المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلــب مهــموم وجــرح مسـموم



أبوعادل الأزدي
07-07-2003, 04:23 PM
منين ياجيك الرضى يا شايل الهم
كيف ترضى وانت مهموم
والهم لاعلق بقلب انسان فضه
سمسمه وابدا جروحه
واغداه من بين العرب مسموم حاله

كيف لنا أن نسبر أغوارك ياسعد..؟

كيف نستطيع الوصول الى توصيف لحالتك وانت تبوح لنا بما في نفسك عبر هذه القصيده .؟

اننا بالتأكيد ومهما حاولنا فلن نفيك ولن نفي هذه القصيدة [ المقطوعة الموسيقية ] حقها فلقد إنداح همك عبرها إندياح الشلال من عالي القمم وتفجرت ينابيع إبداعك في كل حرف من حروف قصيدتك هذه ، ولكي تؤكد لنا استيلاء الهم على كل ثنايا قلبك كررت كلمة الهم في قصيدتك [ ثلاث ] مرات متتالية مقابل تكرار [ الرضى] مرتين فقط لتبرز الإيقاع الرهيب [ للهــمّ ] وكررت حرف السين [أربع ] مرات متتالية أيضــاً وكان حــرف الميم قد سار معك عبر القصيدة كلها وتكرر [ اثنتا عشرة مرة ] ليكون هو محور القصيدة وضابط إيقاعها الموسيقي [ حرف الميم ] الذي ينبع ويستقر بين الشفتين لايبرحها ولايغادرها يقبع هناك بينهن في مقدمة الفم أرق مكان في الفم ، الشفتان موطن الرحمة والعذاب ، موطن حرارة الحب وثلجه ودفئه ، الشفتان المقبرتان
كما قال طيب الذكر[ نـــزار قباني ]

رحمك الله يا أبا عبدالله

كيف استطعت أن تجمع روابط نفسية وجسمية وعاطفية بحرفين اثنين في آن واحــد هما الهاء والميم لتجســد [هـــمَ ] بسط نفوذه على شغاف القلب وسرى مع الدم في الجسم كله
ليتشكل منه لحـناً حزيناً تنساب موسيقاه نغماً [تراجيدياً ] متماوج يبدأ من أخر الفم من [ البلعوم ] لا ليغادر بل ليقف ويستقر بين الشفاه
رحمك الله يا أبا عبدالله

كيف تمكنت من تشكيل مقطوعة عاطفية رائعة تتكئ موسيقاها بشكل رئس على ثلاثة أحرف [ س ، هـ ، م ] مفعولها أمضى من مفعول ســهم يخترق بلا هوادة ولا رحمة أي جسم ليتركه مضرجاً بالدماء
كأني بك يا أبا عبد الله تقسم بأغلظ الأيمان ــ دون تأله على الله ــ [ وإن فيكم من لو أقسم على الله لأبره ] وأنت تقول

{ منين ياجيك الرضى يا شايل الهم ]

أوهو المستحيل يا شاعر الإحساس الرقيق ..؟؟ نعم هذا والله ليس إغراق ولا مبالغة ولكنها شفافية الوجدان وصفاء الروح وهاأنت لا تترك لأوهامنا مجالاً للشرود فتحاصرنا وتقدم في البيت الثاني الدليل بل البيان حين تقول

كيف ترضى وأنت مهـــموم .....؟؟

باستنكارك على طريقة الاستفهام الاستنكاري التقريري الذي يصل بنا إلى حقيقة علمية مؤداها أن السم إذا وصل القلب فلا أمل في الشفاء لأن الهم عندك هــو الســم بذاته بل لعله أدهى وأمضى منه وأنكى

منين ياجيك الرضى يا شايل الهم
كيف ترضى و ا نت مهموم
والهم لا علق بقلب ا نسان فضة
سمسمه وا بدى جروحه
يروح من بين العرب مسموم حاله

الـــــــرد :

يا ابو جعودا ً من على امتانه مدرهم
وعلى اللبـــات ملــــموم
والعنق قل يا لول والا ابريق فضة
لا مشى تــنــعاج روحه
يا سين غروني منه ماا سمو محاله

وردت الكلمة الأخيرة في البيت الثالث من قصيدة الرد بروايتين إحداهما تأتي بكلمة [ ســمّه ] من [ الســُمّ ] والرواية الثانية تأتي بكلمة [ فـَضـّه ]وهي المثبته في القصيدة ولأن أبعاد كلمة [ فضــه ] يعني : كسـَّرَه وفرّقَه وفككه ونثر أسنانه ومنه قولهم [ لافضّ فوك ] أي لا نثرت أسنانك ومع أن كلمــة [ فضّ ] تحتوي كل هذه المعاني إلا أنها لاترقى إلى معنى كلمــة [ سَــمـَّه ] من حيث وقعها وشدة إيلامها وقوة إرتباطها بما قبلها لتعطي لحالة الألم التي عايشها الشاعر وصفاً دقيقاً برع ــ رحمه الله ــ في تصويره والتعبير عنه بدقة متناهيه ولأن السم يذيب ولا يكسر ولا ينثر القلب نثر الأسنان بل يذيبه ويحلِّله
وكأني به ــ رحمه الله ــ قد أفرغ كل إنفعالاته في الطرف الأول من القصيدة أو أن يد الزمان قد عدلت وغيرت في بعض كلمات الطرف الثاني فجاء دون الأول في مستوى السبك وفي براعة التصوير الموسيقي وأكاد أقول حتى في العاطفة ، حتى أن كثير من الناس وأنا منهم قد سلبهم سحر الطرف الأول وأنساهم الإلتفات إلى الطرف الثاني باستثناء فيئة قليلة من الرواه ،

يا ابو جعودا ً من على امتانه مدرهم

وقد تفرغ في [ الرد ] لتخيـِّل صاحبته ووصفها فهي ذات شــعر أسود كثيف يشبه ذلك النبات الربيعي الزكـيّ الرائحة المسمى [ الجعــد ] وأنه [ مدرهم ] وهي كلمة تعني الشعر الأسود الكثيف الغزير الذي ينساب على متنها وجنبي نحرها وصدرها ولا يمكن هنا أن يذهب المعنى إلى [ الدراهم ] بمعناها المادي الرخيص فعاطفه سعد وعلاقته الشفافة لا تقاس هنا بالمقياس المادي ولا تتجه
إ ليه هنا أبداً حتى وإن اقترب اللفظ من المادة بدراهما وذهبها وكنوزها
فما قبل الكلمة وما بعدها لا يحتمل إ نصراف المعنى إلى ذلك على الإطلاق وإن توهم من توهم
ونجد في معظم قواميس اللغة أن [ مدرهم ] تعني الشعر الأسود الكثيف والحديقة الكثيفة المتشابكة الأغصان فغدى شعرها [ المدرهم ] بسواده وكثافته وهو يغطي ظهرها وصدرها كمقـنعة المرأة إذا قامت للعمل وضعت أحد طرفيها على منكبها الأيسر ووسطها من تحت يدها اليمنى فتغطي صدرها وترد طرفها الأخر على منكبها الأيسر وكذلك يفعل الفارس

واستلأموا وتلببوا *** إن التلبب للمغيــر [ محيط المحيط ]

واللبب منحر المرآة وموضع القلادة من الصدر ، واللبَّة المرآة اللطيفة المحبة
إذاً فنحن أمام مزج لمعطيات جمال الطبيعة الأخـّاذ حبكته شاعرية [ ســعد ] ومزجته بجمال صاحبته التي تبدو من جمال الطبيعة أجمل وأبها وحين أضفى على شعرها الأسود كل مقومات الجمال هذه بدا له جمال أخر جعلني في حيرة لست أدري أيهما أبرز جمال الأخر ...؟؟
هــل الشعر الأسود هو الذي أبرز جمال العنق ..؟؟ حين أحاط به أم أن بياض العنق وطوله الذي يشبه صافي اللول ويشبه عنق إبريق الفضه هو الذي أبرز جمال الشعر ...؟؟
وبضدها تتميز الأشياء فلقد كان يرحمه الله يعلم بفطرته ذلك التلازم الأزلي بين اللونين الأسود والأبيض ومدى ما يضفيه أحدهما للأخر عند التقاء هما من عمق وبعد جمالي غير متناهي يدعمه ولا يلغيه
وحين يقول :

لا مشى تـنـعاج روحــه

فإنه بالتأكيد يريد أن يصف لنا وقع ذلك المشي فعاج تعني رفع الصوت ومنه الحديث [ أفضل الحج العج ] والمراد رفع الصوت بالتلبية والدعاء فهي حين تمشي [ وروحها تنعاج ] إنما تهتـف روحها وتتنسك في دروب الحب وعجاجه ومن ذلك قول الشنفرى

وإني لأهوى أن ألف عجاجتي *** على ذي كساء من سلامان أو برد

ومنها قول الحريري في مقامته الصنعانية :

ثم إنه لبــَّد عجاجته وغيـَّض مجاجته

فأي هتــاف كانت تصدره تلك الروح حين مشيها إنه بالطبع صراخ مكبوت لم يكن يسمعه إلاّ ســعد
وهـاهو يعلن أســاه وأسفه على فقد ذلك الجمــال وضياعه رغم أنه يحمل
[ وســمه وهــمه وسـمَّه ] ويعرفه تماماً [ برســمه و إســمه ]

يا سين غروني منه ما ا سمو محاله

ياسين كلمة تأسف حزينة أطلقها الشاعر في أخر بيت في القصيدة ليبث عبر بيته الأخير مأساته فـْقـْد فـَقـَدَ من حبيبته كل شئ حتى العنوان ولم يسمه له أحد فبقي [ كالمحالة ] الموسومة التي ترك الرشــاء عليها وسوماً وأخاديد حتى أوشكت أو كادت أن تقطعها والمحالة هي تلك البكرة المستديرة التي تجري عليها الحبال عند الاستقاء وطلب الرواء من الماء
بقي أن أشير إلى الموسيقى الداخلية والإيقاع الحزين والتصوير البديع الذي سبكه الشاعربحرفي السين والميم في هذا البيت حيث يأتي حرف السين من وسط الفم بوقع مهموس فيمتزج بحرف الميم فيصوران معا بالتمازج أحياناً والعزلة أحياناً أُخر موكب جنائزي لحبيبين كانا متمازجين ثم مالبث الزمن بعادياته أن فرقهما فرقة أبدية

أبو سفيان
07-07-2003, 06:19 PM
عزيزي المبدع / أبو عادل الأزدي 000
أطربتنا وأمتعتنا بهذا الكلام الأدبي الراقي المنظم ( لغة وسبكا وترتيبا واختيارا)

ليتك عرّفتنا بهذه القصيدة التي أوردت مقطعا منها وأين بقيتها 0ومن هو أبو عبد الله الذي ذكرته عليه رحمة الله 00 قد نستشف المناسبة عندما ألمحتَ عن الحبيبيـن اللذين كانا متمازجين ثم مالبث الزمن بعادياته أن فرقهما فرقة أبدية 000

لكن التعريف بالقائل مهم وكذلك بالمناسبة وصاحب التعليق وهذه الدراسة النقدية الرائعة 000 شكرا لك والمزيد المزيد 00

أبو رامي
07-07-2003, 07:34 PM
هذا هو أبو عادل الأزدي
قلما رفيعا ، وأدبا بديعا
ألم أقل لكم ؟

انتظروه
عله يريحنا من عناء ما نقرؤوه في المنتدى الإسلامي
في الآونة الأخيرة
ويصرف أفكارنا إلى حيث المتعة والفائدة

أبوعادل الأزدي
08-07-2003, 12:00 AM
أبو ســـفيان العزيز

وهــل مازال الحكم ساري المفعــول [ من دخل دار أبو سفيان فهــو آمــن ] ..!!

اســعد الله من أسعدني بالتواجــد مع أديب مثلك والإبداع في ذوقك وحسن أخلاقك وما أنا إلا تائه مازال يبحث عن طريق

و صاحب هذه القصيدة هو

ســـعد بن عبد الله المنشلي

من قرية المناشلة إحدى قرى الباحة مات - رحمه الله - قبل اكثر من [ 60 ] عام كل قصائده المروية جاءت على لحن [ طرق الجبــل ] وهو أرق طرائق الغنــاء في الجنوب حيث يتغنى به [ العشــاق ] من الرعاة والحداة والحــطابين ويروق لهم ذلك وهم على سفوح الجبال أو على قممها فتردد بطون الأودية وجنباتها وسفوح الجبال صــدى أغانيهم الحزينة ويـكون الغناء بهذا النوع بشكل فردي
وهو حالة استثنائه بين كل أنواع الفنون الغنائية الجنوبية التي تغنى بشكل جماعي وهو أشبه بالمــوال بدرجة كبيرة ولرقة هذا اللون الغنائي [ طرق الجبــل ] وقدرته على الاستجابة لنبرات الحزن والألم وكل التجارب العاطفية الجياشة ومـلاءمته لحالات الشجن الجنوبية أكثر شاعرنا من نظم قصائده عبر هذا اللــون

وعندما فشلت تجربة شــاعرنا مع من كان يهوى رحل طلباً للشــفاء من داء العشق وقدمت له النصيحة بالابتعاد عن مرابع الصبابة والهوى والإكثار من شرب حليب الإبل فاتجه إلى منطقة [ تربه ] حيث وافاه الأجل المحتوم وهو تائه بين فيافيها وقفارها يبحث عن الدواء فكان أشبه بالمجنون مع ليلى حين ظل تائها
يبحث عنها في [ قصته المشهورة ] ولما وقف أمام [ التــوباد ]انشد


وأجهشتُ للتوباد لمّا رأيتُه = وكبّر للرَّحمن حين رآني!
وأذرفت دمع العين لما عرفتهُ = ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له: قد كان حولك جيرةٌ = وعهدي بذاك الصَّرم منذ زمان
فقال: مضوا واستودعوني بلادهم= ومن ذا الذي يبقى على الحدثانِ
وإني لأبكي اليوم من حذري غداً = فراقك والحيّان مُجتمعانِ!
سجالاً وتهتاناً ووبلاً وديمةً = وسحّاً وتسجاماً إلى هملانِ!


دفن [ ســعد ] - رحمه الله - في وادي يسمى وادي [ مبــايع ] في منتصف الطريق بين الباحة والطائف على يسار المتجه إلى الباحة فرثاه صديق عمره ورفيق صباه الشاعر علي بن سعد أبوعالي _ رحمه الله والمتوفى قبل حوالي عشرة أعوام - حين مر بعد وفاته بالوادي المذكور بقوله



اسايلك بالله يا وادي مبايع
فينه راعي الصنايع
ربه يكن عود يسالك عن ذلوله
وعن احبابه وعوله
والا يكن يلمح لطرقية يمدون
علهم لاهله يودون
جزاك ربي خير لو علمتني به

الرد

على الذي بغدي على حبه مبايع
حبه اغدى القلب ضايع
ما ضقت من واحد ولا معنى ذلولة
ما معي مالناس عوله
زفري على سعد الذي ما لايم الدون
ويود اللي يودون
زفر المنيمس ذا له العلم تنيبه


أخي أبو رامي

أعلم أن في هذا اللون من الشــعر نوع من الخصوصية وقد كان أباؤنا يمرون بدياركم في طريقهم لزيارة مسجد الحبيب -صلى الله عليه وسلم - وكانت هناك صــلات ثقافية قد تكون محدودة لكنها اليوم وعبر وسائل الاتصال الحديثة باتت مشــاعاً وأكثر تقارباً ومن الممكن التعامل مع شــعرنا العامي في كل مكان وأمل أن أتمكن من تناول بعض أشعار ينبع وقصائده من خلال هذا المنتدى

أشكرلك دعوتك وحسن وفادتك وكرم ضيافتك وأشكر أخي أبو سفيان مع ملاحظة أن قصيدة سعد كتبت كاملة رداً وبداية

أبو عماد
09-07-2003, 10:41 AM
لست غريبا عليّ !
قرأتك ، وقرأتك .. ولك عذري إن لم أتذكر المكان والزمان
فالعطر عطرك
التقيتك هنا للمرة التي أسقطت فيها حسابات التذكر مكتفيا بالانتشاء لعودة السرور بالحرف .. أضعتها منذ زمن ..
التقيتك حرفا مازال نابضا بحيوية القدرة ، وروعة التصوير عن خلفية أدبية لدواخل أشربت فيها الكلمة البكر تحتضن الأزاهير إيحاء هامسا ، وتأوهات مخملية .. تشكل مساحة للبوح .
وليس أخيرا هتافا يقربني منك وجدانا تتلاقى فيه المشاعر المحبة .
أخي / أبو عادل
أهلا بك ـ ومرحبا ألف ـ إشراقا يزين هذا المنتدى

" وليت شعري بأي مهر نقضُّ عروس هذا الخدر "