عباس رحيم
28-02-2008, 06:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: تعريف الجهاد :أصل الجهاد في اللغة مأخوذ من مادة جَهْدَ وجُهْد قال في (لسان العرب:3/133) :"والجهاد المبالغة ، واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أَو ما أَطاق من شيء" .
- وأما في الشَّرعِ فمأخوذ من أصله اللغوي لذا فالجهاد بمعناه الشامل يكون: ببذل الوسع فيما يحبه الله ويرضاه .
- الجهاد يكون بالقلب ، واللسان ، والجوارح كما قال صلى الله عليه وسلم عن الخلف فيما رواه مسلم : " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن " .
- وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق لفظ الجهاد بمعناه الأشمل على عبادات مختلفة :
1- روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، هل على النساء من جهاد ؟ قال : " نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ".
2- أطلق على بر الوالدين ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال : " أحي والداك " ؟ قال : نعم ، قال : "ففيهما فجاهد ".
3- وأطلق الجهاد على الإحسان إلى الخلق ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ".
وأطلق الجهاد على طلب العلم وأطلق على الصدع بكلمة الحق وغير ذلك ؟
ثانياً : أنواع الجهاد الشرعي : ذكر العلماء عليهم رحمة الله أن الجهاد خمسة أنواع :
الأول : جهاد النفس : وهو أربع مراتب :
1- أن تجاهد نفسك على تعلم دين الله وخصوصاً ما حكمه واجب عليك كالصلاة والوضوء .
2- أن تجاهد نفسك على العمل بما تعلمت من أحكام الدين خصوصاً الواجب عليك .
3- أن تجاهد نفسك على الدعوة إلي دين الله بقدر علمك .
4- أن تجاهد نفسك على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق في ذلك .
فمن استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين . كما قال الإمام ابن القيم .
- وأعلم رحمك الله تعالى أن جهاد النفس هو أعظم أنواع الجهاد لأنه الأساس الذي تقوم عليه بقية أنواع الجهاد ، فقد روى أحمد والترمذي وصححه هو وابن حبان والحاكم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا أخبركم بالمؤمن : من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ".
قال ابن القيم (روضة المحبين:1/478) : "أن جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه ، قال رجل للحسن البصري رحمه الله تعالى : يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل ؟ قال : جهادك هواك .
وقال ابن القيم .(زاد المعاد 2/38): جهاد النفس مقدماً على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج .أهـ.
الثاني : جهاد الشيطان : وهو أخطر أنواع الجهاد بعد جهاد النفس لأنه قال فيما قال الله عنه (( ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ )) الأعراف17 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ".
- وجهاد الشيطان على مرتبتين :1- أن تجاهده بدفع ما يُلقيه عليك من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
2- أن تجاهده بدفع ما يُلقيه عليك من تزين للشهوات والمحرمات .
ولا يتمكن أحد من الجهاد في بقية المراتب حتى يتمكن من جهاد المرتبتين الأوليين لأن بتحقيقهما ينشأ لك قوة وسلطان وعدة تجاهد بها أعداء الله بقلبك ولسانك ويدك لتكون كلمة الله هي العليا .
الثالث : جهاد المنافقين : وهؤلاء جهادهم يختلف عن جهاد الكفار وهو مقدم عليه ؛ لأنهم يظهرون الإيمان والإسلام ويبطنون الكفر بالله عزوجل ، فيحصل منهم الأذى والتحريش وإلقاء الشبهات بالكلام أو بالكتابة مما يؤدي إلى تفرق الكلمة ، فيحتاجون إلى الجهاد باللسان والبيان لدحض شبههم والرد على افتراءاتهم ، ولذا قال تعالى عن خطرهم في سورة سماها باسمهم (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) المنافقون:4.
قال ابن القيم (الزاد: زاد المعاد:3/5) : "جهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل ، والقائمون به هم الأعظمون عند الله قدر"أ.هـ.
الرابع : جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات : وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهاداً حين قال عن هذا الصنف :" وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " ، لكن هذا الجهاد له مراتب بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّها بحسب القدرة كما روى مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ " .
الخامس : جهاد الكفار : وهذا الجهاد بمعناه الخاص الذي يكون بالقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله .
- وقد جاء الأمر بجهاد الكفر بالقلب واللسان والجوارح والمال فأما القلب : فكما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(مجموع الفتاوى:7/16) : "والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداء ، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه ، والعزم على فعله إذا تعين "أ.هـ.
أما جهاد الكفار بالنفس واللسان والمال فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم َعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " جَاهِدُوا اَلْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ, وَأَنْفُسِكُمْ, وَأَلْسِنَتِكُمْ ".
- وقد مر جهاد الكفار بأربعة مراحل :
المرحلة الأولى : الكف والإعراض عن قتلهم وهو في هذه المرحلة محرم روى النسائي والحاكم وصححه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً ، فَقَالَ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلاَ تُقَاتِلُوا ، فَلَمَّا حَوَّلَنَا اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ .
قال ابن كثير (التفسير:1/698) عن أسباب منع الصحابة عن القتال : لأسباب كثيرة منها : قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ومنها : كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام أشرف بقاع الأرض ، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء"أ.هـ.
المرحلة الثانية : الأذن بالقتال في قوله تعالى : (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )) الحج:39 ، وهذه كانت بالمدينة لما صارت لهم قوة ومنعة فهذه أول أية أنزلت في القتال .
المرحلة الثالثة : وهى الأمر بالقتال لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم ، وذلك بقوله تعالى: (( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )) البقرة:190 .
المرحلة الرابعة : فرض قتال المشركين بلا تفريق بقوله تعالى : (( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً )) التوبة:36 ، وفي كل مكان بقوله: (( فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ )) التوبة:5 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ".
مسألة : هل المرحلة الرابعة ناسخة لبقيت المراحل :قال شيخ الإسلام ابن تيمية(الصارم المسلول:1/228) وذكر آيات الصفح والعفو : " من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين ، و أما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ، و بآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"أ.هـ .
ثالثاً : الحكمة من مشروعية جهاد الكفار :لم يكن مراد الشريعة الإسلامية من مشروعية الجهاد هو قتل الأنفس وكسب الأموال ويدل على ذلك ما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس ، فقال : " ما كانت هذه لتقاتل " ، وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : " إلحق خالداً ، فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً " وكان يقول صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا طفلاً صغيراً ، ولا امرأة " .
وإذا تقرر ذلك فأعلم أنما شرع الجهاد لمقاصد عظيمة وهي :
القصد الأول : هو إعلاء كلمة الله وأن يكون الدين كله لله :
قال تعالى : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) الأنفال39 ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً ، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
ولهذه الغاية السامية كان الإسلام حريصاً على حقن دماء الكفار ما أمكن رجاء دخولهم في السلم كافة ، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فَتْحِ مَكَةَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاَحَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُـوَ آمِنٌ ".
القصد الثاني : ردّ العدوان وحفظ الإسلام :
قال الله تعالى: (( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) البقرة:194. وقال الله تعالى: (( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )) لبقرة:190 .
القصد الثالث : نصرة المظلومين من أهل الإسلام :
قال تعالى: (( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )) النساء:75 ، قال القرطبي رحمه الله (أحكام القرآن:5/267) : قوله تعالى : (( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) حض على الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سواء العذاب ويفتنونهم عن الدين "أ.هـ .
وهنا سؤال مهم جدا بعد أن عرفنا مقاصد الجهاد الشرعي وهو :
هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل رجال الأمن من أهل الإسلام والتوحيد . هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل المعاهدين والمستأمين . هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل العوام من الشيعة ؟؟!!!! هل هذا جهاد
التكملة في الأسبوع القادمة إن شاء الله
اللهم اغفر لي ولإخواني فإننا نحب الحق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم في الله
د . عباس رحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: تعريف الجهاد :أصل الجهاد في اللغة مأخوذ من مادة جَهْدَ وجُهْد قال في (لسان العرب:3/133) :"والجهاد المبالغة ، واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أَو ما أَطاق من شيء" .
- وأما في الشَّرعِ فمأخوذ من أصله اللغوي لذا فالجهاد بمعناه الشامل يكون: ببذل الوسع فيما يحبه الله ويرضاه .
- الجهاد يكون بالقلب ، واللسان ، والجوارح كما قال صلى الله عليه وسلم عن الخلف فيما رواه مسلم : " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن " .
- وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق لفظ الجهاد بمعناه الأشمل على عبادات مختلفة :
1- روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، هل على النساء من جهاد ؟ قال : " نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ".
2- أطلق على بر الوالدين ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال : " أحي والداك " ؟ قال : نعم ، قال : "ففيهما فجاهد ".
3- وأطلق الجهاد على الإحسان إلى الخلق ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ".
وأطلق الجهاد على طلب العلم وأطلق على الصدع بكلمة الحق وغير ذلك ؟
ثانياً : أنواع الجهاد الشرعي : ذكر العلماء عليهم رحمة الله أن الجهاد خمسة أنواع :
الأول : جهاد النفس : وهو أربع مراتب :
1- أن تجاهد نفسك على تعلم دين الله وخصوصاً ما حكمه واجب عليك كالصلاة والوضوء .
2- أن تجاهد نفسك على العمل بما تعلمت من أحكام الدين خصوصاً الواجب عليك .
3- أن تجاهد نفسك على الدعوة إلي دين الله بقدر علمك .
4- أن تجاهد نفسك على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق في ذلك .
فمن استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين . كما قال الإمام ابن القيم .
- وأعلم رحمك الله تعالى أن جهاد النفس هو أعظم أنواع الجهاد لأنه الأساس الذي تقوم عليه بقية أنواع الجهاد ، فقد روى أحمد والترمذي وصححه هو وابن حبان والحاكم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا أخبركم بالمؤمن : من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ".
قال ابن القيم (روضة المحبين:1/478) : "أن جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه ، قال رجل للحسن البصري رحمه الله تعالى : يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل ؟ قال : جهادك هواك .
وقال ابن القيم .(زاد المعاد 2/38): جهاد النفس مقدماً على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج .أهـ.
الثاني : جهاد الشيطان : وهو أخطر أنواع الجهاد بعد جهاد النفس لأنه قال فيما قال الله عنه (( ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ )) الأعراف17 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ".
- وجهاد الشيطان على مرتبتين :1- أن تجاهده بدفع ما يُلقيه عليك من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
2- أن تجاهده بدفع ما يُلقيه عليك من تزين للشهوات والمحرمات .
ولا يتمكن أحد من الجهاد في بقية المراتب حتى يتمكن من جهاد المرتبتين الأوليين لأن بتحقيقهما ينشأ لك قوة وسلطان وعدة تجاهد بها أعداء الله بقلبك ولسانك ويدك لتكون كلمة الله هي العليا .
الثالث : جهاد المنافقين : وهؤلاء جهادهم يختلف عن جهاد الكفار وهو مقدم عليه ؛ لأنهم يظهرون الإيمان والإسلام ويبطنون الكفر بالله عزوجل ، فيحصل منهم الأذى والتحريش وإلقاء الشبهات بالكلام أو بالكتابة مما يؤدي إلى تفرق الكلمة ، فيحتاجون إلى الجهاد باللسان والبيان لدحض شبههم والرد على افتراءاتهم ، ولذا قال تعالى عن خطرهم في سورة سماها باسمهم (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) المنافقون:4.
قال ابن القيم (الزاد: زاد المعاد:3/5) : "جهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل ، والقائمون به هم الأعظمون عند الله قدر"أ.هـ.
الرابع : جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات : وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهاداً حين قال عن هذا الصنف :" وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " ، لكن هذا الجهاد له مراتب بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّها بحسب القدرة كما روى مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ " .
الخامس : جهاد الكفار : وهذا الجهاد بمعناه الخاص الذي يكون بالقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله .
- وقد جاء الأمر بجهاد الكفر بالقلب واللسان والجوارح والمال فأما القلب : فكما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(مجموع الفتاوى:7/16) : "والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداء ، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه ، والعزم على فعله إذا تعين "أ.هـ.
أما جهاد الكفار بالنفس واللسان والمال فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم َعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " جَاهِدُوا اَلْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ, وَأَنْفُسِكُمْ, وَأَلْسِنَتِكُمْ ".
- وقد مر جهاد الكفار بأربعة مراحل :
المرحلة الأولى : الكف والإعراض عن قتلهم وهو في هذه المرحلة محرم روى النسائي والحاكم وصححه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً ، فَقَالَ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلاَ تُقَاتِلُوا ، فَلَمَّا حَوَّلَنَا اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ .
قال ابن كثير (التفسير:1/698) عن أسباب منع الصحابة عن القتال : لأسباب كثيرة منها : قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ومنها : كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام أشرف بقاع الأرض ، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء"أ.هـ.
المرحلة الثانية : الأذن بالقتال في قوله تعالى : (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )) الحج:39 ، وهذه كانت بالمدينة لما صارت لهم قوة ومنعة فهذه أول أية أنزلت في القتال .
المرحلة الثالثة : وهى الأمر بالقتال لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم ، وذلك بقوله تعالى: (( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )) البقرة:190 .
المرحلة الرابعة : فرض قتال المشركين بلا تفريق بقوله تعالى : (( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً )) التوبة:36 ، وفي كل مكان بقوله: (( فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ )) التوبة:5 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ".
مسألة : هل المرحلة الرابعة ناسخة لبقيت المراحل :قال شيخ الإسلام ابن تيمية(الصارم المسلول:1/228) وذكر آيات الصفح والعفو : " من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين ، و أما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ، و بآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"أ.هـ .
ثالثاً : الحكمة من مشروعية جهاد الكفار :لم يكن مراد الشريعة الإسلامية من مشروعية الجهاد هو قتل الأنفس وكسب الأموال ويدل على ذلك ما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس ، فقال : " ما كانت هذه لتقاتل " ، وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : " إلحق خالداً ، فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً " وكان يقول صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا طفلاً صغيراً ، ولا امرأة " .
وإذا تقرر ذلك فأعلم أنما شرع الجهاد لمقاصد عظيمة وهي :
القصد الأول : هو إعلاء كلمة الله وأن يكون الدين كله لله :
قال تعالى : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) الأنفال39 ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً ، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
ولهذه الغاية السامية كان الإسلام حريصاً على حقن دماء الكفار ما أمكن رجاء دخولهم في السلم كافة ، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فَتْحِ مَكَةَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاَحَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُـوَ آمِنٌ ".
القصد الثاني : ردّ العدوان وحفظ الإسلام :
قال الله تعالى: (( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) البقرة:194. وقال الله تعالى: (( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )) لبقرة:190 .
القصد الثالث : نصرة المظلومين من أهل الإسلام :
قال تعالى: (( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )) النساء:75 ، قال القرطبي رحمه الله (أحكام القرآن:5/267) : قوله تعالى : (( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) حض على الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سواء العذاب ويفتنونهم عن الدين "أ.هـ .
وهنا سؤال مهم جدا بعد أن عرفنا مقاصد الجهاد الشرعي وهو :
هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل رجال الأمن من أهل الإسلام والتوحيد . هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل المعاهدين والمستأمين . هل من مقاصد الجهاد الشرعي قتل العوام من الشيعة ؟؟!!!! هل هذا جهاد
التكملة في الأسبوع القادمة إن شاء الله
اللهم اغفر لي ولإخواني فإننا نحب الحق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم في الله
د . عباس رحيم