المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابلع لسانك وعطّل عقلك



المعلم
07-08-2007, 09:32 AM
ما دامت تربيتنا الأسرية تمارس الوصاية على عقولنا وتجبرنا على الانصياع لأوامر من هم أكبر سنا دون إقناع أو مناقشة أو حوار وترى بأن من الفضيلة أن تبلع لسانك وتعطّل عقلك وأن تفعل ما تؤمر به دون تساؤل وأن تلغي إرادتك الشخصية في سبيل الانصياع لإرادة المحيطين بك حتى تحظى بقبولهم ورضاهم... فهل بعد هكذا تربية ننتظر من أولادنا وبناتنا ثقة عالية بالنفس وقدرة على التسامح ورغبة في الحوار وميلا للتفكير ومخزونا لغويا كافيا للتعبير عن أفكارهم واستطاعة على اتخاذ القرارات السليمة؟
وما دام نظام تعليمنا يسخر من عقولنا ويعطلها ولا يسمح باستخدامها ويعاقب كل من يتجرأ على إعمالها ويقدم معلومات جاهزة لنا ويطالبنا بحفظها كما هي دون مناقشة ويعد أية محاولة للتساؤل حول ما يرد في ثنايا المناهج من معلومات هي من باب الجرأة والتطاول على مؤلفيها المنزهين من النقص... فهل بعد هكذا تربية ننتظر من أولادنا وبناتنا ثقة عالية بالنفس وقدرة على التفكير والتسامح ورغبة في الحوار.
الموضوع أعلاه طرحته للحوار والنقاش عبر الانترنت فجاءت الردود على النحو التالي: تقول القارئة (مريم): يبدو أن الوصاية على الآخرين ذات شجون في مجتمعنا... بداية من الوصاية على العقول ونهاية بالوصاية على ما نقول.العقول لا يمكن أن تُبدع وهي مسجونة في أُطر محددة مسبقاً... فتح الآفاق وإيماننا وتقبلنا لأفكار غيرنا يجعل ذلك الغير قادراًً على تقبل أفكارنا... لا يمكن أن نقول بأن (1+1=2) هي الطريقة الوحيدة للوصول لقيمة العدد (2) وإن كانت من أبسط الطرق وأقلها تعقيداً...ولكن يبدو أن مسألة اختلاف الرأي تُفسد للود قضية في مجتمعنا... أنا أختلف معك إذا انا لا أتقبلك ولا يمكن لي أن أتقبلك إلا في حالة واحدة وهي أن تؤمن إيماناً تاماً بأن ما أقوله لك هو الحقيقة المطلقة.
ويقول القارئ (مساعد): إن تلك مشكلة كبيرة أعجبني جداً تقييدك للانصياع للكبار بقيد دون تبرير، فللأسف هناك (المستقطعون) من الأحاديث و(والمؤولون) للكلام من يأخذ ما يوافق هواه. تلك مشكلة تعطيل العقول التي نشاهدها ونحسها في المواقف حتى في مقابلة الجمهور عبر التلفاز نعم إن من الفضيلة الاحترام والتقدير للأكبر سناً ولكن ليس أن نكمم الأفواه ونلغي الحوار وننشئ جيلاً يدار بالريموت كنترول. هذا هو تعليمنا للأسف، لك أن تتخيل أن في مدرستنا 25 جهاز حاسوب أتت ضمن مشروع الملك عبدالله لتعليم الحاسب وبقيت مغبرة منذ سنتين لأنها دخلت المدارس كمشروع وليس كتنفيذ وقد تكون قيمة الجهاز عشرة آلاف ريال ومع ذلك انتهى المشروع دون تنفيذ فأين تنمية العقول هنا وتدريبها وتعليمها؟ وأين تنمية العقول ودعوتها للتفكر والحوار والابتكار وأنت كمعلم يأتيك تعاميم صارمة تقول هذا منهج وعليك إنجازه في 16 اسبوعاً، بل حتى الطرق الإبداعية للمعلم قد تحد وتقيد.إذا نحن بحاجة للميدان أن يقرر، وبحاجة لأصحاب العقول بأن تدير العقول بارك الله فيك. ويقول القارئ (عادل): أتعلم بأن هذا الموضوع يؤلمني كثيراً وهذا لم يأت من فراغ بل من تلك الكلمات التي مازلت اتذكرها كـ (لسانك يبي له قص)... أو (اسكت.. مع اتساع العينين لمن يأمرني بذلك) وأنا لم أخطئ بشيء!!.. وأذكر ان هؤلاء المعلمين بالمدارس أو ممن هم اكبر مني سناً حين يأمروني بالصمت أو بأن اجلس صامتاً مع أني أحياناً اكون مصححاً لأخطائهم! لا يزيدني ذلك الا نفوراً من الاستماع اليهم أو حتى المشاركه في احاديثهم!! وهم أيضاً يبادلونني الشعور ذاته!!! وكي لا أغوص في تلك «المجاهدة» التي عشتها معهم احب أن انقل لكم هذه الرؤية عن أشـخاص يعيشون في هذا الزمن أحدهم كالأصم والآخر كالأبكم حين يكون الحوار بيننا.... فمثلاً؛ حين اتكلم عن أي موضوع!!! فهم ليسوا على استعداد للحوار؛ وكأنهم يعيشون في عالم آخر مليء «بالذهول» فلا يكون بوسعهم سوى تلك الكلمات التي تصيبني بالصمت والاحباط فيحرفون الموضوع مثلاً الى «الرياضة»؛وقد يكون هذا لأنهم ليسوا مثلي. بل كانوا يلتزمون الصمت من آثار «الكدمات» عفواً أقصد الكلمات التي كانوا يستقبلونها من المتسلطين كالمعلمين أو الآباء أو من هم اكبر منهم سناً... وأخيراً فحكم المباراة دائماً (صامت), لهذا نجدهم لم يبلعوا السنتهم ولم تعطل عقولهم في هذا المجال لأنهم في حالة كون المسؤول هنا هو الصامت. وتقول القارئة (أسماء): في كل بيت من بيوتنا هناك أمم متحدة ويا له من اتحاد.. اتحاد واتفاق لقتل الإبداع والتفكير والحوار والمشاركة الوجدانية والروحية والفكرية فمنذ زمن بعيد جدا أُوقف «باب الاجتهاد» ومنذ زمن أبعد ونحن نربي ونتربى «كيفما اتفق».
كل شخص بهذه الأمم المتحدة كان مظلوما ومضطهدا يوما ما وحين سنحت له الفرصة أراد أن يكون قائدا وفارسا هماما فلماذا لا يُمارس السلطنة (في زمن ضاعت فيه السلطنة ولا ندري أين السلطان) على كل من تطاله يده ولماذا يحرم نفسه من نشوة ولذة الانتصار وهو يصرخ بمن هو أمامه ليصمت خائفا منه أو محبطا بسببه.
وبما أن تعلم التربية عندنا «بالممارسة والخطأ» لماذا لا تستمر دوامة العنف اللفظي ومصادرة الحقوق للأبد ولماذا لا تتطور لتصل للعنف الجسدي.
تصور أن بعض أبطال مُصادرة الألسن وربما الحناجر معها هم أصحاب الشهادات العليا. ثم تصور أننا ندرس الأجرام والفلك والتربة والكيمياء والجبال والأودية والجبر ولا ندرس كيف نربي أبناءنا مع أننا نملك أكبر مخزون تربوي من السنة النبوية.. ربما لأننا لا نحتاج لذلك فالأمر ليس من الأهمية التي ترقى لتكبد عناء صياغة مناهج للتربية وإعداد معلمين لذلك. نعم ربما هذا هو السبب.
وتعقيبا على مداخلات القراء الكرام قلت: كنت في الولايات المتحدة الأمريكية وتعجبت من منظر تلك الأم التي تتسوق وتحمل طفلها الذي لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات فإذا بها تستشيره في شراء بعض الاحتياجات فيقول لا حينا، فتسأله لماذا لا؟ ويقول نعم أحيانا فتسأله لماذا نعم؟ لا يكفي أن يكون الحوار ذا اتجاه واحد بل لابد ان يكون ذا اتجاهين ولابد من التسبيب للمواقف والقناعات لا أن نمليها على أطفالنا إملاء... من هنا أدركت أننا ننجب أطفالنا وليس لدينا الاستعداد للصبر على أسئلتهم الكثيرة ونجابهها بالضيق والضجر والكفوف والنهر والسب والشتم فتنطفئ جذوة التساؤل عندهم والرغبة في الحوار بسبب اللجم من طرفنا والخوف من طرف اولادنا وبناتنا والنتيجة جموع من الناس المستقبلين لكل ما يقال لهم فلا تمحيص ولا محاكمة ولا نقد للافكار التي تصب على مسامعهم وفي النهاية يستطيع اي انسان ان يستقطبهم ويؤثر فيهم بسهولة كما تفعل الجماعات الارهابية اليوم لانها تستغل هشاشتهم الفكرية وبحثهم عن الاحترام والعاطفة والمكانة والتقدير فتقدمها لهم على طبق من ذهب وحينما يقتلون انفسهم ننسى فشلنا التربوي ونلوم الضحية أو من استغل الضحية.

عكاظ