المعلم
26-06-2008, 11:55 AM
د. محمد أبو بكر حميد
يحمل الطفل معه من البيت عندما يذهب للمدرسة لأول مرة موروثاً من السلوكيات يحتاج بعضها إلى تعديل وبعضها الآخر إلى تشجيع. وهذا يتطلب من البيت والمدرسة معاً نوعاً من التواصل المستمر لنجاح التعديل والتشجيع، إذ بدون هذا التواصل لا تكتمل العملية التعليمية دون العملية التربوية.
ومن هنا تكمن صعوبة وأهمية اختيار معلمي ومعلمات المدارس الابتدائية التي يجب ألا يُستهان بها لسهولتها التعليمية، فالمسؤولية التربوية التي يتحملها المعلم فيها أكبر من تلك التي المنوطة بمعلمي المستويات الدراسية الأعلى.
لا يمكن للآباء والأمهات أن يكونوا خبراء في التربية وحتى الآباء الذين لهم صلتهم أو دراية أو ثقافة بالشأن التربوي يجب ألا نتوقع منهم أن يكونوا مثاليين في تعاملهم مع أطفالهم، لهذا فإننا سنجد أمثلة عدة للأطفال الذين يحتاجون لفهم في التعامل مع السلوكيات التي تعودوا عليها في البيت حتى لا تحدث لهم صدمة فيكرهون التعليم والمدرسة. فهناك الطفل المدلل أو وحيد والديه الذي تعود منهما الاستجابة لكل طلباته، والاهتمام بكل ما يخصه وكأنه وحده مركز الكون، فإذا جاء إلى المدرسة ولم يجد هذا الاهتمام الكبير، ووجد اهتمام المعلمة أو المعلم يتوزع على الجميع وربما يتم تجاهله عن غير قصد، يُصدم ويرفض المدرسة، وهناك أطفال يصطحبون معهم من بيوتهم سلوك العنف والقسوة الذين قد يرونه ماثلاً أمامهم في البيت في التعامل بين الأب والأم أو بينهما وبين أولادهم الأكبر سناً، وهناك أيضاً الطفل الذي ينشأ في الرعاية المطلقة للخادمة في ظل الانشغال التام للأم بعملها أو بمظاهرها الاجتماعية فيكتسب أخلاقيات وقيما لا تتصل بسلوك المجتمع العربي المسلم التي ينبغي أن تُغرس في مثل هذا الطفل. وبهذا كله وأكثر منه يأتي إلى المدرسة الابتدائية وما قبلها من مراحل التربية والتعليم أطفال يحتاجون إلى الحنان وأطفال يحتاجون الاهتمام، وأطفال لا يميزون في القيم والسلوك بين ما يجوز وما لا يجوز، وأطفال لا يعرفون شيئا عن معايير الاحترام بين الناس، وأطفال لا يعرفون قيمة الوقت والماء.
والحقيقة أن غياب القدوة داخل البيت سواء في تعامل الأب مع الأم أو تعامل الأبوين مع الأبناء الآخرين ومع الناس له تأثير في سلوكيات الطفل في هذه المرحلة العمرية، فقد تحدث داخل البيت أمورا وسلوكيات يظن الكبار أنها أهون من أن يتأثر بها الطفل، وهم لا يعلمون أن ذاكرة الطفل - الذي قد يبدو لا مبالياً - تختزن وتتأثر بكثير مما يحدث في محيط الأسرة: وينعكس هذا التأثير - لا شعورياً - على سلوكه في المدرسة والمجتمع. وعليه فإنه من أولويات الجهات التعليمية في المدارس الاهتمام بهذا الجانب التربوي السلوكي وتوجيه المعلمين والمعلمات في المراحل التمهيدية والابتدائية بمراقبة سلوكيات هؤلاء الأطفال، وتفهم نفسية كل طفل على حدة من خلال إشراف تربوي مباشر على العملية التعليمية يفهم منها المعلمون أن تربية الناحية السلوكية عند الطفل لا تقل أهمية أبداً عن تنمية القدرات التعليمية عنده بل ترتبط بها ارتباطا وثيقاً، ولكن هذه المهمة لا يمكن أن تتم بنجاح دون مبادرة المدرسة بالتواصل مع الوالدين، وهو دور يجب أن تؤديه المشرفة أو المشرف على الفصل الدراسي أو المعلم والمعلمة، ولا بد للوالدين من التجاوب مع المدرسة في هذا الشأن، والأسرة الأقل وعياً بهذا يجب ألا تجد المدرسة غضاضة في توعيتها بذلك.
وفي الوقت نفسه يجب أن يتنبه الإشراف التربوي في المدارس لأخطاء يرتكبها حتى المعلمون والمعلمات الممتازات دون قصد مثل التمييز بين التلاميذ الأطفال في الفصل الواحد من حيث إعطاء الاهتمام فقط للمتفوقين منهم.
وهذا أكبر خطأ تربوي يرتكبه المعلمون مع تلاميذ المرحلة العمرية المبكرة لأنه يقود إلى إحباط الأطفال الآخرين الذين يحتاجون إلى الاهتمام والتشجيع بدلا من الإهمال كما يجب على المعلمين والمعلمات لطلاب هذه المرحلة المبكرة تجنب التوبيخ أمام الآخرين وعدم التلفظ بالكلمات الجارحة التي تترك أثراً في نفس الطفل يلوث صفاءها وبراءتها، كما يجب أيضاً عدم إلقاء الأوراق والنواهي لهؤلاء الأطفال دون تفهيمهم السبب الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي لذلك، فبدون الفهم لا نستطيع أن نصنع جيلاً شجاعاً واعياً يعيش بدون عقد الخوف والإحباط والأوامر التي لا يفهم سببها!!
كما لا بد أن يوجد في المدارس إشراف قوي على التربية السلوكية أكبر من الدور الذي يؤديه المشرف أو المشرفة الاجتماعية، فما تعانيه المدارس المتوسطة والثانوية اليوم من مشكلات سلوكية وأخلاقية مع طلابها وطالباتها وما نسمعه من شكاوى وقصص مذهلة من المدرسين والمدرسات ما هي إلا نتيجة لغياب التربية السلوكية التي نتحدث عنها، وحتى المدارس التي تفاخر بمستوياتها التعليمية العالية فإنها إذا افتقدت التربية السلوكية لطلابها وطالباتها فإنها ستكون كالذي يحرث في البحر فما فائدة تخريج إنسان متعلم تعليماً عاليا لكن لا خلاق له؟!
إنما الأمم بالأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يحمل الطفل معه من البيت عندما يذهب للمدرسة لأول مرة موروثاً من السلوكيات يحتاج بعضها إلى تعديل وبعضها الآخر إلى تشجيع. وهذا يتطلب من البيت والمدرسة معاً نوعاً من التواصل المستمر لنجاح التعديل والتشجيع، إذ بدون هذا التواصل لا تكتمل العملية التعليمية دون العملية التربوية.
ومن هنا تكمن صعوبة وأهمية اختيار معلمي ومعلمات المدارس الابتدائية التي يجب ألا يُستهان بها لسهولتها التعليمية، فالمسؤولية التربوية التي يتحملها المعلم فيها أكبر من تلك التي المنوطة بمعلمي المستويات الدراسية الأعلى.
لا يمكن للآباء والأمهات أن يكونوا خبراء في التربية وحتى الآباء الذين لهم صلتهم أو دراية أو ثقافة بالشأن التربوي يجب ألا نتوقع منهم أن يكونوا مثاليين في تعاملهم مع أطفالهم، لهذا فإننا سنجد أمثلة عدة للأطفال الذين يحتاجون لفهم في التعامل مع السلوكيات التي تعودوا عليها في البيت حتى لا تحدث لهم صدمة فيكرهون التعليم والمدرسة. فهناك الطفل المدلل أو وحيد والديه الذي تعود منهما الاستجابة لكل طلباته، والاهتمام بكل ما يخصه وكأنه وحده مركز الكون، فإذا جاء إلى المدرسة ولم يجد هذا الاهتمام الكبير، ووجد اهتمام المعلمة أو المعلم يتوزع على الجميع وربما يتم تجاهله عن غير قصد، يُصدم ويرفض المدرسة، وهناك أطفال يصطحبون معهم من بيوتهم سلوك العنف والقسوة الذين قد يرونه ماثلاً أمامهم في البيت في التعامل بين الأب والأم أو بينهما وبين أولادهم الأكبر سناً، وهناك أيضاً الطفل الذي ينشأ في الرعاية المطلقة للخادمة في ظل الانشغال التام للأم بعملها أو بمظاهرها الاجتماعية فيكتسب أخلاقيات وقيما لا تتصل بسلوك المجتمع العربي المسلم التي ينبغي أن تُغرس في مثل هذا الطفل. وبهذا كله وأكثر منه يأتي إلى المدرسة الابتدائية وما قبلها من مراحل التربية والتعليم أطفال يحتاجون إلى الحنان وأطفال يحتاجون الاهتمام، وأطفال لا يميزون في القيم والسلوك بين ما يجوز وما لا يجوز، وأطفال لا يعرفون شيئا عن معايير الاحترام بين الناس، وأطفال لا يعرفون قيمة الوقت والماء.
والحقيقة أن غياب القدوة داخل البيت سواء في تعامل الأب مع الأم أو تعامل الأبوين مع الأبناء الآخرين ومع الناس له تأثير في سلوكيات الطفل في هذه المرحلة العمرية، فقد تحدث داخل البيت أمورا وسلوكيات يظن الكبار أنها أهون من أن يتأثر بها الطفل، وهم لا يعلمون أن ذاكرة الطفل - الذي قد يبدو لا مبالياً - تختزن وتتأثر بكثير مما يحدث في محيط الأسرة: وينعكس هذا التأثير - لا شعورياً - على سلوكه في المدرسة والمجتمع. وعليه فإنه من أولويات الجهات التعليمية في المدارس الاهتمام بهذا الجانب التربوي السلوكي وتوجيه المعلمين والمعلمات في المراحل التمهيدية والابتدائية بمراقبة سلوكيات هؤلاء الأطفال، وتفهم نفسية كل طفل على حدة من خلال إشراف تربوي مباشر على العملية التعليمية يفهم منها المعلمون أن تربية الناحية السلوكية عند الطفل لا تقل أهمية أبداً عن تنمية القدرات التعليمية عنده بل ترتبط بها ارتباطا وثيقاً، ولكن هذه المهمة لا يمكن أن تتم بنجاح دون مبادرة المدرسة بالتواصل مع الوالدين، وهو دور يجب أن تؤديه المشرفة أو المشرف على الفصل الدراسي أو المعلم والمعلمة، ولا بد للوالدين من التجاوب مع المدرسة في هذا الشأن، والأسرة الأقل وعياً بهذا يجب ألا تجد المدرسة غضاضة في توعيتها بذلك.
وفي الوقت نفسه يجب أن يتنبه الإشراف التربوي في المدارس لأخطاء يرتكبها حتى المعلمون والمعلمات الممتازات دون قصد مثل التمييز بين التلاميذ الأطفال في الفصل الواحد من حيث إعطاء الاهتمام فقط للمتفوقين منهم.
وهذا أكبر خطأ تربوي يرتكبه المعلمون مع تلاميذ المرحلة العمرية المبكرة لأنه يقود إلى إحباط الأطفال الآخرين الذين يحتاجون إلى الاهتمام والتشجيع بدلا من الإهمال كما يجب على المعلمين والمعلمات لطلاب هذه المرحلة المبكرة تجنب التوبيخ أمام الآخرين وعدم التلفظ بالكلمات الجارحة التي تترك أثراً في نفس الطفل يلوث صفاءها وبراءتها، كما يجب أيضاً عدم إلقاء الأوراق والنواهي لهؤلاء الأطفال دون تفهيمهم السبب الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي لذلك، فبدون الفهم لا نستطيع أن نصنع جيلاً شجاعاً واعياً يعيش بدون عقد الخوف والإحباط والأوامر التي لا يفهم سببها!!
كما لا بد أن يوجد في المدارس إشراف قوي على التربية السلوكية أكبر من الدور الذي يؤديه المشرف أو المشرفة الاجتماعية، فما تعانيه المدارس المتوسطة والثانوية اليوم من مشكلات سلوكية وأخلاقية مع طلابها وطالباتها وما نسمعه من شكاوى وقصص مذهلة من المدرسين والمدرسات ما هي إلا نتيجة لغياب التربية السلوكية التي نتحدث عنها، وحتى المدارس التي تفاخر بمستوياتها التعليمية العالية فإنها إذا افتقدت التربية السلوكية لطلابها وطالباتها فإنها ستكون كالذي يحرث في البحر فما فائدة تخريج إنسان متعلم تعليماً عاليا لكن لا خلاق له؟!
إنما الأمم بالأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا