المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمدة زمان



مفوز الفواز
17-09-2008, 10:04 PM
{عمدة زمان}
بقلم مفوز مفيز الفواز

[الجزء الأول]

عمدة {زمان} وعمدة {اليوم} لا يختلفان في شيء، فكلاهما له عواطفه ، ومواقفه الإنسانية ، وطموحاته ، وكذلك الإنسان في الماضي هو أيضاً كإنسان اليوم له احتياجاته وتطلعاته المستقبلية ، بل أنه قد يفوق مُعاصِرَ اليوم بأن تلك التطلعات هي التي بنت حاضر إنسان اليوم.
والحارة بالأمس هي حارة اليوم بمبانيها وشوارعها وأزقتها وجادَّاتها، فيها أُناس أثرياء يقيمون في بيوتٍ فارهةٍ قد تتعدد طوابقها ويبرز على واجهاتها ثراؤهم ، وآخرون يعيشون عند حد الكفاف في بيوتٍ بالكاد يجدون فيها شيئاً لخصوصيتهم مما يحتاجُه الإنسانُ عند إقامة منزلٍ له ، ولكن ما الذي تغير في الأمرِ كَيْ نتحدَّث عن {عمدة زمان} ولم نقل {العمدة} .. ليس هناك تغيير في العمدة الذي لم يكن له ذلك إلا باختيار أهل الحارة وتزكيتهم ، إنما الذي حدث أن المجتمع الذي عاش فيه إنسانُ الماضي هو الذي تغير ، فأصبح إنسان اليوم ليس كما كان بالأمس ، السبب .. التطور الذي حدث في المجتمعات وما هو متوقع حدوثه مستقبلاً ، وتبعاً لهذا التطور تغيرت احتياجات الإنسان وتبدلت تطلعاته المستقبلية ، وتغيرت على إثر ذلك مفاهيمُه وإدراكاته، والأهم من ذلك التغيير في التركيبة الاجتماعية ، فالحي اليوم أصبح غير قاصرٍ على تلك الجماعات التي كان يؤالف بينهم الترابط الأسري ، والتكافل الاجتماعي ، والوحدة الفكرية ، التي تظهر جلياً على سكان الحي الواحد في غالبِ لهجتهم وأعمالهم وسماتهم الشخصية .. ألخ . حتى أنه عندما يتصادف وأن يُقيم بينهم شخص غريب فإن الزمن لا يطول به كثيراً حتى ينصهر في ذلك المجتمع فيتعايش مع عاداتهم وممارساتهم اليومية ويحترمها ، ولهذا فمن السهل على {عمدة زمان} أن يتفاعل مع ذاك المجتمع الذي اختاره بطوعه عمدة لهم لقناعتهم بأن سلوكه واحتياجاته وطموحاته كما هي لديهم .. وليس شرطاً في العُمودية أن يكون من عَليَّةِ القومِ إنما الذي يُشتَرطُ فيه أن يكون رجلاً من أهل الحيّ ، حكيماً، شهماً، كريماً، محبوباً من غالبيَّتهِمْ ، عُرف عنه فعلُه للخير..أما اليوم فالتركيبة الاجتماعية في الحيِّ غلب عليها التفكك الأسري وبدأت كل أسرة تبرز منها أسرة جديدة لها مفاهيمها وتطلعاتها تختلف تماما عن الأسرة الأم ، ليس لها علاقة أو ترابط بها سوى أنها تنتمي إليها ، كما تعددت الأجناس والطبقات والأيديولوجيات فاتسعت الحواري عما كانت عليه.
هذا هو السبب في ذلك الاختلاف بين العُمدتين ، فعمدة اليوم يعجز عن مجاراة ذلك كما كان في الماضي ، ونعذرُه عن القيام ببعضِ أدواره لما هو عليه مجتمعنا اليوم ، أما قِصتنا التالية عن {عمدة زمان} فما هي إلا صورة مبسَّطة مِن ماضينا الاجتماعي الذي نعتزُّ بِهِ، ففي بَساطتِه اجتمعت كل الخصالِ الحميدة في تكافله الاجتماعي التي يتمنَّى كل مخلصٍ لمجتمعه أن يعمل بها كما حثَّنا عليها ديننا الحنيف ، والتي بها ترقَى الأمَمُ في المجتمعات المتحضرة.
****

الوقت بعد العصر:
o عمران ، صبي العمدة .. قادمٌ يجري من شرق الحارة رافعاً ذيل ثوبه إلى فمه حتى لا يُعيقه ، يأخذ الخطوتين بخطوة واحدة ، حتى أنه عندما يصادفه حجر في طريقه لا ينحرف عنه بل بقفزه مما لفت انتباه المارة تعجُّباً من أمره ، ولحق به من غَلبَ عليه الفضول لمعرفة سريرة الأمر.
واصل عمران جريه لا يلتفت إلى أحد ، ولما أقْبلَ على مِركاز العُمدة أخذ ينادي من بعيد وبأعلى صوته ، يريد أن يسمعه العمدة فيتنبَّه إليه لِيُطلعه على الخبر الهام الذي يحمله قبل غيره.. فهو أحوج ما يكون إلى نقل الأحداث إلى العمدة ...
• يا عمده .. يا عمده ....
• العمده : خير ، اللهم اجعله خير .. على مهلك .. اجلس ، أَيشْ فيك تنادي وأنت تجري ، اِتجْنَّنتْ ياواد .
o يتكلم عمران .. وصوته يتهدّج ، وعلى وجهه ملامح الخوف..
• يا عمده .. اِلْحَقْ ... يا عمده .. اِلْحَقْ .
• العمدة ..قلت لك ، اجلس وابلع ريقك ، لا تتكلم وانت واقف .. خذ المُغراف وشوف الشَّربة قُدامكْ صُب منها واشرب ، ارتاح .. وخذ نفسك ، وتِكَلَّم على مهلك.
o كالعادة ، العمدة يجلس بعد صلاة العصر على مركازٍ أعدَّه بجوار منزله من مجموعة من الكراسي العالية مُغطاة بالسجاد ونحوِه [البعض يسمي الواحدة منها كَرَوَيتْه] ، يتسع كل واحدٍ منها لثلاثة أشخاص ، ولا يقل عددها في الغالب عن ثلاثة كراسي وضع في وسطها طاولة في أحد أركانها فتحة مستديرة يُثبَّتُ في داخلها شَرْبَةُ الماء ، وتستمر الجلسة علَى هذا المركاز حتى صلاة المغرب وتتجاوزه أحياناً إلى صلاة العشاء ، وبهذا يكون العمدة مستعداً لاستقبال سكان حارته ، لِيُقدم لهم الخدمات المطلوبة منه دون أن يكلفهم عناء البحث عنه ، وكان جالسٌ معه الشيخ جابر ، والعسَّه أبو محمد.. جلس عُمران على طرف الكَرَوَيتْه .. يتناول الشربة من على الطاولة ، من أمام العمدة ، ويصب قليلاً من الماء ليشربه ، وبعد أن استكمل شُربه ـــ حمد لله ـــ.. ثُم بدأ في الحديث الذي جاء يركضُ من أجله.



{يتبع}

وليد شبكشي
17-09-2008, 10:16 PM
خير اللهم اجعله خير
ايش عنده عمران وايش الخبر اللي جايبه للعمدة

أبو محمد شوقتنا لمعرفة الخبر ..فلا تطول علينا
نحن في انتظار إبداعاتكم وكل ما يخط قلمكم المبدع دائما

مفوز الفواز
18-09-2008, 09:17 PM
أخي وليد شبكشي / شكرا لحضورك وإليك الجزء الثاني

{عمدة زمان}
بقلم مفوز مفيز الفواز
الجزء الثاني


• الجدار ، يا عمده .
• أي جدار.
• جدار بيت " أبو على ".
• أَيشْ فيه جدار أبو علي ..
• سقط .
• سقـط ؟ .
• إيوَه .. يا عمده . جدار أبو علي ، سقط والبيت مكشوف . والناس مِتْجمِّعين عنده ، يرفعوا الحجارة ، ويبرحوا الطريق.
• الناس متجمعين !.. عسى ما انهدم على أحد؟.
• لا .. يا عمده.
• لا حول ولا قوة إلا بالله .. هيا بينا يا جماعه نِطَّمَن على أبوعلي .. ونوقف مع الرِّجَال عنده.. أَيشْ يقولوا علينا الناس بُكْره لو تأخَّرنا عليهم.
o الشيخ جابر يسأل العمدة :
• بيت أبو علي فين يا عمده؟.
• العمده : في طرف الحارة من الجهة الشرقية .. في آخر الزُقَاق اللِّي يعَدِّي على برحة العيد.
o يُسرع عمران في المشي ليسبقهم إلى المكان ، وكأنه يدلهُّم على الطريق ..
• من هنا يا عمده .. أقرب.
• العمدة : يا ولد .. ما في طريق من هنا ، الزقاق ضيق ومسدود.
• عمران : لا يا عمده ، في أخر الزقاق : خرابه " مَهدُومه . ومنها ندخل على بيت "أبو عَلِي" عَلَى طول.
• الشيخ جابر : عمران يصلح (عَسَّه) يا عمده ما دام يعرف الحارَه كلها.
• العمده : هيا .. يمكن له نصيب في الشُّغل يا شيخ جابر، كلم له مدير الشرطة ، هو مسكين ، وعلى باب الله.
• الشيخ جابر : إن شاء الله .
o يصل العمدة للمكان ..وقد سبقهم عُمران إليه فيصيح في الناس ..
• العمدة وصل .. برحوا الطريق يا جماعة.
• العمدة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الحمد لله على قضائه ، فين " أبو علي " ؟.
• أحدهم : هنا يا عمده ، شوفه جالس على الحجر عند الباب .
o أبو علي جالس ينظر إلى الأرض ، وقد وضع رأسه بين كفيه ، وكأنه يندب حظه ، والعمدة يتجه إليه ليواسيه فيقول :
• يا رجل .. قوم .. أذكر الله ، وصلي على الحبيب المصطفى.[ الجميع .. اللهم صلى عليه وسلم ] .. ويواصل العمدة حديثه ، الحمد لله الذي سلمك وسلم عيالك ، وما كان أحد ماشي بجَنبِ الجدار، فدا راسك ومعوَّض خير .
o أبو علي لا يتكلم ، وكأن هول الفاجعة ألجْمَت لسانه ، وصَمَّت أذنيه.
• عمران : أبو علي .. قوم سلِّم ، العمدة يكلمك.
• أبو علي متثاقلاَ : ها .. إيوه .. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أعذرني ياعمده ما سمعتك ، أنا مدووش .. ورجولي ما هي شايلاني .. بالله عليك قُل لِي ، أيش أللي أسويه الآن .. بيتي انكشف ، والحال كما تعلم مستورة .. فين أَوَدِّي عيالي إلَينْ ما ينبني الجدار ؟ .
• العمده : يا رجل .. الله سبحانه وتعالى موجود ، وهو صاحب التدبير ، ويا ما قدَّمت من معروف ، وأكيد الله حا يسخر لك أهل المعروف ، بس قوم وتعوذ من الشيطان الرجيم .. وادعي ربك وقله {سبحانك يا كريم}.
• صدقت يا عمده .. الله كريم سُبحانه .. وهُوَّ مفرِّج الكُرَب ، الحمد لله.
• العمده .. طيب ، هيا قوم معي ، وادخل مع الرِّجَال البيت ، خليهم ينظفوا الحجارة من الحوش ، ما تشوفهم كيف واقفين ينتظروك ، يبغوا يفزعوا، ما هو هذا من تسخير الله.
o ينهض أبو علي من مكانه ، يدخل البيت و يدخل معه العمدة ويمشي من بين الحجارة الساقطة معتمداً على [ باكورة ] من الخيزران يتوكأ عليها.
• عمران .. على مهلك يا عمده .. أنت رجَّال كبير ، لاتْرُوح ( تِتكَعبل(1)) في الحجارة و نِبلَشْ فيك .
• الشيخ جابر.. صلي على النبي يا عمران .. العمدة لِسَّه شباب ، ولو ما هُو شباب ،كان زمان جبنا عمده غيره. و إلا ما هو كذا ، يا عمده ؟.
• العمده .. الله يفرِّحك في عمرك يا شيخ جابر ، فرَّحتني. وبعد ما نخلص من جدار أبو علي لك هرجه عندي ، تصلح لَكْ .. وِليَّ ، عشان كلامك الطيب هذا.
o يواصل العمدة مشيُه مع أبو علي ، ويُوَجِّه كلامه للناس ..
• يا جماعه : واقفين لَيه ، هيا .. كل واحد يحط يده ، برحوا الطريق ، واجمعوا الحجارة على جنب ، وانتبهوا للجزء الباقي من الجدار المعلق لا يسقط على أحد.
o وبهمَّة الرجُّلِ الواحد ، لم يمض أقل من ساعة ، إلا والمكان قد نُظِّفَ ، والجدار المهدوم مبرّحٌ حتى الأساس ، ويواصل العمدة توجيهاته للرِّجال.
• العمده : ما في أحد عنده شراع أو خشب .. عشان نُسْتر البيت وننصبه مكان الجدار حتى الصباح.
• أبو محمد العسَّه : أنا عندي مرابيع خشب.
• العمدة : طيب ، وأَيشْ موَقِّفَكْ .. ما تأخذ أحد معاك ، وتروح تجيبها بسرعة.
• أحدهم : أنا عندي شراع كبير رايِح أجيبُه.
• العمده .. هيا أسرع ، بارك الله فيك .. وأنتم يا رجال ، حطوا أيدكم واحفروا مكان المرابيع.
o هب الرِّجال للعمل كلٌ حسب مقدرته ومعرفته ، وبدأوا في الحفر ، وكثُر الجدل .
• [هنا احفر الثانية بعد أربع خطوات. يا شيخ ، الحفرة بعيدة ، لا .. لا ، ما هي بعيدة ..يابويَه ، أيش درَّاك إنها ما هي بعيدة ؟ إنت شفت الخشب؟
إيوه .. انت صادق ، يمكن الخشب قصير ، طيب خليها على بُعد ثلاث خطوات ، وإذا كان الخشب طوال ، الزايد منه ينفع مع بعضه تقوية.
o حوار دار بين الرجال أثناء البدء في الحَفْر ، لم يوقفه إلا استفسار العمدة عمَّا يفعلون.
• العمدة .. انتم تعملوا أَيه ..تحفروا من برة الجدار، والمعلم كيف يبني بكره ــ عَجِيب ــ تبغوه يكشف البيت مرة ثانية لما يجي يبني.. احفروا من جُوَّة البيت ، وركبوا الشراع على الخشب ، ويبقى منصوب حتى يخلص الجدار.
• أحدهم : صادق يا عمده ، والله اللّي سمَّاك عمده ما غلط .. هيا يا رجال ادفنوا الحفر وتعالوا نحفر زَيْ ما قال العمدة .
o أقبل أبو محمد العسَّه ومعه الرجال ، وكل واحد منهم يحمل على كتفه مربوعة خشب طويلة ، وواحد منهم في يده حبال للتربيط . واشتغل الجميع بالعتل والمساحي ، وحفروا الحفر الباقية ، وما إن انتهوا من الأخيرة إلا والأعمدة قائمة ومربوطة مع بعضها البعض على طول المساحة المُهدَّمة من الجدار.
• العمدة .. فَينْ الشراع ؟.
• هذا هُو يا عمده ، الرُّجَّال جابه بدري ، ومحطوط على جنب ــ شراعين ما هو واحد.
• العمدة : الله يجملنا معاه ، وإن شاء الله ننصبه له في فرح الأولاد.
• الجميع : إن شاء الله .. في حياتك يا عمده.
o فرَد الرجال الشراع على أعمدة الخشب القائمة ، وثبَّتوه بالحبال ، ووضعوا بعض الحجارة على أطرافه السفلية ليقاوم دفع الرياح ، ويتقدم عُمران من صاحب الدار يداعبه قائلاً.
• عمران يُحادث أبوعلي : مبسوط يا سيدي .. بنينا لك الجدار .. هيا افردها وجيب مويَه ، الجماعة عطشانين.
• العمدة : ما تترك اللقافة عنك .. يا عمران ، سِيْب الراجل في حاله. أحد اشتكى لك وقال لك أنا عطشان ، إذا كنت عطشان ، شوف الزِّير قدامك تحت العشة ، والمغراف عليه ، اشرب لما تروى .. وأنت يا أبو علي .. لا تشيل هم ، هذا الشراع مؤقت الليلة بَسْ .. وادخل طمِّن أهلك ، وأنا آخذ الرِّجَال إلى المجلس عندي ، وبعدين تجينا لما أرسِلْ لَّك .
• أبو علي : إن شاء الله .. يا عمده .. بارك الله فيك وفيهم ، وجزاكم الله ألف خير ، والله لا يُريكم ما يكَدِّر خاطركُم.
• العمده: عمران !.. إنت ما ارتَويت من المويَه ، هيا روح واسبقنا على البيت ، وخليهم يجهزوا القهوة والشاي ، وقلهم العمدة جاي بعد صلاة المغرب ، ومعاه رِجَال.
• عمران : من عيني يا عمده..
o راح عمران يجري ” فِرِّيرة " وهو يحدث نفسه ( هو كلام العمدة للشيخ جابر عَنِّي.. يِتْنِسِي؟بَسْ إن شاء الله يتحقق ).
• العمدة : يا جماعة .. بارك الله فيكم ، الشمس قِربَت تغيب ، ويَدُوب نلِحق نِتوضأ ، وبعد صلاة المغرب ، الاجتماع عندي في البيت.
o يدخل أبو علي ليُطمئِن أهل بيته ، ويخبرهم بوَقفة العمدة وأهل الحارة معاه ، فقال لهم : " يالله .. الحمد لله على قضائه ، وأهو لَوْلا تسخير الله ، وما جَاء العمدة عَشان يُوقَف بنفسه مع الرجال ، مَا كان انْسَتر البيت ، ولا حتى ترَفَعتْ الحجارة عن اللِّي مَشيِينْ في الطريق .. لكنُّهْ العمدة قَلِّي بعدين تجِينَا لما أرسِلْ لَّكْ ، أرُحلُهْ لَيْه ، هو أيش يبغى مني!، ما هو الجدار المهدوم قفَّلُه بِشْراع ، والناس اللِّي فَزعَت يمكِن عزمهم عشان يقهويهم عنده في الديوان حقُّه .. أصلُه ماعزَمْني معاهم ، وإلا أقلُّكم ما أرُحلُه واشوف أيش يبغي مني .. بَسْ مَانِي رايحِلُه حتى يِرسِلْ لِي زَيْ ما قال ".




{يتبع}

المعلم
19-09-2008, 01:38 AM
ممتع أخي أبو محمد
كلام يبري الجروح وحلاوته زائده بهذه
الوقفات المؤقته بدقة متناهيه
تجعل الانتظار غير ممل
تقبل تحيتي واحترامي

مفوز الفواز
21-09-2008, 02:38 PM
عمدة زمان
بقلم مفوز الفواز
[الجزء الأخير]



o تفرق الرجال استعداداً للصلاة ، وكل واحد منهم يُذكر الآخر بأن لا ينسى الاجتماع في بيت العمدة ، فالحضور واجبٌ حتميّ لا يمكن التأخر عنه ، حتى لا يزعل عليهم العمدة .. وكثُر الهرج بينهم وهم في طريقهم إلى المسجد.
• أيش يبَغْىَ العمدة مِنَّا في الاجتماع ؟. أحدهم يسأل رفيقه وبصوت منخفض.فيجيبه الآخر بصوت أخفض منه .
• أكيد من أجل بيت أبو علي .
• ليه ؟.
• عشان نتشاور ويأخذ رأينا.
• وإحنا لينا رأي عشان يجمعنا، ويشاورنا.ما هو عنده أصحابه ، والكبَاريَّة من الرجال ، مثل الشيخ جابر .
• يا راجل لا يسمعوك الرجال ، وبعدين ما يحضروا الاجتماع .
• ولما يسمعوا ، ما هُو كل واحد حرٌ في رأيه.
• يا راجل ، قول خير .. أنت رايح للمسجد ، والاجتماع ما فيه إلا الخير.
• أنا ما قلت غلط .. تُذكر لما اجتمعنا العام الماضي عنده من شَانْ تنظيف الحارة أللِّي تأخر أربعة أيام ، وكانوا أهل الحارة كلهم موجودين ، وانت معانا .. هَيَّا قُليّ أَيشْ اللِّي صَار في الاجتماع ؟.
• لا .. ما أتْذكَّر ... ! .
• عجيب ..ما تتْذكَّر أن الهرَج والنقاش كان قاصراً على العمده والشيخ جابر وكَمْ نفر من الناس إيَّاهُم ، وإحنا كلنا جالسين بَسْ نِتْسَمَّع ، بدون ما نبدي رأينا في المشكلة ، أو حتى فيما يقولوه ولو مجاملة للموجودين ، والكُلْ عارف إنَّ المشكلة ما هي خاصة .. عامَّة ، و في النهاية إنتَ عرِفْت على أَيشْ انتهى الاجتماع .. ولو كان الاجتماع بينهم بدون ما يجمعونا على الفاضي كان أحسن ، وفي الآخر ما يتم شيء إلا الأمر اللِّي يرغبوا فيه ، وَإلاَّ قصدَك تقول إنَّ العملية منظرة ، حتى يقولوا الناس العمدة اجتمع بأهل حارته من أجل مصلحة أهل الحارة ، ويستفيد منها أيام الانتخابات ، ويومها مين يقدر يعارض.
• أذكر هذا كله .. بس ما يمنع إننا نروح للعمدة اللَّيلة ، لأن الموضوع يختلف ، الأول كان مسؤولية غيرنا، أما الثاني فهي مسؤوليتنا كلنا .. ولازم نتكاتف سوى .. وما ندري أيش يخَبِّيلْنَا الزمن .
• على قولك .. ما هي حالنا كما هي حال أبو علي ..
• يا راجِل فُضّها سِيره وقول خير .. كلمه طيبه منك " صدقه " ، هو اللي قدمته اليوم شويَّه.. ربنا يُكْتبهُولَك في موازين حسناتك.
o يرتفع أذان المغرب .. ويصمتا عن الكلام ، ليتفرغا للتكبير والتهليل . وبعد أداء صلاة المغرب .. العمدة بعدما عاد من المسجد.. وقف على الباب ، لا يدري .. أيجلس في المجلس مع من حضر، أم يستقبل الناس ويحيِّيهم . حيران في أمره ، لأنه لا يجد من يعتمد عليه في مثل هذه الأمور، فلو كان ابنه موجوداً لسَدَّ مَسَدَّه .. لكنه في سفر لإكمال دراسته في الخارج ، فابن العمدة عندما أنهى المرحلة المتوسطة ، وحصلَ على شهادة الكفاءة ، كان يدرس معه ابن الشيخ جابر ، عندها قال الشيخ جابر للعمدة :....
• ياعمده ..[ الأولاد لازم يتعلموا ، ما يجلسوا زَينَّا جاهلين ].
• العمده .. أي أولاد ؟.
• الشيخ جابر.. ولدي وولدك .
• العمدة ..يتعلموا أَيه .. ما اتعلموا وخِلْصوا ؟.
• أجابه الشيخ جابر، صحيح ياعمده هُمَّ اتعلموا .. بس مُا هُو التعليم اللي يمكن يقول الواحد فيهم إنُّه تعلَّمه عشان ينفع نفسه وبلده ، هذا كلُّه بداية الطريق.. وإلا أقول لك ، أيش رأيك نرسلهم [ بِلاد بَرَّه ] يدرسوا ويكملوا تعليمهم ويشوفوا الدنيا ، ويرجعوا لْنَا بالسلامة إن شاء الله ، و معاهم [الشهادة الكبيرة] ، وبَعدها نِفتِخِر بُهُم لأنهم يخدموا بلدهم لما يعلموا غيرهم.
o العمدة في البداية كان معارضاً للفكرة ، لأنه خائف على الأولاد ، فهما صغيرا السن.. قال مُتسائلاً :
• مِين يراقبهم وينتبه لُهم في بلاد الغربة .. ويصَحِّيهم الصباح ، ويطبخ لهم لقمتهم ، ويغسل هِدمَتهُم ..عندها قال له الشيخ جابر:
• اسمع يا عمده : عندي صديق في الخارج ، يزورني كل سنة هنا وانت تعرفه ، وأحيانا يِجي ومعاه أولاده ، وعَشَان كِذا .. أنا شَايف إننا نرسل له عيالنا ، ويسكنهم عنده ، لأنه دائماً يطلب مني أسافر له ومعي الأولاد ..ومن ناحية السكن كان يقول لِي [لا تِهتم فالبيت واسع] ، وكمان في نفس الوقت يراقبهم ويتابعهم في دراستهم ، وإلا عندك رأي ثاني.
o أخذ الشيح جابر يحاول مع العمدة حتى أقنعهُ ووافق على سفرهم .. والآن لهما ثلاث سنين.. سبح العمدة في أفكاره وحساباته ، ولا يدري من الذي دخل ومن الذي خرج ، إلى أن نادى عليه الشيخ جابر ..!
• يا عمده .. هيا الناس اجتمعت ، أنت تتحَرَّى مين.
• العمدة : أبشر .. يا شيخ جابر.
o يدخل العمدة .. الدِّيوان ، ويحيِّي بالرجال ، ويتفقد من لم يحضُر.. ويقول :
• "حمدان .. فين ، هو ما جاء" .
• عمران .. يمكن ما أحد قَلُّه يا عمده ..
• العمدة.. ما تروح بسرعة ..نادي عمك حمدان ، وفي طريقك وانت جاي مر على المعلم أبو صالح ، وقله العمده يبغاك ضروري تجِيله الآن .
o بعد أن رحَّب العمدة بضيوفه خرج من عندهم واتجه ليطرق الباب [الجواني] بعصَاه ، ونادَى " يا هُو ... القهوة ".. ولم ينتهي من ندائه للمرة الأولى ، حتى صفقت له إحداهن من الداخل ، ففهم المقصود فدارَى الباب بجسده ليتناول القهوة ، وبصوت منخفض قال لها : حُطِّيها على الأرض لا تندلق القهوة عليكِ ، فردت عليه " حاضر " بس انتبه تراها ثقيلة عليك ، فأجابها يحضِّر لِك الخير ، وسحب صينية دلال القهوة وأغلق الباب .. تناولوها الرجال وداروا بها على الضيوف في الديوان .. الدلال تلمع كأنها خارجه من عُلبِها الآن ، والفناجيل من النوع التي لا تخرج إلا للضيوف الكبار أو في أيام العيد. ومرصوصة في صينية تتناسب معَها..
العمدة يتابع من يصُب القهوة بنظراته وهو واقف على باب الديوان ..
• صب القهوة على مهلك.. قَهْوِي كُل الرجال .. صب القهوة للشيخ جابر .. ليه ما تتقهوى يا أبو محمد ".
• أبو محمد : اكتفيت يا عمده .. يجعله عامر إن شاء الله ، ونشربها في فرح الولد ربنا يرجِّعه بالسلامة .
• العمدة : يا رب .. والجميع بخير ، وساعتها أعمل لكم عزيمة كبيرة إن شاء الله.
• الشيخ جابر .. في جوازه إن شاء الله .. يا عمده .
• العمده : إن شاء الله .. وانت طيب يا شخ جابر.
o يدخل عمران .. ويوجه الكلام للعمدة :
• العم حمدان وصل يا عمده .. ومعاه المعلم أبو صالح .
• حمدان : خير يا عمده.
• العمده: خير إن شاء الله .. اتفضَّلوُا .. انتم أكيد ما عندكم خبر باللي صار لبيت أبو علي اليوم العصر ، جدار بيته انهدَم وسقط لوحده من جهة الزُّقاق ، عشان كذا إحنا ما شُفناكُم اليوم عنده ، والرجال اللي انتم شايفينهم عندي ما قصَّروا ، فزعوا وقاموا بالواجب ، رفعوا الحجارة عن الطريق وستروا البيت بالأشرعة ، وأنا شفت إنه من واجبي ما أحرمكم الأجر ، فدعيتكم للمشاركة في هذا الاجتماع .
• المعلم أبو صالح : لا والله ما عندنا خبر ، وإلا ما تأخرنا عن الجماعة .. وجزاك الله خيراً إنك أرسلت لنا ، لكن طمِّنا عسى ما أحد تضرر.
• لا .. لم يتضرر أحد ، حتى أهل البيت سالمين .. الحمد لله ، استريحوا واشربوا القهوة .. عُمران ، جيب القهوة لعمك حمدان وعمك صالح.
o يلتفت العمده للشيخ جابر .. ويقول " الكلام عندك يا شيخ جابر .. ".
• الشيخ جابر : اسمع يا أخ حمدان ويا أخ أبو صالح ، والكلام للجميع ، أخونا أبو علي سقط جدار بيته وانكشف ، والآن هو بحاجة إلى مساعدتنا جميعاَ ، كلٌ حسب قدرته وما يستطيع أن يقدمه ، وحِنَّا في هاذي الحارة يَدْ واحدة ، وأسرة واحدة ، والكَربُ اللِّي يقع على واحد فينا يُعتبر وقع على الجميع ، و ترى اللِّي نقدمه في الدنيا أجره أعظم عند الله في الآخرة.
• حمدان : لا حول ولا قوة إلا بالله .. لازم نسرع ونبنيه ، ومن بكره .. وأنا علي قيمة المونة بكاملها.
• العمده : جزاك الله خيراً.
• المعلم أبو صالح : وأنا أقوم بالبناء وبدون أجرة ، إلا حق العمال.
• الشيخ جابر : بارك الله فيك .. وأنا أتكفل بأجرة العمال.
• العمده : يا جماعة الدنيا بخير .. بس لي طلب عندكم.
• العسَّة أبو محمد.. وبعد ما سمعت يا عمده من الجماعة وفزعتهم الطيبة ، الله يبارك فيك ويُعمُر دارك .. أيش المطلوب ثاني ؟.
• العمدة : شوف يا بومحمد ، والكلام للجميع .. نبدأ في الشُّغل من بُكره بعد صلاة الفجر ، وما نقف حتى ننتهي ، ونستر بيت الرجال . وترى الغداء والعشاء لكل العمال من عندي.
• الشيخ جابر : خيرك سابق يا عمده .. لكن ما ترسِل لأبو علي ، وتخبره باللي اتفقنا عليه وإنه الشغل في الجدار يبدأ من بكره مع طلعة الشمس ، وتْرَيِّح بَالُه .
• العمده : صدقت يا شخ جابر.. عُمران ، إجري ونادي عمك أبو علي ، تراه ينتظرنا .. لأني قلت له اجلس في البيت عند عيالك ، حتى أرسل لك مرسال.
o يذهب عمران بسرعة إلى بيت أبو علي ، ولما وصل على داره أخذ يُنادي بأعلى صوته ، وهو يطرق الباب بشدة ليستعجل الإجابة .
• أبو علي .. أبو علي "...
• طَيِّبْ .. طيَِّبْ ، على مهلك لا تطرح الباب يكفي الجدار ...
o قال ذلك [أبو علي] وهو متجه للباب مسرعاً لعله يلحق به قبل أن يسقط من شدة الطرق .. يفتح الباب ، ويرى عمران وقد وقف بجانب الجدار ، من الجهة المخالفة لفتحة الباب ، حتى لا يرى من في الدار عندما يُفتَح الباب.
• يبادره عمران بالكلام .. يقولْ لَك العمده ، هوَّ ينتظرك.
• أبو علي .. خير إن شاء الله .. أيش عنده ؟.
• عمران : ما أدري .. اللِّي أفهمه إن أهل الحاره والكباريه مجتمعين عنده في الديوان والعمدة قللي روح نادي عمك أبو علي تراه ينتظرنا نرسلُّه.
o يُقبل أبوعلي على بيت العمدة ، فيرى العمده في انتظاره عند الباب.. يرحب به ، وقبل ما يُدخِله المجلس ، قال له :
• أبشر يا أبو علي ، فقد فرَّجها الله ، الرجال في الديوان ينتظرونك ليقولوا لك بمشيئة الله ، من بكره مع طلوع الشمس يبنوا الجدار ، وعلى حسابهم ، وما يرفعوا يَدَّهم مِنُّه إلا وقد إنبنى.
• الشيخ جابر : تفضل يا أبو علي .. اجلس بجنْبي ، قَالَ لَّك العمدة لَيْشْ جَمَع أهل الحارة عنده ؟.
o يجيبه أبو علي وقد اغرورقت عيناه بعد أن رأى الجَمْع :
• نعم .. قلِّي العمده جزاه الله خيراً باللي اتفقتوا عليه .. واللي تشوفوه من حالتي الآن ، تراه ما هُو حُزُن على سقوط جدار بيتي وانكشافه ، إنما هو فرحتي من اللي أشوفه أمامي في هذا المجلس من تآلف وتكاتف وتآزر رجال الحارة كأنهم أسرة واحدة ، والواقع إحنا أسرة واحدة .. وترى عملكم هذا يدل على ما في داخل أنفسكم جميعاً من غنىً لا يقدر بثمن ، وصَدق مَنْ قال : [أن الغِنَى غِنَى النفُوس ، ما هُوْ غِنَى الفُلوس ..] والفضل في هذا كله إلى الله العلي القدير، الذي ابتلى فدبَّر .. وأدعو الله عزَّ وجل أن يُعِينني لرد الجميل في أفراحكم جميعاً.
• العمده : هذا من توفيق الله .. وهو واجب على الجميع ، وما في لأحد لُهْ فضل فيه ، فمن قدم الجميل .. لا يَلْقَى إلا الجميل ، وأكثَر ..
قال النَّبي المُصطفَى ، صلى الله عليه وسلم :
{مَن فَرَّج عَنْ أخِيهِ المُسلِم كُربةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا ، فَرَّج اللهُ عَنهُ كُربةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَة }





انتهى

القمه الخضراء
21-09-2008, 03:41 PM
شكرا شكرا شكرا
اخـــــــــــــي العزيز
على الكلام الجميل
وعلى الوقفات الرائعه
من جميع سكان الحاره
ولكن اين توجد اليوم
ومن يقف مع جاره هذة الوقفه
وليس مع سكان الحاره

وبارك الله فيك
وتقبل تحياتي

ينبعي في الرياض
21-09-2008, 04:02 PM
آه ثم آه ثم آه يازمن..... عجيب وظريف ولذيذ والنفوس طيبة والقلوب راضية


أمتعتنا بقديم الموروث الشعبي العريق وأين نجد ذلك في هذه الايام الا ماندر

مهندس شكري حجازي
21-09-2008, 05:54 PM
ولكن اين توجد اليوم
ومن يقف مع جاره هذة الوقفه
وليس مع سكان الحاره
لا كثير حدث معنا يوم من عشرون عام كنا طلبة منا في الهندسة والطب والتجارة التربية سقط بيد احد الزملاء توقف الجميع الكل ينتظر ماذا سنفعل فكان القرار سنبني البيت مرة ثانية فبدا الجميع العمل فكان منا من يدق (يصنع) الطوب ثم بنبنا الطوب وعملنا توصيلات الكهرباء فكان منا البناء ووالكهربائي من لم يعرف كان مساعد لذاك وهاك والحمد لله وبالمناسبةهؤلاء الان
مدير عموم في كثير من المصالح فاحدهم مديرعام بكهرباء البحر الاحمر
الثاني مديرعام بجهاز التعمير والثالث مدير عام بجمارك القصير والبحر الاحمر وووووووووووووووووووووو زكم موجهه بالتربية والتعليم منهم