرى للتصميم والإخراج واختيار الوسائل الإعلانية الأنسب (وفق مزاجها الأخطبوطي).
والغالب على هذه الجماعات الوظيفية المسيطرة، أنها غربية الهوى وغريبة عن البيئة العربية (ديناً ومزاجاً وسلوكاً)، فهي "لوبي" ضخم يهيمن على معظم مفاصل حركة الدعاية والإعلان، ويزين لنشر (الفكر القبيح)، منهم موارنة ودروز لبنانيين (وهم الغالب)، أو متغربون انسلخوا من القيم وقدسوا المال والوظيفة.
فلا يقدم عن طريقهم (وهم المحتكرون لحركة المديا)، إلا ما يحقق أغراض الشركات متعددة الجنسيات، مما يسحق الثقافات المتعارضة مع المد العولمي الاستهلاكي الامبريالي التطبيعي بالمفهوم العلماني الشامل، تتحول فيه الحياة إلى فلم جنسي استهلاكي يباع للربح ويستمتع به المشاهد، ليحاول التجريب المباشر أو ليعيش الخيالات، ومحاولة الخروج من جلده في مجتمع ربما أصبح لا يتناسب مع أهوائه الجديدة، أو ليتحول (ربما) بين يوم وليلة إلى كاتب كبير في صحيفة مشاكسة، لربما تصير الأحلام الدفينة حقيقة مطلقة تنكسر أمامها القيم البالية والأخلاق الميتافيزيقية، ليسود الترشيد المادي والحياة الطبيعية الدارونية
فنظرة البطل الأنيق (أبو شهاب) الغاضبة للمجتمعين الثائرين كافية بأن تجعلهم يتغيرون مباشرة من ثائرين إلى راقصين ومغنين بارعين مؤيدين فرحين، وعلى المشاهد أن يطبع ذاته ويغير من قيمه نحو استنكار مطاردة فتيات وسيدات المجتمع، فالحبكة الإعلانية والمضامين التراثية للبس، والهراوات والشنبات والانفعالات والأزقة والأبواب، وعنف الانطلاقة المهيبة في الطرقات دون اعتبار لأحد مهما كان. والفتاة الجميلة ذات اللباس التراثي الأنيق والساخن، والعمر الزمني الصغير لها والكبير نسبياً للبطل، كلها تؤكد مدلولات التغيير والتكسير والتلاعب بالثقافات، لمصلحة صناعة اللذة التي غايتها (إنك مهما تأخرت لن يفوتك شيء)، والنهاية منفعة مادية (وتفريغ للجيوب) ومن يدري لعله يمهد لتجارة الرقيق، بعد نجاح تجارة السلاح والمخدرات.
5- الجنس يبيع والمرأة المشهي الدائم:
النواة التي يلتف حولها الإعلان أو قل كيمياء المادة الإعلانية، بكافة رمزياتها التاريخية والجغرافية، هي الفتاة اللذيذة دائماً، بجمالها وحسنها وأنوثتها الجاذبة (وكأن جميع النساء كذلك!) للرجل في مجتمع يُطالب بإنكار التركيب والغموض بما يحويه من آخرة وجنة ونار وعفة وترفع، وتفريغ للغرائز في مصبات مضبوطة بالجبر الشرعي، على أن تغمرنا السيولة الكونية الكافرة بالأخلاق، لأنها تقول للإنسان [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون]، النور آية (15)، وتقول له (من يضمن لي مابين لحييه وما بين فخذية أضمن له الجنة)، فهذا يتعارض مع خيالات مديري التسويق فهم بحاجة إلى إنسان ثرثار مهذار مقوال مدُر وحالب للدقائق حتى تنجح الحملة الإعلانية (المكلفة مادياً)، وتحقق مرادها وتصرع المنافس، وتجلب حصةً إضافية من السوق والزبائن لمزيد من الحلب المادي لتسود الشركة عاجلاً ولو على حساب شحوب الإله، وركائز السماء وثوابتها الشرعية.
6- المرأة ...يا حصننا الأخير:
لبى الإعلان احتياج المرأة وتجاوب مع طبيعتها ومشاعرها في الحاجة للتقدير وعشق الورد (بمعناه الناعم) والحياة الرحبة الفسيحة والصورة الجميلة المليئة بالفتوة والزهو والتأنق لفتى الأحلام، فأعطاها المشهد صورة الوردة الزاهية من يد رجل وسيم ممتلئ فتوة وشباب،حتى تتكامل الفبركة الدرامية الفنية وتصنع أثرها المطلوب بأقصى وأسرع تأثير ممكن.
وهذه رسالة مبطنة، هدفها دعوة هذه الذات الكريمة أم الأجيال ومربيتها، حاملة التاريخ والذاكرة إلى الاستسلام للإغواء، وتأليف غير المألوف، فهي الناقل الحي الناعم الذكي لوعي الأمة من جيل إلى جيل ومن طفل إلى طفل ومن مرحلة عمرية إلى أخرى، عمقاً يقف سداً منيعاً في وجه العبث التجاري الشهواني، حين غابت بقية السدود والحدود وانفتح الفضاء والهواء.. فيا لضياع أمة يتردى حال المرأة فيها...
ويختم المشهد روعته بترك فراغات يكملها ذهن المشاهد بطبيعته، فالعقل لا يقبل الفراغات بل يعمل على إكمالها وسد النقص بسياقات تتناغم مع طبيعة المادة المعروضة، ولك أن تتخيل حال المحبين بعد اللقاء والورد وتصفيق الشعب ماذا سيحدث ...إنه خيال مفرغ قطعاً من القيم.
إنها لحظات الهدم في زمن الأفول، أفول الدولة والجمعيات والمؤسسات الأهلية الحارسة لروح المجتمع وقيمه، ليبقى الفرد عارياً أمام التفكيك والتهميش من قبل اقتصاديات السوق المتفردة بكامل أسلحتها، بعد أن جردتنا الدعاية الامبريالية الغربية وضغوطها الداخلية والخارجية من كل الأدوات (بحجة الإرهاب والإرهابيين والفكر الضال)، تم تحجيم وترهيل التيار الروحي الحصن الأجدر بمقاومة تيار الشهوة المتعاظم بتعاظم الأسواق والتجارة واللهث وراء الربح. كما تم مراقبة الأرصدة المالية وحسابات الجمعيات الخيرية وشبه الخيرية وترهيب المحسنين وتأميم حركة التبرع وتضييق طرقها.
* اتصال وانفصال:
نشأت الفضائيات العربية في سياق عالمي، مما يؤكد أن سر اتصال حركة المضامين الدعائية في الوطن العربي بمثيلاتها في العالم الغربي يسير في هذا السياق، ولكن غرابتي تشتد حين لا يلوح في الأفق نمط جديد للإعلان (حتى لدى القنوات الهادفة والإسلامية) يخرج به عن النمطية العلمانية النفعية الاستهلاكية.
ولعل الاحتكارية الحديدية لوكالات الدعاية والإعلان ..سبب، وهذا السبب في ظني لا يفعل فعله إلا بقابلية ورغبة لدى الشركات العربية الطامعة في مزيد من الإعلان عن بضائعها ومنتجاتها المتجددة الظهور.
ولعل العاملين في أقسام التسويق والمبيعات هم شخصيات وظيفية نفعية متعاقدة متجاوبة مع روح الإعلان السائدة، الهادفة للربح وإرضاء الملاك، لتثبيت الأقدام (أقصى ما يمكن من زمن)، مع تملكهم ناصية قرار، لا يُسألون معه عما يفعلون وهم يَسألون.
ولعل الكفاءة النادرة لهذه الفئة (مع السمع والطاعة)، مما اضطر أصحاب القرار إلى الرضوخ، باعتبار أن هذه لعبتهم. ولعل الهوى ميال (لم آمر بها ولم تسؤني).
ولعل شيء أعظم من كل هذا، يتمثل في متتالية علمانية شاملة بدأت في الغرب، واستحكمت حلقاتها، تكاملاً ونهاية، وبدأت تفيض على عالمنا مستخدمةً آليات العولمة، البشرية والتقنية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والرمزية، وكل ما يملكه الغالب من لمعان وهيبة وأبهة وجاذبية، وكأن الحق المطلق ليس إلا هو أو يكاد ..ويبقى السؤال قائماً ...
فهذا الإعلان وجل الإعلانات التجارية لكثير من الشركات، تتنافى مع أبسط أبجديات الشريعة [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركت بيعهما]، فهي قائمة على التدليس واللبس ووصف الخدمة أو السلعة بما ليس فيها، مع التعمية المتعمدة على المتابع في تبيين عيوب الخدمة ..
فأي حياة إذا لم تُملأ بقيم السماء، سادها التوحش في أعمق وأبشع صورها، ولو تزينت بثوب أنيق وحياة أسهل وألوان زاهية تحمل اللون وتفقد الدلالة.. بل لا تحمل إلا نوازع الذات الطبيعية الحيوانية تحركها غرائز عضوية وشهوات عضوية وشبهات استبطانية، نتيجة الإطلاع والمتابعة للثقافة الغربية من أفلام وإعلانات ثورية ساخنة ومتجددة، وأغاني ورياضة ومهرجانات ...
بعد كل هذه الفوضى التي أُستخدم فيها (إثارة التسلية، والعنف، والجنس)، أشك أن يكون التأثير أكثر من مجرد حفر وتثبيت للعلامة التجارية، وأن دور الإعلان لا يعدو تأكيد الاسم وتواجده حتى يعلق بالذاكرة والشعور بطريقة مستمرة ودائمة ومثيرة، مما قد يؤثر على قرار الشراء لدى المستهلك.
فعبارة مختلفة الفهم (فله، حياة أسهل، عالم جميل) لا تعدو أن تكون ذات مؤدا واحد،هدفه غرس العلامة التجارية بتنويعات خدماتها التي يظن المتابع تفوقها عند شركة دون الأخرى وهي في الغالب متشابهة والجميع يعرف ببداهة شديدة الشركة الأكثر سيطرة والأقوى في خدماتها في الوقت الراهن (حتى مع عدم الرضا عنها)، مما يدعوني للتساؤل حول جدوى هذا التنافس على الإثارة والمبالغة ولفت الأنظار. أمر يمكن تحصيل نفعه بالموازنة بين المصلحة والمبدأ، لمصلحة ما هو أعظم، بشرط توازي جميع المنافسين في الالتزام.
ونهج الحفر والتكرار هذا في ظني، لا يستحق كل هذه التضحيات الجسيمة بكل هذا الحجم من الموروث الثقافي والاجتماعي والديني، مقابل تعزيز أشكك في حجم الجدوى من تأثيره مقابل وزن الخدمة الممتاز، ومعقولية الأسعار وتعزيز جانب المسؤولية الاجتماعية وتأكيد هوية الأمة وتاريخها وحضارتها. (فقد أصبحت الدعاية اليوم دعاية حضارات، ودعاية اجتماعية ترمي إلى دمج المواطنين في عقليات وعادات وأنماط متشابهة، وتعمل على نشر تصور شامل للحياة من خلال الفن، والسينما، والأدب، والموسيقى، والترفيه، وليس من خلال السياسة، لأن الصراع لم يعد صراع أيديولوجيا، إنما إمكانات اقتصادية،ومستويات حياة،ونجاحات تقنية،ومباريات رياضية،وجوائز، وسياحة ..الخ). وهذا سر الخطر ومكمنه.
وهنا أدعو إلى أن تتخلى المنظمات العربية عن فكرة تخليق الحاجات لدى المستهلك التي ابتكرتها الفلسفة الغربية تحت ظروف تصريف المنتجات وابتكار منتجات جديدة، لمزيد من الكسب والاستحواذ، والتي لها ما يبررها في المكون الفكري والعقدي من ثورة التصنيع إلى ثورة المعلومات والاتصال والخدمات، أما مجتمعنا، فهو مجتمع متلقي يمكنه الأخذ بقدر الحاجة، وصرف باقي الجهد للإنتاج الأكثر، مساهمة في بناء نهضة الدول وشعوبها والتعاون مع المؤسسات الأهلية والحكومية.
وفي اعتقادي، أن النهج الذي تسلكه بعض الشركات (مثل شركات الألبان) هو نهج أكثر معقولية، حيث يصف السلعة بما فيها (تقريباً)، مع وصول فكرة تعزيز حفر أسماء المنتجات مبتغاها وهدفها، فكثيراً ما استبطنا حب هذا (اللبن)، وبعد زمن تحولنا إلى غيره تأثراً بالدعاية دون شعور منا ودون أن تعمد هذه الشركات (في ظني) إلى تحطيم أو تهشيم عالي التأثير للقيم، بالشكل السافر الذي تصنعه شركات الاتصالات والكثير من منظمات المنتجات والخدمات التنافسية على السوق الخليجي اللذيذ لكل المستثمرين وكل الطامعين من الداخل والخارج ممن يعتبرونه منجماً يستحق كل التضحيات حتى أضحى سوقاً كبيرة، أغرت السيولة النقدية المرتفعة نسبياً لدى شرائح الطبقتين الوسطى والعليا، بسب عائدات النفط وارتفاع الرواتب، وجدة المجتمع على الانفتاح والاستهلاك، فمعدته خالية وتستحق التسابق لملئها.
والغالب على هذه الجماعات الوظيفية المسيطرة، أنها غربية الهوى ودخيلة على البيئة العربية (ديناً ومزاجاً وسلوكاً)، فهي "لوبي" ضخم يهيمن على معظم مفاصل حركة الدعاية والإعلان، ويزين لنشر (الفكر القبيح)، منهم موارنة ودروز لبنانيين (وهم الغالب)، أو متغربون انسلخوا من القيم وقدسوا المال والوظيفة. فلا يقدم عن طريقهم (وهم المحتكرون لحركة المديا)، إلا ما يحقق أغراض الشركات متعددة الجنسيات، مما يسحق الثقافات المتعارضة مع المد العولمي الاستهلاكي الامبريالي التطبيعي بالمفهوم العلماني الشامل
(أعلن الحب واحتل القلوب)، هكذا بدا إعلانها الأخير في قصة إعلانية كوميدية فلكلورية، تستخدم التراث لرجل يلتقي فتاة جميلة بعد ضرب باب منزلها بطريقة اقتحامية جافة، ثم تخرج له في جاذبية خائفة يعطيها فوراً وردة جميلة ويبتسم لها وتبتسم هي له، ليتحول الضرب الفج الهجومي إلى ود وأمل جديد، ويلتفت البطل للمحتشدين الخائفين خلفه من اللاحقين به عند قدومه لمنزل الفتاة وهم يحملون معاول وهراوات خوفاً من هذا الطارق (المزيون) الهائم على وجهه في هيبة يشق بها الممرات وأزقة الأحياء دون اعتبار أو التفات لأحد، متجهاً في النهاية لمنزل الفتاة (المزيونة)، يلتفت عن يمينه بنظرة فجائية حادة للمتجمهرين خلفه فتغير الجموع مزاجها سريعاً، وتتحول للرقص والغناء، وتنتهي الحفلة بتأكيد الحب الطائر خارج عش الزوجية.
إنه التلاعب بعقول تخطفها لذة اللقاء و الصورة في حبكة إعلانية مدروسة وصياغة لغوية لعوبة، تقدمها شركة (زين) على قناة mbc في إخراج عالي التشويق والإثارة، المبطنة بمضامين إغوائية شديدة الالتباس على العقول البسيطة من المشاهدين، الذين عمدت القنوات الفضائية إلى تسطيحها وإشغالها بالبسيط والتافه من الأمور، حتى يتسنى لها البيع السهل الرابط ( للحداثة الفلكلورية بالاستهلاك، والاستهلاك بالحداثة الفلكلورية)، بيع للذاكرة التاريخية الزمانية والمكانية وبيع آخر للجمهور المغرم بالبطل (ابو شهاب) والمسلسل الذائع (باب الحارة)، ساعدها تعليم رديء وثقافة هشة يراد لها أن تسود وطننا العربي باسم اقتصاد السوق.
ولعلي هنا ـ وفي هذه السطور ـ أقرأ أهم المضامين الفكرية والمعرفية التي يحملها الاعلان ويروج لها لتسكن العقول والقلوب بهدف جمع ما في الجيوب.
1- (زين عالم جميل) ... مقدمة:
إنه عالم جميل تصوره زين بكل اللذائذ المادية الحسية (حتى الإشباع)، مقدمةً العالم في صورة ألوان متداخلة وجاذبة، وقناديل أنيقة (نعشق معها الحاضر بلذة الماضي)، تلاها شماسات بحرية تغطي خلفها مخلوقات تتدلى أقدامها، لنخمن أن خلفها ذكوراً وإناثا، لتعلن أن الزين ما يكمل إلا بالحب واللقاء اللذيذ، وتكتمل القصة (بإعلان الحب واحتلال القلوب)، ولا أدري ماذا ستقول زين في تسليع النجوم وبيع الجمهور في دوري المحترفين السعودي.
2- دق باب الناس جائز .... زين تفتي:
دعوة مغلفة تروج لمجتمع علماني شامل، معقم من الأخلاق والقيم. فالفتى يباح له طرق باب الفتاة والاتصال بها، وهو لا يعرفها، ليكون الحب من أول اتصال (في الواقع ) وأول نظرة (في الإعلان)، وللتجسيد، يتم تمثيل الدور عن طريقة تجسيم الخيال في الواقع في الطَرق المباشر للباب والمقابلة (ولو كانت عشوائية) والرؤية المباشرة للفتاة والانسجام والحب المباشر صوتاً وصورة، بينما هي في الحقيقة التي يراد استبطانها، اتصال مباشر طائر بالصوت فقط، ليتم الود بالطرق التي يختارها العميل، والمحصلة صب المال في أرصدة شركة الاتصالات مع كل دقيقة اتصال (ومع زيادة الود يستقر حب المساهمين لإدارة الشركة)، ويتم الرضا عن فريق التسويق والمبيعات، ويتم تثبيت الإدارة العليا والوسطى في مناصبها، ويحصل الجميع على النسب المئوية (البونص) المقرة لكل فرد. وتستطيع الشركة مجاراة الشركات الأخرى للحصول على حصة من سوق الاتصال.
3- اخلع جلدك:
بنظرة واحدة حادة وغاضبة من العشيق الولهان تجاه الجموع المحتشدة، يغير الشعب قيمه (بكل بساطة) وحميمية. ويتخلى عن غيرته وحريته إثر زيادة سطوة الشركات وأرباب الأعمال وهيمنتها في تنميط الأفراد بسبب قوة التكنولوجيا ووسائل الاتصال والوفرة المادية، وحصولها على دور المؤسسات الأمنية في ترشيد حركة المجتمع الجوانية والبرانية.
فالتغيير بعد إشعار قصير للقناعات هو ما يتناسب اليوم مع فلسفة السوق، حتى لا تقف العادات والقيم والأخلاق عائقا أمام حركة التجارة والسلع لتتلون الحياة بالاستهلاك والعبث والوثنية المادية وتسقط كل المعاني. وتتفكك البنى القديمة، ويتم إعادة تركيب بنى جديدة تنسجم مع طبيعة المرحلة.
4- تطبيع الرذيلة:
جماعات وظيفية (بتسمية المسيري رحمه الله)، تدير حركة الإعلان عن طريق وكالات الدعاية والإعلان (الانترناشونال)، التي تلجأ إليها الشركات الكبرى للتصميم والإخراج واختيار الوسائل الإعلانية الأنسب (وفق مزاجها الأخطبوطي).
والغالب على هذه الجماعات الوظيفية المسيطرة، أنها غربية الهوى وغريبة عن البيئة العربية (ديناً ومزاجاً وسلوكاً)، فهي "لوبي" ضخم يهيمن على معظم مفاصل حركة الدعاية والإعلان، ويزين لنشر (الفكر القبيح)، منهم موارنة ودروز لبنانيين (وهم الغالب)، أو متغربون انسلخوا من القيم وقدسوا المال والوظيفة.
فلا يقدم عن طريقهم (وهم المحتكرون لحركة المديا)، إلا ما يحقق أغراض الشركات متعددة الجنسيات، مما يسحق الثقافات المتعارضة مع المد العولمي الاستهلاكي الامبريالي التطبيعي بالمفهوم العلماني الشامل، تتحول فيه الحياة إلى فلم جنسي استهلاكي يباع للربح ويستمتع به المشاهد، ليحاول التجريب المباشر أو ليعيش الخيالات، ومحاولة الخروج من جلده في مجتمع ربما أصبح لا يتناسب مع أهوائه الجديدة، أو ليتحول (ربما) بين يوم وليلة إلى كاتب كبير في صحيفة مشاكسة، لربما تصير الأحلام الدفينة حقيقة مطلقة تنكسر أمامها القيم البالية والأخلاق الميتافيزيقية، ليسود الترشيد المادي والحياة الطبيعية الدارونية
فنظرة البطل الأنيق (أبو شهاب) الغاضبة للمجتمعين الثائرين كافية بأن تجعلهم يتغيرون مباشرة من ثائرين إلى راقصين ومغنين بارعين مؤيدين فرحين، وعلى المشاهد أن يطبع ذاته ويغير من قيمه نحو استنكار مطاردة فتيات وسيدات المجتمع، فالحبكة الإعلانية والمضامين التراثية للبس، والهراوات والشنبات والانفعالات والأزقة والأبواب، وعنف الانطلاقة المهيبة في الطرقات دون اعتبار لأحد مهما كان. والفتاة الجميلة ذات اللباس التراثي الأنيق والساخن، والعمر الزمني الصغير لها والكبير نسبياً للبطل، كلها تؤكد مدلولات التغيير والتكسير والتلاعب بالثقافات، لمصلحة صناعة اللذة التي غايتها (إنك مهما تأخرت لن يفوتك شيء)، والنهاية منفعة مادية (وتفريغ للجيوب) ومن يدري لعله يمهد لتجارة الرقيق، بعد نجاح تجارة السلاح والمخدرات.
5- الجنس يبيع والمرأة المشهي الدائم:
النواة التي يلتف حولها الإعلان أو قل كيمياء المادة الإعلانية، بكافة رمزياتها التاريخية والجغرافية، هي الفتاة اللذيذة دائماً، بجمالها وحسنها وأنوثتها الجاذبة (وكأن جميع النساء كذلك!) للرجل في مجتمع يُطالب بإنكار التركيب والغموض بما يحويه من آخرة وجنة ونار وعفة وترفع، وتفريغ للغرائز في مصبات مضبوطة بالجبر الشرعي، على أن تغمرنا السيولة الكونية الكافرة بالأخلاق، لأنها تقول للإنسان [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون]، النور آية (15)، وتقول له (من يضمن لي مابين لحييه وما بين فخذية أضمن له الجنة)، فهذا يتعارض مع خيالات مديري التسويق فهم بحاجة إلى إنسان ثرثار مهذار مقوال مدُر وحالب للدقائق حتى تنجح الحملة الإعلانية (المكلفة مادياً)، وتحقق مرادها وتصرع المنافس، وتجلب حصةً إضافية من السوق والزبائن لمزيد من الحلب المادي لتسود الشركة عاجلاً ولو على حساب شحوب الإله، وركائز السماء وثوابتها الشرعية.
6- المرأة ...يا حصننا الأخير:
لبى الإعلان احتياج المرأة وتجاوب مع طبيعتها ومشاعرها في الحاجة للتقدير وعشق الورد (بمعناه الناعم) والحياة الرحبة الفسيحة والصورة الجميلة المليئة بالفتوة والزهو والتأنق لفتى الأحلام، فأعطاها المشهد صورة الوردة الزاهية من يد رجل وسيم ممتلئ فتوة وشباب،حتى تتكامل الفبركة الدرامية الفنية وتصنع أثرها المطلوب بأقصى وأسرع تأثير ممكن.
وهذه رسالة مبطنة، هدفها دعوة هذه الذات الكريمة أم الأجيال ومربيتها، حاملة التاريخ والذاكرة إلى الاستسلام للإغواء، وتأليف غير المألوف، فهي الناقل الحي الناعم الذكي لوعي الأمة من جيل إلى جيل ومن طفل إلى طفل ومن مرحلة عمرية إلى أخرى، عمقاً يقف سداً منيعاً في وجه العبث التجاري الشهواني، حين غابت بقية السدود والحدود وانفتح الفضاء والهواء.. فيا لضياع أمة يتردى حال المرأة فيها...
ويختم المشهد روعته بترك فراغات يكملها ذهن المشاهد بطبيعته، فالعقل لا يقبل الفراغات بل يعمل على إكمالها وسد النقص بسياقات تتناغم مع طبيعة المادة المعروضة، ولك أن تتخيل حال المحبين بعد اللقاء والورد وتصفيق الشعب ماذا سيحدث ...إنه خيال مفرغ قطعاً من القيم.
إنها لحظات الهدم في زمن الأفول، أفول الدولة والجمعيات والمؤسسات الأهلية الحارسة لروح المجتمع وقيمه، ليبقى الفرد عارياً أمام التفكيك والتهميش من قبل اقتصاديات السوق المتفردة بكامل أسلحتها، بعد أن جردتنا الدعاية الامبريالية الغربية وضغوطها الداخلية والخارجية من كل الأدوات (بحجة الإرهاب والإرهابيين والفكر الضال)، تم تحجيم وترهيل التيار الروحي الحصن الأجدر بمقاومة تيار الشهوة المتعاظم بتعاظم الأسواق والتجارة واللهث وراء الربح. كما تم مراقبة الأرصدة المالية وحسابات الجمعيات الخيرية وشبه الخيرية وترهيب المحسنين وتأميم حركة التبرع وتضييق طرقها.
* اتصال وانفصال:
نشأت الفضائيات العربية في سياق عالمي، مما يؤكد أن سر اتصال حركة المضامين الدعائية في الوطن العربي بمثيلاتها في العالم الغربي يسير في هذا السياق، ولكن غرابتي تشتد حين لا يلوح في الأفق نمط جديد للإعلان (حتى لدى القنوات الهادفة والإسلامية) يخرج به عن النمطية العلمانية النفعية الاستهلاكية.
ولعل الاحتكارية الحديدية لوكالات الدعاية والإعلان ..سبب، وهذا السبب في ظني لا يفعل فعله إلا بقابلية ورغبة لدى الشركات العربية الطامعة في مزيد من الإعلان عن بضائعها ومنتجاتها المتجددة الظهور.
ولعل العاملين في أقسام التسويق والمبيعات هم شخصيات وظيفية نفعية متعاقدة متجاوبة مع روح الإعلان السائدة، الهادفة للربح وإرضاء الملاك، لتثبيت الأقدام (أقصى ما يمكن من زمن)، مع تملكهم ناصية قرار، لا يُسألون معه عما يفعلون وهم يَسألون.
ولعل الكفاءة النادرة لهذه الفئة (مع السمع والطاعة)، مما اضطر أصحاب القرار إلى الرضوخ، باعتبار أن هذه لعبتهم. ولعل الهوى ميال (لم آمر بها ولم تسؤني).
ولعل شيء أعظم من كل هذا، يتمثل في متتالية علمانية شاملة بدأت في الغرب، واستحكمت حلقاتها، تكاملاً ونهاية، وبدأت تفيض على عالمنا مستخدمةً آليات العولمة، البشرية والتقنية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والرمزية، وكل ما يملكه الغالب من لمعان وهيبة وأبهة وجاذبية، وكأن الحق المطلق ليس إلا هو أو يكاد ..ويبقى السؤال قائماً ...
فهذا الإعلان وجل الإعلانات التجارية لكثير من الشركات، تتنافى مع أبسط أبجديات الشريعة [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركت بيعهما]، فهي قائمة على التدليس واللبس ووصف الخدمة أو السلعة بما ليس فيها، مع التعمية المتعمدة على المتابع في تبيين عيوب الخدمة ..
فأي حياة إذا لم تُملأ بقيم السماء، سادها التوحش في أعمق وأبشع صورها، ولو تزينت بثوب أنيق وحياة أسهل وألوان زاهية تحمل اللون وتفقد الدلالة.. بل لا تحمل إلا نوازع الذات الطبيعية الحيوانية تحركها غرائز عضوية وشهوات عضوية وشبهات استبطانية، نتيجة الإطلاع والمتابعة للثقافة الغربية من أفلام وإعلانات ثورية ساخنة ومتجددة، وأغاني ورياضة ومهرجانات ...
بعد كل هذه الفوضى التي أُستخدم فيها (إثارة التسلية، والعنف، والجنس)، أشك أن يكون التأثير أكثر من مجرد حفر وتثبيت للعلامة التجارية، وأن دور الإعلان لا يعدو تأكيد الاسم وتواجده حتى يعلق بالذاكرة والشعور بطريقة مستمرة ودائمة ومثيرة، مما قد يؤثر على قرار الشراء لدى المستهلك.
فعبارة مختلفة الفهم (فله، حياة أسهل، عالم جميل) لا تعدو أن تكون ذات مؤدا واحد،هدفه غرس العلامة التجارية بتنويعات خدماتها التي يظن المتابع تفوقها عند شركة دون الأخرى وهي في الغالب متشابهة والجميع يعرف ببداهة شديدة الشركة الأكثر سيطرة والأقوى في خدماتها في الوقت الراهن (حتى مع عدم الرضا عنها)، مما يدعوني للتساؤل حول جدوى هذا التنافس على الإثارة والمبالغة ولفت الأنظار. أمر يمكن تحصيل نفعه بالموازنة بين المصلحة والمبدأ، لمصلحة ما هو أعظم، بشرط توازي جميع المنافسين في الالتزام.
ونهج الحفر والتكرار هذا في ظني، لا يستحق كل هذه التضحيات الجسيمة بكل هذا الحجم من الموروث الثقافي والاجتماعي والديني، مقابل تعزيز أشكك في حجم الجدوى من تأثيره مقابل وزن الخدمة الممتاز، ومعقولية الأسعار وتعزيز جانب المسؤولية الاجتماعية وتأكيد هوية الأمة وتاريخها وحضارتها. (فقد أصبحت الدعاية اليوم دعاية حضارات، ودعاية اجتماعية ترمي إلى دمج المواطنين في عقليات وعادات وأنماط متشابهة، وتعمل على نشر تصور شامل للحياة من خلال الفن، والسينما، والأدب، والموسيقى، والترفيه، وليس من خلال السياسة، لأن الصراع لم يعد صراع أيديولوجيا، إنما إمكانات اقتصادية،ومستويات حياة،ونجاحات تقنية،ومباريات رياضية،وجوائز، وسياحة ..الخ). وهذا سر الخطر ومكمنه.
وهنا أدعو إلى أن تتخلى المنظمات العربية عن فكرة تخليق الحاجات لدى المستهلك التي ابتكرتها الفلسفة الغربية تحت ظروف تصريف المنتجات وابتكار منتجات جديدة، لمزيد من الكسب والاستحواذ، والتي لها ما يبررها في المكون الفكري والعقدي من ثورة التصنيع إلى ثورة المعلومات والاتصال والخدمات، أما مجتمعنا، فهو مجتمع متلقي يمكنه الأخذ بقدر الحاجة، وصرف باقي الجهد للإنتاج الأكثر، مساهمة في بناء نهضة الدول وشعوبها والتعاون مع المؤسسات الأهلية والحكومية.
وفي اعتقادي، أن النهج الذي تسلكه بعض الشركات (مثل شركات الألبان) هو نهج أكثر معقولية، حيث يصف السلعة بما فيها (تقريباً)، مع وصول فكرة تعزيز حفر أسماء المنتجات مبتغاها وهدفها، فكثيراً ما استبطنا حب هذا (اللبن)، وبعد زمن تحولنا إلى غيره تأثراً بالدعاية دون شعور منا ودون أن تعمد هذه الشركات (في ظني) إلى تحطيم أو تهشيم عالي التأثير للقيم، بالشكل السافر الذي تصنعه شركات الاتصالات والكثير من منظمات المنتجات والخدمات التنافسية على السوق الخليجي اللذيذ لكل المستثمرين وكل الطامعين من الداخل والخارج ممن يعتبرونه منجماً يستحق كل التضحيات حتى أضحى سوقاً كبيرة، أغرت السيولة النقدية المرتفعة نسبياً لدى شرائح الطبقتين الوسطى والعليا، بسب عائدات النفط وارتفاع الرواتب، وجدة المجتمع على الانفتاح والاستهلاك، فمعدته خالية وتستحق التسابق لملئها.