أبو رامي
07-09-2007, 08:13 PM
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام عل سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه اجمعين
كنت قد عقدت العزم على أن اسجل انطباعاتي عن شعراء المجالس الينبعاوية في حلقات متتالية حسبما يعن لي من وقت وقد بدأتها بموضوع ( زهير الكسرة الينبعاوية ـ محمد حامد السيد ) ثم بدأت أجمع إنتاج الشاعر الكبير ناصر الحجوري وهو شاعر قدير وأنيق وذو كلمة مجنحة تربطني به صداقة متجذرة وصلة رحم وأنا الذي ألححت عليه بالانضمام للمجالس الينبعاوية فهو مكسب لأي منتدى ينضم إليه .. وفي اليوم الذي أوشكت أن أعرض فيه انطباعاتي عنه نشأت مشكلة كنت أظنها عابرة على خلفية مسابقة الكسرة التي تبناها منتدى المجالس الينبعاوية هاجم فيها المسابقة ومنظميها والفائزين فيها وقاد حملة تشكيك حول صحة بعض الأسماء .. وكان استغرابي كبيرا فشاعر مثل ناصر غني عن التعريف وهو أحد أعلام الكسرة عاصر جيل العمالقة وشارك معهم بفعالية وقاد جيل الشباب باقتدار ولا يوجد شاعر حظي بالألقاب بقدر ما حظي به .وله بمشرف عام المجالس أبو سفيان علاقة وطيدة وهو الذي أطلق عليه الشاعر الدولي .. . ومشاركته في مسابقة الكسرة لا تضيف له جديدا ولكنه هو الذي يضيف إليها دعما واسما وزخما إعلاميا والأديب الكبير عباس العقاد لم يحصل على شهادة الدكتوراة كمنافسه التقليدي طه حسين وعندما سئل في محفل : لم لم تسع للحصول على الدكتوراة أجاب ومن هو الذي سيناقشني فيها .. ثقة في نفسه أكبر من الشهادات وكنت أريد ثقة ناصر أكبر من الألقاب والمسابقات فقد نال من الألقاب ما يكفي ولابد أن يتنازل لينال غيره بعضا مما نال .. المهم أن هذه الحادثة حالت دون ظهور انطباعاتي عن شاعر قلما يتكرر .
في هذه الأثناء ظهر اسم الشاعر القدير خضر زارع يشق طريقه نحو النجومية المطلقة بسرعة الصاروخ وكانت كسراته تتناقلها الألسن وتتحدث بها الأوساط فبدأت أسجل انطباعاتي عنه وقبيل النشر بأيام فجأة وفي ليلة مافيها قمر كما يقول المثل فوجئنا به يشن هجوما كاسحا وغير مبرر على مشرف عام المجالس الينبعاوية ويهدد ويتوعد بأنه سيجرده من منصبه و .. و ., وعادت الانطباعات إلى إدراجها وكأنما هناك لعنة تطارد هذه السلسلة أو طالع نحس يلازمها.
وعندما بدأت اسجل انطباعاتي عن الشاعر خليل الثقفي كنت أضع يدي على قلبي خوفا من ألا ترى النور وأقول في نفسي هل يعقل أن يحدث ما يقطع الصلة بالرجل الأديب الأريب الحصيف العاقل الذي لا يغضب من أحد ولا يغضب أحدا .. توكلت على الله وطردت وساوس الشيطان .. وإذا بي أفاجأ بمن يطالبني أنا هذه المرة بالتنحي عن المجالس والانقطاع عن الكتابة .. فحمدت الله أنها في ولا في خليل .. وهذه انطباعاتي عنه كآخر ما أكتبه في هذه السلسلة المنـحـو........
أبعد الله عنا وعنكم كل الشرور وملأ أوقاتكم بالخير والسرور
التطور والارتقاء في شعر خليل الثقفي
الأستاذ خليل إبراهيم الثقفي أحد أبرز شعراء الكسرة في العصر الحديث وأحد أساطين الشعر في منتديات المجالس الينبعاوية بدأ حياته في هذه المجالس شاعرا نبطيا يقول في أول مشاركة له مع المجالس
الى موقع الحجاز
انا احب الحجاز وافتخر فيه = ولي الشرف ينقال عني حجازي
كل الجزيرة ارضنا بس مغليه = هذا الحجاز اللي يحبه مـــزاجـــي
وفي قصيدة بعنوان الإرهاب يقول
الشر لابس قميص الديـن وثيابـه =يمشون مابيننا اخذ من الدين جلبابه
يخسون ماهـم علـى الاسـلام=ذولا على الاسلام عاله وكذابه
طفل يريـد المدرسـه ماشـي=وشيخ على عصاه رايح لمحرابه
وعامل الـى مصنعـه يجـري=وطالب يذاكر ماسك كتابـه
ولكنه سرعان ماهجر هذا اللون من الشعر وانخرط في نظم شعر الكسرة حتى أجاده وأصبح ممن يشار إليه فيه بالبنان ويذكر باللسان .
بيد أنه أخذ خطاه في هذا الطريق الشائك بالتدرج المحسوب واثق الخطوة .. ويمكن للمتابع أن يرصد ملامح هذا التدرج في ثلاث مراحل
مرحلة الشعر المباشر
مرحلة الشعر العقلي أو العقلاني
مرحلة النبوغ والتفوق
وسأتعرض لكل مرحلة ـ إن شاء الله ـ بشئ من التفصيل
مرحلة الشعر المباشر
ومن سمات هذه المرحلة في شعر خليل الثقفي أنه كان يذهب إلى المعنى المقصود مباشرة دون مواربة مثل
لا تروح خلك معي جالس = محلا كلامك معي بالهمس
من شوفتك سرت مستأنس = ولعلها ما تغيب الشمس
مع سمة أخرى ( لم تدم طويلا ) وهي إغفاله لرباعية الكسرة في بدايات بعض أشعاره مثل
ليــــه نـظـر و ا تقـــدابــــه = لكن تعــود على الطـــــلات
الــزين مــاأضــن يصخـابــه = لابـــد يأخــذ منـه لمحـــــات
ياهــل ترى تعـد بحســـابـه = الــشــايـب اللي زمـانـه فـات
(ستة أغصان )مع أنها موجهة للرد وقد رد عليها الشاعر القالط
والمثالان السابقان كافيان للدلالة على هذه المرحلة ـ مرحلة المعنى المباشر الذي لا يحبذه المتلقي عادة لأنه يجرده من دوره في اكتشاف جماليات الشعر والشعر المكشوف كالجمال المكشوف الذي يلمع فجأة ثم يخبو دون أن يترك للخيال مجالا لنسج معالمه .. والشاعر العربي عاش وهو لا يرى من المرأة إلا أصبعا أو أقل فيلهب خياله وينسج حوله قصيدة يتطرق فيها إلى أدق التفاصيل .. هي ليست حقيقة ولكنها صورة صنعها خياله المجنح وهذا هو ما يريده متذوق الشعر ـ أن يكون له دور في رسم ملامح الصورة حتى يستمر الانبهار ..
أدرك خليل هذا .. ولم يكن مرتاحا لأشعاره من هذا النوع لأنه رأى فيها أمرا ليس منطقيا من التناقض بين شخصيته الحقيقية كأب ومرب وبين هاجس الشعر الذي يضطرم في داخله ويدفعه إلى التعبير عن أحاسيسه وكان أول تمرد له عليه اضطراره أحيانا إلى التعليق على بعض كسراته بما ينفي عنها نسبة هذه المشاعر إليه .. ففي الكسرة السابقة ( السداسية ) يقول :
(أقصد للتسلية والرد والمشاركة لمن يرغب فقط !! كيف جت ؟ الظاهر غلطة وسامحوني)
وفي إحدى الكسرات يقول للمشرف العام أبو سفيان : الله يسامحك ياابوسفيان لوكان تركتني على خليل ( يقصد تغيير الاسم ) ما كان احسن لي هيا خذوا هذه وسامحوني
مغرور يعجبني غروره=حتى كلامه معي بالهمـس
والصمت لو طال بحضوره=حلو المعاني تجي باللمـس
وعلق على كسرة بعنوان ( للتسلية )
ياراعي الفكر منـك الان = ابغى استمع كامل الخطه
لي خل يلعب وفالميـدان = كل يوم تحصل منه غلطه
بقوله : الاخوة الشعراء والله ابغى انشطكم فقط وانشط المجلس والا انا تجاوزت هذا السن فلدي اولاد واحفاد ياحافظ يعني تروني جد.. والحمدلله
هذا التمرد والرفض جاء كردة فعل للمباشرة في المعنى الذي كثيرا ما كان يضطره لسرد مثل هذه الاعتذارات المتتالية ثم أدرك بعدها أن هذا اللون لا يناسبه فودعه إلى غير رجعة وبدأت مرحلة ثانية
مرحلة الشعر العقلاني
يبدو أن الشاعر خليل من خلال هذه المراحل كان يبحث عن ذاته فمعالجاته السابقه لم تكن تتناسب مع سنه ومركزه أو هكذا رآها هو ولا بد له من أن يقدم نفسه بأسلوب جديد لا يضطر معه إلى توضيحات متتالية فوجه شعره إلى مخاطبة العقل
إلى اعضاء المجلس
اشـــوف مابـيـنـكـم هــوشــه = عسـي تـعـدي ومنـهـا نــروق
مــاودنـــا تـكــثــر الـــدوشـــه = وتبقى المجالس لاهل الذوق
ماذا يحدث ؟
ليه الأسى والفراق يعم=والبعض ينبش ملفاته
نبغى عوايد رجال تلم=ومن زل تغفر لزلاتـه
فأنّ العرق دساس
لاجيت تاخذ عليك بخـال=يشرّف إذا طلعو له عيالك
وانصحك لاتقرب الأنذال=لو كـان زينـه تهيالـك
اللاش ما ينفعـك بريـال=يخذلـك ويكبـك لحالـك
عليك بّنتن اهلها رجـال=لاجيتهم ينطحـك فالـك
الـــعـــــــــــــروبــــــة
فـي بحـر موجـه يلاطمنـا = تـاهـت سفـنـا بــلا بـحـار
يـــا الله فـزعـتـك تنـقـذنـا = اسـم العروبـة علينـا عـار
بــــوش اصــبــح يـقـتـلـنـا = وشارون يطلق علينا النار
حـكـامـنـا ويـنـهــم عــنــا = ياليـتـهـم يعـلـنـون الـثــار
والمـوت لـو منـهـم ومـنـا = نرضـاه بـس الكـبـار كـبـار
وكثير من مثل هذه الكسرات التي هي في واقعها قصائد مخلصة وتجارب مثمرة ولكنها كادت أن تقضي على الشاعر في داخل خليل .. فمخاطبة العقل ليست مهمة الشعراء بل مهمة المفكرين والمصلحين أما الشعر فإنه معني بتأجيج العواطف وإضرام الأحاسيس ورصد حرارة الأفئدة والتهاب المشاعر ولذلك قيل
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه = فليس حريا أن يقال له شعر
والأديب الكبير عباس محمود العقاد بدأ حياته شاعرا يعتمد العقل والصنعه وله ديوان شعر لم يلاق رواجا وعندما هجر ذلك واتجه إلى النثر أهدى المكتبة العربية أكثر من سبعين كتابا من أمهات الكتب ولا أحد اليوم يعرف أن العقاد كان شاعرا أو يحفظ له بيتا واحدا ليس لعدم إجادته ولكن بسبب التوجه العقلاني الذي انتهجه .
والحمد لله أن شاعرنا القدير خليل الثقفي لم يتوقف عند هذه المرحلة طويلا إذ سرعان ما قفز بنفسه حيث النبوغ إلى مرحلة سيكون لها ما بعدها من التجدد والإبداع ومتابعة الدهشة والاستمتاع
مرحلة النبوغ والتفوق
هو الآن يستخدم لغة راقية ومعاني مبتكرة قليل هم الذين يجيدونها من شعراء الكسرة .. ولا غرو في ذلك فقد جاءت بعد تجارب وممارسات وخبرة طويلة ورغبة في التطور والارتقاء
إنه يذكرك بمحمد يوسف أبو كرسوم في صياغة عباراته وإشراقة ألفاظه وبحثه عن المفردة الجميلة واللغة الراقية .. ويذكرك بطه بخيت في توظيفه للعبارات وتوليده الكلمات من الكلمات وفي إضفاء المسحة الرومانسية على كامل الكسرة ومحافظته على الوحدة الموضوعية واستخدامه الضمائر بحرفنة ويذكرك بأحمد عطا قاضي في اتقان المشتكى وقوة المبنى وإخفاء المعنى والابتعاد عن الحشو .. هو مجموعة شعراء في شاعر وإن كنت أرى تأثره بطه واضحا ففي بعض المحاورات الأخيرة لا يستطيع أحد أن يفرق بينهما لو أخفيت عنه الأسماء تابعوا هذه المحاورة
طه
موجز خبر لاتعـده هـام=الهـام بعـده ويشقينـي
في ليل عيّت عيوني تنـام=والصبح كل ماغفت عيني
اشوف كم تصدق الأحـلام=ظامي والأسباب تسقينـي
مكتوب فوق القزازه سـام=أفـزّ وسمومهـا فيـنـي
خليل
ليل الهوى كم حضنّ منظام=وحـالات فيهـا تبكيّنـي
وبين الرجاء والهدف قدام=احلام ضاعت بها سنينـي
والكـل فيهـا اخذلـه زام=وتبقـى قزايـزه تغرينـي
ومهما شربنا وسمّه حـام=لحسة عسل منه تشفينـي
أما تتبع آثار الجما ل ومواطن الإبداع في هذه المرحلة من شعر خليل فإنها ستقودك إلى عوالم من الدهشة والانبهار واقرؤوا إن شئتم
قرّب ،،،حتى تتأكد
قرّب اسمع حنين القلب=وحسّ الدفا وانت باحضانه
ان كان ماهي مشاعر حب=ما اجبرك ،، خلّه بنيرانه
أو
شبيّه الليل
ياليل الاحزان خذني ليل=مادام قسمي من اقسومك
حالك وغامض وكلي ويل=من نجم عالي مع نجومك
أو
شخمطة على جدار
عذب المشارب يجي صافي=قطر الهوى من عروقه ذوق
ينساب من حضنه الدافـي=ياخذ ويعطي غرام وشـوق
يحيـي إذا جـاد ميلافـي=طلعه زهر منبته فـي روق
واتعانقـه كـل اطيـافـي=لحّظة عبيـره تعـلاّ فـوق
أو
شخمطة على نفس الجدار !!
استجمعه شوق واضمّـه=وابني غرامي على رؤياه
وانثربقـايـاه والـمّـه=في ليل حاير معي مسراه
كل ما ابتعد شدني يمّـه=ولمّا اقترب خوفتني آآه
عجيب حلو الهوى وسمّه=في اثنينها قلت يـا اااالله
أو
مجنون ليلى
رجٍعتلي نزّف من ماضي=حاضره قسوه وليله حلّم
لمّا الهوى كان برياضي=نبته غلا والمشارب ثلّم
نفسي اقابلك بإعراضي=وتذوق مرّ الجفا والظلّم
لكن معي قلب متغاضي=مجنون ليلى يحب السلّم
هل آتي على كل النماذج ؟ هل أشرح كل الكسرات ؟ لا .. لا أستطيع إنه جمال والجمال لا يوصف وإنما يحس
إنه إبداع والإبداع لا تعبر عنه الألسن وإنما يترك الانطباع في النفوس
الشعر مشاعر وأحاسيس ونفثات قلب حرى لا يستطيع أن يحركها ويصوغها ويتلاعب بها إلا الشاعر والشاعر الآن هو خليل الثقفي الذي انطلق من عقال الشعر التقليدي فحطم كل الأسوار المكبلة لحريته وغرد الشادي حرا طليقا يتكلم في الحب والعشق والهيام والغرام دونما خوف من أحد أو تقديم اعتذار لأحد .
وهذا النبوغ وهذه العبقرية ستقودان شاعرنا بلا شك إلى آفاق لن نستطيع التنبؤ بما يفعله فيها من تطور وارتقاء فالإبداع لا يتوقف ونابغة الكسرة تحددت ساعة ميلاده
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام عل سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه اجمعين
كنت قد عقدت العزم على أن اسجل انطباعاتي عن شعراء المجالس الينبعاوية في حلقات متتالية حسبما يعن لي من وقت وقد بدأتها بموضوع ( زهير الكسرة الينبعاوية ـ محمد حامد السيد ) ثم بدأت أجمع إنتاج الشاعر الكبير ناصر الحجوري وهو شاعر قدير وأنيق وذو كلمة مجنحة تربطني به صداقة متجذرة وصلة رحم وأنا الذي ألححت عليه بالانضمام للمجالس الينبعاوية فهو مكسب لأي منتدى ينضم إليه .. وفي اليوم الذي أوشكت أن أعرض فيه انطباعاتي عنه نشأت مشكلة كنت أظنها عابرة على خلفية مسابقة الكسرة التي تبناها منتدى المجالس الينبعاوية هاجم فيها المسابقة ومنظميها والفائزين فيها وقاد حملة تشكيك حول صحة بعض الأسماء .. وكان استغرابي كبيرا فشاعر مثل ناصر غني عن التعريف وهو أحد أعلام الكسرة عاصر جيل العمالقة وشارك معهم بفعالية وقاد جيل الشباب باقتدار ولا يوجد شاعر حظي بالألقاب بقدر ما حظي به .وله بمشرف عام المجالس أبو سفيان علاقة وطيدة وهو الذي أطلق عليه الشاعر الدولي .. . ومشاركته في مسابقة الكسرة لا تضيف له جديدا ولكنه هو الذي يضيف إليها دعما واسما وزخما إعلاميا والأديب الكبير عباس العقاد لم يحصل على شهادة الدكتوراة كمنافسه التقليدي طه حسين وعندما سئل في محفل : لم لم تسع للحصول على الدكتوراة أجاب ومن هو الذي سيناقشني فيها .. ثقة في نفسه أكبر من الشهادات وكنت أريد ثقة ناصر أكبر من الألقاب والمسابقات فقد نال من الألقاب ما يكفي ولابد أن يتنازل لينال غيره بعضا مما نال .. المهم أن هذه الحادثة حالت دون ظهور انطباعاتي عن شاعر قلما يتكرر .
في هذه الأثناء ظهر اسم الشاعر القدير خضر زارع يشق طريقه نحو النجومية المطلقة بسرعة الصاروخ وكانت كسراته تتناقلها الألسن وتتحدث بها الأوساط فبدأت أسجل انطباعاتي عنه وقبيل النشر بأيام فجأة وفي ليلة مافيها قمر كما يقول المثل فوجئنا به يشن هجوما كاسحا وغير مبرر على مشرف عام المجالس الينبعاوية ويهدد ويتوعد بأنه سيجرده من منصبه و .. و ., وعادت الانطباعات إلى إدراجها وكأنما هناك لعنة تطارد هذه السلسلة أو طالع نحس يلازمها.
وعندما بدأت اسجل انطباعاتي عن الشاعر خليل الثقفي كنت أضع يدي على قلبي خوفا من ألا ترى النور وأقول في نفسي هل يعقل أن يحدث ما يقطع الصلة بالرجل الأديب الأريب الحصيف العاقل الذي لا يغضب من أحد ولا يغضب أحدا .. توكلت على الله وطردت وساوس الشيطان .. وإذا بي أفاجأ بمن يطالبني أنا هذه المرة بالتنحي عن المجالس والانقطاع عن الكتابة .. فحمدت الله أنها في ولا في خليل .. وهذه انطباعاتي عنه كآخر ما أكتبه في هذه السلسلة المنـحـو........
أبعد الله عنا وعنكم كل الشرور وملأ أوقاتكم بالخير والسرور
التطور والارتقاء في شعر خليل الثقفي
الأستاذ خليل إبراهيم الثقفي أحد أبرز شعراء الكسرة في العصر الحديث وأحد أساطين الشعر في منتديات المجالس الينبعاوية بدأ حياته في هذه المجالس شاعرا نبطيا يقول في أول مشاركة له مع المجالس
الى موقع الحجاز
انا احب الحجاز وافتخر فيه = ولي الشرف ينقال عني حجازي
كل الجزيرة ارضنا بس مغليه = هذا الحجاز اللي يحبه مـــزاجـــي
وفي قصيدة بعنوان الإرهاب يقول
الشر لابس قميص الديـن وثيابـه =يمشون مابيننا اخذ من الدين جلبابه
يخسون ماهـم علـى الاسـلام=ذولا على الاسلام عاله وكذابه
طفل يريـد المدرسـه ماشـي=وشيخ على عصاه رايح لمحرابه
وعامل الـى مصنعـه يجـري=وطالب يذاكر ماسك كتابـه
ولكنه سرعان ماهجر هذا اللون من الشعر وانخرط في نظم شعر الكسرة حتى أجاده وأصبح ممن يشار إليه فيه بالبنان ويذكر باللسان .
بيد أنه أخذ خطاه في هذا الطريق الشائك بالتدرج المحسوب واثق الخطوة .. ويمكن للمتابع أن يرصد ملامح هذا التدرج في ثلاث مراحل
مرحلة الشعر المباشر
مرحلة الشعر العقلي أو العقلاني
مرحلة النبوغ والتفوق
وسأتعرض لكل مرحلة ـ إن شاء الله ـ بشئ من التفصيل
مرحلة الشعر المباشر
ومن سمات هذه المرحلة في شعر خليل الثقفي أنه كان يذهب إلى المعنى المقصود مباشرة دون مواربة مثل
لا تروح خلك معي جالس = محلا كلامك معي بالهمس
من شوفتك سرت مستأنس = ولعلها ما تغيب الشمس
مع سمة أخرى ( لم تدم طويلا ) وهي إغفاله لرباعية الكسرة في بدايات بعض أشعاره مثل
ليــــه نـظـر و ا تقـــدابــــه = لكن تعــود على الطـــــلات
الــزين مــاأضــن يصخـابــه = لابـــد يأخــذ منـه لمحـــــات
ياهــل ترى تعـد بحســـابـه = الــشــايـب اللي زمـانـه فـات
(ستة أغصان )مع أنها موجهة للرد وقد رد عليها الشاعر القالط
والمثالان السابقان كافيان للدلالة على هذه المرحلة ـ مرحلة المعنى المباشر الذي لا يحبذه المتلقي عادة لأنه يجرده من دوره في اكتشاف جماليات الشعر والشعر المكشوف كالجمال المكشوف الذي يلمع فجأة ثم يخبو دون أن يترك للخيال مجالا لنسج معالمه .. والشاعر العربي عاش وهو لا يرى من المرأة إلا أصبعا أو أقل فيلهب خياله وينسج حوله قصيدة يتطرق فيها إلى أدق التفاصيل .. هي ليست حقيقة ولكنها صورة صنعها خياله المجنح وهذا هو ما يريده متذوق الشعر ـ أن يكون له دور في رسم ملامح الصورة حتى يستمر الانبهار ..
أدرك خليل هذا .. ولم يكن مرتاحا لأشعاره من هذا النوع لأنه رأى فيها أمرا ليس منطقيا من التناقض بين شخصيته الحقيقية كأب ومرب وبين هاجس الشعر الذي يضطرم في داخله ويدفعه إلى التعبير عن أحاسيسه وكان أول تمرد له عليه اضطراره أحيانا إلى التعليق على بعض كسراته بما ينفي عنها نسبة هذه المشاعر إليه .. ففي الكسرة السابقة ( السداسية ) يقول :
(أقصد للتسلية والرد والمشاركة لمن يرغب فقط !! كيف جت ؟ الظاهر غلطة وسامحوني)
وفي إحدى الكسرات يقول للمشرف العام أبو سفيان : الله يسامحك ياابوسفيان لوكان تركتني على خليل ( يقصد تغيير الاسم ) ما كان احسن لي هيا خذوا هذه وسامحوني
مغرور يعجبني غروره=حتى كلامه معي بالهمـس
والصمت لو طال بحضوره=حلو المعاني تجي باللمـس
وعلق على كسرة بعنوان ( للتسلية )
ياراعي الفكر منـك الان = ابغى استمع كامل الخطه
لي خل يلعب وفالميـدان = كل يوم تحصل منه غلطه
بقوله : الاخوة الشعراء والله ابغى انشطكم فقط وانشط المجلس والا انا تجاوزت هذا السن فلدي اولاد واحفاد ياحافظ يعني تروني جد.. والحمدلله
هذا التمرد والرفض جاء كردة فعل للمباشرة في المعنى الذي كثيرا ما كان يضطره لسرد مثل هذه الاعتذارات المتتالية ثم أدرك بعدها أن هذا اللون لا يناسبه فودعه إلى غير رجعة وبدأت مرحلة ثانية
مرحلة الشعر العقلاني
يبدو أن الشاعر خليل من خلال هذه المراحل كان يبحث عن ذاته فمعالجاته السابقه لم تكن تتناسب مع سنه ومركزه أو هكذا رآها هو ولا بد له من أن يقدم نفسه بأسلوب جديد لا يضطر معه إلى توضيحات متتالية فوجه شعره إلى مخاطبة العقل
إلى اعضاء المجلس
اشـــوف مابـيـنـكـم هــوشــه = عسـي تـعـدي ومنـهـا نــروق
مــاودنـــا تـكــثــر الـــدوشـــه = وتبقى المجالس لاهل الذوق
ماذا يحدث ؟
ليه الأسى والفراق يعم=والبعض ينبش ملفاته
نبغى عوايد رجال تلم=ومن زل تغفر لزلاتـه
فأنّ العرق دساس
لاجيت تاخذ عليك بخـال=يشرّف إذا طلعو له عيالك
وانصحك لاتقرب الأنذال=لو كـان زينـه تهيالـك
اللاش ما ينفعـك بريـال=يخذلـك ويكبـك لحالـك
عليك بّنتن اهلها رجـال=لاجيتهم ينطحـك فالـك
الـــعـــــــــــــروبــــــة
فـي بحـر موجـه يلاطمنـا = تـاهـت سفـنـا بــلا بـحـار
يـــا الله فـزعـتـك تنـقـذنـا = اسـم العروبـة علينـا عـار
بــــوش اصــبــح يـقـتـلـنـا = وشارون يطلق علينا النار
حـكـامـنـا ويـنـهــم عــنــا = ياليـتـهـم يعـلـنـون الـثــار
والمـوت لـو منـهـم ومـنـا = نرضـاه بـس الكـبـار كـبـار
وكثير من مثل هذه الكسرات التي هي في واقعها قصائد مخلصة وتجارب مثمرة ولكنها كادت أن تقضي على الشاعر في داخل خليل .. فمخاطبة العقل ليست مهمة الشعراء بل مهمة المفكرين والمصلحين أما الشعر فإنه معني بتأجيج العواطف وإضرام الأحاسيس ورصد حرارة الأفئدة والتهاب المشاعر ولذلك قيل
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه = فليس حريا أن يقال له شعر
والأديب الكبير عباس محمود العقاد بدأ حياته شاعرا يعتمد العقل والصنعه وله ديوان شعر لم يلاق رواجا وعندما هجر ذلك واتجه إلى النثر أهدى المكتبة العربية أكثر من سبعين كتابا من أمهات الكتب ولا أحد اليوم يعرف أن العقاد كان شاعرا أو يحفظ له بيتا واحدا ليس لعدم إجادته ولكن بسبب التوجه العقلاني الذي انتهجه .
والحمد لله أن شاعرنا القدير خليل الثقفي لم يتوقف عند هذه المرحلة طويلا إذ سرعان ما قفز بنفسه حيث النبوغ إلى مرحلة سيكون لها ما بعدها من التجدد والإبداع ومتابعة الدهشة والاستمتاع
مرحلة النبوغ والتفوق
هو الآن يستخدم لغة راقية ومعاني مبتكرة قليل هم الذين يجيدونها من شعراء الكسرة .. ولا غرو في ذلك فقد جاءت بعد تجارب وممارسات وخبرة طويلة ورغبة في التطور والارتقاء
إنه يذكرك بمحمد يوسف أبو كرسوم في صياغة عباراته وإشراقة ألفاظه وبحثه عن المفردة الجميلة واللغة الراقية .. ويذكرك بطه بخيت في توظيفه للعبارات وتوليده الكلمات من الكلمات وفي إضفاء المسحة الرومانسية على كامل الكسرة ومحافظته على الوحدة الموضوعية واستخدامه الضمائر بحرفنة ويذكرك بأحمد عطا قاضي في اتقان المشتكى وقوة المبنى وإخفاء المعنى والابتعاد عن الحشو .. هو مجموعة شعراء في شاعر وإن كنت أرى تأثره بطه واضحا ففي بعض المحاورات الأخيرة لا يستطيع أحد أن يفرق بينهما لو أخفيت عنه الأسماء تابعوا هذه المحاورة
طه
موجز خبر لاتعـده هـام=الهـام بعـده ويشقينـي
في ليل عيّت عيوني تنـام=والصبح كل ماغفت عيني
اشوف كم تصدق الأحـلام=ظامي والأسباب تسقينـي
مكتوب فوق القزازه سـام=أفـزّ وسمومهـا فيـنـي
خليل
ليل الهوى كم حضنّ منظام=وحـالات فيهـا تبكيّنـي
وبين الرجاء والهدف قدام=احلام ضاعت بها سنينـي
والكـل فيهـا اخذلـه زام=وتبقـى قزايـزه تغرينـي
ومهما شربنا وسمّه حـام=لحسة عسل منه تشفينـي
أما تتبع آثار الجما ل ومواطن الإبداع في هذه المرحلة من شعر خليل فإنها ستقودك إلى عوالم من الدهشة والانبهار واقرؤوا إن شئتم
قرّب ،،،حتى تتأكد
قرّب اسمع حنين القلب=وحسّ الدفا وانت باحضانه
ان كان ماهي مشاعر حب=ما اجبرك ،، خلّه بنيرانه
أو
شبيّه الليل
ياليل الاحزان خذني ليل=مادام قسمي من اقسومك
حالك وغامض وكلي ويل=من نجم عالي مع نجومك
أو
شخمطة على جدار
عذب المشارب يجي صافي=قطر الهوى من عروقه ذوق
ينساب من حضنه الدافـي=ياخذ ويعطي غرام وشـوق
يحيـي إذا جـاد ميلافـي=طلعه زهر منبته فـي روق
واتعانقـه كـل اطيـافـي=لحّظة عبيـره تعـلاّ فـوق
أو
شخمطة على نفس الجدار !!
استجمعه شوق واضمّـه=وابني غرامي على رؤياه
وانثربقـايـاه والـمّـه=في ليل حاير معي مسراه
كل ما ابتعد شدني يمّـه=ولمّا اقترب خوفتني آآه
عجيب حلو الهوى وسمّه=في اثنينها قلت يـا اااالله
أو
مجنون ليلى
رجٍعتلي نزّف من ماضي=حاضره قسوه وليله حلّم
لمّا الهوى كان برياضي=نبته غلا والمشارب ثلّم
نفسي اقابلك بإعراضي=وتذوق مرّ الجفا والظلّم
لكن معي قلب متغاضي=مجنون ليلى يحب السلّم
هل آتي على كل النماذج ؟ هل أشرح كل الكسرات ؟ لا .. لا أستطيع إنه جمال والجمال لا يوصف وإنما يحس
إنه إبداع والإبداع لا تعبر عنه الألسن وإنما يترك الانطباع في النفوس
الشعر مشاعر وأحاسيس ونفثات قلب حرى لا يستطيع أن يحركها ويصوغها ويتلاعب بها إلا الشاعر والشاعر الآن هو خليل الثقفي الذي انطلق من عقال الشعر التقليدي فحطم كل الأسوار المكبلة لحريته وغرد الشادي حرا طليقا يتكلم في الحب والعشق والهيام والغرام دونما خوف من أحد أو تقديم اعتذار لأحد .
وهذا النبوغ وهذه العبقرية ستقودان شاعرنا بلا شك إلى آفاق لن نستطيع التنبؤ بما يفعله فيها من تطور وارتقاء فالإبداع لا يتوقف ونابغة الكسرة تحددت ساعة ميلاده