المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وطنكم زعلان عليكم ياشباب



دنقر لاند
11-10-2008, 03:24 AM
أكد الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ونائب رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال, والمشرف على الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية إن آلية الصراع العالمي المعاصر على السيادة قد تغيرت وسائلها وأدواتها بالقدر الذي جعل (الفكر) سلاحًا قويًا أدركته قوى الاستعمار العالمية فأججته في مواجهة المجتمعات العقدية والمتدينة، خاصة، حيث زرعت وغذت طوائف وحركات جعلت من الفكر مادتها في مواجهة العقيدة والدين ملبسة على الناس أن عقائدهم وأديانهم لا تخلوا من أن تكون هي الأخرى فكرا وأيديولوجيا, وأضاف في حوار لـ(الرسالة) أن الاختراق تم لأن قراءة بعض شبابنا التابعة لقراءة الآخرين السابقين، ومن عصور أخرى مضت وولت بكل سماتها وخصائصها، هي قراءة خاطئة للوحي المعصوم.
وقفنا مع ضيفنا على العديد ذات العلاقة، بالتحولات المتلاحقة سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، فإلى مضامين الحوار في جزئه الأول:

هَمُّ الوطن يُقدَّم على كل هَمّ، وقضايا الوطن لابد وأن تتصدّر كل القضايا، فالوطن وطن الجميع، وفي الملمات والقضايا الكبرى ينسى الجميع قضاياهم الجزئية والبسيطة .. ولعل قضايا الإرهاب التي أطلت برأسها منذ سنوات، أثّرت على الجميع ونالت من الكل، وأخذت الحيز الأكيد من التفكير والدراسة سواء على المستويات العامّة أو الخاصّة, ماذا تقول د.عبد الله؟.
- الوطن (سكن) والوطن (أرض وسماء) والوطن (هوية وانتماء) والوطن (ظل وحمى) والوطن (حضن دافئ) والوطن ( مشاعر وارتباط)، من خرج منه بات خائفا يترقب، ولزمه التحلي بسمات الغربة. والعاقون للوطن هم نفر ممن يجهلون كثيرا مما يظنون أنهم يعلمون. وحقهم على العارفين منا أن يعلموهم ما يجهلونه. فإن أخفقنا في تعليمهم ظنوا وظن غيرهم ممن هم وراءهم أو دونهم أن ما يقولونه ويفعلونه جورا بالوطن هو عين الصواب. حتى أنه قد خيّل لبعض أبناء الوطن (قدراًِ لا انتماءً) أن جراحاته واستنزاف دمائه إنما هو واجب ديني، وأمر رباني، وحكم شرعي، عليهم أداؤه. فالوطن في هذه المرحلة ينادينا نداء المكلوم بنبرة حزن أن نلملم جراحاته، وأن نتقن حفظه، وأن نحسن رعايته، وأن نستكمل مشروعاته التنموية الشامخة، ببرامج طموحة في التعليم والتربية والثقافة، والصناعة، وبناء الإنسان السوي، بمداخل علمية حقيقية، وبمهارات منهجية متقدمه، وبوسائل وأدوات معاصره. فدون ذلك سنترك المجال رحبا لخلايا العنف والتطرف لتواصل محاولاتها للعبث بنا وبمقدراتنا. فالوطن (أمانة) ورعاية الوطن (رسالة).
مخاطبة النخبة
كتابك الموسوم بـ (من أين أُتينا ..؟!) كتاب يحمل هما وطنيا, ماذا كنت تريد أن تقول؟، وهل استطاع الكتاب أن يسدّ ثغرةً كنت تحسبها ستُسدّ؟!
- الكتاب الذي ذكرته هو منتج طرحته في مدارج الثقافة ورفوف المعرفة، وأحسبه حجز لنفسه مكاناً لائقاً، وأنه أدى دوراً مهماً في التعريف بجوانب من الواقع، على الأقل لدى النخبة. وأعترف أنني خاطبت النخبة من خلاله، واستخدمت لغة النخبة في المفردات والتراكيب. إنه وسيلة حاولت من خلالها بث شجوني وشيئا من خواطري في مرحلة عصيبة مر بها مجتمعنا السعودي تجعل الولدان شيبا. وقد دفعتني تلك المرحلة للتساؤل الكبير: كيف تشكلت ثغرات الاختراق لمجتمعنا السعودي؟ وهو المجتمع الذي خبرته منذ أن كنت صبيا ألهو في أزقة (ثرمداء)، إحدى قرى نجد، حتى نخرتُ عباب البحار، وركبت أضخم الطائرات، وتجولت.. ثم عدت وعشت سنوات أرقب خلالها مسيرة تنموية رائدة، ما كان لها إلا أن تنتج أبناء بررة. فمن أين تم اختراقنا؟ وكيف استطاع نفر من المجاهيل المناكير أن يخطفوا أبناءنا وفلذات أكبادنا بهذه السرعة المزعجة؟ على أن أمضى ما وظفوه لذلك وسائل تقنية موغلة في التخفي. وكيف عجزنا أن ندلهّم على الطريق القويم وهم بين أيدينا وتحت أنظارنا ؟ أتساءل كيف راق لبعضنا أن يسلّم ذاته للغريب عنا؟ أو يجد الدفء في حضن باغ؟ فيسئ وإن خيّل إليه أنه يحسن، ويخطئ وإن حسب أنه يصيب. وأرجوا أن يكون من قرأ الكتاب قد وجد فيه ما يسد ثغرة أو يجيب تساؤلا. لكن الطريق لا يزال طويلا والأمل معقود بكثير من رجالاتنا ومؤسساتنا. فلعلنا، يوما بعد يوم، نكون أفضل وأقدر وأصوب وأكثر نجاحا.
عمل إجرامي
دكتور عبد الله، بصفتك رجل إعلام بالدرجة الأولى.. برأيك ما أبرز دوافع الإرهاب، الذي يحاول أقطابه النيل من وحدة المجتمع ومركباته الثقافية والاجتماعية، خاصّة وأنّه في أوّل الأمر ونهايته عمل إجرامي تستنكره جميع الأديان, وينفر منه أصحاب الألباب؟
- ينبغي الإقرار أولا بأن الإرهاب عمل إجرامي لا يسبّب ولا يشرّع، مهما ظن الضالون أن ثمة دوافع تدفعهم لقتل الأنفس والإفساد في الأرض. وخلاصة ما يمكن قوله في هذا الباب، وبعد تراكم المعرفة حوله، إن آلية الصراع العالمي المعاصر على السيادة قد تغيرت وسائلها وأدواتها بالقدر الذي جعل (الفكر) سلاحا قويا أدركته قوى الاستعمار العالمية فأججته في مواجهة المجتمعات العقدية والمتدينة، خاصة، حيث زرعت وغذت طوائف وحركات جعلت من الفكر مادتها في مواجهة العقيدة والدين ملبسة على الناس أن عقائدهم وأديانهم لا تخلوا من أن تكون هي الأخرى فكرا وأيديولوجيا. ومن هنا اختلط الصواب بغيره في زمن قلت فيه ذات اليد فكريا، وماديا، وتقنيا، لدى شعوب الشرق المسلمة خاصة، فعجزت عن مناورة الفكرة بالفكرة لفقدها الأدوات والوسائل التي يمتلكها الخصم. ومن هنا استأسد خصومنا علينا، وباتوا يعبثون بنا وبمقدراتنا وبأبنائنا. والعجيب أن خصمنا المعاصر يمتلك من القدرة على التخفي القانوني وعلى التلون الدبلوماسي، وسائل في غاية التقدم فكرا ومنهجا وممارسة. ويمتلك جميع مراكز صنع القرار الدولي بالقدر الذي يجعل قضيتنا دائما الأقرب للخسران، مهما كانت حقيقة ومشروعية مطالبنا على المسرح الدولي.
تسعين محاولة
أشرت في كتابك السالف أنّ هناك بعض الثغرات التي ولج منها الطامعون والطامحون في اختراق مجتمعنا، والراغبون في النيل من مقدرات الأمم والشعوب، سواء منهم من كان بيننا، ومن كان من غيرنا يرقبنا من مكان بعيد. السؤال: هل لك أن تجمل لنا أبرز تلك الثغرات؟
- هناك أكثر من تسعين محاولة أوردتها في ذلك الكتاب أقول في كل منها: ربما أُتِينا من هنا أو أننا قد أُتٍينا من هناك. ومع وضوح كثير من مواطن الإرهاب في العالم المعاصر إلا أن السؤال الكبير لا يزال مفتوحا: كيف يقتل شاب سعودي مسلم نفسه وأهله ويسعى ليهدم وطنه؟ كيف استطاعت قوى الشر أن تستقطب أبناءنا؟ وأن تجعل منهم قنابل لسفك الدماء وهدم البيوت؟.. كل تلك الهموم كان الكتاب يناقشها. ودعني أجمل لك القول، فيما هو ذو علاقة بالشأن الداخلي، فأقول: إن الاختراق تم لأن قراءة بعض شبابنا التابعة لقراءة الآخرين السابقين، ومن عصور أخرى مضت وولت بكل سماتها وخصائصها، هي قراءة خاطئة للوحي المعصوم. ولم يستبينوا أن ما نُقل إليهم من التفسيرات والتأويلات الخاطئة قد تولدت وتكوّنت في فترات تاريخية لها خصوصيتها، وذات أوضاع ثقافية خاصة وحروب ومطاحنات، وتجاذبات فكرية متنوعة، ولّدت ثقافات دُونت في الكتب، وتم تناقلها بالألسنة، وغدت مرجعا رأوا فيه العصمة، دون كتاب الله ودون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأضحت نصوصا لا يمكن إلا قبولها. وتم إسقاطها مع شديد الأسف على واقعنا لنسير وفق هديها الذي لا يمكن بأي حال أن يعالج واقعنا المعاصر، والمختلف بالضرورة عن كل تجارب الماضي ومخرجاته الفكرية. ويشمل ذلك كثيرا مما نواجهه اليوم في قضايا كليّة مثل الجهاد، والولاء والبراء، وطاعة ولي الأمر، وبيعته. كما يشمل أمورا ثقافية واجتماعية مهمة أخرى، تتمثل في كثير من عناصر نظرتنا للكون ونمط الحياة فيه.
مثال على ذلك
اعترفتَ سابقًا بـ» ثغرات في نسيجنا المجتمعي كان لابدّ من أن تكون لمجتمع يختزل المسافات، ويوجز في المراحل، ويحث الخطى، من أجل أن يحقق التنمية الشاملة لأبنائه».. وترى أنَّ « هذه ثغرات طبيعية؛ لكن إرادات الاختراق أجادت توظيفها لمصالحها الإستراتيجيّة الموجهة نحو الهيمنة على مقدرات الشعوب.. السؤال الملح: هل لك دكتور أن تبسط لنا القول حول ما أردت أن تقول به؟
سأبسطها لك في المثال التالي: لو أنك أردت أن تبني منزلا لأبنائك، وكنت حريصا على بذل الغالي والنفيس من أجل أن ينعم أبناؤك بهذا المنزل في وقت وجيز، في ستة أشهر مثلا، فستحتاج أن يعمل المقاولون كل ساعات اليوم بالتناوب، وأن تنفق أجور الإنارة في الليل وأجورا أعلى لتوريد ما تحتاجه من أدوات البناء.. ونحو ذلك.. وبعد مضي الأشهر الستة، سيكون منزلك جاهزا. في حين أن آخرين ينشئون المنزل ذاته في عامين أو ثلاثة، وينفقون نصف التكلفة أو أقل. ومن هنا يمكن أن يأتيك من يَسِمُك أنت بالتبذير والإسراف.. لكنه يتجاهل، بقصد أو بغير قصد، أنك قد أنجزت عملا بطوليا رائعا في فترة قياسية، وحفظت أفراد أسرتك في منزلهم لسنوات كان غيرهم يواجهون الفاقة والعوز وشظف العيش،.. والانتظار. من هنا أعتقد أن خطواتنا المتسارعة لتحقيق التنمية الشاملة قد أنتجت بعض المثالب في واقعنا الثقافي والاجتماعي، وهي في أصلها من طبائع الأمور، وبفضل قبولها تعايشت أجيال لم تتعايش أجيال مثلها قط على مر التاريخ الإنساني، حيث شهدنا الأب الأمي والأم الأمية، يعيشان جيلهما مع أبنائهما الذين تعلموا في أرقى الجامعات الوطنية والعالمية، وأنجزوا أعلى الشهادات. ذلك البون التنموي الشاسع الذي لم يتحقق لمجتمعات كثيرة معاصرة هو مما دفع إرادات الاختراق للنظر إلينا فقط عبر النصف الفارغة للكأس. ولم يدركوا أننا حققنا ذلك في وقت قياسي، وأننا نعلم يقينا مثالبه، ونعلم –أيضا- أن لدينا ما يجب تدارسه وإعادة تقويمه.
المزاوجة بينهما
البعض ينادي بوجوب تبني فكرة مشروع وطني على مستوى الحدث يشارك فيه مفكرون ينطلقون من أرضيه علميّة تجسّد من خلال الدراسات والبحوث وأوراق العمل، وتشارك فيها كل فئات المجتمع؛ لتساهم في انحسار ظاهرة الإرهاب. ألا ترى أنّه وجب تبني هذه الفكرة، والعمل بها؟
- على الرغم من أنني مناوئ للفكر الإداري المركزي، إلا أنني في موضوع مواجهة الإرهاب اعتقد أنه ينبغي المزاوجة بين المركزية واللامركزية. فنحن يجب أن يكون لدينا إستراتيجية وطنية احترافية معلنه لمواجهة الأزمات، يتم تبنيها في هيكلة هرميه تستمد تغذيتها عبر اتجاهين متوازيين، وتشترك في صياغتها وتنفيذها وتقويمها المستمر جميع مؤسسات المجتمع وفعالياته. ويجب استنادا لذلك، تجريم كل الفعاليات التي لا تكون جزءا من هذه الرؤية الوطنية الإستراتيجية.