المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف ينبغي أن نعدّ المعلم ؟



العنيد
30-06-2008, 11:27 AM
كيف ينبغي أن نعدّ المعلم ؟

إن إدراكنا لعظم الرسالة التي يحملها المعلم، ومدى عمق التأثير الذي يحدثه في نفوس الطلاب، هذا التأثير الذي يحدد بدوره مستقبل الجيل الناشئ، وبالتالي مستقبل الأمة، يفرض علينا أن نحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يروم الانخراط في هذا المسلك، وحمل هذه الرسالة بأمانة وإخلاص، كي نستطيع أن نخلق جهازاً تربويا قادراً حقاً على أداء الرسالة.

فما هي الشروط التي ينبغي توفرها لدى الراغبين بهذه المهنة ؟

يمكننا أن نحدد، على ضوء التجارب التي مررنا بها هذه الشروط بثلاثة أمور أساسية :

1 ـ توفر الرغبة الصادقة للمتقدم لهذه المهنة .

2 ـ الإيمان بهذه الرسالة، والقدرة على حملها .

3 ـ الإيمان بالأخلاق والمثل الإنسانية العليا .

ولابدَّ لنا أن نوضح هذه الأمور بشيء من التفصيل للتعرف على مدى تأثيرها على العملية التربوية:

أولاً ـ توفر الرغبة الصادقة :

إن كل إنسان لا يمكنه أن يحقق نجاحاً تاماً في عمله ما لم تكن له الرغبة الكافية فيه، لأن الرغبة عنصر حاسم في دفع المعلم إلى التتبع والدراسة، بغية الوقوف على أحدث الأساليب التربوية من جهة، والإخلاص في أداء الواجب من جهة أخرى.

كما أن الاندفاع والرغبة تنعكسان بكل تأكيد على الطلاب الذين يتولى تربيتهم وتعليمهم، فتدفعه لتحضير مادة الدرس، ووسائل الإيضاح اللازمة، ويتعب نفسه من أجل إيصال المادة لهم، ويهتم بالواجبات المنزلية والصفية، وتصويبها، وبذلك ينشّط الطلاب، ويجعلهم يقبلون على الدرس بجد واشتياق .

ولو أننا أنعمنا النظر كيف أقبل المعلمون على هذه المهنة، وأجرينا إحصاءاً دقيقاً بصدد الذين جاءوا لهذه المهنة عن طريق الرغبة لهال لنا الأمر، ولأدركنا أي خطر يهدد المدرسة، ولأدركنا أسباب الفشل الحقيقية فيها .

إن معظم الطلاب الذين سدت في وجوههم أبواب الكليات قد وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع الذي اضطرهم إلى للجوء إلى كليات المعلمين، ودون رغبة منهم ، ليصبحوا بين عشية وضحاها معلمين تسلم لهم الرسالة وهم على مستوى من الضحالة لا تؤهلهم للقيام بها على الوجه الصحيح .

غير أنه لا يمكن أن يكون هذا الحكم شاملاً، فثمة آلاف من أولئك المعلمين قد اكتسبوا كفاءة مدهشة، واستخدموها في تعاملهم مع مهنتهم وطلابهم، واستطاعوا بجدارة أن يكونوا نموذج جيد لصانعي الأجيال .

إن عدم الرغبة، والعزوف عن هذه المهنة له بالطبع عوامل ومسببات لابدَّ لنا من دراستها، والوقوف عليها ومعالجتها، وإذ ذاك نستطيع تهيئة الآلاف المؤلفة من المثقفين الشباب الذين سيندفعون إلى الانخراط بهذه المهنة المقدسة.

إن العزوف عن مهنة التربية والتعليم، وعدم الرغبة بها يرجعان إلى العوامل التالية:



المنزلة الاجتماعية :

إن المعلم كما هو معلوم، جندي مجهول في ميدان المعركة التي تخوضها الشعوب ضد الجهل والفقر والمرض، وتربية الجيل الصاعد وإعداده لتحمل مسؤولياته المقبلة، نعم إنه جندي مجهول بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إنه الشمعة التي تحترق لتنير الطريق للأجيال الصاعدة نحو عالم أفضل، وحياة اسعد وأرفه، ولقد أجاد الفرنسيون حين وصفو التعليم بأنه {مهنة بلا مجد }، فالمهندس يتحدث عنه الناس بأنه مصمم هذه العمارة، والطبيب يقولون عنه بأنه نجح في العملية الطبية، والمحامي برع في تبرئة أو إدانة المتهم، أما المعلم ...فهو بصمت ... معلم ...!!

وبعد كل هذا يحق لنا أن نتساءل :

هل تتناسب المنزلة الاجتماعية للمعلم وعظم الرسالة التي يحملها، والواجب الذي يؤديه ؟

ولاشك أن هناك فرقا شاسعا في المنزلة الاجتماعية للمعلم بين البلدان المتقدمة وبلدان ما يسمى بالعالم الثالث.

ثالثاً : مدى إرضاء الطموح :

إن الإنسان ذا طموح لا حد له، إنه يعمل طوال حياته من أجل التقدم والسمو، ولن يتوقف هذا الطموح حتى النهاية وعلى هذا الأساس يحق لنا أن نتساءل :

هل تحقق هذه المهنة لصاحبها الطموح المنشود ؟

ونعود فنجيب أن المعلم [ خلق معلماً ويبقى معلماً ] .

إن مسألة إرضاء الطموح هي التي دفعت الكثير من الشباب المثقف القادر إلى العزوف عن هذه المهنة لكننا لا يمكن أن نسلم بهذا الواقع، بل ينبغي لنا أن نعالجه، ونعمل ما أمكننا التخفيف من آثاره السلبية إذا ما روعي ما يلي :

1 ـ ضرورة إدخال نظام المعلم الأول في المدارس، حيث أن لهذا النظام تأثير بالغ الإيجابية في تحفيز المعلم، وتحسين أساليب عمله، وجعله يشعر بالتقدم بترقيته إلى درجة معلم أول في المدرسة .

2 ـ ضرورة اختيار مديري المدارس من بين المعلمين الذين اثبتوا جدارتهم في عملهم، وإخلاصهم في أداء مهنتهم وحبهم لأبنائهم الطلاب، ومن دون أن تلعب العوامل (................) دورها في الاختيار وبذلك نكون قد حققنا هدفين معاً :

ا ـ اختيار المدير اللائق والجدير الذي يعتبر عنصراً هاماً في نجاح المدرسة .

ب ـ شعور المعلم بأن جهوده وأتعابه لم تذهب سدا، وإنما هي موضع تقدير وتثمين .

3 ـ ضرورة اختيار المشرفين التربويين من صفوف المعلمين الذين مارسوا التعليم والإدارة معاً مدة من الزمن لا تقل عن عشرة سنين ، حيث يكونوا قد اكتسبوا خبرة وتجارب جمة، وأدركوا المشاكل والمصاعب التي تواجه المدرسة، وأساليب حلها، ذلك أن الذي يعيش مشكلة ما هو أدرى بطبيعتها وطرق معالجتها من أي شخص آخر.

إن هذا التدرج في الخدمة التربوية والتعليمية سيثير بلا شك الطموح لدى المعلم .

ولا بد أن أشير هنا إلى أن التدرج في الوظيفة، وفي الترفيع، ينبغي أن يسبقه اختبار خاص للمرشحين لكي يكون الاختيار دقيقاً وأميناً .



إننا إن وفرنا عنصر الرغبة ، ورفعنا منزلة المعلم نكون قد أرضينا بعضاً من طموحه، عند ذلك نستطيع أن نجد الشباب المثقف القادر، الذي سيندفع للدخول في هذه المهنة، وبالتالي سنخلق مربين حقيقيين مؤمنين برسالتهم، عاملين في سبيل تحقيقها .

الشروط التي ينبغي توفرها للقبول في مؤسسات إعداد المعلمين :

جرت العادة في قبول الطلاب في الكليات أن تكون الدرجات التي حصل عليها الطالب أساساً في القبول، وطبيعي إن هذا الأسلوب في القبول ليس كافياً، ولا يمكن الاعتماد عليه في تأمين المعلمين الأكفاء، ولا بد أن تكون هناك شروطاً هامة ينبغي توفرها في الطالب المتقدم لهذه المهنة والتي يمكن تلخيصها بما يلي :

1 ـ ينبغي إجراء اختبار للطلاب المتقدمين في القدرات والذكاء والشخصية، إذ أن هذا الاختبار يمكننا من معرفة قابليات المتقدم وإمكاناته، ومدى صلاحيته لهذه المهنة.

2 ـ ينبغي الرجوع إلى ملف المتقدم للكلية في مدرسته الابتدائية و المتوسطة والثانوية، بغية الوقوف على حالته النفسية، وميوله، وهواياته، والمشاكل التي يعاني منها، وكل ما يتعلق بحياته، وهنا تبرز أهمية البطاقة الشخصية للطالب في المدرسة حيث بالإمكان الرجوع إليها لمعرفة كل ما يتعلق بالطالب من جميع النواحي بدقة وأمانة.

3ـ ينبغي التأكد من كون الطالب المتقدم لهذا الكلية أنه يرغب حقاً أن يكون معلماً، وأن دخوله في الكلية ناجم عن إيمانه بهذه المهنة، وليس بسبب ظروف أخرى .

إن الرغبة عنصر هام ينبغي توفره في كل طالب يروم الدخول في هذا الكلية.

4ـ إن إجراء المقابلة للطلاب المتقدمين إلى الكلية أمر ضروري حيث تُمكننا المقابلة من التعرف على شخصية المتقدم من نواحي عدة، شرط أن تكون هذه المقابلة دقيقة، لا شكلية.

.

الصفات التي ينبغي توفرها في المعلم:

أن المهمة الملقاة على عاتق المعلم هي بكل تأكيد شاقة وجسيمة، فهي تهدف إلى إعداد الأجيال المتلاحقة، جيلاً بعد جيل، اجتماعياً وأخلاقياً وعاطفياً، والعمل على تهيئة كل الوسائل والسبل التي تمكنهم من تنمية أفكارهم وشخصياتهم بصورة تؤهلهم للوصول إلى الحقائق بذاتهم، وبذلك يكونون عناصر فعالة ومحركة في المجتمع. إنها تهدف إلى إذكاء أنبل الصفات والمثل الإنسانية العليا في نفسية الجيل الصاعد وجعلهم يدركون حاجات المجتمع، ويتفاعلون معه، من أجل تحقيق تلك الحاجات، وبالتالي تطوير المجتمع، ورقيه وسعادته.

أن المعلم يستطيع، وبكل تأكيد، أن يؤثر إلى حد بعيد بطلابه، وإن هذا التأثير ونوعيته، ومدى فائدته وفاعليته يتوقف بالطبع على نوعية المعلم، وثقافته وقابليته وأخلاقه، ومدى إيمانه بمهمة الرسالة التي يحملها، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فإن كل أعمال المعلم وسلوكه وأخلاقه وصفاته تنعكس تماماً على الطلاب الذين يقوم بتربيتهم وتعليمهم. وعلى هذا الأساس ينبغي، إن أردنا النهوض بمدارسنا ومجتمعنا، أن نحدد الصفات التي ينبغي توفرها في المعلم، والشروط الواجبة في اختياره، والتي يمكن أن نحددها بما يلي :

1 ـ ينبغي للمعلم أن يكون ذا مظهر جذاب، حيث أن المظهر، وشخصية المعلم وهندامه تؤثر جميعها تأثيراً فعالاً في نفسية الطلاب وتجعلهم يقتدون به، ويتخذونه مثلاً أعلى في مظهرهم وهندامهم وشخصيتهم.

2 ـ ينبغي للمعلم أن يتصف بروح الفكاهة والمرح، لكي يستطيع جذب انتباه الطلاب نحوه، وجعل الدرس محبوباً إليهم، حيث يندفعون إليه بشوق وسرور.

إن نفسيته، وروحه المرحة ذات تأثير بالغ على نفوس الطلاب، وعلى مدى نجاحه في أداء مهمته في آن واحد، ولو أجرينا استفتاءاً لدى الطلاب حول شعبية المعلمين، والدروس التي يحبونها أكثر من غيرها لتأكد لدينا بشكل قاطع أن المعلمين الذين يتمتعون بهذه الصفة هم على قدر كبير من الشعبية، وأن دروسهم هي على قدر كبير من الرغبة لدى الطلاب.

3ـ ينبغي للمعلم أن يكون حسن التصرف في تربية أبنائه الطلاب، وحل مشاكلهم بروية وحكمة، فالمعلم يواجه خلال عمله كل يوم مشاكل لا حدّ لها، أخلاقية، وتربوية وتعليمية، وإن تذليل هذه المشاكل وحلها يتوقف على أسلوب المعلم وحكمته وحسن تصرفه.

ولابد أن أشير بهذا الخصوص إلى أن أساليب العنف ضد الأبناء التي تمارس في البيت، ومنذ الطفولة المبكرة نتيجة الجهل في أساليب التربية تسبب الضرر البليغ لشخصية الأطفال وتخلق لديهم العديد من الصفات السيئة والخطيرة ، كالخوف والانكماش والخنوع، وضعف الشخصية والتمرد على المجتمع.

4 ـ إن الوعي الاجتماعي لدى المعلم أمر مهم جداً، ولا يمكن الاستغناء عنه لأي معلم ناجح، ذلك أننا كما أسلفنا أن عملية التربية والتعليم هي عملية تفاعل اجتماعي تتطلب دراسة وفهم المجتمع دراسة وافية، والتعرف على ما يعانيه مجتمعنا من مشاكل وعيوب، وكيف يمكن معالجتها وتذليلها.

إن كل معلم يعزل نفسه عن المجتمع، ولا يشارك في فعالياته ومنظماته الاجتماعية، لا يمكن أن يكون معلماً ناجحاً.

5 ـ أن على المعلم أن يكون محباً لطلابه، متفهماً لحاجاتهم وسلوكهم، والعوامل التي تحدد هذا السلوك وتتحكم فيه، واعني بها الدوافع الإنسانية [الغرائز]، ذلك أن الغرائز هي التي تحدد سلوك الفرد، خيراً كان أم شراً، وهنا تبرز أهمية المعلم ودوره في صقل تلك الغرائز، وتوجيهها الوجهة الصحيحة الخيرة، حيث أن الغرائز لا يمكن أن تقهر، بل يمكن السمو بها إذا ما عرفنا كيف نتعامل مع أبنائنا الطلاب، ولاشك أن المعلم يستطيع صقل هذه الغرائز إن هو أدرك حقيقتها، ومدى تأثيرها في سلوك أبنائنا الطلاب، وعلى العكس من ذلك نجد هذه الغرائز إذا تركت وشأنها فكثيراً ما توجه صاحبها الوجهة الضارة الشريرة. إن غريزة التنازع على البقاء كانت تعني في المجتمعات المتخلفة البقاء للقوي والموت للضعيف، غير أنه بفضل التطور الحاصل في المجتمع البشري على مدى العصور، وبفضل ما توصل إليه العلم والعقل الإنساني يمكن أن تكون صراعاً ليس بين إنسان قوي وآخر ضعيف، أو أمة قوية وأخرى ضعيفة، بل بين المجتمع الإنساني ككل وبين الطبيعة، من أجل تهيئة كل الوسائل والسبل للسمو بمستوى حياة الإنسان المادية والمعنوية، فكل تطور في ميادين العلوم والصناعة والزراعة، وكافة مجالات الحياة الأخرى يهيئ، ويوفر كل حاجات الإنسان ومتطلباته.

6ـ ينبغي للمعلم أن يكون ميالاً للتجدد والتطور بشكل مستمر، حيث أن الأساليب التربوية قد تطورت تطوراً كبيراً عما كانت عليه في الماضي، فلا يوجد شيء في الوجود بحالة ثابتة جامدة، بل إن كل شيء في حالة تغير وتطور مستمر، ولابد للمعلم، أن هو أراد النجاح في عمله، أن يطور نفسه، ويطور معلوماته، ويجددها باستمرار، عن طريق التتبع والمطالعة، والوقوف على أحدث النظريات التربوية، وتجارب الآخرين في مضمار العلم والثقافة، والوقوف على آخر التطورات الحاصلة في عالمنا في شتى شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

إنه من المؤسف أن نجد الكثير من المعلمين ينتهي من الدراسة والتتبع حال استلامه شهادة التخرج، فكأنما قد بلغ درجة الكمال وكأنما العلم والمعرفة قد انتهيا عند هذا الحد.

لنسأل أنفسنا :

كم كتاباً يقرأ كل معلم خلال السنة ؟

كم محاضرة تربوية ألقيت في كل مدرسة خلال السنة ؟

كم دورة تربوية وثقافية نظمها التدريب التربوي للمعلمين ؟

وبالتالي كيف يمكن للمعلم أن يكون متجدداً ومتطوراً إذا لم يواكب التطورات الحاصلة في المجالات التربوية والاجتماعية في شتى بقاع العالم كي ينهل منها، ويطور معارفه بما يخدم العملية التربوية.

كيف ننهض بمستوى المعلم :

إن النهوض بمستوى المعلم منوط بلا أدنى شك بوزارة التربية والتعليم، فإن بإمكانها الارتفاع بمستوى المعلم وتجدده وتطوره وذلك عن طريق السبل التالية :

1 ـ فتح دورات تربوية وتثقيفية للمعلمين كل سنة، لتنمية وتجديد معلوماتهم في كافة مجالات الحياة المختلفة، بشكل تجعل المعلمين يندفعون إلى الدخول بهذه الدورات عن رغبة وارتياح، وذلك بمنح المعلمين أجوراً إضافية لساعات الدراسة، ومنح المعلمين المتفوقين امتيازات خاصة في الترفيع، كمنح القدم، وكذلك في المركز الوظيفي.

ومن المستحسن جداً الأخذ بنظام المعلم الأول، حيث تكون مهمة المعلم الأول للمادة في المدرسة بالإضافة إلى التعليم، القيام بالأشراف التربوي والتعليمي على عمل معلمي نفس المادة والطلاب معاً، وبهذا الأسلوب نستطيع أن نخلق في نفوس المعلمين الرغبة في الانخراط في هذه الدورات، والنجاح فيها، وفي التنافس فيما بينهم في مجال عملهم الوظيفي .

أن عنصر الرغبة هام جداً في تحقيق ما تهدف إليه هذه الدورات، وبدونها لا يمكن أن نحقق التجدد والتطوير المنشود لمعلمينا، وبالتالي تصبح الدورات هذه مضيعة للوقت والجهد والمال.

2 ـ مساعدة وتشجيع المعلمين في الدخول إلى الكليات المسائية، والعمل على إيجاد وتشجيع الدراسة عن بعد في هذه الكليات، ولاشك أن ألوفاً من المعلمين سوف يندفعون للدراسة والتتبع بسرور واشتياق، وخصوصاً العاملين منهم في القرى والبوادي والأرياف، حيث الفراغ الهائل الذي يعانون منه هناك .

ولابد وأن أشير هنا إلى نقطة هامة وهي محاولة الكثير من المعلمين الحاصلين على الشهادات العليا الانتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي، وأن هذا العمل يسبب ضرراً بالغاً لقضية التربية في المدارس الابتدائية بسبب فقدان العناصر ذات الكفاءة والنشطة في ملاك التعليم الابتدائي، وبالتالي تأخره وانحطاط مستواه.

أن بقاء المعلم الحاصل على الشهادة العليا أمر ضروري كي يساهم في رفع مستواه وتطويره بشرط أن ينال حقوقه كاملة، أسوة بزملائه مدرسي المدارس الثانوية .

3 ـ ضرورة قيام وزارة وإدارات التربية وجهاز الأشراف التربوي بإعداد الندوات التربوية للمعلمين، وجعلهم يقفون على آخر التطورات الاجتماعية والتربوية في مختلف بلدان العالم من جهة، والوقوف على نماذج من الأساليب التربوية والخبرات والتجارب التي حصل عليها المعلمون خلال عملهم، وعلى نماذج للمشاكل التي يصادفونها في المدرسة وطرق وأساليب علاجها .

4ـ ضرورة تعميم إدارات التربية والتعليم على كافة المدارس بأن تعقد كافة المدارس ندوات شهرية يساهم فيها المعلمون والآباء (والأمهات في تعليم البنات)، وتطرح خلالها القضايا التربوية التي تجابههم سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة، وطرق علاجها، على أن تكون هذه الندوات المدرسية إجبارية، وعلى أن تقدم كل مدرسة خلاصة البحوث والمناقشات والنتائج التي خلص إليها المجتمعون في هذه الندوات، وإرسالها إلى إدارات التربية والتعليم، وعلى إدارات التربية والتعليم إعداد جهاز خاص ذي قدرة وقابلية على دراسة تلك المحاضر وتنسيقها، بغية الوقوف على كافة الجوانب السلبية والإيجابية في أوضاع مدارسنا وطلابنا وطالباتنا، من أجل معالجة علمية لجوانبها السلبية، وتعميق وتعميم جوانبها الإيجابية، وبذلك تساهم مساهمة فعالة لا في رفع مستوى المعلم والمعلمة فحسب، بل وفي رفع مستوى الآباء والأمهات أيضاً .

5 ـ ضرورة خلق الروابط والاتصالات، وتبادل الخبرات بين المعلمين في مختلف بلدان العالم بغية الوقوف على احدث الأساليب التربوية والتعليمية التي تنتهجها، وكيف تعالج هذه البلدان مشاكل المعلمين والطلاب في آن واحد. وبالإضافة إلى ذلك فإن السفرات التي يقوم بها المعلمون على شكل وفود توسع من معلوماتهم، وتزيد من فهمهم لأحوال المجتمعات البشرية، وطريقة معيشتهم.

إن وزارة التربية والتعليم تستطيع أن تلعب دوراً بارزاً وفعالاً في هذا الخصوص ، وذلك عن طريق الاتصال بوزارات التربية والتعليم في مختلف البلدان لتسهيل هذه المهمة.

6 ـ إن من الضروري أن تصدر وزارة التربية والتعليم صحيفة أسبوعية على الأقل، واقترح أن تكون باسم [ المعلم ] حيث أن الصحف تقوم بدور هام جداً في حياة المجتمع، فهي تعكس المشاكل وتطرح الحلول لها، وتناقش مختلف الآراء، وبإمكان صحيفة [ المعلم ] أداء الأمرين الهامين التاليين :

أ ـ عكس المشاكل التربوية التي تجابه البيت والمدرسة، ومناقشتها، ووضع الحلول الصائبة لها.

ب ـ عكس مختلف الأساليب التربوية في دول العالم المختلفة كي يمكن للمعلم الوقوف عليها والاستفادة منها .

7 ـ إن تحديد عدد الساعات التي يقوم بتدريسها المعلم من جهة، وتحديد عدد طلاب كل صف من جهة أخرى أمران هامان يؤثران تأثيراً بالغاً على إمكانياته وكفاءته ورفع مستواه. أن حشر العدد الكبير من الطلاب في صف واحد، وإرهاق المعلم بالحصص سيقلل حتماً من نشاطه وحيويته من جهة، ولا يتيح له فرصة العمل المثمر، والتتبع والدراسة وتطوير قدراته، وقابليته من جهة أخرى.

لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية هذه النقطة فسعت إلى تقليص عدد طلاب الصف إلى أدنى حد ممكن، وكذلك قلصت عدد الحصص الأسبوعية لكل معلم، ليتمكن من أداء واجبه على الوجه الأكمل.

غير أن الحال في مختلف الدول النامية ودول العالم الثالث، مختلف تماماً، فالمعلم مرهق جداً، والصفوف لا نكاد نجد مكاناً للمرور فيها حيث حُشرت فيها أعداد كبيرة من الطلاب، بحيث أصبح من العسير على المعلم التفرغ لهم، وحتى معرفة أسمائهم وحفظها، كما أصبح من العسير عليهم إعطاء الواجبات المنزلية وتصويبها على الوجه الأكمل، وأصبح من العسير أيضاً دراسة مشاكل الطلاب وحلها بشكل تربوي سليم، فكيف يستطيع المعلمون أداء واجباتهما على الوجه الأكمل إذا كان الصف الواحد قد حُشر فيه أكثر من أربعين طالب وطالبة ، ولا أغالي إذا قلت أن بعض المدارس يزيد عدد طلابها على خمسة وأربعين طالباً ؟

إن 20 ـ24 طالباً وطالبة في كل صف من جهة ، و18 ـ20 حصة للمعلم من جهة أخرى كفيلان برفع مستوى المعلم والتعليم والتربية على حد سواء.

8 ـ هناك مسألة هامة جداً تلعب دوراً خطيراً في حياة المعلم، وتحدد مدى فاعليته وإخلاصه، واندفاعه في أداء واجباته، إنها مسألة تأمين الحياة السعيدة له، وذلك بتأمين حاجاته المادية.

إن واقع المعلم يكشف لنا عن مدى الضنك، وعدم الكفاية الذي يعاني منه، وإن الواجب يقتضي إعطاء مسألة تأمين الحاجات المادية للمعلم الأهمية المطلوبة وإعطائها الجدية والاهتمام اللازمين، بغية رفع إمكانيات المعلم وجهاديته، وتفرغه لعمله، ومن بين ذلك منحه المخصصات المهنية الإضافية أسوة بغيره من الأطباء والمهندسين والفنيين وغيرهم، في حين أن هؤلاء يمارسون عملهم في عياداتهم ومكاتبهم بعد الدوام والذي يدرّ عليهم دخلاً وفيراً !!

أليست عملية التربية مهنة تستحق هذه المخصصات ؟

أليست هذه المهنة اشق المهن وأقساها ؟

فلماذا نبخل على المعلم بمثل هذه الامتيازات التي يستحقها بكل جدارة شأنه شأن الآخرين ؟

إن عمل المعلم لا ينتهي بانتهاء الدوام المدرسي ،كبقية الوظائف ،بل على العكس يستمر عمله في البيت أيضاً ،حيث يقوم بتصحيح الواجبات المنزلية للطلاب، ويحضر الدروس لليوم التالي، علاوة على الجهود التي يبذلها في النشاطات اللاصفية لطلابه، والتي تأخذ من وقته الشيء الكثير.

أفلس من حق المعلم بعد هذا أن يمنح ليس فقط المخصصات المهنية، بل أن تكون له امتيازات أخرى من شأنها أن تدفعه للعمل بجد ونشاط، وتخفف من شعوره بأنه خلق معلماً وسيبقى كذلك.

إن بإمكان الدولة أن تعمل الكثير من أجل إرضاء طموح المعلم ،منها :

أ ـ منح المعلمين المخصصات المهنية.

ب ـ تأمين المساكن الصحية المريحة للمعلمين، وخاصة في القرى.

ج ـ منح المعلمين تخفيضات في وسائل النقل وغيرها .

إن هذه الامتيازات من شأنها أن تستثير في المعلم روح العمل والمثابرة، فيؤدي واجباته بسرور وانشراح .

9 ـ إن جهاز التعليم يضم في صفوفه عناصر غير جديرة بأي حال من الأحوال للقيام بهذا الواجب المقدس، بل على العكس من ذلك فإن وجودهم وبقائهم فيه خطر كبير على عملية التربية والتعليم، ولأجل معالجة هذه الأمور الحساسة ينبغي لوزارة التربية والتعليم القيام بما يلي :

أ ـ تطهير جهاز التعليم من كافة العناصر الخاملة والكسولة والتي يثبت فشلها، ونقلهم إلى وظائف أخرى.

ب ـ هناك عناصر لا يشجع سلوكها وأخلاقها على البقاء في سلك التعليم، وينبغي التخلص منها إن سلك التعليم ينبغي أن لا يفتح أبوابه إلا لمن اتصف بأسمى المثل الإنسانية، والأخلاق الفاضلة، لأن الطلاب يقلدون معلميهم في أعمالهم وسلوكهم وتصرفاتهم، وكما أسلفنا فإن عملية التربية ما هي إلا عملية تفاعل بين المعلمين والطلاب، وما العادات والأخلاق، والتصرفات التي تظهر لدى الطلاب إلا انعكاساً لعادات وتصرفات وأخلاق مربيهم سواء كان ذلك في البيت أم المدرسة.

ج ـ هناك العديد من المعلمين الذين بلغوا من العمر حداً جعل طاقاتهم للعمل محدودة، وبالتالي عجزوا عن القيام بواجباتهم التربوية بالشكل الذي يؤمن الفائدة المرجوة، لذلك فإن من الأفضل إحالتهم على التقاعد دون إبطاء، مع تكريمهم بالشكل الذي يستحقونه، جزاء ما قدموه من خدمات لأبناء شعبهم ووطنهم ، وليحل مكانهم العناصر الشابة ذات الكفاءة كي يستطيعوا حمل الرسالة بجد ونشاط .