المعلم
14-10-2007, 12:00 PM
فهد بن علي العبودي
جاءت الطفلة الصغيرة ذات ست السنوات إلى أختها الكبرى تحمل كراستها كما يحمل وجهها معالم براءتها الطفولية، جاءت مسرورة منتشية لأن المعلمة قد كتبت لها في تلك الكراسة عبارة شكر وثناء، هذه الطفلة لا تعرف القراءة والكتابة ولم تتعلم بعد، فعمرها في المرحلة التمهيدية لم يتجاوز أربعة أسابيع، لكنها أدركت ثناء المعلمة عليها بذلك الرمز المعروف الذي ينبئ عن الإجابة الصحيحة.. قدمت الكراسة لأختها الكبرى لتسمع منها عبارات الإعجاب والتشجيع، ولتقرأ لها تلك الحروف المذيلة في آخر الصفحة.. أخذت الأخت الكبرى الكراسة فتغيرت قسماتها من هول ما قرأته.. نعم، لقد صدق حدس تلك الطفلة الصغيرة، فقد أثنت عليها المعلمة وشكرتها، ولكن بحروف غير حروف لغتها التي لمّا تتعلم منها "ألفاً ولا باءً"، فهي لن تستطيع قراءة حروف الشكر لو كانت بلغتها، فما بالكم إذا كانت تلك الحروف "good"؟!
يحرص كثير من الآباء والأمهات على تسجيل أبنائهم وبناتهم في "رياض الأطفال"، ليهيئوهم نفسياً وذهنياً وفكرياً قبل أن يلتحقوا بقطار المراحل التعليمية، ويريدون أن يتعلم أبناؤهم وبناتهم مبادئ القراءة والكتابة في هذه المرحلة التمهيدية، التي تمهد لهم سبل التعليم، وتذلل لهم المصاعب التي قد تعترضهم إبان مرحلتهم العمرية التي يعيشون فيها.
أطفال صغار تتفتح عيونهم صباح كل يوم على تلك الرياض التي تحتضنهم وتمنحهم الرعاية والعطاء، وتسقيهم رشفات من نمير العلوم والآداب، فلعل تلك الرشفات أن تقوي الغراس فينمو وينمو ثم يثمر ويثمر ويجني الناس منه ويدعون لمن تعهّده بالري والرعاية، تماماً كتلك الأزهار التي تتفتح صباحاً في الرياض، وتنشر عبقها، فيستنشقه الرائح والغادي، ويدعو لمن سقاها ورعاها.
إن رعاية هؤلاء الأطفال وتعليمهم أمانة عظمى، وتكمن عظمة هذه الأمانة في صغر سنهم، وضعف إدراكهم، وسهولة تقويمهم، وسرعة امتثالهم.
لا أجد ما يبرر تعليم هؤلاء الأطفال في المرحلة التمهيدية الأرقام أو الحروف الانجليزية نطقاً أو كتابة. فهم بحاجة إلى تعلم حروف لغتهم وأرقامها التي قد لا يستطيعون نطقها نطقاً صحيحاً، إن هذا الأمر ينكره كل غيور على لغتنا العربية، وكل مشفق على هؤلاء الأطفال وثقافتهم.
لا أعرف سر هذه الانهزامية التي يعيشها كثير ممن ينعتون أنفسهم ب"التربويين"، عندما يجيزون تدريس اللغة الإنجليزية لأطفال لا يعرفون كتابة لغتهم الأم وقراءتها، فتتسابق (رياض الأطفال)، و(المدارس الأهلية) في مضمار هدم القاعدة اللغوية عند أطفال اليوم وأجيال الغد بتدريسهم مبادئ اللغة الانجليزية، قبل مرحلة النضج اللغوي، انهم يسعون - من حيث لا يشعرون - إلى تعجيم جيل المستقبل.
اننا نعاني من الضعف اللغوي لدى طلاب المراحل التعليمية العليا، مع أن لغتهم الأم لم تزاحمها أي لغة إبان تعليمهم التمهيدي والابتدائي، فماذا سنقول عن هذا الجيل "العر بليزي"؟!!
أثبتت الدراسات ان للغة أثراً كبيراً في تفكير الطفل وإدراكه، فلابد من السعي إلى تنمية لغته عنده، وتعزيزها في نفسه، وغرس محبتها لديه، حتى يتمكن من الحديث بها، ويتخذها جسراً بينه وبين مجتمعه المحيط به، فيقوى ذلك الجسر بقوة بناء لغته في نفسه، ويزداد رسوخاً وثباتاً مع مرور الأيام لا تزعزعه الرياح العزوبية ولا العواصف الشرقية.
لغة الإنسان هي هويته، ومنجم فخره وعزته أمام الأمم الأخرى. وليت أولئك المعجبين بالغرب يقتدون بهم في غيرتهم على لغاتهم، وفخرهم بها.
شكوى
بأي حروف استحث حماتي
والجم أفواهاً ضغت لعداتي
أنا لغة القرآن حسبي تفاخراً
به بين أقوام وبين لغات
أنا ا للغة الأم التي لم يكن لها
نظير مدى الأيام والسنوات
أنا اللغة الفصحى فليس يضيرني
تحامل حساد وبغي بغاة
كفى أمة الاعراب شأناً ورفعة
بأن بلغوا بي اسمق الشرفات
جاءت الطفلة الصغيرة ذات ست السنوات إلى أختها الكبرى تحمل كراستها كما يحمل وجهها معالم براءتها الطفولية، جاءت مسرورة منتشية لأن المعلمة قد كتبت لها في تلك الكراسة عبارة شكر وثناء، هذه الطفلة لا تعرف القراءة والكتابة ولم تتعلم بعد، فعمرها في المرحلة التمهيدية لم يتجاوز أربعة أسابيع، لكنها أدركت ثناء المعلمة عليها بذلك الرمز المعروف الذي ينبئ عن الإجابة الصحيحة.. قدمت الكراسة لأختها الكبرى لتسمع منها عبارات الإعجاب والتشجيع، ولتقرأ لها تلك الحروف المذيلة في آخر الصفحة.. أخذت الأخت الكبرى الكراسة فتغيرت قسماتها من هول ما قرأته.. نعم، لقد صدق حدس تلك الطفلة الصغيرة، فقد أثنت عليها المعلمة وشكرتها، ولكن بحروف غير حروف لغتها التي لمّا تتعلم منها "ألفاً ولا باءً"، فهي لن تستطيع قراءة حروف الشكر لو كانت بلغتها، فما بالكم إذا كانت تلك الحروف "good"؟!
يحرص كثير من الآباء والأمهات على تسجيل أبنائهم وبناتهم في "رياض الأطفال"، ليهيئوهم نفسياً وذهنياً وفكرياً قبل أن يلتحقوا بقطار المراحل التعليمية، ويريدون أن يتعلم أبناؤهم وبناتهم مبادئ القراءة والكتابة في هذه المرحلة التمهيدية، التي تمهد لهم سبل التعليم، وتذلل لهم المصاعب التي قد تعترضهم إبان مرحلتهم العمرية التي يعيشون فيها.
أطفال صغار تتفتح عيونهم صباح كل يوم على تلك الرياض التي تحتضنهم وتمنحهم الرعاية والعطاء، وتسقيهم رشفات من نمير العلوم والآداب، فلعل تلك الرشفات أن تقوي الغراس فينمو وينمو ثم يثمر ويثمر ويجني الناس منه ويدعون لمن تعهّده بالري والرعاية، تماماً كتلك الأزهار التي تتفتح صباحاً في الرياض، وتنشر عبقها، فيستنشقه الرائح والغادي، ويدعو لمن سقاها ورعاها.
إن رعاية هؤلاء الأطفال وتعليمهم أمانة عظمى، وتكمن عظمة هذه الأمانة في صغر سنهم، وضعف إدراكهم، وسهولة تقويمهم، وسرعة امتثالهم.
لا أجد ما يبرر تعليم هؤلاء الأطفال في المرحلة التمهيدية الأرقام أو الحروف الانجليزية نطقاً أو كتابة. فهم بحاجة إلى تعلم حروف لغتهم وأرقامها التي قد لا يستطيعون نطقها نطقاً صحيحاً، إن هذا الأمر ينكره كل غيور على لغتنا العربية، وكل مشفق على هؤلاء الأطفال وثقافتهم.
لا أعرف سر هذه الانهزامية التي يعيشها كثير ممن ينعتون أنفسهم ب"التربويين"، عندما يجيزون تدريس اللغة الإنجليزية لأطفال لا يعرفون كتابة لغتهم الأم وقراءتها، فتتسابق (رياض الأطفال)، و(المدارس الأهلية) في مضمار هدم القاعدة اللغوية عند أطفال اليوم وأجيال الغد بتدريسهم مبادئ اللغة الانجليزية، قبل مرحلة النضج اللغوي، انهم يسعون - من حيث لا يشعرون - إلى تعجيم جيل المستقبل.
اننا نعاني من الضعف اللغوي لدى طلاب المراحل التعليمية العليا، مع أن لغتهم الأم لم تزاحمها أي لغة إبان تعليمهم التمهيدي والابتدائي، فماذا سنقول عن هذا الجيل "العر بليزي"؟!!
أثبتت الدراسات ان للغة أثراً كبيراً في تفكير الطفل وإدراكه، فلابد من السعي إلى تنمية لغته عنده، وتعزيزها في نفسه، وغرس محبتها لديه، حتى يتمكن من الحديث بها، ويتخذها جسراً بينه وبين مجتمعه المحيط به، فيقوى ذلك الجسر بقوة بناء لغته في نفسه، ويزداد رسوخاً وثباتاً مع مرور الأيام لا تزعزعه الرياح العزوبية ولا العواصف الشرقية.
لغة الإنسان هي هويته، ومنجم فخره وعزته أمام الأمم الأخرى. وليت أولئك المعجبين بالغرب يقتدون بهم في غيرتهم على لغاتهم، وفخرهم بها.
شكوى
بأي حروف استحث حماتي
والجم أفواهاً ضغت لعداتي
أنا لغة القرآن حسبي تفاخراً
به بين أقوام وبين لغات
أنا ا للغة الأم التي لم يكن لها
نظير مدى الأيام والسنوات
أنا اللغة الفصحى فليس يضيرني
تحامل حساد وبغي بغاة
كفى أمة الاعراب شأناً ورفعة
بأن بلغوا بي اسمق الشرفات