المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من يدري أنه لا يدري



المعلم
21-11-2008, 10:53 PM
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري





هذا حديث لا يقصد فئة محددة، بل طرح عام عن الإنسان أينما كان وكيفما كان؛ فأي مجتمع هو خليط من جاهل ومتعلم، والمعرفة لها وسائلها وأهدافها وجهد لتحصيلها.

ومن المفارقات أن البعض يدعي المعرفة دون إنصاف للقدرة والحصيلة، كما أن من نطلق عليه صفة الجهل هو بالخبرة والتجربة يدرك مقدار ما يعلمه وما يجهله من غير مغالطة أو مكابرة.

ويتبين أن مكمن القضية هو معرفة الإنسان لقدرته والإنصاف مع هذه القدرات حيث المكابرة والمغالطة سببٌ لادعاء المعرفة بدون معرفة.

ومن المفارقات أيضاً أن من تعلّم وحصل على دراسات عليا قد يتصور أنه عارف بكل شيء، وحالة الواقع أنه يعرف في مجال تخصصه، وله ذهن متفتح أو هكذا يفترض، وأفق واسع يساعد على المعرفة مع الجهد، والجاهل سرعان ما تكون إجابته (لا أدري)؛ فهو من يعلم بقدراته.

وخارج الحدود نجد أن البعض في مجال الثقافة العامة تصل بهم المقاييس إلى درجة متدنية، فقد تسأله: أين جيوش بلدك التي تحارب في مكان ما؟ وهو لا يفهم غير أن بلده في حالة حرب، ولو عرضت عليه خريطة العالم ليحدد مكان الحرب لما استطاع ذلك. وفي العالم الذي يسمى بالثالث البعض يدعي المعرفة والقدرة، ويكفي أن نلقي نظرة على العمالة هنا أو هناك لنجد أن معرفتهم بالمهمات التي من أجلها قدموا حيث علمهم في حدود الأساسيات دون أبعاد أكثر، فكثيراً ما أفسدوا أجهزة ومعدات وارتكبوا من الأخطاء الكثير مقابل التسامح والصبر من جانبنا.

وأكثر الأمور إثارة أن كلمة (لا أدري) تكاد أن تكون نقيصة لدى بعض الأشخاص، ولقد قال الشافعي - رحمه الله -: (رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب).

وربما أن الخلفية لدى بعض من تعلّم تعليماً جامعياً أن ما يدركه عن نفسه وقدراته محدود، واعتماده على أن تحصيله وشهادته تؤهله للمعرفة الشاملة، فالقضية نفسية قبل أي شيء آخر.

وقد يحس بالحياء في قاعة المحاضرات من أن يقول (لا أدري)، وأتذكر أن البروفيسور (مانسوني) في إحدى المحاضرات عن حالة نادرة حيث وجود بويضة بلهارسيا بالقرب من الحبل الشوكي، وحين سئل عن أمر له علاقة بالموضوع قال: (لا أدري)، والبرفيسور عالم في علم الطفيليات، وله مؤلفات عدة، وأظن أن كثيراً من الأطباء يعرفون به.

وأن نقول بالمعرفة أو عدم المعرفة سواء من قبل السائل أو المسؤول سيتبين الصحيح حين البحث، وحين التعرف عليه، فإن لذلك انعكاساً على الجواب كما أن سمعة المحاضر تتأثر بذلك، وهذا يخلق هوة في الثقة بين السائل والمجيب، وأن يقول أحدنا (لا أعرف)، متى كان كذلك لهو عين الصواب، فالإنسان مدرك بعدم كماله، وأن الكمال لله سبحانه وتعالى، كما أن الثقة بالنفس تجعل من المعرفة متى أدركها الإنسان، وقال بما هو صحيح حول معرفته يؤكد بهذا الثقة بالنفس.

إن كلمة (لا أدري) تعبر عن إجابة شاملة وافية، وتحفز من لا يدري إلى البحث ليعرف ما لا يعرف إن كان سائلاً أو مجيباً.

وأن نقول بالمعرفة دون أساس من علم سيضلل السائل ويقود خطاه إلى المعنى الخطأ، وهذا منافٍ للأمانة سواء لمن يسأل أو يجيب.

والحقيقة في كل شيء طريق إلى العلم وسعة الأفق وإلى ثقافة أصيلة ولمعرفة الأشياء وفق حقيقتها. إن التحرر من التعالي وغلو الذات وأن يعايش الحقيقة التي خلق بها والسير بما توجه به أمن للنفس والعقل وهو طريق يمهد لكل طموح وأمل، ولقد قال أحدهم: إن التميز أمر ممكن حيث يتوجب أن تعمل أكثر وتعرف أكثر وتتوقع من حيث العائد الأقل.

عبدالله الفايدي
21-11-2008, 11:16 PM
اسمح لي باقتباس هذه الجملة والتعليق عليه
(ومن المفارقات أيضاً أن من تعلّم وحصل على دراسات عليا قد يتصور أنه عارف بكل شيء، وحالة الواقع أنه يعرف في مجال تخصصه)

اتفق 100%
وللاسف مااكثرهم
أوسال الله لنا ولهم وللجميع نور البصيرة والهدايــة
موضوع اكثر من رائع أخي المعلم
ودمت في رعاية الله

المعلم
22-11-2008, 09:01 AM
أخي عبد الله الفائدي
أثابك الله على هذه المداخلة القيمة
ونفعنا بما علمنا
تحيتي لك

قوت الحياة
22-11-2008, 09:55 AM
موضوع اكثر من رائع أخي المعلم مشكور

بدر عاشور
22-11-2008, 03:24 PM
موضوع اكثر من رائع أخي المعلم مشكور

المعلم
22-11-2008, 10:29 PM
الأخت tooth
الأخ بدر عاشور

ورائع أيضا تواجدكم
تحيتي لكم

!!عــــذاري !!
22-11-2008, 11:00 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ... .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

الضآمي
23-11-2008, 12:40 AM
ثقافتنا تعتمد على أن من لا يعلم لا يفهم

لا على مبدأ من قال لا أدري أو لا أعلم فقد أفتى

فالشركات والمؤسسات لدينا على سبيل المثال تطرد منسوبيها لأنهم لا يعلمون طبيعة عملهم

وفي الخارج نجد تلك المؤسسات تطور موظفيها الذين لا يعلمون حتى يعلمون..

من منا يعلم كل الأمور.. ومن منا يفقه بكل شي...

فلو أراد من أراد أن يتعلم كل شيء لما كفاه مثل عمره أضعافاً مضاعفة...

وقد أعجبني مقطع جميل في هذا المقالة وهي




إن كلمة (لا أدري) تعبر عن إجابة شاملة وافية، وتحفز من لا يدري إلى البحث ليعرف ما لا يعرف إن كان سائلاً أو مجيباً.




كم نحتاج أن نقول لا نعلم ولا نعرف... فهي الوسيلة الحقيقية لطلب العلم...



أستاذنا الكبير المعلم أحييك على هذا الطرح الراقي وهذا الفكر العالي...

لا حرمنا منك ومن تميزك... جزاك الله خيراً وتحياتي الكبيرة لك...

سلاف
23-11-2008, 11:52 AM
مسكين الجاهل,إن أعترف بجهله فقد انكشف أمره, وإن لم يعترف فهو ينكشف مرات ومرات.

المعلم
24-11-2008, 06:29 PM
شكرا سلاف
إن الباطل كان زهوقا

مهندس شكري حجازي
25-11-2008, 09:23 PM
شكرا اخي
ولكن لا توجد المعرفة المطلقة او الحهل المطلق فالمعرفة نسبية
فلعلك تقصد الثقافة العامة لذا استبعدت المتخصصون فهم علماء في تخصصهم وقد يكونوا جهلة مجال اخر
والمشرع جعل دارسة التخصص فرض كفاية علي الامة وفرض عين علي من تخصص فالطب فرض عين علي الاطباء والفقة فرض عين علي علماء الدينوهناك حكمة تقول اتعلم من كل شئ شئ وتعلم عن شئ كل شئ
وانا اشارك القول في ان من يفتي في كل شئ فهو جاهل فلا يفتي الطبيب في المواريث والشيخ في البلهارسيا هي ظاهرة اليوم وخاصة في الفضائيات
وعلي المصاطب( عفوا المقاهي وجلسات الشوارع)

المعلم
26-11-2008, 12:16 AM
أخي مهندس شكري حجازي
شكرا لك مداخلتك أثرت الموضوع
تقبل تحيتي واحترامي