عباس رحيم
12-03-2008, 10:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: متى يجب عليك جهاد الكفار ومتى لا يجب
أنواع جهاد الكفار وأحكامه وشروطه:
جهاد الكفار نوعين كما نص عليه أهل العلم:
النوع الأول جهاد الطلب : وهو غزو الكفار في بلادهم لإعلاء كلمة الله عز وجل وليزول الكفر والشرك من على الأرض .
حكمه: فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ )) التوبة:122. ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا " .
شروط جهاد الطلب سبعة:
1- الإسلام . 2- العقل . 3- البلوغ . 4- الحرية .
5- الذكورية : فقد روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: " نَعَمْ ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ " .
6- السلامة من الضرر : كالسلامة من العمى والعرج الفاحش والمرض الشديد لقول الله تعالى: (( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَج )) محمد:17 .
7- القدرة على مؤنة الجهاد وهي:
أ- القدرة على تحصيل السلاح .
ب- القدرة على الزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته وأما الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليه الجهاد لقوله عز وجل : (( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ )) التوبة:91. فإن كان القتال على باب البلد أو حواليه وجب عليه ; لأنه لا يحتاج إلى نفقة الطريق .
ج- القدرة العددية والإعدادية .
8- أذن ولي الأمر لأن أمر الجهاد في الإسلام موكلٌ إلى ولاة الأمر وليس للأفراد بدلالة الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه )) النور:62
قال البغوي ( تفسيره:1/66 ): قال أهل العلم: وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن . أ.هـ .
وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ " وقد بوَّب عليه البخاري: بَاب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ .
ولذا قال ابن قدامة: ( المغنى:8/354 ): وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك . أ.هـ.
والمخالف لولي الأمر في هذه المسألة سوف يدخل في الوعيد المترتب على خلع اليد من الطاعة كما روى مسلم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " . وفي البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " .
النوع الثاني جهاد الدفع : وهو قتال الدفاع عن البلد المسلم التي وطئه الكفار .
حكمه : فرض عين على أهل تلك البلد ممن يستطيع القتال فإن عجزوا تعيّن على من يليهم من بلاد المسلمين - على الصحيح من قولي أهل العلم - ممن لهم قدرة على القتال حتى يحصل ردع الكفار وصد عدوانهم عن البلاد والحرمات .
شروط جهاد الدفع :
1- الإسلام . 2- العقل . 3- البلوغ . 4- القدرة لقوله تعالى : (( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )) البقرة:286 وقال تعالى: (( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) الحج:78 . إذاً لا بد من القدرة والاستطاعة هذا من القرآن ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وهذا عام في كل أمر ؛ لأن قوله: " بَأَمْرٍ " نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله وبقي على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بجهاد مع شدة الإيذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا في حالة ضعف .
قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله عن الجهاد ( لقاء الباب المفتوح:2/420- سؤال42 ): إذا كان فرض كفاية أو فرض عين ؛ فلا بد لـه من شروط. من أهمها : القدرة فإن لم يكن لدى الإنسان قدرة فإنه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة . أ.هـ .
5- يجب أذن ولي الأمر في حال وجوده على الصحيح من قولي أهل العلم لأن الله قال في غزوة الأحزاب وهي من جهاد الدفع: (( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ )) الأحزاب:13 فلم يجز لأحد أن يتصرف بأمر الغزو إلا بإذنه ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفـة رضي الله عنه لمَّا بعثه ليأتيه بخبر الكفار في غزوة الخندق وهو جهاد دفع: " اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ " رواه مسلم وفي لفظ أحمد " وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا " . وفي غزوة أحد وهو جهاد دفع قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة: " إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَََلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ " وفي لفظ له " وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَََلاَ تُعِينُونَا " . فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى حذيفة رضي الله عنه في الخندق أن يقتل أحداً أو يذعره إلا بإذنه مع أن المنهي عنه عدو صائل أحاط بالمدينة ليستأصل الإسلام وأهله وينهى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في أحد أن ينصروا المسلمين وإن تخطفتهم الطير وإن ظهر عليهم الكفار حتى يرسل إليهم .
مسألة في حال عدم القدرة على جهاد الدفع ما هي الحلول الشرعية : هذه الحلول الشرعية مأخوذة من قاعدة الأخذ بأخف الضررين ومن ذلك :
1- الصلح معهم ولو ببعض التنازلات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية .
2- الدخول تحت حماية عدو كافر أكبر وأقوى من العدو المعتدي لدفع عدوانهم على المسلمين كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم تحت حماية المطعم بن عدي ليمنعه من صناديد قريش فلما توفي أبو طالب وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى الله لم يستطع الرجوع إلى مكة خوفًا من أهل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي وهو من رءوس الكفار واستنصر به في تبليغ دعوة الله واستجار به فأجاره ودخل في جواره .
3- دفع الأموال لهذا العدو المعتدي لدفع شره عن بلاد المسلمين ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصَارِ فِي غَزْوة الخَنْدَقِ: " إِنِّيْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ العَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الحَارِثَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تُشَاطِرُوْهُ تَمْرَ المَدِيْنَةِ فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ عَامَكُمْ هَذَا حَتَّى تَنْظُرُوا فِيْ أَمْرِكُمْ بَعْدُ " . قال الهيثمي( 6/191): رواه البزار والطبراني ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات . أ.هـ .
4- إذا تحقق المسلمون من عدم القدرة على مقامة العدو وتيقنوا الفتنة بالدين وانتهاك النفس الأعراض وجب عليهم الفرار من العدو المعتدي إلى مكان لا يصل إليهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ " وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين للدخول تحت حماية ملك نصراني هرباً من بطش كفار مكة .
مسألة متى تكون نصرة المسلمون لإخوانهم المسلمين غير واجبة عليهم إذا اعتدي عليهم الكفار :
1- إذا كان المسلمون عاجزين عن نصرة إخوانهم فلا يلحقهم أثم بترك النصرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك نصرة كثير من المستضعفين من أصحابه في مكة لعدم قدرته على نصرتهم .
2- إذا كان هناك معاهدة وميثاق بين المسلمين وهؤلاء الكفار المعتدين ومن أدلة ذلك ما يلي :
أ- قال الله تعالى: (( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) الأنفال:72 ففي الآية أنه إذا قاتل الكفار بعض المسلمين الذين يعيشون في دولة منفصلة عنهم فليس لمن كان له عهد مع هؤلاء الكفار أن يقاتلهم إذا لم ينقضوا عهدهم معه .
قال الشيخ صالح الفوزان ( شرح نواقض الإسلام:167 ): لا يجوز نقض العهد إلا إذا كان فيه شرطٌ: أنكم إذا قاتلتم المسلمين فإنه ينتقض العهدُ الذي بيننا وبينكم (( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) . اهـ .
ب - روى البخاري في صحيحه عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قِْصةَ الحُدَيْبِيَةِ فِي حَدِيثٍ طَويْلٍ وفِيْه أن من الشروط التي وضعها الكفار ورضي بها النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ ". قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا " وفي سياق نفس القصة " فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ " .
ففي هذا الحديث تسليم بعض المسلمين للكفار إذ كان ذلك مقتضى ميثاق المصلحة وهذا أعظم من مجرد ترك نصرتهم إذا قوتلوا .
ج - روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُـوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا ؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ . فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: " انْصَرِفَا نَفِيْ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ " مع أن حال حذيفة وأبيه رضي الله عنهما ينطبق عليهما قاعدة أهل العلم فيمن حضرا الصف فيكون القتال في حقهما واجباً وتأمل أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من يقود هذه المعركة ومع عظم هذه المعركة الفاضلة الفاصلة التي يتوقف عليها مصير الإسلام والمسلمين قدّم صلى الله عليه وسلم عليها الوفاء بالعهد .
3- ألا يكون قتال المسلمين للكفار قتالاً دينياً لإعلاء كلمة الله إنما يكون القتال لمقاصد دنيوية : كقتال الكفار لأجل الأرض أو لأجل العصبية القبلية لا يلتفت المقاتلون فيه لتحقيقهم التوحيد في أنفسهم و لا في بلادهم بل ربما عادوا التوحيد وأهله أو كان لتحقيق طموح سياسي لا للدين .
ففي مثل هذه الحالات تكون النصرة لهؤلاء غير واجبة لقولـه تعـالى: (( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )) الأنفال:72 فجعل علينا النصر إذا كان القتال دينياً .
- إذن: فعدم نصر المسلمين بعضهم لبعض بسبب عجزٍ أو بسبب ميثاق مع الكفار أو بسبب عدم أرادة الدين بالقتال لا يعني أن من ترك نصرة أخيه منهم قد أساء وظلم بكل حال أو ظاهر الكفار وتولاهم .
مسألة أربعة مواضع يصبح فيها جهاد الكفار فرض عين:
1- إذا التقى وتقابل المسلمون والكفار في ساحة المعركة حرم على من حضر الانصراف لقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )) الأنفال:15.
2- إذا أمر ولي الأمر بالجهاد عموم الناس أو قوماً محددين وجب عليهم النفير لقول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ )) التوبة:38 وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا استنفرتم فانفروا " .
3- إذا احتاج ولي الأمر شخصاً بذاته في القتال كمن لا يعرف الطريق إلا هو أو لا يعرف سلاحاً معيناً سواه .
4- إذا غزا الكفار ببلد مسلم تعين على أهله قتالهم ودفعهم بالشروط السابقة .
شبهتان والجواب عليهما :
الشبهة الأولى: أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة في حال القوة والضعف ويحتجون بما روي عن النبي بأسانيد ضعيفة " الجِهَادُ ماضٍ إِلَى يَومِ القِيَامِةِ " وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
فقالوا هذا يدل على وجوب استمرار الجهاد على المسلمين أو طائفة منهم بكل حال وتحت أي ظرف دون مراعاة لضوابط الجهاد .
الجواب: أن هذا القول يناقض النصوص الشرعية فقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة صلح الحديبية وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا " وأمر صلى الله عليه وسلم بالفرار من الدجال " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ " فدلت هذا النصوص أن لا جهاد في هذه الأزمان .
إذا يكون المعنى: أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة بالسنان في حال قوتهم ، فإن تعذر فبالحجة والبرهان واللسان ثم بالقلب في حال ضعفهم ، وهذا الذي فهمه كبار الأئمة كالبخاري .
الشبهة الثانية: أن إذن الإمام لا يجب في الجهاد لقصة أبي بصير ومن معه رضي الله عنهم:
الجواب على هذه الشبهة : أن أبا بصير رضي الله عنه كان تحت سلطة الكفار عندما سلمه صلى الله عليه وسلم لهم فتخلص منهما ثم ذهب إلى الساحل الغربي وخرج بعض المستضعفين من مكة فلحقوا به إذا لم يكن في بلاد المسلمين أو تحت قبضة ولي الأمر فهو لم يخرج من تحت سلطة الرسول لقتال الكفار .
والله أعلم
اللهم اغفر لي ولإخواني فإننا نحب الحق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم في الله
د . عباس رحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: متى يجب عليك جهاد الكفار ومتى لا يجب
أنواع جهاد الكفار وأحكامه وشروطه:
جهاد الكفار نوعين كما نص عليه أهل العلم:
النوع الأول جهاد الطلب : وهو غزو الكفار في بلادهم لإعلاء كلمة الله عز وجل وليزول الكفر والشرك من على الأرض .
حكمه: فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ )) التوبة:122. ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا " .
شروط جهاد الطلب سبعة:
1- الإسلام . 2- العقل . 3- البلوغ . 4- الحرية .
5- الذكورية : فقد روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: " نَعَمْ ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ " .
6- السلامة من الضرر : كالسلامة من العمى والعرج الفاحش والمرض الشديد لقول الله تعالى: (( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَج )) محمد:17 .
7- القدرة على مؤنة الجهاد وهي:
أ- القدرة على تحصيل السلاح .
ب- القدرة على الزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته وأما الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليه الجهاد لقوله عز وجل : (( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ )) التوبة:91. فإن كان القتال على باب البلد أو حواليه وجب عليه ; لأنه لا يحتاج إلى نفقة الطريق .
ج- القدرة العددية والإعدادية .
8- أذن ولي الأمر لأن أمر الجهاد في الإسلام موكلٌ إلى ولاة الأمر وليس للأفراد بدلالة الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه )) النور:62
قال البغوي ( تفسيره:1/66 ): قال أهل العلم: وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن . أ.هـ .
وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ " وقد بوَّب عليه البخاري: بَاب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ .
ولذا قال ابن قدامة: ( المغنى:8/354 ): وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك . أ.هـ.
والمخالف لولي الأمر في هذه المسألة سوف يدخل في الوعيد المترتب على خلع اليد من الطاعة كما روى مسلم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " . وفي البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " .
النوع الثاني جهاد الدفع : وهو قتال الدفاع عن البلد المسلم التي وطئه الكفار .
حكمه : فرض عين على أهل تلك البلد ممن يستطيع القتال فإن عجزوا تعيّن على من يليهم من بلاد المسلمين - على الصحيح من قولي أهل العلم - ممن لهم قدرة على القتال حتى يحصل ردع الكفار وصد عدوانهم عن البلاد والحرمات .
شروط جهاد الدفع :
1- الإسلام . 2- العقل . 3- البلوغ . 4- القدرة لقوله تعالى : (( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )) البقرة:286 وقال تعالى: (( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) الحج:78 . إذاً لا بد من القدرة والاستطاعة هذا من القرآن ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وهذا عام في كل أمر ؛ لأن قوله: " بَأَمْرٍ " نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله وبقي على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بجهاد مع شدة الإيذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا في حالة ضعف .
قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله عن الجهاد ( لقاء الباب المفتوح:2/420- سؤال42 ): إذا كان فرض كفاية أو فرض عين ؛ فلا بد لـه من شروط. من أهمها : القدرة فإن لم يكن لدى الإنسان قدرة فإنه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة . أ.هـ .
5- يجب أذن ولي الأمر في حال وجوده على الصحيح من قولي أهل العلم لأن الله قال في غزوة الأحزاب وهي من جهاد الدفع: (( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ )) الأحزاب:13 فلم يجز لأحد أن يتصرف بأمر الغزو إلا بإذنه ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفـة رضي الله عنه لمَّا بعثه ليأتيه بخبر الكفار في غزوة الخندق وهو جهاد دفع: " اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ " رواه مسلم وفي لفظ أحمد " وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا " . وفي غزوة أحد وهو جهاد دفع قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة: " إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَََلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ " وفي لفظ له " وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَََلاَ تُعِينُونَا " . فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى حذيفة رضي الله عنه في الخندق أن يقتل أحداً أو يذعره إلا بإذنه مع أن المنهي عنه عدو صائل أحاط بالمدينة ليستأصل الإسلام وأهله وينهى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في أحد أن ينصروا المسلمين وإن تخطفتهم الطير وإن ظهر عليهم الكفار حتى يرسل إليهم .
مسألة في حال عدم القدرة على جهاد الدفع ما هي الحلول الشرعية : هذه الحلول الشرعية مأخوذة من قاعدة الأخذ بأخف الضررين ومن ذلك :
1- الصلح معهم ولو ببعض التنازلات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية .
2- الدخول تحت حماية عدو كافر أكبر وأقوى من العدو المعتدي لدفع عدوانهم على المسلمين كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم تحت حماية المطعم بن عدي ليمنعه من صناديد قريش فلما توفي أبو طالب وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى الله لم يستطع الرجوع إلى مكة خوفًا من أهل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي وهو من رءوس الكفار واستنصر به في تبليغ دعوة الله واستجار به فأجاره ودخل في جواره .
3- دفع الأموال لهذا العدو المعتدي لدفع شره عن بلاد المسلمين ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصَارِ فِي غَزْوة الخَنْدَقِ: " إِنِّيْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ العَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الحَارِثَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تُشَاطِرُوْهُ تَمْرَ المَدِيْنَةِ فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ عَامَكُمْ هَذَا حَتَّى تَنْظُرُوا فِيْ أَمْرِكُمْ بَعْدُ " . قال الهيثمي( 6/191): رواه البزار والطبراني ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات . أ.هـ .
4- إذا تحقق المسلمون من عدم القدرة على مقامة العدو وتيقنوا الفتنة بالدين وانتهاك النفس الأعراض وجب عليهم الفرار من العدو المعتدي إلى مكان لا يصل إليهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ " وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين للدخول تحت حماية ملك نصراني هرباً من بطش كفار مكة .
مسألة متى تكون نصرة المسلمون لإخوانهم المسلمين غير واجبة عليهم إذا اعتدي عليهم الكفار :
1- إذا كان المسلمون عاجزين عن نصرة إخوانهم فلا يلحقهم أثم بترك النصرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك نصرة كثير من المستضعفين من أصحابه في مكة لعدم قدرته على نصرتهم .
2- إذا كان هناك معاهدة وميثاق بين المسلمين وهؤلاء الكفار المعتدين ومن أدلة ذلك ما يلي :
أ- قال الله تعالى: (( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) الأنفال:72 ففي الآية أنه إذا قاتل الكفار بعض المسلمين الذين يعيشون في دولة منفصلة عنهم فليس لمن كان له عهد مع هؤلاء الكفار أن يقاتلهم إذا لم ينقضوا عهدهم معه .
قال الشيخ صالح الفوزان ( شرح نواقض الإسلام:167 ): لا يجوز نقض العهد إلا إذا كان فيه شرطٌ: أنكم إذا قاتلتم المسلمين فإنه ينتقض العهدُ الذي بيننا وبينكم (( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) . اهـ .
ب - روى البخاري في صحيحه عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قِْصةَ الحُدَيْبِيَةِ فِي حَدِيثٍ طَويْلٍ وفِيْه أن من الشروط التي وضعها الكفار ورضي بها النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ ". قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا " وفي سياق نفس القصة " فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ " .
ففي هذا الحديث تسليم بعض المسلمين للكفار إذ كان ذلك مقتضى ميثاق المصلحة وهذا أعظم من مجرد ترك نصرتهم إذا قوتلوا .
ج - روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُـوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا ؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ . فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: " انْصَرِفَا نَفِيْ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ " مع أن حال حذيفة وأبيه رضي الله عنهما ينطبق عليهما قاعدة أهل العلم فيمن حضرا الصف فيكون القتال في حقهما واجباً وتأمل أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من يقود هذه المعركة ومع عظم هذه المعركة الفاضلة الفاصلة التي يتوقف عليها مصير الإسلام والمسلمين قدّم صلى الله عليه وسلم عليها الوفاء بالعهد .
3- ألا يكون قتال المسلمين للكفار قتالاً دينياً لإعلاء كلمة الله إنما يكون القتال لمقاصد دنيوية : كقتال الكفار لأجل الأرض أو لأجل العصبية القبلية لا يلتفت المقاتلون فيه لتحقيقهم التوحيد في أنفسهم و لا في بلادهم بل ربما عادوا التوحيد وأهله أو كان لتحقيق طموح سياسي لا للدين .
ففي مثل هذه الحالات تكون النصرة لهؤلاء غير واجبة لقولـه تعـالى: (( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )) الأنفال:72 فجعل علينا النصر إذا كان القتال دينياً .
- إذن: فعدم نصر المسلمين بعضهم لبعض بسبب عجزٍ أو بسبب ميثاق مع الكفار أو بسبب عدم أرادة الدين بالقتال لا يعني أن من ترك نصرة أخيه منهم قد أساء وظلم بكل حال أو ظاهر الكفار وتولاهم .
مسألة أربعة مواضع يصبح فيها جهاد الكفار فرض عين:
1- إذا التقى وتقابل المسلمون والكفار في ساحة المعركة حرم على من حضر الانصراف لقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )) الأنفال:15.
2- إذا أمر ولي الأمر بالجهاد عموم الناس أو قوماً محددين وجب عليهم النفير لقول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ )) التوبة:38 وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا استنفرتم فانفروا " .
3- إذا احتاج ولي الأمر شخصاً بذاته في القتال كمن لا يعرف الطريق إلا هو أو لا يعرف سلاحاً معيناً سواه .
4- إذا غزا الكفار ببلد مسلم تعين على أهله قتالهم ودفعهم بالشروط السابقة .
شبهتان والجواب عليهما :
الشبهة الأولى: أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة في حال القوة والضعف ويحتجون بما روي عن النبي بأسانيد ضعيفة " الجِهَادُ ماضٍ إِلَى يَومِ القِيَامِةِ " وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
فقالوا هذا يدل على وجوب استمرار الجهاد على المسلمين أو طائفة منهم بكل حال وتحت أي ظرف دون مراعاة لضوابط الجهاد .
الجواب: أن هذا القول يناقض النصوص الشرعية فقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة صلح الحديبية وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا " وأمر صلى الله عليه وسلم بالفرار من الدجال " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ " فدلت هذا النصوص أن لا جهاد في هذه الأزمان .
إذا يكون المعنى: أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة بالسنان في حال قوتهم ، فإن تعذر فبالحجة والبرهان واللسان ثم بالقلب في حال ضعفهم ، وهذا الذي فهمه كبار الأئمة كالبخاري .
الشبهة الثانية: أن إذن الإمام لا يجب في الجهاد لقصة أبي بصير ومن معه رضي الله عنهم:
الجواب على هذه الشبهة : أن أبا بصير رضي الله عنه كان تحت سلطة الكفار عندما سلمه صلى الله عليه وسلم لهم فتخلص منهما ثم ذهب إلى الساحل الغربي وخرج بعض المستضعفين من مكة فلحقوا به إذا لم يكن في بلاد المسلمين أو تحت قبضة ولي الأمر فهو لم يخرج من تحت سلطة الرسول لقتال الكفار .
والله أعلم
اللهم اغفر لي ولإخواني فإننا نحب الحق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم في الله
د . عباس رحيم