مشاهدة النسخة كاملة : ديوان المدينة ( الصفراني )
المحب للوطن
14-06-2008, 01:08 AM
خلال الأسبوع الماضي كنت متواجداً في مدينة المصطفى عليه السلام
فذهبت إلى مكتبة دار الزمان لعلي أجد كتابا يعجبني طرحه فأقتنيه
أثناء تجولي بين أركان المكتبة وجدت ديواناً جميلاً قرأت فيه قليلاً
فأعجبني بجمال شعره وعذوبته فذهبت إلى البائع وناولته أجره
كان هذا الديوان للدكتور / محمد سالم الصفراني الجهني
أستاذ النقد الحديث المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة طيبة
اسمه / ديوان المدينة
سأترككم لتحكموا بأنفسكم على عذوبة الألفاظ وجمال المعاني
عن الوطن
وطني ..،
صباحُ
الخيرِ والأفـراحِ
وطني ..،
صباحُ
الشعرِ والإفصـاحِ
وطني ..،
صباحُ
الخيلِ
والأمجادِ
والأوقاتُ فيكَ أقاحِ
هـا
قد صحوتُ على الهوى
يا آسري ..
ووجدتُ قلبكَ
بانتظاري صاحي
يُلقي
بذورَ النورِ
في تَفْتيحَتي
ويصبُّ
ماءَ الشمسِ
فـي أقْـداحـي
ولقد نثرتُ
على ضُحاهُ
أمانياً
وجَمَعْتُهُنَّ
حقائقاً برواحي
باقٍ على عهدِ الوفا
في عِزَّةٍ .
إنّ الوفا :
يا روحَ روحي سلاحي
عن المدينة
حينَ
أنطقُ اسمَها
ينمو النخيلُ
على فمي
وتطرزُ الأزهارُ
صوتيَ
والخمائلُ
لَحْظتي
ويُعطِّرُ النعناعُ
سلَّةَ أحرفي
وتعرِّشُ الأعْنَابُ
في لُغتي
فيَخْضَرُّ الكلامْ
وحينَ
أذكرُ أنسَها
تَعْشَوْشِبُ الأنغامُ
بين مشاعري
وتزورُني
الأوتارُ
والموالُ
أرحلُ
في بهاءْ
وأعودُ مبتلاً
بماءِ الأمسياتِ
وفي يديْ
مُدُنٌ
من اللذَّاتِ
تَعْمُرُ مهجتي
فيُعشِّشُ الحَرَمِيُّ
فوقَ حواجِبي
وتطيرُ
من عينيْ
إلى الدنيا
ملايينُ الحمامْ
وحينَ
ألمحُ
نورَها الفيّاضَ
تُشْرِقُ بي
شموعُ
منارةٍ
فأشعُّ روحانيةً
وتهيمُ روحيَ
في صفاءْ
والنورُ
يبهرُني
فينفلتُ الزِّمامْ
وحينَ
جاءَ البدرُ
منتصفَ
الشهرْ
دقُّـوا
بنوا النجَّارِ
بابَ
الذِّكرياتْ
" فطلعَ البدرُ علينا
من ثَنِيَّـاتِ الوداعِ
وجَبَ الشكرُ علينا
مـا دعـا لله داعِ
أيها المبعـوثُ فينا
جئتَ بالأمرِ المطاعِ
جئتَ شرَّفْتَ المدينةَ
مرحباً يا خيرَ داعِ "
يا إلـهـي ..
كلُّ هذا
فيكِ
يا خيرَ البقاعِ
وحينَ
أمشي
حولَ مسجدِها
يُظلِّلُني لِواءُ
أسامةٍ
ويرشُّ سمعيَ
صوتُ حسانَ بنَ ثابت
وهو يُلْقي
في الجيوشِ قصيدةً
يدوْرُ من إيقاعِها
بابُ السَّلامِ
رَجَفَتْ لها الدنيا
وغنَّتها القِمَمْ
واهتزَّ من إنشادِها
بحرُ الهِمَمْ
فتثورُ
أنْصاريتي
وأغوصُ بين زحامِ تكبيراتِهم
وتجولُ خيلُ الفتحِ
عزميَ
والشهادةُ
خافقيْ
وأصيرُ
في دار السلامْ
http://dr-mohammadalsafrani.net/images/qae1.gif
المعلم
14-06-2008, 01:15 AM
فعلا أخي المحب للوطن
ألفاظ عذبة موشحة بأسماء لها في سماء الدعوة ضياء
تحيتي لكم
دايم السعد
14-06-2008, 01:23 AM
فعلا أخي المحب للوطن
ألفاظ عذبة موشحة بأسماء لها في سماء الدعوة ضياء
شكرا لكم
تقبل أطيب تحية
المحب للوطن
14-06-2008, 01:25 AM
فعلا أخي المحب للوطن
ألفاظ عذبة موشحة بأسماء لها في سماء الدعوة ضياء
تحيتي لكم
معلمي الفاضل
مرور عذب كالبلسم شرفتنا به
الدكتور / محمد كاتب بزاوية أسبوعية عنوانها [ فضاءات ] في صحيفة الرياض
المحب للوطن
14-06-2008, 01:28 AM
فعلا أخي المحب للوطن
ألفاظ عذبة موشحة بأسماء لها في سماء الدعوة ضياء
شكرا لكم
تقبل أطيب تحية
دايم السعد
بورك بك لمرورك الكريم
لك أرق التحايا
المحب للوطن
14-06-2008, 01:35 AM
منقول من موقع الدكتور / محمد الصفراني
- المؤلفات الفكرية والنقدية :
1- شعر غازي القصيبي دراسة فنية ( كتاب الرياض الطبعة الأولى 2002 م ) .
2- التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث ( 1950- 2004م ) الطبعة الأولى المركز الثقافي العربي ( 2008م )
3 - الشعر العربي الحديث في شبه الجزيرة العربية ( معد للطبع ) .
4- علم تجويد الشعر العربي الحديث ( معد للطبع ) .
- المؤلفات الإبداعية :
1- المدينة " شعر " – النادي الأدبي في المدينة المنورة – ط1 – 1425هـ
2- شارب المحو " شعر " – النادي الأدبي في الرياض – ط1 – 1426هـ
3- آناء الخبت وأطراف القفار " شعر " – معد للطبع .
بحوث ودراسات
1- ريادة العواد الشعر الحر وتلقيها في الدراسات النقدية والأدبية .
2- علم تجويد الشعر العربي الحديث .
3- نقد النقد : اتجاهات النقد الأدبي في السعودية من واقع ملتقى قراءة النص الثاني .
4- تقنيات الوصف في شعر عبد القدوس الأنصاري .
المحب للوطن
20-06-2008, 02:34 AM
الحارة
في حيِّنا
نضجتْ حكاياتُ الغرامِ
على لسانِ رَعِيلِنا
فتكونتْ
للعشْقِ مملكةٌ
وللعشاقِ مكتبةٌ
وللأدبِ الرفيعِ
نِقابةٌ
فحفظتُ أشعارَ
الهوى
ورويتُ أخبارَ
النَّوى
وتخرَّجتْ
نفسي
بجامعةِ الجَمالِ
ونُلْتُ مرتبةَ الشرفْ
فكتبتُ
في أحلى البقاعِ
قصائدي
ورسمتُ في كلِّ الجهاتِ
حدائقي
وقطفتُ
في وقتِ
الأصيلِ
الرائعِ
الألوانِ
من أشجارِها
لحنَ الطيـور
*
في حيِّنا
كل البيوتِ زخارفٌ
يتكلمُ الإبداعُ فيها
ما يشاءُ من اللغاتِ
وعندما
يهمي المطرْ
تُحيي
المزاريبُ العتيقةُ
عزفَها
فيراقصُ الماءُ
الأزقةَ
عاشقاً
قد أثملتْهُ
مفرداتُ
الرقرقهْ
*
في حيِّنا
كم كان ينبضُ عشقُنا
لله
للإنسانِ
للأشياءِ
للحرمِ الشريفِ
وللحَمَامِ
يحومُ في ساحاتهِ
وعلى المنائرَ
يلقطُ التكبير
يطعمهُ مسامعَنا
ونفلتُ
من يدِ اللهو المباحِ
فَعِمْتَ
يا ذاك الصباح
المحب للوطن
22-06-2008, 01:54 AM
إياب
هل تذكرينَ...
حبيبتي ؟
هل تذكرينْ ؟
هل تذكرينَ ...
مدينتي ..
هذا الولدْ ؟
هذا الذي
عاشَ الطفولةَ
بين أحضانِ البلدْ
فَغَدَتْ أزِقَّتُهُ
عُروقاً
والبيوتُ له جسدْ
والروحُ
مسجدُكِ الشريفُ
وعمرُهُ :
الأحياءُ
يسكنُها التآلفُ والسعدْ
خلَّدْتُ أحلى
ذكرياتِ العمرِ فيها لا نَكَدْ
واستعبدتْ
قلبي الرواشينُ التي
منها الشروقُ
وفي بدائعها
أهيمُ
بغير حدْ
وتنفستْ
روحي المدينةَ
لم أعدْ
أرضى بغيرِ نسيمِها
نَفَساً
وغيرِ نخيلِها
ناياً
أبثُّ به الشعورَ
إلى الأبدْ
ردَّتْ حياتي
بعد بعضِ تأملٍ
- فعلاً
تغيَّرَ شكلهُ
لكنَّهُ
نَفْسُ الولدْ
المحب للوطن
23-07-2008, 04:09 PM
صباح العيد
أدَّوا صلاةَ العيدِ
وانتشروا
فَراشاً
رائعَ الألوانِ
في كلِّ اتجاهْ
أزياؤهمْ
تحتجُّ بالإبهاجِ
في وجهِ الرياءِ
وعطرُهمْ
هذا الزكيّ
الباذخ الإيحاءِ
يعبقُ بالرفاهْ
أخذوا الجوائزَ
كُلُّهمْ
والأمرُ يومئذٍ
لضحكاتِ المشاعرِ
والهوى
أممٌ على أنحاءِ بهجتهمْ
فما أحلى الحياهْ
الحايس
23-07-2008, 04:41 PM
مشكور الاخ الكريم المحب للوطن اسعدنى جدا ماورد من اطلالتك الجميله اسأل الله التوفيق لكم ولنا
اخوك الحايس
المحب للوطن
24-07-2008, 01:17 AM
مشكور الاخ الكريم المحب للوطن اسعدنى جدا ماورد من اطلالتك الجميله اسأل الله التوفيق لكم ولنا
اخوك الحايس
أخي الحايس
بل والله أنا من سعد بجمال إطلالتك ووجودك هنا
لك أجمل التحايا
المحب للوطن
27-07-2008, 03:31 PM
تلك السنينُ
الليلُ
والشايُ الكميتُ
على أساطيحِ المنازلِ
في المدينةِ
جنةٌ
من تحتِها
تجري
أحاديثُ السَّمَرْ
*
رقراقةً
لبَنَاً وخمراً
لذةً
للسامرينَ على القمرْ
*
وتطلُّ
أبراجُ الحَمَامِ
كأنَّها
من عَذْبِ ما سمعتْ
تقصُّ لنا خبرْ
*
والجوُّ
معلولُ النسيمِ
مُرَنَّحٌ
بالحبِّ
والنعناعِ
والوردِ المدينيِّ العَطِرْ
*
والنجمُ ..،
خيطُ ضيائه
بعيوننا
يلهو
كما يلهو الوَترْ
*
تلك السنينُ
بعمرنا
واليومَ
لاشيءٌ
يسرْ
المحب للوطن
30-07-2008, 12:24 PM
توحد
أنا بعضُ ( طابا ) الحُبِّ
ما عدتُ دارياً
هواها الذي يمشي
على الأرضِ
أمْ أنـا
صغـيـراً
تعلمـتُ الغـرامَ
بحسنِها
فألفيتُني مَغْنىً
تُـزيِّنـه المـُنى
تعلمتُ منها
كيـف أغـدو قصيدةً
ويُنشِدُني
هـذا الجمـالُ
على الـُّدنا
فدوزَنْـتُ أرواحَ الشـوارعِ
مزهـرا
وأَصغى إلى عـزفي الجمادُ
فـأَذعنا
بها من عريقـاتِ المـدائنِ
مجدُها
ومنْ رحلةِ التّـاريخِ
أعظمُ من بنى
وفيها على مَـرِّ الزمـانِ
سَكِيْـنَةٌ
ورَوْحٌ لنفسٍ
هدَّها الضيـقُ والضّنا
المحب للوطن
08-08-2008, 04:05 AM
المدينة أمانتكم
المدينة حبيبتي
إنّي عشـقـتُكِ والأرواحُ أجـنـادُ = ورحلـةُ الحـبِّ أمجـادٌ وأعـيادُ
وروعةُ العشقِ في قلبي قد انغرستْ = أزهارُهـا وليـالي العمـرِ أعـوادُ
وردُ المدائنِ فـي عـينيكِ بعـثرني = فلَملـمي عاشقـاً للـوردِ ينحـادُ
أَرَزْتِ في مهجتي ما لي سواكِ هوى = كأنمـا في ثـراكِ المسكِ أصفـادُ
لا تعتقـيني بحقِّ العشـقِ فاتنـتي = فعتقكِ الأسرُ هـلْ للأسـرِ قصادُ ؟!
تغلغـلي في عـروقي واكتبي بدمي = قصـيدةَ الحـبِّ والإلهـامُ منقـادُ
وصففي شـوقي المنفـوشَ أدعيةً = ما ينثـني فـي ثنـايا اللـيلِ عبادُ
يا طيبةَ الحبِّ من أينَ الوصولُ إلى = بَـرِّ المحبـةِ والأجـواءُ إرعـادُ ؟
كلُّ اللواتي هواهنَّ استبـاحَ دمـي = مضينَ .. والسيفُ صولاتٌ وإغمادُ
ما ( للمدينيةِ ) الحسناءِ قد صرفتْ = عـنّا هـواها ؟ وغصنُ الغيدِ ميّادُ
كانتْ تفـيضُ حنـاناً في مقـابلتي = وللمـحـاسـنِ أبعـادٌ .. وأبعـادُ
تحتَ السِّـوارينِ نقشٌ من مخيلتي = وفـي السَّـوَادَيْنِ نسـرينٌ وكـبادُ
حتى العقيق الذي كان اللقـاءُ بهِ = أنشـودةً لحـنُها لـيلى وأمـجـادُ
ما عادَ يذكـرني ، نَسى مُفـاجأتي = في كـلِّ يـومٍ وما للـهـوِ إعـدادُ
ذكَّـرتُهُ بالذي قـد كان فانبجستْ = منه الحكـاياتُ لـم يُعْـوِزْهُ إسـنادُ
إنّي (المديني) ذو الصّبْواتِ تعرفُني = هذي الظِّـلالُ وكـلُّ الغِـيْدِ أشهـادُ
كم في قُـباءَ وفي قُـرْبانَ قََرَّبَني = ِمنهُنَّ عشـقٌ ورَوَّى الشَّـوقَ ميعادُ
فقرِّبي شاطئَ الأفـراحِ وابتسـمي = لـم يـبـقَ إلاّكِ لـي مـاءٌ ولا زادُ
يا طيبةَ الحـب ما أبعدتُ مُـزْدرِياً = آسـاسُ أقـدارِنـا قـربٌ وإبـعـادُ
بدأتُ في الحب يا طَـيْبي مغامَرتي = مذْ كنتُ طفـلاً وشـوقُ الطفلِ آسادُ
وعدتُ لا شيءَ غيرَ الوعدِ أصْـدَقُهُ = ما كان منكِ فما أَوْفُوا وما كـادوا
هواكِ أغنيتي ، لا شيءَ يطـربني = فكيفَ ينئـيكِ إتـهـامٌ وإنـجـادُ
هذي المنائرُ عـاشتْ في مخـيلتي = لما ارتحلتُ فجـوفُ اللـيلِ وقـادُ
وتلكمُ الهجـرةُ البيضـاءُ تُدخِـلُني = عـوالمَ النُّـورِ والتَّـنـويرُ صعَّـادُ
شمسُ الحضاراتِ من عينيكِ مشرقُها = نورٌ على نورِ مـنهُ الكـونُ يَزدادُ
لك الهوى والرؤى والشوقُ ياعمري = ولي بقـربـكِ جـنّـاتٌ وإسْـعـادُ
وقطعةٌ من رياضِ الشِّعرِ تُنشـدُها = صـوادحُ الفجـرِ والأنسـامُ إمدادُ
فبادليني الهوى واستمطري صوراً = عَفْـويَّة الرسـمِ يسري فيهِ إيقـادُ
يا طيبة الحبِّ هلْ لي فيكِ ملتجأ ؟ = ففـوقَ صـدري للأحـزانِ أطـوادُ
ضجرتُ من وحْشَةِ الأيامِ فاحتضني = من جـاءَ تُزجـيهِ رمضـاءُ وجلادُ
من بعد ما طُفتُ دنيا التيهِ مرتحلاً = الدربُ لي خـيمةٌ ، واللـيلُ أوتـادُ
أتـيتُ في خيلِ شِعرٍ جامحٍ لغـتي = خيلٌ غَـزَتْها على مـاءِ الصِّبا الضادُ
أتـيتُ أخطـبُ وداً مـنكِ أعـرفهُ = ويرفـعُ الشعـرَ مهـراً فيكِ إنشـادُ
قصـيدتي أنتِ هذا بعـضُ زخرفِها = حبـيبـتي أنتِ والأقـطـارُ حُسَّـادُ
أتيتُ أسـترجعُ التـاريخَ أسـألُهُ = عـن التفاصيل عن رهْـطٍ هنا سادوا
عن مسجدٍ فيه خيرُ الخلقِ قاطبـةً = - الله أكـبرُ – هـذا القـبرُ مـيلادُ
عن أمـةٍ أرْخَصَتْ للدِّينِ ما ملكتْ = عـن الـبـدايـاتِ أحـداثٌ وأفـرادُ
فهـذه بَـزَّةُ التـَّاريخِ تلـبسُـني = وصُحـبةُ الفـتـحِ أجـنـادٌ وقـوادُ
وجئتُ أستنشـقُ النعـناعَ تتبعني = من أخصـبِ الأرضِ غـابـاتٌ وروادُ
وأسـألُ النخـلَ عن ما علَّقـُوه بهِ = من العـتادِ الذي أبلـى بمـنْ حادوا
فنسقـيني على عينيكِ حقـلَ هوى = أُمـارسُ الشعـَر والأهـدابُ نُقَّـادُ
يا طيبةَ الحـبِّ من أين الوصولُ إلى = دنيـا السعـادةِ والأحـوالُ أنْكَـادُ ؟
ما للطـمأنينةِ الزرقـاءِ قد بَهتتْ ؟ = وللسـكـينـةِ أمـراضٌ وعـوادُ ؟
أين الـوِدادُ بهِ الحاراتُ ناعـمةٌ ؟! = وأين جـيرانُنُـا جُـوْدٌ وأجْـوادُ ؟!
أين الرواشِـينُ والحسناءُ باسمةٌُ ؟! = أين الحمـامُ .. وأين العـمُّ خلادُ ؟!
أين الشِّرابُ وحَرُّ الصيفِ يُثلجُها ؟! = وأين يا غَيمُ بعد العـصرِ بَـرَّادُ ؟!
ورِفْقـةٌ كـانتْ الحـاراتُ تجمعُـهم = تهـدَّمـتْ وانطـوى قـيسٌ وعَـَّبادُ
كأنهم ما أتوا بَطْحَـان فـي ألَـقٍ = وقـالـوا للسَّـِّد : ما للمـاءِ أقْـيادُ
كانوا همُ المـاءُ لكنْ عَطْـشةٌ طرأتْ = على الزمـانِ ، ولـلأيـامِ إنـفـادُ
فالهَمُّ مُنتـصِرٌ ، والأنسُ مُنكـِسرٌ ، = والعُـودُ مُنتحِـرٌ ، والدَّربُ أسْـدادُ
والشـوق مُنتشِرٌ ، والقـلبُ مُنتظِرٌ ، = ما أجملَ العيشَ لو أهلُ الهوى عادوا
يا طيبةَ الحبِّ صدتي في الورى مُهَجاً = فكيف يسقـطُ في الأفـخاخِ صيادُ ؟
وكـيف يَتْـجُـُر أبنـاءٌ بأمِّـهُـمُ ؟ = وكيف يلبـسُ ثـوبَ المالِ زُهَّـادُ ؟
تغـيرتْ فـتنتي ما كِـدتْ أعرفُـها = فللـفـراغِ اشْـتـِعَـالاتٌ وإخـمادُ
دعوى التطـورِ ألْغَتْ جُـلَّ بهجـتِها = حـادَ الجمالُ وأهلُ العشـقِ ما حادوا
ُردِّي إلـي بسـاتيني وعـاشقـتي = أزِقَّـتي ، غرفـتي ، والأنـسُ يرتادُ
ُردِّي إلـي كـراريسـي ومـدرستي = وسُـورةً كُـنتُ أتـلـوها وأزْدَادُ
ُردي إلي نقـائي الضـاعَ في زمـنٍ = تفـطَّـرتْ فـيـهِ أقـدامٌ وأكـبـادُ
ليس التطـورُ أنْ نغـَتالَ مـاضـينا = فـلـلـحـضـاراتِ آبـاءٌ وأجـدادُ
يا طـيبةَ الحـبِّ ما أقـساهُ منقـلباً = إذا تـمـلَّـكَ أَمْـرَ العِـطْـرِ حَـدَّادُ
هايم برضوى
08-08-2008, 01:56 PM
تغلغلي في عروقي واكتبـي بدمـي...
قصيـدةَ الحـبِّ والإلهـامُ منقـادُ
..............................................
ضجرتُ من وحْشَةِ الأيامِ فاحتضني..
من جاءَ تُزجيـهِ رمضـاءُ وجـلادُ
يالله ماأجمله من شعر
بين ظهرانينا من استطاع تطويع المفردة لهذا الحد ونحن نجهله
؟؟؟
آه يازمن المسلسلات وسنوات الضياع
حينما اصبح الاصاغر ابطالا لدى العامة
محب الوطن
دمت محبا لوطنك معطرا لمنتدانا الغالي بفيض مشاعرك ناقلا لنا كل جميل فالطيور على اشكالها تقع
شكرا شكرا
المحب للوطن
13-08-2008, 02:38 PM
تغلغلي في عروقي واكتبـي بدمـي...
قصيـدةَ الحـبِّ والإلهـامُ منقـادُ
..............................................
ضجرتُ من وحْشَةِ الأيامِ فاحتضني..
من جاءَ تُزجيـهِ رمضـاءُ وجـلادُ
يالله ماأجمله من شعر
بين ظهرانينا من استطاع تطويع المفردة لهذا الحد ونحن نجهله
؟؟؟
آه يازمن المسلسلات وسنوات الضياع
حينما اصبح الاصاغر ابطالا لدى العامة
محب الوطن
دمت محبا لوطنك معطرا لمنتدانا الغالي بفيض مشاعرك ناقلا لنا كل جميل فالطيور على اشكالها تقع
شكرا شكرا
أخي الفاضل : هايم برضوى
أسعدني والله أن تصافح صفحتي عيناك
لك خالص تقديري
المحب للوطن
15-08-2008, 03:09 PM
القناع
حين أخرجُ من لونِ وجهي
لا شيءَ
يَقْبَلُني كالهروبِ
ففي التيهِ
سابلةٌ طيبونَ
يجارونني
في اجتراح الخيال
وصُنْعِ المحالِ
ويهدونَ للعَوْدِ
طعمَ الرحيلِ
وفي عينهِ
نظرةٌ بارقهْ
ما سرى ليلُهم
في اختلاجِ الأمانيَ
حتى اكترى الصبحَ
عاجِنةً للرمادِ
أفي النارِ ؟!
كيف يكونُ اللقاء ؟!
عُصارةُ أفكارنا :
ذنبُنا
سنسقيهمُ
علَّهمْ ينشطونَ
وتسري بهمْ
سَوْرَةُ العافيةِ
***
حين أدخلُ في لونِ وجهي
ألزمُ
كلَّ حدودِ الأدبِ
فشيخي علمني :
الوقفَ
والنزفَ
والكسرَ
وكلَّ الذي قيلَ
في تقنياتِ السكونِ
حتى أكونَ
فحينَ أسيرُ
أُخَلِّفُ في البيتِ
أنفيَ
أُقَدِّمُ يمنايَ
أمضي لهمْ
في وقارِ الكتاتيبِ
أخلعُ في البابِ
عينيَ
ألقي السلامَ وأجلسُ
حيثُ انتهى بي السكوتُ
تدورُ المسابحُ
دورةً
دورتينِ
ثم يسكبُ
فِنْجَانهُ المُرَّ
يَكْرَعُهُ
دفْعَةً واحدهْ
ويقطفُ
من حَشْرَجات الملامحِ
( سالفةً )
يعْبرُ الوقتُ
من بين ألفاظِها كالندمْ
فكلُّ حقوقِ الطباعةِ للهيلِ
وللسيلِ :
قافيةٌ ..
... منحدرْ
المحب للوطن
15-08-2008, 03:15 PM
السائقون
أذَّنَ الفجرُ
والنائمونَ
على الساحةِ المرمريةِ
للمسجدِ النبوي
صَحَوا
ينبشونَ الظلامَ
لغسلِ الكفوفِ
وصفِّ الصفوفِ
لم يعدْ
في المكانِ سـواهُ
وبعضُ المتاعِ المعلقِ
في الأعمدهْ
يلفُّ العمامةَ
مثل القرونِ
ويضوي السيجارهْ
يطلق صوتاً حروناً
زياره ..
زياره ..
زياره ..
قباءَ
المساجدَ
حمزةَ
زياره .. زياره .. زياره
المحب للوطن
17-08-2008, 12:09 PM
البسطة
شريكانِ
والدَّربُ
والعابرونَ
حَجِيجٌ
ضَجِيجٌ
وفجرٌ
طريٌّ
شهيُّ
القدومِ
وطاولةٌ
من خشبْ
وماءٌ
يفورُ
وقلبٌ
يمورُ
وصوتُ
الفتى
يشقُّ الضجيجَ
له نبرةٌ رقَّقتْها متى :
" يالله بعوده
يالله بعوده "
المحب للوطن
17-08-2008, 12:12 PM
على الدائري
أيها الأسودُ السَّائغُ السُّمِّ
لا تنتهِ ..،
كلَّما غُيِّبَتْ
في التواءِ جسوركَ
سيَّارةٌ
علمتُ المحطاتِ أشرعةً
والمساءَ
بُحُورْ
وإنْ مَرَّ من جانبي فتْيةٌ
تبددُ أنغامُهم جِلْدةَ الليلِ
أيقنتُ أنَّ :
الحياةَ الجنونْ
أيها الأسودُ السَّائغُ السُّمِّ
لا تنتهِ ..،
لَدِيْغُكَ
لازال فوق الرصيفْ
ُيفَتِّشُ في قشرةِ الأرضِ
عمَّ يريدْ
هُنا
وهناك
عن بقايا رغيفْ
أيها الأسودُ السَّائغُ السُّمِّ
حتى عليكَ
تُلاحِقُني
عُيونُ القِطَطْ
بعدَ أنْ أعْمَلَتْ
مخالِبَها
في دجاجِ المدينةِ
ثُمَّ التَوَتْ
وقالتْ شَطَطْ
أيها الأسودُ السَّائغُ السُّمِّ
لا تنتهِ ..،
تمددْ .... تمددْ
إلى عالمٍ
لا يَشُلُّ القُوى
أو يَسُدُّ الدروبْ
شُقَّ صَدرَ الرِّمالِ
وأصْلِحْ بهِ ...
مُضْغةً فاسدهْ
المحب للوطن
18-08-2008, 04:27 PM
تذكار
... وانهارَ الـدارْ
بشموخٍ
ظلَّتْ عالقةً
بجدار .. الجارْ
رسم المصباحُ بها ألقاً
دريَّ اللَّمْعَةِ يكْنُفُهُ
جَمْعُ الأسرارْ
أَلَقٌ
يكتُبُني بوحاً
وشعارَ صبي
فوق جدارْ
في رُكْنِ المِشْكَاةِ كتابٌ ...،
مسبحةٌ
كُوزٌ
وسِوارْ
يلتفُّ بمعصمِ أيامي
ويرنُّ
يرنُّ
كبدءِ نهارْ
وحين يهزُّ الجِذْعَ بذاكرتي
أسَّـاقَطُ
مشواراً
مشواراً
مشوارْ
يا للْمِشْكاةِ إذا علقتْ
وانهار الـدارْ
ستظلُّ تُساقِطُني أبداً
وأظلُّ أُعلِّقُها تذكـارْ
المحب للوطن
29-08-2008, 03:20 PM
إنجازات أحيحة بن الجلاح الأوسي
بطـيبة حيثُ استـنار الضـياءْ
وأدركـتْ الشمسُ معنى العُمُومْ
وحـيثُ مشى خـاتمُ الأنـبياءْ
أنـاخَ البـلى والظلامُ الظَّـلُومْ
تمـدد في المسـتظلِّ المسـاءْ
يقـلِّبُ نـاظـرهُ فـي النجُـومْ
مَبـادئهُ : شُـحُّـهُ والجَـفَـاءْ
ومـالٌ مـقـيمٌ بقلـبٍ كَـتُومْ
مواهـبهُ : رغـبةٌ في الـثَّرَاءْ
يحوز بها خـبثَ كلِّ الخُصُـومْ
سبى ما حَـوَتْ من نخـيل قُباءْ
ومـاءَ العَـوالي النقي الجَمُومْ
وشـرَّدَ أبنـاءها فـي العَـراءْ
لتُسْـلِـمَهم للتُّخُـومِ التُّخُـومْ
فباتـوا بحـيثُ يبـيتُ الرعاءْ
وسـادَ علـيهمُ راعٍ غَـشُـومْ
يشـيِّدُهـمْ مسـرحـاً للهَـبَاءْ
ويدفعـهم للـدخـول رُسُـومْ
ويسـلبـهم حـقَّـهم بافـتراءْ
ويمنحـهم سَـافيـاً للسَّمُـومْ
وفَـى لمبـادئه فـي مضـاءْ
وجَسَّـدَها في بـناءِ الأُطُـومْ
فـذاق الوبـال بهـا الأوفيـاءْ
ونخـلٌ يصـلي ، وشيخٌ يصُومْ
وتاهـوا كمسـتبدلٍ بالرخـاءْ
أمانـيه : فَقْـرٌ وبَقْـلٌ وفُـومْ
تـوارتْ حبـيبتـنا في حيـاءْ
ولـفَّ مـداها البهيجَ وُجُـومْ
ومن بعـد ما لـذَّ فيها البقـاءْ
وطابَ اللقاءُ استحـالتْ صَرُومْ
مشـيتُ بهـا كالغريبِ عِشَاءْ
فأمسـتْ بقلبي الدروبُ كُـلُومْ
فمشَّطـتُها مثلـما اللـيلُ شَاءْ
وأطلقـتُها في الصباحِ كَبُـومْ
وكانتْ إذا ما استبـدَّ العَـنَاءْ
مغـاني أنْـسٍ ومجْـلى هُمُومْ
فطـيبة أُحْـدُوثَةٌ من صَفَـاءْ
على شَفَـةِ الكـونِ دَوْماً تَحُومْ
ربيبـةُ طُهْـرٍ ومأوى بهـاءْ
وتُضْحي بعمري البهاء النؤومْ
وكـانتْ وكنتُ لـنا أصـدقاءْ
وقـلَّ بهـذا الزمـان القُـرُومْ
جميلـون مثلَ انْسيابِ الغِنَاءْ
على صفحةِ القلـبِ تحتَ الغُيُومْ
نراودها عن ثيـاب الرخـاءْ
فـَتُزْهِـرُنا كالربـيع المَـرُومْ
ونعرفُ إنْ عتَّقَ السـيلُ ماءْ
وما أَرْخَـصَتْ للدِّنَانِ الكُـرُومْ
على البـال أيامـهم والهـناءْ
مُضيفٌ يُسَـائِلُ " كيفَ العُلُومْ "
طَوَاهُمْ مَسَاءٌ وظَلَّ " المَسَاءْ "
يُقَلِّـبُ ناظـره فـي النُّجُـومْ
المحب للوطن
30-08-2008, 08:25 PM
شعرية المكان والزمان قراءة في ديوان – المدينة - لمحمد الصفراني
حافظ محمد جمال الدين المغربي
مدخل نظري
كثرت في الآونة الأخيرة تلك الدراسات الأدبية والنقدية التي تستقرىء بالمكان أو الزمان أو بكليهما معا ً؛ النصَّ الأدبيَّ ، واستجلاء مرامي أدبيته . والحق أن هذه الدراسات - مع كثرتها- مازال بعضها يستكشف في النص ما يضاف إلى أبعاده الجمالية والحضارية والثقافية جميعها؛ من حيث بكارة الرؤى.
وقد شغلت الحقيقة المكانية والزمانية فكر الفلاسفة قبل أن تشغل الدرس الأدبي ، ومن الفلسفة - في تراسل بين العلوم- انتقلت إلى الفكرالأدبي. فصمويل ألكسندر (1895-1938) الملقب بفيلسوف المكان والزمان والألوهية يقيم مذهبه في الفلسفة الواقعية المحدثة على هذه الحقيقة فالحقيقة القصوى التي تتولد عنها سائر الأشياء هي الحقيقة الزمانية المكانية space-time ، والحق أنه إذا كان في الإمكان التفرقة بين المكان والزمان فما ذلك إلا بطريقة أولية قبلية سابقة على التجربة ، وأما الواقع العيني نفسه فإنه يشهد بأنه لا انفصال للمكان عن الزمان أو للمكان عن الزمان.(1)
ويشير د.زكريا إبراهيم إلى أن هذه الفكرة أوحى بها إلى ألكسندر تطور الفيزياء الرياضية ، ولكنه لم يرد للفلسفة أن تتورط في بعض التركيبات الهندسية وأراد لها أن تقتصر على عالم الخبرة.(2)
والدليل على ما أشرنا إليه من تراسل العلوم بين علمين كالفلسفة والأدب ؛ أن باختين مؤصل مصطلح الحوارية الذي كان نواة لمصطلح التناص قد ربط ربطاً وثيقاً بين الزمان والمكان وهو ما أُطلِق عليه مصطلح الزماكانية chronotope إنه أحد أهم مفاهيم ميخائيل باختين المعقدة ؛ وتعني حرفياً الزمان المكان لأنها مركبة على التوالي من المفردتين معاً، وهو مصطلح مقتبس من علم الأحياء الرياضي، حيث يصف الشكل الذي يجمع معاً الزمان والمكان.والمعروف أن إشكالية الزمان وعلاقتها بالمكان إشكالية ليست بالجديدة بل قاربها كانط وأتباعه كما قاربها غيرهم. (3)
فإذا كان ألكسندر قد أرجع فكرة ربط المكان بالزمان إلى تطور الفيزياء الرياضية ؛ فإن باختين (ت 1928) والمعاصر له قد اقتبس الفكرة من علم الأحياء الرياضي كما يخبرنا د.الرويلي ود.البازعي.ومما يؤكد تقارب الرؤى بين الفلسفة ( ألكسندر ) والأدب ( باختين ) أن كليهما ينطلق من فكر ترابطي وثيق بين الزمان والمكان بلا فصل تعسفيّ ؛ مجاله الخبرة عند ألكسندر والتطبيق على الرواية عند باختين.
إن ألكسندر يرى بالتجربة التي يصدقها واقع طبيعة العالم المُدرَك أنها تربط بين الزمان بوصفه أحداثاً وبين المكان الذي يستوعب هذه الأحداث بوصفه يتكون من حركات ؛ ويجعل ذلك صميم الواقع.فهو يرى أن الواقع الذي ندركه عن طريق التجربة ؛ يظهرنا دائماً على أن ما يكون في النهاية صميم الواقع ، إنما هو تلك الأحداث التي تشغل من جهة حيزاً في المكان، وتنطوي من جهة أخرى على ماضٍ ومستقبل ، وما نسميه باسم المادة – فيما يقول ألكسندر- إنما يتركب من حركات عديدة ، كما أن الحركات بدورها تتكون من أحداث أو نقاط آنية.(4)
والزماكانية أو تلك المفردة المركبة نفسها تؤكد هذا الوصل الذي يحاول باختين تأكيد أهميته في الرواية ، حيث يرى أن أشكال الزماكانية في صورها المختلفة تجسد الزمن في المكان وتجسد المكان في الزمن دون محاولة تفضيل أيهما على الآخر، وقد عالج باختين هذا المفهوم ...فالزمن كما هي الحال يتكثف شاخصا ً، يكتسي لحما ً، ويصبح من الناحية الفنية مرئياً ؛ وبالمثل فإن المكان يصبح مشحوناً ومستجيباً لحركات الزمن والحبكة والتاريخ.(5)
والحق أن رؤية باختين الزماكانية لا تنسحب فقط على الرواية بوصفها جنساً أدبياً خاصاً ؛ وإنما يمكن أن تنطبق رؤاه على كل الأجناس الأدبية وغيرها ، وسوف نحاول أن نسترشد بهذه الرؤى في تحليلنا لقصائد من ديوان الصفراني.
وقد استدرك كل من د. الرويلي و د. البازعي على هذه الرؤية الباختينية فيما يتجاوز الرواية إلى أي جنس ؛ متخذاً من اللغة مرتكزاً ؛ وعن هذا يقولان: وعلى الرغم من أن باختين حاول تحديد أشكال الزماكانية ؛ فإنه أبقاها عائمة سائلة ، حتى تكاد تغطي كل شيء . فهو يذكر ظواهر تاريخية ليست مرتبطة بالبنى الإجناسية ، ومع ذلك يطلق عليها مسمى الزماكانية ، وكذلك يطلق المسمى على الخيوط الناظمة ، بل إنه يسحب المسمى إلى أي وكل صورةأدبية لأن اللغة في أساسها كنز من الصور الزماكانية.(6)
وتكاد كل الدراسات الأدبية والنقدية في تحليلها للنصوص تجمع أن ليس ثمة فصل بين الزمان والمكان ؛ في سعيها إلى استكناه أدبية النصوص .ذلك أن طبيعة النص الأدبي مهما اختلف جنسه إنما يدور في إطار أفعال تتم من خلال أحداث وأزمنة يستوعبها حيز مكاني. فالزمان يكسب المكان هويته ومكانيته إن صح هذا التعبير.
إن المكان كما يرى برجسون متجانس ، والأشياء القائمة في المكان تكوِّن كثرة متميزة. والمكان وسط متجانس مشابه لنفسه باستمرار في كل مكان ، وهو حقيقة بدون كيفية.(7) ، وما يمنح المكان – فيما أزعم – هذه الكيفية هو الزمان ؛ تفعيلاً لإكساب المكان ما يمكن أن نسميه بعبقرية أو جماليات أو تجليات المكان.وفي المقابل لا قيمة للزمن الذي يظل مفرغاً من زمنيته أحداثاً وساعاتٍ وعدَّاً ؛ بلا مكان تجري فيه هذه الأحداث ؛ بما يشعرنا بقيمة الزمن في تشكيل خارطة حياتنا مادامت دقات قلب المرء قائلة له : إن الحياة دقائق وثواني.
وفعل الزمن داخل المكان الذي يعيش فيه الإنسان بروحه وجسده قاهر وغالب على تفكيره بين ماضٍ غابر بحلوه ومره ، وحاضر يعايشه بالكيفية نفسها ، ومستقبل غائم قادم لا يدري ما الله فاعل به فيه .إن د.بدوي يرى أن السؤال عن حقيقة الزمن قديم قدم التفلسف ، بل قدم الإنسان الواعي نفسه ، لشعور الإنسان بتأثير الزمان عليه تأثيراً هائلاً ، وصعوبة فهم حقيقته إلى أقصى درجة ، ذلك أن إشكال الزمان قائم في طبيعة الزمان نفسه من حيث إنه دائم السيلان. وكما لاحظ أرسطو...أن الأجزاء التي يتألف منها الزمان : أحدها كان ولم يعد موجوداً ، والثاني لم يأتِ بعد ، والثالث لا يمكن الإمساك به ، فأجزاؤه أعدام ثلاثة ، وما يتألف من أعدام يبدو من المستحيل أن يشارك في الوجود.(8)
ولكننا يمكن أن نحترز على رؤية د.بدوي في مفهومه للزمن بأبعاده أو بأعدامه الثلاثة.فنقول: إن الزمان يستطيع أن يشارك في استكناه الوجود من خلال اختلاطه بالمكان الذي تجري فيه أحداث زمنيته ، والنصوص في رؤى المبدعين والنقاد تمنحه هذا الوجود.
وإذا كان هناك ما يشبه إجماعاً بين المفكرين والنقاد على ذلك الارتباط المكاني الزماني فإن بينهم رؤىً تتقارب حيناً وتتباعد حيناً في تمثلهم للزمان في المكان والمكان في الزمان.فالفيلسوف برجسون يميز تمييزاً حاداً بين الزمان والمكان ؛ فالزمان في رؤاه لا متجانس يمثل الكيف والشعور وعالم الروح ، في مقابل أن المكان متجانس يمثل الكم والآلية وعالم المادة .(9)
ولكن برجسون يعود فيفرق بين زمنين : الزمان الحيوي ويسميه المدة..والزمان الفيزيائي؛ زمن الساعات ، فالأول كيفي لا متجانس ينفذ بعضه في بعض ، أما الثاني فيتسم بالكم والتجانس وعدم النفوذ.(1.) ، وبذلك يتساوى الزمن الفيزيائي مع المكان.في رؤيته لهما زماناً ومكاناً ؛ يمكن أن تُفهَم على أنها سلبية.ذلك أن الزمان الذي يجب أن يفعِّل المكان والعكس هو ذلك الزمن الحيوي كما يراه برجسون ، فيما أزعم.
وانطلاقاً من فهمي السابق ؛ يمكن أن نتقارب فهماً مع برجسون الذي يرى أن الأحوال المتوالية للعالم يمكن أن تنتشر( أو تنبسط ) دفعة واحدة في المكان دون أن يغير علمه ودون أن يكف عن الكلام عن الزمان ، أما بالنسبة لنا - نحن الكائنات الواعية – فإن الوحدات هي التي تهمنا لأننا لا نعدَّ أطراف الفترات على أنها فترات محددة ( معينة ). (11)
وإذا ما ابتعدنا قليلاً عن جفاف الرؤى الفلسفية إلى الرؤى النقدية التي تتوجه للنص الأدبي ؛ فإننا سنجد علاقة المكان بالزمان علاقة تجسيد تختلف في النوعية لتتفق في الجوهر ؛ من حيث احتواء المكان للزمان بما يفعِّل دور كليهما للكشف عن جماليات النص ، ثم أبعاده السايكولوجية ؛ في منظومة التلقي ورؤيته النقدية .
إن حسني محمود من منطلق الرؤية السابقة يرى أن تجسيد المكان يختلف عن تجسيد الزمن ،حيث إن المكان يمثل الخلفية التي تقع فيها الأحداث ، أما الزمن فيتمثل في هذه الأحداث نفسها وتطورها.وإذا كان الزمن يمثل الخط الذي تسير عليه الأحداث فإن المكان يظهر على هذا الخط ويصاحبه ويحتويه ، فالمكان هو الإطار الذي تقع فيه الأحداث. (12)
وعن طبيعة إدراك كلٍّ من الزمان والمكان يضيف حسني محمود قائلاً : وهناك اختلاف بين طبيعة إدراك الزمن وطبيعة إدراك المكان ، حيث إن الزمن يرتبط بالإدراك النفسي ، أما المكان فيرتبط بالإدراك الحسِّي ، ومن هذا المنطلق نرى أن المكان ليس حقيقة مجردة ؛ وإنما هو يظهر من خلال الأشياء التي تشغل الفراغ أوالحيز.وأسلوب تقديم الأشياء هو الوصف ، بينما يرتبط الزمن بالأفعال ( الأحداث ).( 13)
والحق أن مسألة حصر الزمان في الإدراك النفسي ، والمكان في الإدراك الحسي مسألة تحتاج إلى مراجعة .لأن اجتماعهما معاً في العمل الأدبي مهما كان جنسه ؛ يمكن أن يُدركَا به نفسياً وحسِّياً ؛ من خلال استبطان البعدين الجمالي والنفسي معاً .فالزمن في رؤية شاعر كناجي في الأطلال تتحول فيه الثواني جمراتٍ في دمه. ومن غير شك أن هذه الجمرات التي تشغل – ولو تصوراً - بعداً مكانياً في دمه ؛ تتعدى الوقع النفسي إلى نوع من التوتر الحسِّي الذي يُدْرَك به بوصفها جمرات تؤرقه ويضطرب لها قلبه.وسنزيد هذه الأمر إيضاحاً - ربما بشكل غير مباشر- في النقطة القادمة.
v v v
خصوصية إدراك المكان
إن ارتباط الإنسان بالمكان وإحساسه به شيء فطري ، ولعل أول مكان ارتبط به الإنسان هو رحم أمه ؛ منذ كان نطفة فعلقة فمضغة ..حتى اكتمل تكوينه طفلاً ، ثم يبدأ ارتباطه بالعالم الخارجي إلى أن ينمو لديه الإحساس بالوطن والبيئة .وقد اتخذ الشعور بالمكان/ الوطن في العصور الحديثة بعداً أكثر عمقاً وشعوراً من ذلك الإحساس القَبَلِيّ القديم.
فكل إنسان عربي – مثلاً- على ظهر الأرض له وطن أصغر مصر/ العراق/ سوريا..إلخ ، ووطن أكبر ذو تراث وفكر ولغة مشتركة كالوطن العربي والأمة العربية.ولكن هناك أماكن - كما قلت في بحث سابق – تتأبى بوصفها أماكن أن تصبح لساكنيها مجرد وطن أصغر أو أكبر وفق المفهوم الضيق – مع اتساعه- ، فتضيق عن أن تستوعب هذا الزخم الروحي وعبق التاريخ الديني.(14)هذه الأماكن مثل : مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف.
والديوان الذي نحن بصدد قراءته نقدياً ؛ يدور شعره حول المدينة في خصوصيةٍ من رؤيةٍ لعبقرية هذا المكان الروحاني الشفيف في قلب كل مسلم. وإذا كان الذين يكتبون عن المدينة من غير ساكنيها من المبدعين كثيرين ؛ فإن الشاعر المدينيَّ المولد والنشأة حين يكتب من ( الداخل) قلباً وسُكْنَى ؛ سيختلف إبداعه فكراً ووجداناً عن الآخرين. ولعل هذه الخاصية لم تتكرر لأماكن أخرى في التاريخ أو لبقعة جغرافية في العالم . بمعنى أن ( المدينة ) المكان تأخذ حيزها في الذاكرة ويتداعى الإحساس بهذا الحيز وما يشكله في ضمير المؤلف ، حتى تلي الرغبة في (التدوين)...وتنبع الرغبة في التأليف عن المكان / المدينة من صيرورة الأُلفة والحب إلى توالي المعرفة بالقدسية ( قدسية المكان) في مئات الأحاديث الواردة عن المدينة وفضلها.( 15)
ومما يؤكد هذه الخصوصية من حيث إن إدراك المكان- وخاصة المكان القدسي- يكون نفسياً لا حسياً فقط كما ذهب إلى ذلك حسني محمود ؛ ما يضيفه محمد الدبيسي عن خصوصية المدينة قائلاً: وهنا تتضامن وتتضافر قدسية التعبير ذاته مع الألفة النفسية التي تزيدها تكثيفاً وتنبيهاً على القربى في السكن والزيارة ، وتأتلف هذه المكونات المعرفية في استثناء المكان – مع طبيعته التاريخية وكونه مهاداً - لتحول مهم وخطير في الدعوة الإسلامية حيث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم في مصداقيتها للإشعاع الديني سلوكاً اجتماعياً وفقهاً عبادياً. (16)
v v v
ديوان المدينة..رؤية نقدية
مخطوطة ديوان المدينة (17) لشاعر سعودي شاب هو محمد الصفراني.وأول ما يلفتنا في الديوان سميوطيقا العنوان ؛ بوصفه علامة مكانية تبدو أول الأمر مبهمة ، إذ يتوقع المتلقي أن الديوان يتحدث عن المدينة ؛ أيَّة مدينة في مقابل القرية مثلاً، و ما يمكن أن نتوقعه من تداعيات فنية ونفسية من خلال الصراع بين المدينة والقرية ، وذلك لأن الشاعر لم يضم لفظة المنورة وصفاً للمدينة ؛ لتصبح المدينة المنورة ؛ ويغدو العنوان بهذا متماهياً مع أفق توقع المتلقي ، ويتداعى إلى أفقه: أنَّ ثمة شاعراً صوفياً أو إسلامياً ؛ سيتحدث في شعره عن روحانيات المدينة ( والتي لم يأتِ في أي من قصائده وصفها بالمنورة ).
ورغم أن عنوان الديوان كسر إلى حد ما أفق توقع المتلقي ؛ فإن تصفحه من الداخل – بعد أن نعرف أن معظم قصائده تدور حول المدينة المنورة - يظل من خلال قصائده يداعب أفق الانتظار عند المتلقي ؛ بين توقع صادق يتلقاه قارئاً ضمنياً وفق المنحى الرومانسي الواضح جداً والذي يسري في نسغ أغلب قصائد الديوان ؛ في بوح يعكس شعرية البساطة ، وبين ما يكسر هذا الأفق من خلال قصائد متميزة في الديوان مثل: السائقون و على الدائري و تذكار و إنجازات أُحيحة بن الجُلاح الأوسي .
إن ارتباط كل من المكان والزمان هو ما تنطق به جلُّ قصائد الديوان ؛ إذا ما تجاوزنا العنوان برمزيته المكانية . يتجلى هذا بدءاً من الإهداء الذي يمكن أن نتلقاه في شكله البنائي / الهندسي أشبه بقصيدة ؛ حيث يهدي الشاعر الديوان لأبيه قائلاً :
إلى
أبي
الذي
طوَّف
في المدائن
ثم اختارالمدينة
مهاجراً
فكان أنْ
فتَّحتُ عيني
في حضن محبوبتي(18)
إن الإهداء على هذا النحو يحمل أكثر من دلالة ؛ يأتي في مقدمتها الدلالة المكانية والزمانية. فأبوه طوَّف في المدائن ثم اختار المدينة مهاجرا ً ، والطواف في المدائن وفق هذا التركيب يحمل البعدين الزماني والمكاني مع الفعل طوَّف بوصفه حدثاً في زمن ماضٍ ، متخذاً من المدائن/ المدينة وعاءً حاضناً لزمن وحدث الطواف ، حتى يأتي ثم حرف العطف الذي يدل – زمنا ً- على الترتيب والتراخي ليسلم إلى السكينة اختياراً للمدينة قراراً وداراً للهجرة ؛ بكل ما تحمله مفردة الهجرة من دلالات وتداعيات القداسة / الإجلال / الرغبة التي خلعها الشاعر على أبيه المهاجر / المسلم ، وعلى المكان / المدينة المنورة.ليعلن في نهاية إهدائه أن المدينة صارت له أماً حاضنة ؛ بديلاً عن أمه الوالدة.
ويتجلى الإحساس بالمدينة الوطن مكاناً وزماناً في شعر الصفراني ؛ من أول قصائد ديوانه ، وهي قصيدة وطني ، حيث يقول منها :
وطني ..،
صباحُ
الخيرِ والأفراحِ
وطني ..،
صباحُ
الخيلِ
والأمجادِ
والأوقاتُ فيكَ أقاحِ(19)
إن الجملتين الاسميتين اللتين ضمهما البيتان السابقان ؛ يحملان – مبتدأً وخبراً - دلالات المكانية والزمانية .إن لفظة وطني بتركيبها الإضافي مبتدأً مضافاً إلى ياء المتكلم بما توحي به من خصوصية الانتماء تحمل وتحضن البعد المكاني في حنو ، وكأن هذا الوطن هو وطن يخص الشاعر وحده ، ثم يأتي الخبر/ المسند مع لفظة صباح ليحمل الدلالة الزمنية في خصوصية أخرى ؛ حيث يغدو الوطن صباحاً / زماناً من أزمنة الخير والأفراح والبهجة ، والخيل والأمجاد فروسيةً ورباطاً.لتتحول الأوقات/ الأزمنة فيه – من خلال صورة تجسيدية- إلى أقاحٍ تملأ المكان عبقاً.
إن تجذُّر المكان / المدينة / الزمان على هذا النحو عند الصفراني يؤكد على أن علاقتنا بالمكان تنطوي - إذن- على جوانب شتى ومعقدة تجعل من معايشتنا له عملية تجاوز قدرتنا الواعية لتتوغل في لا شعورنا .فهناك أماكن جاذبة تساعدنا على الاستقرار وأماكن طاردة تلفظنا .فالإنسان لا يحتاج إلى مساحة فيزيقية يعيش فيها ، ولكنه يصبو إلى رقعة يضرب فيها بجذوره وتتأصل فيها هويته ، ومن ثم يأخذ البحث عن الكيان والهوية شكل الفعل على المكان لتحويله إلى مرآة ترى فيها ( الأنا ) صورتها ، فاختيار المكان وتهيئته يمثلان جزءاً من بناء الشخصية البشرية ( قل لي أين تحيا أقل لك من أنت.) (2.)
والرؤية السابقة تقودنا إلى أخرى مهمة في الديوان ، وهي أن الشاعر في إبرازه لتجليات المدينة مكاناً يستوعب الزمان ، كان يتكىء على إبراز شعرية هذا المكان من عدة مناحٍ ؛ منها الإنسان بوصفه شاعراً ابن هذه البيئة التي يصنعها على عينه ويرى الوجود كله من خلالها ، ومنها مفردات هذه البيئة التي تحمل نوعاً من القداسة في عشقٍ صوفي يعكس خصوصية هذه الأماكن عالَماً يراه الشاعر من خلال ذاته . فمن قصيدته المدينة أمانتكم المدينة حبيبتي ، بما يحمله العنوان من خصوصية العلاقة ، يقول الصفراني :
إنِّي (المدينيُّ) ذو الصَّبْواتِ تــعرفُني .... هذي الظلالُ وكلُّ الغِيْدُ أشــْـــهادُ
كَمْ في قباءَ وفي قُربانَ قـــــرَّبني .... منهنَّ عشقٌ وروَّى الشَّوقَ مــيعادُ(21)
وتتنامى هذه الصور مع خطاب ديني يتسم بالوجدانية الشفيفة حتى يحتضن المكان الزمان ، من خلال تصويره للهجرة بوصفها أهم حدث أكسب المدينة نورانيتها وجعلها توصف بالمنورة ، ولعل هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الشاعر بطريق غير مباشرة الوصف المباشر للمدينة بأنها المنورة فيقول :
وتلـكمُ الهجرةُ البيضاءُ تدخُـــلُنِي .... عوالمَ النُّورِ والتنويرُ صَــعَّادُ
شمسُ الحضارات من عينيكِ مشـرقُهَا .... نورٌ على نورِ منهُ الكونُ يزدادُ
لكِ الهوى والرؤى والشوقُ يا عُمرِي .... ولي بقربكِ جــنَّاتٌ وإِسـْعَادُ
فبادليني الهوى واستمـطري صوراً .... عفويةَ الرَّسمِ يسري فيـه إيقادُ(22)
إنها رؤية من ذات الإنسان الذي يسكن المكان سويداءها فيتجاوز النور إلى التنوير السرمدي الصعاد ، حيث شمس الحضارات – من خلال بعد زمني تحتضنه المدينة مكاناً - تشرق من عينها ، إنها رؤى هوىً وهوى رؤىً يتبادلها الشاعر ويستمطرها من مدينته عفوية الرسم في تصوير يحيل المجرد الموحي بالبراءة والبساطة مجسداً محسوساً يسري دفؤه هوى في جسد المحب .
ونظرة الصفراني للمدينة على هذا النحو الحميمي بوصفه شاعراً مدينياً يمكن أن تؤكد رؤيةً للدبيسي ألححنا عليها كثيراً ؛ مفادها : أن ليس ثمة وجود بلا مكان! ويستدعي وجود المكان وجود الإنسان محور ذلك الوجود والعامل الشاهد واقعياً على مشهد الحياة .وتتنوع الأجناس الإنسانية بتنوع المكان ، وما يترتب على ذلك التنوع من اختلاف ؛ في المعتقد واللون والمزاج والسلوك والتكوين ؛ إذ يصطبغ الإنسان بمكانه ، ويعكس مزاج بيئته ومواصفاتها ومواضعاتها وتركيبتها النفسية.( 23 )
ولنا أن نعد الصفراني من خلال ديوانه واحداً من الشعراء القليلين الذين اتخذ الخطاب الديني في قصائدهم شكلاً فيه تجديد على مستوى الرؤية والأداة. فلم تعد قصائده تهوِّم مثل كثير من هذا الصنف من الشعراء - الذين ينظمون وفق هذا الخطاب - مع صور أبلى وجهها الوعظ المباشر الخالي من تخليق صور بكر ، وقد تأَتَّى له التجديد في صوره من خلال صبغ هذا الخطاب بصور تجمع بين منطقية احتوائها للاتجاه الرومانسي الوجداني الذي قد يتماهى مع الخطاب الديني ، وبين خلقها لمفردات تكوِّن نكهة جديدة لصور تجمع بين رؤى تراثية وأخرى معاصرة تجسد شعرية البساطة والعفوية بلا تكلف ، بما يكشف عن عبقرية المدينة مكاناً. وربما يصدق هذا على المقطع التالي من قصيدته تلك السنين :
الليلُ
والشَّايُ الكُمَيْتُ
على أساطيح المنازلِ
في المدينةِ
جنَّةٌ
من تحتِهَا
تجري
أحاديث السَّمَرْ
رقراقةً
لبناً وخمراً
لذةً
للسامرين على القمرْ (24 )
إن وصف لون الشاي بالكمتة ( وهو لون يجمع بين الحمرة والسواد ) ؛ ينقلنا بين الموصوف / الشاي ، والصفة / الكميت إلى عوالم متباينة تقاربها في شعرية من البساطة العارية من أي تكلف هذه الصورة التشبيهية البسيطة ، ذلك أن الكمتة- في بعض استعمالتها الشائعة – تكون لوناً للفرس ووصفاً له فيقال فرس كميت.ولأن الشاعر مديني مسكون بعوالم الفروسية التي أقرتها في لا شعوره الجمعي عبقرية المكان / المدينة ، ولأن شايه مديني الهوى يشربه في أجواء من الصفاء تعكس تجليات المكان وقسماته وتداعياته في لذة / بهجة / فروسية ؛ فقد وحَّد بين هذه العوالم وهذه الأجواء حيث : الليل / الشاي الكميت / أساطيح المنازل المدينية / خصوصية المكان ؛ جاءت تمهيداً لما هو أهم ؛ حيث تتجلى عبقرية المكان أكثر في رحاب التناص القرآني.
إن المقطع الشعري السابق يستدعي – بما يعمِّق قداسة وعبقرية المكان - قوله تعالى من سورة محمد الآية 12 ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ... ) الآية ، وكذلك الآية 15 من السورة نفسها ؛ حيث قوله تعالى ( مثلُ الجنَّةِ التي وُعِدَ المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ آسن وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّر طعمُهُ وأنهارٌ من خمرٍ لذَّةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفَّى ولهم فيها من كلِّ الثمرات ومغفرةٌ من ربهم ... ) الآية.
ويخبرنا المفسرون عن الآية ( 12 ) ؛ أنه لمَّا ذكر تعالى أنه ولي المؤمنين ذكر ما يفعل بهم في الآخرة من دخول الجنات ، التي تجري من تحتها الأنهار التي تسقي هذه البساتين الزاهرة والأشجار الناضرة المثمرة ، لكل زوج بهيج وكل فاكهة لذيذة. ( 25 )
ويخبروننا عن الآية ( 15 ) ؛ أن مثل الجنة التي أعدها الله لعباده الذين اتقوا سخطه أي نعتها وصفتها الجميلة فيها أنهار من ماء غير آسن أي غير متغير ، لا بوخم ، ولا بريح منتنة ، ولا بمرارة ، ولا بكدورة ، بل هو أعذب المياه وأصفاها وأطيبها ريحاً وألذها شرباً ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه بحموضة ولا غيرها ، وأنهار من خمر لذة للشاربين أي: يلتذ به شاربه لذة عظيمة ، لا كخمر الدنيا الذي يُكرَه مذاقه ويُصدع الرأس ، ويغول العقل ، وأنهار من عسل مصفَّى من شمعه وسائر أوساخه.(26 )
ويتمثل الصفراني كل هذه المعاني القرآنية ويعيد نتاجها في شعره بوحي من عبقرية المدينة هذا المكان المقدس ؛ مخلِّقاً صوراً ينأى بها عن الوعظ المباشر والمعاني المسكوكة في هدي تناص قرآني فاعل في نتاج المعنى ؛ بما يخلع القداسة مع صور صادقة مع واقع المكان والفن معاً ، ليتحول الشاي – إيحاءً - إلى مشروب مقدَّس ، يكتسب قداسته من المكان في أجواء يختلط فيها الخطاب الديني مع رهافة وسمو التصوير ، ليغدو الشاي هنا كلبن وخمر الجنة ،حيث تغدو أساطيح منازل المدينة ؛ بل والمدينة نفسها جنَّةً من جنان الله في الأرض . وهنا يتسع الإيحاء من خلال التناص القرآني الفاعل في صور الصفراني ؛ إلى أن يتحول السمر وأحاديثه إلى كلام ليس ككلام البشر العاديين ؛ مجرد لغو حديث ، ولكنه يرتقي لأن يكون حديثاً يحمل نوعاً من شفافية وطهارة المكان ، حيث يجري رقراقاً من تحت جنة المدينة ؛ غير متغير بمرارة ووخم وكدر – من خلال صورة بلاغية تجسيدية - . ليصبح الحديث كلبن وخمر الجنة لذةً للسامرين / المؤمنين على ضوء قمر مدينيٍّ يكتسب جماله من عبقرية وروح المكان.
إن عبقرية المكان كما يقول الدبيسي بصدق لا يمكن التماسها ، إلا بذلك النص المتعالي بتقنياته وفنياته والمؤسس على دراية حسية بسمات المكان وخصائصه.(27)، كما لمحنا ذلك من معايشتنا للمقطع السابق ، وما يمكن أن نجليه بعمق أكثر في النقاط القادمة من البحث ؛ ونحن نتحدث عن الأدوات والتقنيات التي توسَّل بها الشاعر لكي يكشف عن عبقرية وشعرية المكان والزمان للمدينة.
v v v
ولا بأس أن نسوق نموذجاً آخر يعكس شعرية البساطة من خلال نسغ رومانسي رقيق يسري في جنبات الخطاب الديني ، لنؤكد أن هذا الخطاب المهم في مسيرة الشعرية المعاصرة يجب أن تسقط عن وجهه المشرق تلك العبارات المسكوكة ؛ التي تضرب بجذورها في بطون المعاجم ؛ وإلا يظل خطاباً هلامياً لا هوية له .
.
المحب للوطن
30-08-2008, 08:27 PM
يقول الصفراني في عبارات شعرية بسيطة ؛ يصف فيها ملابس المسلمين يوم العيد من قصيدته يوم العيد .
أدَّوا صلاةَ العيدِ
وانتشروا
فَرَاشاً
رائعَ الألوانِ
في كلِّ اتجاهْ
أزياؤُهمْ
تَحْتَجُّ بالإبهاجِ
في وجهِ الرِّياءِ(28)
إن صورة الأزياء – الأخيرة - تعلن عمَّا سمَّيناه شعرية البساطة في تلقائية راكزة في لغة الشاعر وشعره ، فهو لم يعلن عن مسمى لون هذه الأزياء ؛ ولكنه أوحى بذلك ؛ من خلال صورة تشخيصية ناطقة بالصريح والمسكوت عنه ، حين سما بالأزياء من تشيوئها ؛ إلى النموذج الإنساني الذي يملك الإبهاج في بساطة الملبس حجَّةً في وجه الرياء ، لمن يلبسون الغالي رياءً وسمعةً . إن الإبهاج – وهو معنى مجرد - يصبح حجَّةً دامغةً تفضح المتفاخرين رياءً ، يملكها المؤمنون البسطاء الذين يلبسون نورانية الألوان يوم العيد.
وإذا كان د.مكَّي يرى أن المهمة الأولى والأشد بساطة لدور الصورة الشعرية ، أن تجسد ما هو تجريدي ، وأن تعطيه شكلاً حسِّيا ً (29) ؛ فإن الأشد بساطة تلك التلقائية التي يستطيع بها الشاعر صياغة هذه الصورة ، وما تحمله من معانٍ مسكوت عنها توحي ولا تصرح.
المحب للوطن
31-08-2008, 01:29 AM
د. يوسف حسن العارف
وفي هذه الحلقة نواصل التعاطي النقدي مع مجموعة شعرية جديدة موسومة ب/ «المدينة» للشاعر المبدع محمد الصفراني ابن المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام.
وبالتصفح البصري الاولي تجد نفسك امام ديوان أنيق ورقيق يحمل اسماً تتواشج معه الروح، وينطلق اليه الفؤاد!!
اسماً ينبجس في الذاكرة بايحاءات ايمانية وتواترات تاريخية!!
اسماً لم يتشكل - كعنوان - في المدونة الشعرية إلا نادراً وقليلاً، ليأتي شاعرنا فيحييه ويسميه!!
ومنذ العنوان يدخل القارئ في حيز المكان، وجغرافيته، فيبدو للوهلة الاولى أنك مأسور الى بقعة مكانية وتاريخية لها خصائصها وسماتها الدينية. لكنك سرعان ما تخرج من هذا الاحساس لتجد نفسك أمام نصوص قابلة للتشكل والتناص في بعد لغوي، وتأويلات نصية تستكنه الجمال والاسلوب والشاعرية.
«المدينة» نصوص قصيرة يتواشج فيها الحب الصوفي للأمكنة وتجليات التمرد على الانساق التغييرية في بيئة تكتسب قداستها من تاريخيتها وتجذرها في العقل المعرفي لابن الحارة.. والحي.. والمدرسة.
«المدينة» ثاني نص في المجموعة تحتشد فيه كل اللوازم النسقية التي تحيل الى العنوان/ المكان فالنخيل ينمو، والنعناع يعطر الحروف، والاعناب تعرش في اللغة «فيخضر الكلام».
«المدينة» القداسة والمكان والروحانية يشع نورها الفياض فتهيم الروح الشاعرة في صفاء ويبهرها النور ويتذكر بن النجار ونشيدهم يوم طلع المصطفى صلى الله عليه وسلم من ثنيات الوداع واصلاً من هجرته المكية!!
«المدينة» النور الالهي الذي سطع فاختار هذه البقعة مولداً للأمة المحمدية عبر لواء أسامة وصوت حسان ونصرة الأنصار وينطلق معها المدد لتكون الدولة الاسلام!!
«المدينة» عبق شعري، وألق لغوي تتفاعل معه الذات والمشاعر لأنه يجسد ائتلاف المكان والانسان في بوتقة زمانية واحدة فتتماهى المدن في الذات الشاعرة، او تذوب الذات في الجغرافيا والمكان.
وعندما يتحول القارئ في باقي نصوص الديوان يقف عند واسطة العقد بعنوان تقليدي «المدينة أمانتكم المدينة حبيبتي» وعبر قوافي البحر البسيط - الذي يسميه العروضيون مطية الشعراء لبساطته وسهولة قوافيه - وعبر القافية الدالية، يتجلى الحب للمدينة/ المكان، المدينة/ الذكريات، المدينة/ التاريخ.
«لا تعتقيني بحق العشق فاتنتي
فعنقك الاسر هل للأسر قصاد
تغلغلي في عروقي واكتبي بدمي
قصيدة الحب والالهام تنقاد
وصففي شوقي المنقوش ادعية
ما ينثني في ثنايا الليل عباد»
وفي مقطع آخر يشتكي البين من محبوبته/ المدينية التي صرفت عنه هواها ويطلب الوصل منها ويذكرها بماضي اللقاءات والذكريات:
«ما للمدينية الحسناء قد صرفت
عنا هواها وغصن الغيد مياد
كانت تفيض حناناً في مقابلتي
وللمحاسن أبعاد وأبعاد»
وفي مقطع ثالث يذكر بصبواته وتجلياته العشقية على ربوع المدينة في العقيق، والسوارين، والسوادين، وقباء، وقريان وغيرها.
ويختم هذا النص الملحمي بتاريخ المدينة وحضارتها التي أشرقت على العالم وما سادها من تغير وتبدل وتطور أدى الى ضياع معالمها:
«دعوى التطور الغت جل بهجتها
حاد الجمال واهل العشق ما حادوا
ردي الي بساتيني وعاشقتي
ازقتي غرفتي والانس يرتاد
ردي الي كراريسي ومدرستي
وسورة كنت أتلوها وازداد
ردي الي نقائي الضاع في زمن
تفطرت فيه اقدام واكباد
ليس التطور ان نغتال ماضينا
فللحضارات آباء واجداد»
ويكون بيت القصيد من أروع ما يختم به القصيد/ القصيد اذ يقول:
«يا طيبة الحب ما أقساه منقلباً
اذا تملك أمر العطر حداد!!»
فنجد فيه بكارة المعاني غير المطروقة شعرياً ولكنه الشاعر الذي يغرف من بئر ما غرف منها قبله إلا القليل!! هذا في الجزء الاول من الديوان أما الجزء الثاني غير المعنون والذي يبدأ من نص «اياب» ص 45. فنجد فيه الروح المدينية تشع هنا وهناك ولكن في سياقات حداثية مختلفة تحمل الرمز والدلالة ولا تصرح بها كما كان الجزء الاول.
فنجد الرواشين، والازقة، والنخيل، والمسجد الشريف، والنعناع، والحمام والورد المديني، مما يعطي انتماء للمكان والجغرافيا دون التصريح بها لكن التشكي دائماً من التحول والتغير الذي دخل الى هذه الاجواء القديمة فغيرها على من لا يقبل التغيير!!
«تلك السنين بعمرنا/ واليوم لا شيء يسر» ص 57
وفي نص القناع تبدو الفكرة رائعة وجميلة وغير مطروقة شعرياً فهو يرودها بشكل مبدع:
حين أخرج من لون وجهي..
لا شيء يقبلني كالهروب
....
الى أن يقول:
وحين أدخل في لون وجهي
الزم كل حدود الأدب
هنا تبدو المفارقة الحياتية وكيف يتكيف الانسان مع كل موقوف وكيف يلبس القناع المناسب في الوقت المناسب ولعل هذا مما جلبته المدينة والحضارة والتطور على انسان المدينة!!
ولعل النص الأخير الموسوم ب/ انجازات أحيحة بن الجلاح الأوسي من أوفر النصوص التقليدية حيوية ففبها استدعاء للرمز التاريخي واسقاطه على الحاضر. وهذه تقنية حداثوية تحتاج نصاً منفتحاً عبر الرموز والدلالات والغموض الشفيف الذي يتوسل باللغة المجازية، وتكثيف السياق الشعري حتى يتواشج مع الاشكالية التي يعيشها الزمان والمكان.
ولكن شاعرنا آثر النص المتعلق/ التقليدي الذي لا يعطيك إلا المعنى الوحيد لأول وهلة ولا يحتاج الى متلق بارع لفك الشفرات وتأويل الأحداث، وتقريب الماضي الى العصرنة.
بقى أن أقول أن ديوان محمد الصفراني (المدينة) يشعل فيك كقارئ ومتلق
آيات الفرح الممزوج بالمحبة لشاعر شاب توحد بالمكان المقدس وآثر ارتياده شعرياً من خلال لغة
ماضوية فيها من الذكريات ونشيد الطفولة ما يستدعي البهجة والسرور حد الامتلاء والتشبع!!
انسان هادف
31-08-2008, 03:24 AM
رائع فعلا رائع
المحب للوطن
31-08-2008, 07:44 AM
مطالعات
الشاعر محمد الصفراني في ديوانه الجديد (المدينة):
ديوان شعر يصف مرحلة البراءة بأنواع الشجن
عبدالحفيظ الشمري
صدر عن نادي المدينة المنورة الأدبي ديوان شعري جديد للشاعر محمد الصفراني وسمه بعنوان (المدينة)، وجاء هذا الديوان رشيقاً في صفحاته مقتضباً في ايماءاته وإشاراته، إلا أن هذه السمة في الديوان لم تلغ شمولية ما يرمي إليه الشاعر في كل جملة شعرية يصوغها.
الديوان الجديد للشاعر الصفراني رحلة خاطفة وايماءة سريعة لذاكرة لا تستسلم لليأس رغم مجابهتها لألوان عديدة من المثبطات والمعوقات وحواجز الزمن الذي لا يقف دائماً إلى جوار جماليات الأشياء، لنرى هذا الزمن وقد أسهم بتداخل هذه الألوان بعضها ببعض، ليغيب الأشياء المألوفة، ويحول الصور الوادعة من هيئة إلى أخرى، لكنها سمة لا تراعي جماليات الماضي رغم تسلح المقولة بلغة (كان) الفريدة.
الشاعر الصفراني يرثي المكان (المدينة) بذاكرة نقية لا تحمل إلا البراءات الأولى، فما بالك أن تكون تلك الإرهاصات نحو طيبة الطيبة المنورة.. مدينة المسجد الرائع بروحانياته ووجدانياته المتعمقة في الذات.. تلك التي انطلقت من أزقتها وحواريها العتيقة حكاية الإنسان المدني الذي جسد الشاعر في قصيدة (المدينة) التي حملت اسم الديوان وهويته، على نحو ما استهل به الشاعر رؤيته الإنسانية:
(وحين أمشي
حول مسجدها
يظللني لواء أسامة
ويرش سمعي
صوت حسان بن ثابت،
وهو يلقي في الجيوش قصيدة)
(الديوان ص15، 16)
فالقصيدة إذا ما تتبع القارئ سياقها سيجد أن المدينة تظل هي العنصر الفاعل في حياة الشاعر وهي بداياته الأولى في طريق الحياة الوادعة بجوار مرقد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حياة تعكس ولع المنشد ببيان شغفه بالمكان الذي أخذ يتهاوى بفعل دورة الحياة وتحولات الزمن الذي لم يعد ماثلاً بعذوبته، وشامخاً بصدقه ووفائه للأرض التي تنبت الفطرية المتناهية جمالاً وإشراقاً، إنما ظلت الحياة في المدينة المنورة في ذهن الشاعر هدفاً للتحول الذي من المفترض حسب رأي الشاعر أن تكون أكبر منه، وأن تتصدى لموجات التبدل الذي أخذ في مد جسوره نحو مراقد البراءات الأولى في طيبة الطيبة.
فطيبة الطيبة تتوارد حولها الرؤى الزاهية، وتتعانق المقولات المفتونة ببهائها وجاذبيتها الوجدانية، ف(مدينة المسجد) كما وصفها الأديب الأستاذ جبير المليحان تتقاطع في الرؤية الجمالية مع (المدينة) أو (دار السلام) في ذات الشاعر الصفراني، فالقاص المليحان يصف (المدينة) من مواقع تخصص وتميز تشرق به هذه المدينة الفاضلة، حينما يرى المآذن وكأنها تنبت من ترابها الطاهر شامخة ولامعة، مثلما هي في هذه القصيدة التي تصور جوانب الإيمان الفياض، وشعاع الروحانيات الصافية، وللتقاطع بين القاص والشاعر هنا تواردت الذات المفعمة بحب الأرض الطيبة، وبخلوده في النفس حينما يصبح مرتبطاً بالمكان ومفسراً لفحوى الاهتمام به.
ديوان (المدينة) للصفراني يذهب في تفاصيله المعبرة إلى منطقة أكثر جاذبية في الذائقة.. تلك التي تتمثل غالباً في البدايات الأولى للإنسان، والأماكن الأولى حينما تحفل بروعة البساطة والعفوية، لتشغل اللمسات المتجلية هاجس التكوين الأول لخطاب المفردة البريئة التي تنهض من الطفولة وتسير في الحياة محافظة على ألقها الإنساني رغم التحولات، لنرى (الحي) أو الحارة وكأنها لوحة شغلت بعناية:
(.. في حينا
كل البيوت زخارف
يتكلم الإبداع فيها
ما يشاء من اللغات..)
(الديوان.. ص21)
لغة الخطاب الشعري لدى الشاعر تتردد حول مفهوم البدايات التي غالبا ما تحمل مزيجاً من الدهشة، والتورد والتأمل لكل الأشياء والنظر بعين المأسور أو المنجذب لمثل هذه الصور التي تكتب التاريخ بعفوية قد لا ينجح فيها إلا الشاعر العفوي الذي يصوغ من خطابه شجناً عفياً يسرف من خلاله في التأمل والتصوير حتى نصب أمام القارئ المتأمل مشهدا شعريا فاتنا، فليس أجمل منه إلا ان يستخدم الشاعر روح الطفل، ولغة المكان الأول في قصائد تبحث عن هويتها الأولى التي فارقت منابتها، وأسبغ عليها الحاضر من فتنه، وامتحانه وقسوته ما يجعله ينكف عائداً في رحم التلاشي، ويذوب في الهجس اللاهي وسط غابات الاسمنت وزفير الآلة الهادئة دون روح ودون شعور.
المحب للوطن
31-08-2008, 04:59 PM
رائع فعلا رائع
شكراً لك أيها السارح
دمت بود
Powered by Al-hejaz ® Version 4.2.2 Copyright © 2024 alhejaz , Inc. All rights reserved, by Ahmed Alhassanat